نجاتي صدقي
ولد في مدينة القدس. والده: بكر صدقي كان مدرساً للغة التركية، ومحباً للموسيقى والرسم والمسرح. والدته: نظيرة مراد من القدس. أخوه: أحمد. تزوج امرأة أوكرانية يهودية أثناء إقامته في روسيا، اسمها لوتكا، ورزق منها بابنتين: دولت وهند؛ وابن: سعيد.
كان جده لأبيه ضابطاً في الجيش العثماني برتبة "آلاي أميني" جاء إلى دمشق وبيروت في أواخر القرن التاسع عشر ثم انتقل إلى القدس واستقر فيها.
تلقى نجاتي صدقي تعليمه الابتدائي في "المدرسة الصلاحية" في القدس، ثم في مدارس "المأمونية" و"الرشيدية" و"المكتب السلطاني". وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، رافق والده، الذي كان ضابطاً في قوات الأمير فيصل بن الحسين، إلى الحجاز ضمن فرقة توجهت إلى هناك لمحاربة "الوهابيين". وبعد إخفاق تلك الحملة، عاد مع والده، الذي ترك الخدمة العسكرية، إلى سورية، ومنها توجّه إلى مصر. وفي مدينة القاهرة، اكتشف الفتى نجاتي المسرح الحديث، لا سيما "مسرح الريحاني".
عاد نجاتي صدقي مع والده إلى مدينة القدس، حيث عمل سنة 1924، بعد الاحتلال البريطاني، موظفاً في دائرة البريد والبرق؛ وفيها تعرّف إلى الحركة الشيوعية، التي كان قد أسسها في فلسطين عدد من المهاجرين اليهود، وانتسب إليها.
أوفدته قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني، في أيلول/ سبتمبر 1925، إلى موسكو للدراسة في "الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق"، المعروفة باسم (KUTV)، التي كانت تعدّ كوادر الأحزاب الشيوعية في بلدان الشرق وتؤهلهم لتسلم المواقع القيادية في أحزابهم.
أمضى نجاتي صدقي ثلاثة أعوام في هذه الجامعة، درس خلالها، بعد أن أتقن اللغة الروسية، موضوعات الفلسفة المادية، والاقتصاد السياسي وتاريخ الحركات الثورية. ومنذ تلك السنوات، صار نجاتي يُعرّف في أوساط الحركة الشيوعية العالمية باسمه الحركي: "مصطفى سعدي". بعد أن قدّم، في شباط/ فبراير 1929، رسالة تخرّج في الجامعة بعنوان: "الحركة الوطنية العربية من الانقلاب الدستوري حتى عهد الكتلة الوطنية"، عاد بصحبة زوجته الأوكرانية وابنته "دولت" إلى فلسطين، وذلك بطلب من قيادة الأممية الشيوعية (الكومنترن)، كي يساهم في تعريب الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي كان معظم أعضائه من اليهود المهاجرين الجدد.
انتخبه المؤتمر السابع للحزب، الذي انعقد في القدس في كانون الأول/ ديسمبر 1930، عضواً في سكرتارية لجنته المركزية، وكلفه بالمشاركة في تحرير جريد الحزب السرية "إلى الأمام".
اعتقلته السلطات البريطانية مع رفيقه محمود الأطرش– المغربي، في شباط/ فبراير 1931، وحكم عليهما بالسجن لمدة عامين، أمضاهما ما بين سجن القدس المركزي وسجن يافا وسجن قلعة عكا. وبعد إطلاق سراحه، بقي تحت مراقبة الشرطة مدة ستة أشهر.
أوفدته قيادة الأممية الشيوعية (الكومنترن)، في حزيران/ يونيو 1933، إلى باريس كي يشرف على إصدار مجلة شهرية عربية، صدر عددها الأول باسم "الشرق العربي" في أيلول/ سبتمبر من ذلك العام، وصارت توزع سراً في عدد من البلدان العربية، إلى ان قررت الحكومة الفرنسية إغلاقها في أوائل صيف 1936. وفي العاصمة الفرنسية، بدأ نجاتي يكتب القصة القصيرة.
بعد تعطيل مجلة "الشرق العربي"، انتقل نجاتي إلى موسكو، بناء على طلب قيادة الأممية الشيوعية (الكومنترن)، ثم قام بزيارة دراسية إلى مدينة طشقند ليطلع على التجربة السوفييتية في حل "المسألة القومية". وفي آب/ أغسطس 1936، أُوفدته تلك القيادة إلى إسبانيا، التي كانت تشهد حرباً أهلية بين الجمهوريين وأنصار الجنرال فرانكو، وذلك بغية القيام بنشاط دعائي بين صفوف الجنود المغاربة الذين كانوا يقاتلون إلى جانب قوات هذا الأخير.
وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر 1936، أُوفد نجاتي إلى الجزائر للمشاركة في مشروع إنشاء محطة إذاعة عربية تبث إلى أفريقيا الشمالية بوجه عام، والمغرب الخاضع للسيطرة الإسبانية بوجه خاص، لكن هذا المشروع لم يتكلل بالنجاح.
عاد نجاتي صدقي إلى فرنسا، ومنها انتقل، في نيسان/ أبريل 1937، إلى سورية ولبنان، وراح ينشط في صفوف الشيوعيين في دمشق، أولاً، ثم في بيروت، وينشر مقالاته في صحيفة الحزب الشيوعي السوري-اللبناني "صوت الشعب" وفي مجلة "الطليعة".
بعد بروز خلافات تنظيمية بينه وبين بعض قادة الحزب الشيوعي السوري- اللبناني، جُمد نشاط نجاتي الحزبي، فسعى، بغية تأمين سبل معيشته، للعمل في حقل الصحافة، وصار يعمل في بيروت في تحرير صحيفة "النهار"، ومجلة "الجمهور"، ومجلة "المراحل المصورة".
انتقد نجاتي قيام الاتحاد السوفييتي بإبرام معاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا النازية، في آب/ أغسطس 1939، فقررت قيادة الحزب الشيوعي السوري- اللبناني فصله نهائياً من عضوية الحزب.
عاد نجاتي سنة 1939 إلى مدينة القدس، حيث عمل في "محطة إذاعة الشرق الأدنى"، التابعة للإدارة البريطانية، وراح يكرس جهداً أكبر للإنتاج الأدبي، فأخذ ينشر قصصه القصيرة في مجلات صادرة في بيروت كمجلة "الأديب"، وفي القاهرة كمجلتي "الرسالة" و"الكتاب"، كما أصدر كتابين في سلسلة "إقرأ" الصادرة عن دار المعارف في القاهرة: "بوشكين" (1945) و"تشيخوف" (1947).
بعد وقوع النكبة الفلسطينية سنة 1948، انتقلت "محطة إذاعة الشرق الأدنى" إلى قبرص، فانتقل معها وعاش في مدينة ليماسول حتى سنة 1950. ثم انتقل إلى بيروت واستأنف نشاطه في ميادين الصحافة والترجمة والدراسات الأدبية والفكرية.
انتقل نجاتي صدقي سنة 1976 إلى مدينة أثينا، حيث كانت تقيم ابنته هند، وتوفي ودفن فيها.
كان نجاتي صدقي مناضلاً تقدمياً صلباً، واسع الاطّلاع دمث الأخلاق غني التجربة ومن أبرز اليساريين في المشرق العربي، كما كان أديباً لامعاً ومترجماً موفقاً عن الروسية والإنكليزية، واشتُهر بوجه خاص بكتابة القصة القصيرة، فكان من أهم من رسخوا الواقعية في الكتابة السردية في العالم العربي. وخلف لنا، إلى جانب نتاجه الأدبي الغزير، مذكرات غنية قام بإعدادها للنشر وقدم لها حنا أبو حنا.
من آثاره:
تأليف:
"التقاليد الإسلامية والمبادئ النازية هل تتفقان؟ بحث علمي اجتماعي سياسي ديني". بيروت: دار الكشاف، 1940.
"بوشكين أمير شعراء روسيا". القاهرة: دار المعارف، سلسلة اقرأ، 1945.
"تشيخوف". القاهرة: دار المعارف، سلسلة اقرأ، 1947.
"الأخوات الحزينات" (قصص). القاهرة: دار المعارف، 1953.
"مكسيم غوركي". القاهرة: دار المعارف، سلسلة اقرأ، 1956.
"الشيوعي المليونير" (قصص). القاهرة: دار المعارف، 1962.
ترجمة:
"قصص مختارة من الأدب الروسي". بيروت: دار بيروت، 1952.
"قصص مختارة من الأدب الإسباني". بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1953.
"قصص مختارة من الأدب الصيني" بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1954.
"الخنفسة الذهبية ثلاث عشرة قصة للكاتب الأميركي إدغار آلن بو". بيروت: دار الكتاب، 1954.
"كارمن" (رواية)، بروسبير ميريمه. بيروت: دار عويدات، 1957.
المصادر:
أبو هشهش، إبراهيم محمد. "نجاتي صدقي: حياته وأدبه (1905-1979)". القدس: الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، 1990.
أسعد، منى. "نجاتي صدقي أديب ومفكر سياسي". دمشق: دار المبتدأ للطباعة والنشر، 1992.
ديكان-واصف، سارة. "معجم الكتّاب الفلسطينيين". باريس: معهد العالم العربي، 1999.
شاهين، أحمد عمر. "موسوعة كتّاب فلسطين في القرن العشرين، الجزء الثاني". دمشق: المركز القومي للدراسات والتوثيق، 1992.
العودات، يعقوب. "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمان: د. ن.، 1976.
لوباني، حسين علي. "معجم أعلام فلسطين في العلوم والفنون والآداب". بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2012.
"مذكّرات نجاتي صدقي"، تقديم وإعداد حنّا أبو حنّا. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2001.
Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: A Biographic Dictionary. 2nd ed., revised and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006.
Descamps-Wassif, Sara. Dictionnaire des écrivains palestiniens. Paris: Institut du monde arabe, 1999.