إضاءة على –

العمالة العربية في فلسطين الانتدابية

إضاءة على –
العمالة العربية في فلسطين الانتدابية
نشوء الطبقة العاملة

عرض جدول الأحداث

العمالة العربية في فلسطين الانتدابية

تغليف السجائر في شركة السجاير والتبغ العربية.

حوالي 1940
Source: 
G. ERIC AND EDITH MATSON PHOTOGRAPH COLLECTION

ارتبط نشوء الطبقة العاملة العربية وتطورها ارتباطاً وثيقاً بجملة التحوّلات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها فلسطين بعد قيام بريطانيا باستعمارها وفرض انتدابها عليها.

ففي المرحلة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى ، لم يكن ممكناً الحديث عن وجود طبقة عاملة في فلسطين ذات كيانية وخصائص اجتماعية متميّزة، إذ كان يعمل في الريف آنذاك بضع مئات من العمال الزراعيين يقوم معظمهم بالأعمال الموسمية، كجني محصول الزيتون والشعير، ويعمل في المدن بضع مئات من الحرفيين في مشاغل حرفية، كالمعاصر والمصابن ومشاغل الفخار، أو في منازلهم لصالح التجار الذين كانوا يمدونهم بالمواد الأولية، فضلاً عن بضع عشرات من عمال المنشآت الصناعية الصغيرة.

في مطلع عشرينيات القرن العشرين، بدأت تتبلور في رحم المجتمع المديني الفلسطيني النواة الأولى لطبقة عاملة، وقد تشكّلت في الأساس من بين صفوف الفلاحين المعدَمين المقتلَعين من أراضيهم، والذين أُجبروا على الهجرة إلى المدينة بحثاً عن العمل المأجور، وبدرجة أقل من بين صفوف الحرفيين المعدَمين الذين فقدوا أعمالهم جراء التفكك الذي أصاب الإنتاج الحرفي والعائلي مع تزايد ارتباط فلسطين بالسوق الرأسمالية العالمية وعجز الحرف المحلية عن منافسة منتجات الصناعات الأوروبية الحديثة التي صارت تغزو السوق الفلسطينية.

قُدّر عدد العمال العرب المأجورين في سنة 1926 بـ55,000 عامل، كان نحو 70% منهم يعملون في قطاعي الزراعة والبناء، وغالباً ما يقومون بالأعمال الموسمية، بينما لم يتجاوز عدد العاملين في المنشآت الصناعية الصغيرة أكثر من 3,000 عامل، يعملون بوجه خاص في صناعة المأكولات والتبغ والصابون والجلود والأحذية والمنسوجات والنجارة، كما كان يعمل في مصلحة السكك الحديدية قرابة 2,000 عامل. ويتبيّن من إحدى الإحصائيات التي نُشرت في سنة 1928 أن 31,4% من المنشآت الحرفية والصناعية لم تكن تدفع أجوراً لعمالها، إذ كان يقوم بالعمل فيها أرباب العمل وأقاربهم، وأن 26,6% من هذه المنشآت كانت تدفع أجرة عاملين أو ثلاثة، وأن 13,3% منها كانت تدفع أجرة أربعة أو خمسة عمال. وبخصوص مستوى تمركز العمال، يظهر من الإحصائية نفسها أن 3% من هذه المنشآت كانت تستخدم ما يزيد عن عشرة عمال.

تطور توزع العمال المأجورين في فلسطين بحسب المهنة بين 1919 و1926

المهنة 1919 1923 1926
عرب يهود عرب يهود عرب يهود
عمال زراعيون 15,000 2,500 20,000 4,000 25,000 5,000
عمال سكك الحديد 2,000 100 2,000 500 2,000 400
عمال الأشغال العامة 4,000 400 6,000 4,000 7,000 1,000
عمال المشاغل الصغيرة 1,000 500 2,500 1,000 3,000 3,000
عمال الفبارك الصناعية 200 300 500 2,000 1,000 2,000
عمال البناء 2,800 200 14,000 3,500 17,000 13,600
 
المجموع 25,000 4,000 45,000 15,000 55,000 25,000

 

ويمكن بالاستناد إلى هذه الأرقام والنسب تحديد أبرز خصائص الطبقة العاملة العربية في فلسطين، والتي انعكست على أشكال تنظيمها وعلى ممارساتها، وهي: ضآلة الحجم بالنسبة إلى مجموع السكان؛ تدني مستوى التمركز؛ استمرار الارتباط بالريف؛ غلبة النشاط الموسمي، بما يعنيه من تقطع لسيرورة العمالة، بسبب غلبة العمل المأجور في قطاعات الإنتاج غير الثابتة كالزراعة والبناء.

شهد مطلع عقد الثلاثينيات تسارعاً ملحوظاً في عمليات نزوح الفلاحين المعدمين من قراهم إلى المدن، وذلك  إثر تزايد الهجرة اليهودية بنسب كبيرة إلى فلسطين وتصاعد عمليات استملاك الأراضي من قِبل المؤسسات الصهيونية وتواصل تدهور الزراعات التقليدية العربية. ونتيجة عجز القطاع الصناعي العربي الفتي عن استيعاب عمالة جديدة، اتجه معظم هؤلاء الفلاحين المعدمين، في ظل انغلاق أبواب الاقتصاد اليهودي بصورة تامة أمامهم جراء تكريس سياسة "العمل العبري"، نحو العمل في قطاع البناء، وفي المنشآت التي أقامتها حكومة الانتداب البريطاني التي عملت في مطلع الثلاثينيات على توسيع شبكة الطرق وتطوير خطوط سكك الحديد، وتحسين ميناء حيفا وتوسيع منشآته ليتمكن من استقبال السفن الكبرى وناقلات النفط، وقامت بمنح الامتيازات للشركات الأجنبية.

في إثر اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى 1936- 1939، شهدت فلسطين ظاهرة هجرة معاكسة من المدن إلى الأرياف، إذ إن أعداداً كبيرة من العمال، الذين حافظوا على روابطهم التقليدية بمجتمع القرية، انتقلت إلى قراها أو التحقت بصفوف الثوار في الجبال. وخرج الاقتصاد العربي، بعد القضاء على تلك الثورة، ضعيفاً مفككاً، وانتشرت البطالة على نطاق واسع في المجتمع، لا سيما وأن العمال العرب الذين رجعوا إلى المدن بحثاً عن العمل في دائرة الأشغال العامة الحكومية وفي قطاعَي النقل والموانئ، وجدوا أن أماكن العمل ضاعت منهم وأن سلطات الانتداب استخدمت عوضاً عنهم أعداداً كبيرة من العمال اليهود.

في منتصف سنة 1941، بدأت فلسطين تشهد حالة انتعاش اقتصادي، أدّت إلى تزايد الطلب مجدداً على قوة العمل العربية. وعقب نشوب الحرب العالمية الثانية ، راحت فلسطين تتحوّل، شيئاً فشيئاً، إلى مركز لتجمع القوات العسكرية البريطانية وقاعدة لتموينها في المنطقة، ما دفع سلطات الانتداب إلى إقامة العديد من المشاغل والورش الجديدة ومعسكرات الجيش البريطاني التي استوعبت وحدها نحو 28 ألف عامل عربي. وفي سنة 1942، أسست حكومة الانتداب دائرة رسمية للعمل قامت بإنشاء مكاتب للتشغيل، وظهرت وكالات عربية خاصة اهتمت بتوفير أماكن عمل للفلاحين النازحين من الريف. ومن ناحية ثانية، ساعد اختلال طرق المواصلات البحرية وانقطاعها خلال الحرب، وانخفاض حجم الواردات الأجنبية، على تشجيع الإنتاج المحلي وعلى قيام الكثير من الصناعات العربية الجديدة، كصناعات النسيج، والألبسة، والأحذية، والأخشاب، والمأكولات والمشروبات، والتبغ، والمعادن.

لجأت حكومة الانتداب إلى استخدام الآلاف من العمال العرب غير المهرة في المشاغل والمعسكرات المرتبطة بدائرة الحرب والمقامة، غالباً، خارج المدن. ومن ناحية ثانية، أدّى تزايد الطلب على قوة العمل العربية في المدن، وخصوصاً بعد التحاق قرابة 30,000 شخص، معظمهم من اليهود، بالوحدات العسكرية البريطانية، إلى تجدد الهجرة من الريف إلى المدن وتسارعها. وفي سنة 1943، كانت ظاهرة البطالة قد اختفت، بل راح يبرز نقص في الأيدي العاملة، واتسع حجم الطبقة العاملة العربية ليشمل نحو ثلث السكان الذكور في سن العمل. وفي سنة 1944، قدّرت لجنة التشغيل الحكومية انخفاض قوة العمل في الريف، خلال الفترة الواقعة ما بين سنتي 1939 و1944، بـ70,000 شخص، لم يكن من بينهم سوى 10,000 يهودي فقط.

لقد ساعدت إغراءات فرص العمل في الأماكن البعيدة على تسارع حركية قوة العمل. ففي جميع أنحاء فلسطين، كان الفلاحون يقطعون مسافات كبيرة بعيداً عن قراهم بحثاً عن العمل المأجور في المنشآت والمعسكرات الحكومية، التي كانت تستوعب عشرات الآلاف من العمال. ومع تزايد الطلب على قوة العمل العربية وتسارع حركيتها، ضعفت الأنماط التقليدية والشخصية في التشغيل وقلّ الاعتماد على دور الوسطاء من المخاتير والوجهاء في التعاقد مع العمال، وراحت تتحلل، أكثر فأكثر، الروابط التقليدية التي تربط الطبقة العاملة العربية بمجتمع القرية وتتبلور، تالياً، كيانيتها الطبقية المستقلة.

وعلى الرغم من استمرار التوسع في حجم الطبقة العاملة العربية خلال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، فإن المنشآت الصغيرة بقيت هي الغالبة على القطاع الصناعي العربي، إذ إن نسبة 57,8% من هذه المنشآت كانت تشغّل في سنة 1947 أقل من عشرة عمال، وظلت عمالة النساء ضعيفة في هذا القطاع، ولم تتجاوز أكثر من 5% من عدد العمال المأجورين.

وبوقوع النكبة في سنة 1948، عانت الطبقة العاملة العربية من نتائج الاقتلاع والتشرد، كما عانت غيرها من طبقات المجتمع الفلسطيني.

قراءات مختارة: 

أتات، أسعد. "نشوء وتطور الطبقة العاملة الفلسطينية: خصائص القوى العاملة في فلسطين". "صامد الاقتصادي" (بيروت، العدد 31، آب 1981، ص 6- 28).

الشريف، ماهر. "تاريخ فلسطين الاقتصادي- الاجتماعي". بيروت: دار ابن خلدون، 1985.

ياسين، عبد القادر. "تاريخ الطبقة العاملة الفلسطينية 1918- 1948". بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، 1980.

Taqqu, Rachelle. “Peasants into Workmen: Internal Labor Migration and the Arab Village Community under the Mandate”. In: Joel S. Migdal. Palestinian Society and Politics. Princeton, NJ: Princeton University Press, 1980, pp. 261-286.