إضاءة على –

مخيم السيدة زينب (قبر الست)

إضاءة على –
مخيم السيدة زينب (قبر الست)

مخيم السيدة زينب

2021
Author(s): 
Wael Alhersh

أخذ مخيم السيدة زينب، أو مخيم قبر الست، اسمه بسبب قربه من مقام السيدة زينب، ويُعتبر المخيم من أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا وأهمها، إذ شهد أحداثاً عديدة وكان له بصمة خاصة في العديد من المحطات النضالية على مدى مسيرة الشعب الفلسطيني الكفاحية.

تأثر المخيم بالأحداث التي جرت في سوريا بعد سنة 2011 وانخفض عدد سكانه. لكن تعاضد سكان المخيم ووجهائه خفف من تأثير الأزمة عليهم، فمع اشتداد الحرب في سوريا انصهرت الانتماءات الفصائلية والعشائرية في قالب واحد بهدف حماية المخيم من الخطر المحدق.

نشأة المخيم:

يعود التشكل الواضح لمخيم السيدة زينب للفترة التي تلت سنة 1967، أي بعد حرب حزيران/يونيو على أرض مستأجرة من وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى "الأونروا" ضمن عقارات واقعة في بلدة السيدة زينب. وتقدر مساحة المخيم بنحو 27.000 متر مربع، ويبعد عن العاصمة دمشق 12 كم في الجهة الجنوبية منها. يحد المخيم من الجهة الشمالية والغربية بلدة حجيرة بالإضافة إلى حارة غربة وتجمع مفرق حجيرة، ومن الشرق مقام السيدة زينب والأسواق التجارية، ومن الجنوب أراضي منطقة الذيابية والسيدة زينب.

ومع أن التأسيس يعود إلى ما بعد حرب حزيران، إلاّ إن المخيم سُكن قبل ذلك التاريخ أي في الفترة عقب النكبة، وتدرج عدد السكان صعوداً وبشكل بطيء حتى سنة 1967، عندما حدثت القفزة الكبرى في التعداد السكاني، وذلك يعود إلى أعداد الفلسطينيين الوافدين إلى المخيم وهم من الذين هجروا إلى الجولان في سنة 1948 ليعاد عليهم مشهد الترحيل من جديد إلى مخيم السيدة زينب، وكان عدد السكان حينذاك نحو 4000 نسمة.

واستمر قاطنو المخيم بالازدياد ليصل عددهم بحسب سجلات الأونروا فيما قبل الأحداث التي وقعت في سوريا سنة 2012 إلى 27.300 لاجئ، ثم انخفض العدد إلى قرابة 12.800. لكن مع عودة المخيم إلى الحياة العادية بالتدريج ابتداء من سنة 2014، ومباشرة الأونروا العمل على إعادة تأهيل المنشآت الخاصة بها، وصل عدد السكان في سنة 2021 إلى نحو 17.000 لاجئ.

ينحدر أبناء مخيم السيدة زينب من الشمال الفلسطيني، وخصوصاً من قضائي صفد وطبرية، حيث تشكل العشائر الآتية معظم السكان في المخيم: الزناغرة والشمالنة والتلاوية بالإضافة إلى عشائر البدو، وأيضاً ممن جاء من قرى سهل الحولة (الصالحية – الدوارة – العابسية – الزوق التحتاني – الزوق الفوقاني – الهيب – المنصورة – جاحولا – القُدَيرية – ملاحة – الوهيب).

وبسبب الطبيعة العشائرية، اشتهر سكان مخيم السيدة زينب بالتعاضد في الأفراح والأتراح، وحافظ المخيم على هذه العادات على الرغم من تشظي هذا المفهوم مؤخراً.

البنية التحتية:

بدايةً، في سنة 1948، سكن الوافدون إلى مخيم السيدة زينب في الخيام التي وزعتها الأونروا بعد موجة النزوح الكبيرة التي وصلت إلى المخيم، واستمر هذا الوضع مدة ستة أشهر إلى أن تم بناء وحدات سكنية تبلغ مساحتها 60 متراً مربعاً للعائلة.

ومع مرور الزمن، بدأت رحلة بناء المنازل التي ستعبّر عن هذا الواقع، إذ تطورت المساكن في المخيم من حيث طبيعة المواد المستخدمة في البناء، "أسمنت"، ومن حيث حجم المبنى، "ثلاث طبقات أو أكثر".

ولحارات المخيم عدة أشكال؛ فمنها الضيق، وخصوصاً حارة الشمالنة، ومنها الواسع مثل المطلة على الشارع الرئيسي. لكن معظم طرق المخيم معبد، ويفصل الشارع الرئيسي مخيم السيدة زينب إلى قسمين أحدهما شمالي والآخر جنوبي، أمّا الشوارع الفرعية فتفصل الحارات عن بعضها البعض كحارة الدوارة والشمالنة وغربة.

في السنوات الماضية أنشأ سكان مخيم السيدة زينب دواراً في مخيمهم، سمي دوار الخريطة نظراً إلى شكله، فهو عبارة عن مجسم لخريطة فلسطين. وهناك ساحة أُخرى في المخيم أنشئت في الوقت نفسه تسمى ساحة فلسطين يتوسطها مجسم لمسجد قبة الصخرة، وذلك تعبيراً على تمسك السكان بوطنهم وتشبثهم بحلم العودة إلى ديارهم ومدنهم.

وشيئاً فشيئاً بدأ المخيم بالتوسع لينقسم إلى قسمين؛ المخيم القديم والمخيم الجديد. أمّا المخيم القديم الذي سكنته 48 عائلة في بداية اللجوء، فحدوده تمتد من بيت الرطل إلى مسجد سيدي مدرك وصولاً إلى منشرة الأمين. أمّا المخيم الجديد فيشمل الامتداد وبشكل رئيسي حارة الجنائن، لكن هذا التقسيم غير موجود بالنسبة إلى وكالة الغوث والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب.

الماء:

لم يكن الوضع المائي في مخيم السيدة زينب مختلفاً عن أمثاله في المخيمات الأُخرى، فكانت تغذية المخيم الرئيسية من المياه تأتي من مصدرين، الأول من البئر الارتوازية الموجودة في المخيم، والثاني من خزان المياه التابع لوكالة الغوث. ويتم الضخ من خلال الصنابير الموزعة داخل المخيم، بالإضافة إلى تعبئة الماء من المضخات التي كانت موجودة في الجهة الجنوبية للمخيم وبني مكانها خزان ماء جديد فيما بعد.

وفي سنة 2020 انتهت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في محافظة دمشق من استبدال خط مياه عين اللبوة مع الوصلات المنزلية في مخيم السيدة زينب، وأيضاً وضعت الفصائل الفلسطينية مشاريع لمعالجة الوضع المائي وتحسينه، ففي سنة 2021 تم إصلاح وصيانة مضخة توليد مياه مخيم السيدة زينب.

ومع ذلك فإن مشكلات المياه تتفاقم يوماً بعد يوم، ويُعتبر صيف سنة 2023 تحولاً كبيراً نحو الأسوأ في الوضع المائي، إذ شحت المياه كثيراً وأصبح الاعتماد الرئيسي لتزويد البيوت بالمياه على الصهاريج التي تتصف بارتفاع ثمنها وعدم توفرها في أي وقت, ويذكر هنا أن الصهريج يسد حاجة العائلة من المياه لفترة تتراوح وسطياً بين خمسة أيام وأسبوع، يترافق ما سبق مع الوضع المادي المتراجع باستمرار إذ يقترب ثمن تعبئة الصهريج الواحد وسطياً من نحو 25% من الراتب الشهري للاجئ.

أمّا بالنسبة إلى شبكات الصرف الصحي في المخيم فهي متهالكة وقديمة، وهو ما يؤدي غالباً إلى تلويث مياه الشرب والتسبب في ظهور حالات تسمم في المخيم.

الكهرباء:

نتيجة تداعيات الحرب في سوريا تعاني أغلب المناطق انقطاعات متواصلة في الطاقة الكهربائية، ومنها مخيم السيدة زينب الذي يمر بساعات تقنين طويلة. فقد شهدت الأعوام ما بعد 2020 انقطاعاً طويلاً في الكهرباء في المخيم لتقتصر مدة الوصل على ساعتين من دون تحديد للوقت، بينما تشمل ساعات القطع باقي اليوم. وشهد أواسط سنة 2023 انقطاعات في التيار تصل إلى يوم كامل أو أكثر في بعض الأحيان.

الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية:

تأثر المخيم بجملة من التشوهات المجتمعية من بطالة وتضخم وحالة عدم اليقين والأمان، فقد أدت الحرب التي استمرت سنوات عديدة إلى زيادة آليات المواجهة السلبية، مثل الزواج المبكر وعمالة الأطفال وتعاطي المخدرات، إضافة إلى زيادة العنف والمشكلات النفسية.

العمل:

في سنوات اللجوء الأولى كان العمل الأساسي هو الفلاحة والزراعة في مزارع خاصة، وخصوصاً في منطقة الكسوة ولدى أهل دوما، بالإضافة إلى العمل بالكسارات وتزفيت الشوارع مع المتعهدين السوريين، أمّا النساء فأيضاً كان عملهن في الزراعة.

وشكّل قرب مخيم السيدة زينب من مقام السيدة زينب فرصة لتحسين الواقع الاقتصادي والعمل، إذ يُعتبر المقام محطة سياحة دينية مهمة لعدد كبير من الوافدين، وخصوصاً من إيران والعراق وغيرها. ومع ذلك فإن سكان المخيم يعانون جرّاء البطالة التي يمكن تسميتها بالبطالة الموسمية على اعتبار أنهم يعملون في موسم محدد فقط، هو موسم قدوم السياح.

ويكشف تقرير أن نسبة البطالة في المخيم تجاوزت الـ 50%، وهو ما أدى إلى صعوبة الوضع المعيشي، وحتى النصف العامل الآخر دخله زهيد، وتكامل هذا الأمر مع الواقع السوري الذي فُرض على سواد المجتمع بعد الحرب، علماً بأن نسبة البطالة تتركز في صفوف قطاع الشباب.

حالياً يعمل معظم السكان ما بين وظائف الدولة أو من خلال محال تجارية صغيرة في المخيم "دكاكين"، ومنهم من يعمل في المصانع والشركات التابعة للقطاع الخاص لكن بنسبة قليلة على اعتبار أن الأميّة منتشرة في المخيم، ومتطلبات القطاع الخاص أصبحت باتجاه متزايد نحو المتعلمين.

الخدمات:

الصحة:

هناك عدة خيارات متاحة أمام أبناء المخيم لتلقي العلاج الطبي بشكل مجاني أو شبه مجاني. فيوجد في المخيم مستوصف طبي تابع للأونروا، بالإضافة إلى عيادة تابعة للهلال الأحمر السوري إلاّ إنها أُغلقت في سنة 1997 بسبب نقص الكادر البشري المتخصص.

ويستطيع اللاجئ الفلسطيني الحصول على العلاج في المستشفيات القريبة والموجودة تحديداً في منطقة السيدة زينب، وهما مشفى الصدر الخيري ومشفى الإمام الخميني، بالإضافة إلى المستوصف الذي افتتح في سنة 2009 عقب لجوء العراقيين إلى سوريا وهو تابع للهلال الأحمر السوري في مقابل أجر رمزي.

وهناك بعض الجمعيات التي تقدم خدمات طبية بأجور زهيدة مثل جمعية مفرق حجيرة. أمّا الأمراض المنتشرة فتتمثل بأمراض الدم مثل فقر الدم المنجلي، بالإضافة إلى أمراض الضغط والسكر والفشل الكلوي.

التعليم:

في البداية كان التعليم يتم في خيمة أخذت طابع المدرسة وذلك حتى سنة 1969 عندما استأجرت الأونروا منازل على أطراف المخيم للتدريس.

فيما بعد شيّد في المخيم مبنيان لأربع مدارس تعمل بنظام الفترتين (صباحية ومسائية)، اثنتين للتعليم الابتدائي (دلاتا-بيت جبرين)، واثنتين للتعليم الإعدادي (علما-اليرموك)، ومدرسة واحدة (النقيب العربية) تعمل بنظام الفترة الواحدة المسائية كونها تتشارك المبنى مع مدرسة حكومية سورية.

وبعد الانتهاء من التعليم الأساسي الذي تغطيه الأونروا مجاناً، يتجه الطلاب إلى المدارس الثانوية التابعة للحكومة السورية في منطقة السيدة زينب الملاصقة، بالإضافة إلى ثانوية فنية قريبة وكلاهما بالمجان.

أمّا بالنسبة إلى التعليم الجامعي، فيلتحق الطالب بالجامعات والمعاهد السورية ويُعامل معاملة الطالب السوري فيما يتعلق بدفع الرسوم وهي رمزية.

وافتتح في المخيم عدد من الروضات منها التابعة للأونروا وأُخرى لمنظمات شعبية مثل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والفصائل فلسطينية، بالإضافة إلى الروضات الخاصة.

ومع دخول أعوام الحرب تضرر بعض المدارس، لكن سرعان ما أُعيد تأهيلها، ففي سنة 2016 افتتحت الأونروا مدرسة "دلاتا/ بيت جبرين" بعد إعادة بنائها بدعم من الحكومة السورية وتمويل ياباني، وهي تتسع لـ 1364 طالباً وطالبة، كما أنها مجهزة بغرفة نشاطات ومختبر حاسوب ومختبر للعلوم.

التركيبة الاجتماعية:

لم يكن التمايز بين الطبقات واضحاً مع بداية اللجوء، إذ إن أغلب الوافدين إلى المخيم سنة 1948 لم يأخذوا معهم سوى ملابسهم التي يلبسونها، معتقدين أن مسألة عودتهم لن تأخذ إلاّ بضعة أيام، لذلك كان جميع سكان المخيم فقراء ونسبة قليلة يتموضعون في فئة تحت المتوسط. ومع مرور الوقت بدأت تتشكل طبقة الأغنياء نسبياً مقارنة بسائر سكان المخيم والتي بدأت تأخذ ملامحها بشكل رئيسي نتيجة العمل في وظائف الأونروا، وتدعمت هذه الطبقة أيضاً بالعائلات التي يعمل أحد أفرادها خارج سوريا.

العلاقة مع المحيط:

تاريخياً، اتصفت علاقة سكان مخيم السيدة زينب مع محيطهم بالجيدة والمتوازنة، على الرغم من تبدل سكان المحيط وتعدد جنسياتهم (عراقي، لبناني، إيراني...) والمحافظات القادمين منها، مثل حلب وإدلب. وحتى مع دخول أعوام الحرب في سوريا فقد توطدت تلك العلاقة أكثر، كون المخيم يشارك محيطه في التضحيات.

إدارة شؤون المخيم:

تقوم الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب بتنفيذ مشاريع مياه الشرب والصرف الصحي والتعبيد والتزفيت والإنارة العامة، بالإضافة إلى توزيع المساعدات النقدية، وتقوم وكالة الغوث بتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية. وتضخ المياه من قبل مؤسسة مياه الشرب في مدينة دمشق.

المؤسسات الأهلية:

ينشط في المخيم عدد من المؤسسات الأهلية والجمعيات الخيرية منها (مركز دفا، مركز عائدون)، ويوجد أيضاً مركز اجتماعي تنموي يعرف باسم مركز التنمية تابع للأونروا، بالإضافة إلى نادٍ اجتماعي أنشأته الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين وهو يقدم خدمات ذات طابع ثقافي واجتماعي ورياضي.

العمل الفدائي والوطني:

قدم مخيم السيدة زينب قافلة طويلة من الشهداء والأسرى والجرحى في سبيل تحرير فلسطين والعودة إليها، فقد نشطت الفصائل الفلسطينية في المخيم في وقت مبكر والتحق بها السكان كباراً وصغاراً، واستمر سكان المخيم في تقديم التضحيات عند كل فرصة متاحة. ففي أيار/ مايو2011، في ذكرى النكبة، توجه شباب فلسطينيون من سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، تأكيداً لحق العودة. واستطاع شباب من سوريا، منهم عدد من مخيم السيدة زينت اقتحام خط الهدنة السوري-الإسرائيلي في هضبة الجولان، فاستشهد حينها ثلاثة شبان من مخيم السيدة وأُصيب آخرون بالجروح.

قراءات مختارة: 

"مخيم السيدة زينب بسوريا.. شيء عن الماضي والحاضر"، المركز الفلسطيني للإعلام، 12/6/2023.

/https://palinfo.com/news/2023/06/12/839618/

موسوعة المخيمات الفلسطينية. "مخيم السيدة زينب"، موسوعة المخيمات الفلسطينية.

https://palcamps.net/ar/camp/51/1/جغرافية-المخيم

الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب. "مخيم السيدة زينب"، الهيئة العامة لللاجئين الفلسطينيين العرب.

http://www.gapar.sy/ar/sayidazainabcamp.html

UNRWA. "Qabr Essit Camp."

https://www.unrwa.org/where-we-work/syria/qabr-essit-camp

"UNRWA Inaugurates Dallata/Beit Jibreen School in Syria Reconstructed with the Support of the People of Japan." reliefweb, 17 November 2016.

https://reliefweb.int/report/syrian-arab-republic/unrwa-inaugurates-dallatabeit-jibreen-school-syria-reconstructed-support

المقابلات:

عمر أحمد: من القيادات السياسية الفلسطينية في مخيم السيدة زينب.

لارا محمد: ناشطة إعلامية في مخيم السيدة زينب.