إضاءة على –

مخيم حمص (العائدين)

إضاءة على –
مخيم حمص (العائدين)

مخيم حمص

آذار 2023
Source: 
Courtesy of Haidar Razzouk
Author(s): 
حيدر رزوق

يُعرف مخيم اللاجئين الفلسطينيين في حمص باسم مخيم "العائدين "، بعد أن ظل اسمه حتى منتصف السبعينيات "مخيم الثكنة" نسبة إلى موقعه في محاذاة ثكنة خالد بن الوليد العسكرية. وهو من المخيمات العشرة في سوريا التي تعترف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بها رسمياً.

نشأة المخيم

أُنشئ المخيم في سنة 1949 جنوب مدينة حمص عند الطريق الواصلة بين حمص - دمشق على أرض مساحتها 0.15 كلم2. وكانت حدود المخيم حتى مطلع سبعينيات القرن الماضي كالتالي: من الشرق، طريق الشام حمص؛ من الغرب، البساتين وسكة القطار؛ من الشمال، الثكنة العسكرية؛ من الجنوب، قسم منه يطل على مرآب الدبابات وحقل الرمي، وقسم يطل على البساتين.

مع توسع مدينة حمص، أصبح المخيم في قلب المدينة، وتعتبره بلدية المدينة واحداً من أحيائها، وهو يقع بالقرب من جامعة البعث حالياً.

سكن المخيم لدى إنشائه قرابة 3,500 لاجئ فلسطيني. وكان هؤلاء قد لجأوا إلى قرى ريف حمص، قبل أن يتم نقلهم إلى قلعة حمص وجوارها، وبعد ذلك إلى المخيم نفسه. وينحدر معظمهم من مدن صفد وعكا وحيفا ويافا والناصرة ، ومن قرى هذه الأقضية مثل الشجرة ، وعين الزيتون ، والطيرة ، وترشيحا ، والكابري ، والجش ، والزيب ، ولوبيا ، وميعار ، وعمقا ، والفراضية ، ودير الأسد ، والنهر ، والظاهرية ، وصفّورية ، وصفصاف ، وميرون ، وسعسع وكفر قدّوم .

ومع الوقت تزايد عدد سكان المخيم، حتى وصل في الفترة ما قبل سنة 2010 إلى نحو 20 ألف لاجئ فلسطيني، موزعين على 3,400 عائلة.

البنية التحتية

توزع اللاجئون في البداية في أكواخ أسمنتية، وسكن بعضهم في عرائش من قصب، ومنهم من سكن في اسطبلات خيول فرقة خيالة كانت تابعة للجيش الفرنسي سابقاً. ولاحقاً، تقريباً في سنة 1952، بدأ اللاجئون ببناء بيوت من حجر الخفان، وأسقف من التوتياء، وظل معظم المنازل على هذه الحال حتى سنة 1967، عندما أُنشئت منازل مبنية من الأسمنت، وارتفع بعضها إلى أربع طبقات.

ومنذ تأسيس المخيم حتى سنة 1973 تشكلت فيه ثلاثة شوارع رئيسية بعرض 6 أمتار، وشارع ضيق بعرض 3 أمتار، واشتمل المخيم على ثلاث ساحات، واحدة عند مدخل المخيم وفي الجهة الشرقية لمسجد الأمين، سُميت باسم الشهيد أحمد حسني شريح ، وهو أول شهداء هذا المخيم، والثانية أصبحت جزءاً من سوق الخضار في المخيم، والثالثة يطل عليها شارع عكا (أو شارع الجيش) وشارع يافا.

لاحقاً، ومع ازدياد أعداد السكان، توسع المخيم من الجهتين الجنوبية والغربية، بأربعة شوارع طويلة شرقية غربية، وبرز ما يُعرف بالمخيم الجديد، وعُرفت الشوارع الثمانية في المخيم بالأسماء التالية: شارع عكا – شارع يافا – شارع حيفا أو الشارع الضيق – شارع الناصرة أو شارع الفرن – شارع القدس أو شارع الباص – شارع صفد – شارع الجليل – شارع فلسطين وهو شارع عريض يبدأ من مدخل المخيم، ويمتد من شارع عكا حتى شارع الجليل. وجاء هذا التوسع في المخيم عقب ازدهار الوضع الاقتصادي في السبعينيات، إذ قام عدد من أهالي المخيم بشراء الأراضي شرق طريق الشام المواجهة للمخيم والبناء عليها، حيث أطلق عليها البعض اسم الحارة الشرقية، وهي جزء من حي عكرمة الجديدة .

وسكنت العائلات، التي يتراوح تعداد أفرادها بين 6 إلى 8 أشخاص، ضمن مساحة سكنية للعائلة الواحدة بحدود قصوى 96 م²، وحدود دنيا 30 م². وفي بدايات تأسيس المخيم، اعتمد اللاجئون على مراحيض وحمامات جماعية، واستمر الوضع كذلك حتى مطلع ستينيات القرن الماضي. وكانت فيه نقطتان للماء لخدمة الأهالي، وبئر ارتوازية هي مصدر الماء الوحيد حتى سنة 1968، مع خزان مرتفع يؤمن الماء عدة ساعات في اليوم، ثم قام اللاجئون بحفر آبار منزلية؛ وفي سنة 1965 مُدت شبكات المياه والكهرباء إلى المخيم.

مع التطور العمراني في المخيم، وازدياد عدد سكانه، تأثرت قدرة شبكة الصرف الصحي، التي تم استبدالها في سنة 2009 بعد نحو 30 عاماً من استخدامها؛ ومثلها شبكة المياه التي أُدخلت إلى المخيم في سنة 1969، واستُبدلت في سنة 1998، مع الحفاظ على عدادات المياه التابعة للدولة لتحصيل البدل المالي لقاء الاستهلاك.

وبينما تتولى الحكومة السورية شؤون البنى التحتية للمخيم، فإن وكالة الأونروا تتولى شؤون النظافة العامة، فتقدم هذه الخدمة في معظم الأيام بدوام واحد لا يكفي للحفاظ على نظافة الشوارع.

تطور الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية

في البداية، عمل لاجئو مخيم حمص في المزارع والحفريات وورش البناء ومقالع الحجارة ومصفاة حمص للنفط ومعمل السكر ومعمل السماد الآزوتي في المحافظة. كما عمل عدد من المتعلمين مدرّسين في مدارس "الأونروا" وكذلك في مدارس الدولة الرسمية. وشهد المخيم بعد نحو عشر سنوات من تأسيسه، وتخرّج أوائل الدفعات من طلاب المخيم، موجة سفر إلى دول الخليج وليبيا للعمل وكسب المال وتحسين حياة عائلاتهم في المخيم. ومع الوقت ومع تطور الأوضاع المادية للاجئين تحول شارع القدس إلى الشارع التجاري في المخيم.

الصحة

على الصعيد الصحي، افتُتح في المخيم، في سنة 1952 مستوصف لوكالة الأونروا، ضم غرفة للتحاليل الطبية، وواحدة للمعاينة، وواحدة للإسعاف، وأُخرى للصيدلية، كما ضم قابلة قانونية، وبرامج الرعاية الصحية المعتمدة لدى الأونروا في سوريا، منها رعاية الحوامل في مراحل ما قبل الولادة وبعدها، ورعاية الأم ومولودها، وبرامج رعاية التلاميذ والمراهقين ورعاية الشيخوخة. ويقدم المستوصف أيضاً اللقاحات للأطفال وحديثي الولادة وفقاً لخطة اللقاحات لدى الدولة. وفي سنة 1995، أُنشئ مركز الإعاقة والحاجات الخاصة الذي يقدم خدمات العلاج الفيزيائي، ويؤهل ذوي الحاجات الخاصة بما يتيح لهم الاعتماد على أنفسهم.

أمّا فيما يتعلق بالحالات الصحية الحرجة، كالتي تتطلب تدخلاً جراحياً، فأبرمت الأونروا عقوداً مع عدد من المستشفيات الخاصة، بحيث تغطي في هذه الحالة نسبة من تكلفة الاستشفاء، علماً أن اللاجئ الفلسطيني في سوريا يتلقى العلاج مجاناً في المستشفيات الحكومية أسوة بالمواطن السوري.

وفي سنة 1971 افتُتح مستوصف تابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ، ضم غرفة إسعافية، وأُخرى لطبيب، واستمر حتى سنة 1982، عندما افتتح الهلال الأحمر الفلسطيني مستشفى "بيسان " وسط المخيم،  الذي اشتمل على الأقسام التالية: الإسعاف والقلبية والإنعاش والتوليد والعمليات والعيادات الخارجية. ويقدم المستشفى العلاج إلى أبناء المخيم وسكان المناطق المجاورة من المواطنين السوريين.

كما يوجد  في المخيم عدد من العيادات الطبية، منها النسائية والداخلية والقلبية والعظمية وطب الأسنان، فضلاً عن وجود صيدليات تتبع نظام عمل الصيدليات في سوريا.

التعليم

أمّا بالنسبة إلى التعليم، فافتتحت "الأونروا" منذ تأسيس المخيم، مدرسة الشجرة للذكور، ومدرسة الرملة للإناث، وقد ضمتا المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وافتتحت مدرسة في حمص المدينة، هي مدرسة القسطل التي استمر عملها حتى بداية الستينيات.

 يوجد حالياً في المخيم مدرسة واحدة تعمل بنظام الفترتين، ومدرستان تعملان بنظام الفترة الواحدة في ثلاثة مبانٍ، وتقدم هذه المدارس التابعة لوكالة الأونروا التعليم للاجئين في المرحلتين الابتدائية والاعدادية.

أمّا في المرحلة الثانوية والجامعية، فيذهب طلبة المخيم إلى المدارس والجامعات الحكومية ولا سيما جامعة "البعث" في حمص، ومثلما للطالب السوري، يحق للاجئ الفلسطيني التحصيل العلمي مجاناً. وأمّا الطلبة من المخيم الذين يفضلون التحصيل العلمي المهني، فيلتحقون بالثانويات المهنية الرسمية، أو بمعهد التدريب المهني التابع للأونروا في حمص.

ويشتمل المخيم على عدد من رياض الأطفال، إضافة إلى مراكز التقوية التابعة للفصائل الفلسطينية، واستفاد من الأخيرة عدد من أبناء المخيم، بالحصول على منح تعليمية مجانية خارج سوريا، في الدول العربية أو الأجنبية.

الإدارة

أشرفت على المخيم وغيره من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا "الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب " التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا، وتنسق معها كالة "الأونروا" المشرفة الأُخرى على المخيم. فوكالة الأونروا تقدم الخدمات المتعارف عليها في المخيمات، بينما تقدم الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين الخدمات في مجال تعبيد الشوارع، ومنح إعانات مالية لبعض الأسر، وللمتفوقين دراسياً، كما تتولى مسؤولية الإنارة وتطوير شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء وصيانتها بالتنسيق مع سائر مؤسسات الدولة السورية.

المؤسسات الأهلية في المخيم

تعمل في المخيم عدة جمعيات ومؤسسات، بعضها تابع للأونروا، وأُخرى للفصائل الفلسطينية ولـمنظمة التحرير ، إضافة إلى الجمعيات غير الحكومية، منها مؤسسة "نور للإغاثة والتنمية " و"جفرا " اللتان تقدمان البرامج التنموية والتدريبية والتأهيلية المهنية، إضافة إلى جوانب الإغاثة والدعم والمالي. وتعمل في المخيم أيضاً، الجمعية الخيرية الفلسطينية التي تقدم مساعدات مالية وعينية للأسر الفقيرة، ومساعدات مالية للطلبة في جميع المراحل؛ كما أن في المخيم مركزاً للمرأة يقدم التدريبات المتنوعة للمتطوعات والمتطوعين من المجتمع المحلي. بينما لا توجد في المخيم مؤسسات ثقافية أو مكتبات عامة، على الرغم من بروز عدد من الأسماء الثقافية في المخيم كالشاعر الراحل أحمد دحبور ، والشاعر والمغني إبراهيم محمد صالح المعروف بـ(أبو عرب)، والرسام فارس سمور ، والمترجم عن الإسبانية صالح علماني ، وغيرهم.

وتعمل في المخيم جمعية الكشافة والمرشدات الفلسطينية التي أُنشئت في أواخر سنة 1958 باسم "كشاف العائدون"، وكانت تابعة لمفوضية كشاف حمص بقيادة المربي الكبير قاسم زواهري ، وتحولت فيما بعد إلى مفوضية حيفا التابعة لـ الكشاف العربي الفلسطيني ، لتعرف فيما بعد باسمها الحالي.
وتأسس في المخيم بعض الفرق الرياضية، وبرز عدد من شبابه في الألعاب على مستوى سوريا، ولا سيما في لعبة الملاكمة، منهم سليم عيساوي وعباس زيدان ومروان صندقلي وعدنان غريب ورشيد حمود وغيرهم، كما برز في كرة القدم اللاعب عدنان مجذوب في فريق الكرامة ، وكل من اللاعبَين أسامة مجذوب وأبو علي الشعبي في فريق الوثبة .

الأوضاع بعد الحرب السورية

مع أن مدينة حمص تأثرت كثيراً من النزاع في سوريا وعانت أحياء كاملة جرّاء التدمير الكلي، إلاّ إن المخيم نفسه لم يتعرض لأضرار مادية مهمة. إنما غادر المخيم الكثير من سكانه، وخصوصاً الشباب منهم، بحثاً عن حياة أفضل خارج سوريا، فانخفض عدد السكان من 20 ألفاً إلى 9 آلاف. ثم ازداد عدد القاطنين في المخيم في إثر قدوم عائلات كثيرة من مناطق سورية أُخرى. وفي سنة 2022، كان 12 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في المخيم، ونحو ألفين في الأحياء المحيطة، بالإضافة إلى عدة آلاف من المواطنين السوريين. مثل باقي المناطق في سوريا، فإن النزوح والبطالة والتضخم ومخاطر الحماية والأمن، تعد من ضمن الشواغل الرئيسة التي تؤرّق الفلسطينيين والسوريين على حد سواء منذ سنة 2011. وقد أدى النزاع إلى زيادة في نسبة الزواج المبكر وعمالة الأطفال وتعاطي المخدرات، إضافة إلى زيادة العنف والمشكلات النفسية.

قراءات مختارة: 

بدوان، علي. "اللاجئون الفلسطينيون في سوريا والعراق". عمّان: مركز جنين للدراسات الاستراتيجية، 2001.

موسوعة المخيمات الفلسطينية، https://palcamps.net/ar/camp/49

موقع وكالة الأونروا:

https://www.unrwa.org/ar/where-we-work/سوريا/مخيم-حمص

“الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب”: http://www.gapar.sy/ar