سيرة

عارف العارف

سيرة

عارف العارف

1892, القدس
1973, رام الله

ولد عارف العارف في مدينة القدس سنة 1892، والده شحادة العارف، أمّا زوجته فهي صائمة البورنو التي رزق منها بولدين: سمير وفاروق، وثلاث بنات: لميس وسلوى وفريدة.

التحق العارف بالمدرسة المأمونية في القدس، ثم سافر في سنة 1909 إلى إسطنبول حيث تابع دراسته الثانوية في مدرسة "نموئة تراقي" الشهيرة، ثم انتسب إلى كلية الآداب في جامعة إسطنبول وتخرّج فيها سنة 1913. وخلال دراسته الجامعية، عمل في الصحافة التركية كي يسدد نفقات دراسته، كما انضم إلى المنتدى الأدبي الذي كان يلتقي فيه العرب المقيمون والزائرون، كما تلقى فيه محاضرات في مآثر العرب وحقوقهم.

عُيّن العارف بعد تخرجه موظفاً في قلم الترجمة التابع لوزارة الخارجية العثمانية. وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى في سنة 1914، التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها بعد ستة أشهر برتبة ضابط، وسيق إلى جبهة القتال في مواجهة الروس في منطقة القفقاس حيث وقع خلال إحدى المعارك التي خاضتها كتيبته في أسر القوات الروسية، التي أرسلته إلى معتقل في سيبيريا، قضى فيه ثلاثة أعوام تعلّم خلالها اللغتين الروسية والألمانية. وبلغ اتقانه الأخيرة أنه استطاع ترجمة كتاب "معضلة الكون" (Die Welträthsel) للفيلسوف الألماني إرنست هيكل (Ernst Haeckel). كما أصدر العارف خلال فترة اعتقاله، بالتعاون مع رفيق سوري له هو أحمد الكيالي، جريدة عربية هزلية أسبوعية سمياها "ناقة الله"، صدر منها نحو 50 عدداً خلال الفترة 1916-1917. 

وفي 18 أيلول/ سبتمبر 1918، نجح العارف، مع عدد من رفاقه العرب، في الفرار من المعتقل، واتخذ الفارون وجهة الشرق الأقصى في طريقهم إلى بلادهم. وبعد سفر شاق عبر فيه حدود بلاد عديدة، عاد العارف إلى مسقط رأسه في أواخر شباط/ فبراير 1919 بعد غياب دام نحو عشرة أعوام. وألّف، وهو في طريق عودته إلى فلسطين، كتاباً طريفاً جاء في قالب منام وحمل عنوان "رؤياي"، ضمّنه عصارة آرائه وتأملاته في أوضاع البلاد العربية المتردية، وتصوّره لها في المستقبل وهي تشهد نهضة قومية علمانية تنعم بالعلم والمعرفة والرقي والكمال.

انضم العارف، بعد استقراره بالقدس، إلى النادي العربي، وعندما قرر النادي إصدار صحيفة باسم "سورية الجنوبية" تكون لسان حاله، كُلف العارف ومحمد حسن البديري تحريرها، وصدر العدد الأول منها في الثامن من أيلول/ سبتمبر 1919، فكانت أول صحيفة وطنية تصدر في القدس بعد الاحتلال البريطاني، وكانت أسبوعية في البدء ثم صارت نصف أسبوعية. وقد عمدت السلطات البريطانية إلى تعطيلها عدة مرات، جرّاء حملها على السياسة البريطانية المؤيدة للصهيونية، ومطالبتها بإلغاء وعد بلفور.

في الرابع من نيسان/ أبريل 1920، ألقى عارف العارف، إضافة إلى الحاج أمين الحسيني وعمر الصالح البرغوثي، خطبة في مهرجان شعبي شارك فيه الآلاف في أول أيام موسم النبي موسى في القدس، وما لبث هذا المهرجان أن تحوّل إلى صدامات عنيفة بين العرب واليهود، سقط فيها عدد كبير من القتلى والجرحى من الطرفين. وحمّلت السلطات البريطانية خطباء المهرجان مسؤولية التحريض على العنف، وحاولت اعتقالهم، بيد أن الحسيني والعارف أفلتا من قبضتها ونجحا في اللجوء إلى شرق الأردن ومنه إلى دمشق. وحكمت المحكمة غيابياً عليهما بالسجن عشرة أعوام.

كُلف العارف بعد وصوله إلى دمشق تمثيل مدينة القدس في المؤتمر السوري العام، كما شارك عدداً من رجال فلسطين المقيمين في دمشق في تأليف جمعية فلسطين وانتُخب عضواً في هيئتها الإدارية. وبادر أعضاء هذه الهيئة إلى تشكيل جمعية سرية باسم فتى فلسطين غايتها القيام بعمليات مسلحة على حدود فلسطين الشمالية.

اضطر العارف، بعد احتلال القوات الفرنسية دمشق في الرابع والعشرين من تموز/ يوليو 1920 وسقوط الحكم الفيصلي، إلى الالتجاء مع لفيف من رفاقه إلى شرق الأردن، وذلك إلى أن صدر عن المندوب السامي البريطاني في فلسطين هربرت صامويل، الذي حلت إدارته المدنية محل الحكم العسكري، عفو عام عن المتهمين في أحداث موسم النبي موسى؛ فرجع العارف إلى القدس، حيث اشترطت السلطات البريطانية عليه عدم الانخراط في العمل السياسي، كما لم تسمح له بمزاولة الصحافة.

عمل العارف خلال سنوات 1921-1926 قائمقاماً لأقضية جنين ونابلس وبيسان ويافا تباعاً. ثم انتقل بين سنة 1926 وسنة 1929، بالإعارة، إلى شرق الأردن، حيث شغل منصب السكرتير العام لحكومة الأمير عبد الله بن الحسين. وشغل خلال الأعوام العشرة الأولى من الفترة 1929-1943 منصب قائمقام في قضاء بئر السبع، ثم منصب قائمقام في قضاء غزة في الأعوام التالية.  

وفي سنة 1943 عُيّن العارف قائمقاماً في قضاء رام الله من لواء القدس، ثم رُقي بعد فترة إلى مساعد حاكم لواء القدس البريطاني، وهو المنصب الذي كان يشغله عند انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في 15 أيار/مايو 1948. وظل في منصب قائمقام رام الله إلى ما بعد عقد اتفاقية الهدنة بين الأردن وإسرائيل في 3 نيسان/ أبريل 1949، وضم الضفة الغربية إلى شرق الأردن، وذلك إلى أن عيّنه الملك عبد الله، في السنة نفسها، رئيساً لبلدية القدس، وهو منصب شغله مرة أُخرى عن طريق الانتخاب في سنة 1951، بعد أن نال أغلبية الأصوات، وبقي فيه حتى سنة 1955. 

وفي سنة 1955 اختير العارف وزيراً للأشغال العامة في حكومة هزّاع المجالي، لكنه استقال بعد فترة وجيزة لإصراره على تجنيب الأردن الدخول في حلف بغداد. فانكبّ بعد استقالته على البحث والتأليف. وبما أنه عاش النكبة وتابعها مباشرة، ودوَّن مجرياتها يومياً، وسجّل بدقة روايات عن أحداثها نقلها عن مسؤولين عرب وفلسطينيين ومناضلين ومواطنين عاديين حرص على مقابلتهم في فلسطين والعواصم العربية، فإنه ركّز جهده على تأريخ وقائع حرب فلسطين في كتاب من ستة أجزاء (صدر بين عامي 1956 و1961) لا يزال حتى اليوم من أهم المراجع العربية الموثوق بها عن النكبة. كما أعار عارف العارف اهتماماً كبيراً للنشاط الاجتماعي، إذ ترأس اللجنة التنفيذية لـرابطة المناضل الجريح في القدس، كما كان من رعاة جمعية إنعاش الأسرة في البيرة التي كانت ترأسها الناشطة النسائية سميحة خليل.

وفي سنة 1963 عُيّن العارف مديراً لمتحف الآثار الفلسطيني في القدس الذي كان قد أُنشئ في عهد الانتداب البريطاني بفضل معونة من مؤسسة روكفلر الأميركية. وفي سنة 1967، أدّى فريضة الحج.

توفي عارف العارف في مدينة رام الله سنة 1973 عقب إصابته بجلطة دموية ودُفن فيها. وفي سنة 1990 منحته منظمة التحرير الفلسطينية وسام القدس للثقافة والفنون والآداب.

يُعتبر عارف العارف أحد كبار المؤرخين الفلسطينيين، بل لُقّب بـ "شيخهم" و"عميدهم". واتسمت كتاباته التاريخية الغزيرة بالدقة والموضوعية وجاءت حصيلة مشاهداته، من جهة، وتنقيباته وتسجيلاته، من جهة أُخرى، واعتمادها على شبكة واسعة من الأصدقاء والزملاء والمعارف من خلفيات متعددة. فهو استفاد من المناصب التي تقلدها في الإدارة، وخصوصاً في عهد الانتداب البريطاني، ليكتب عن المناطق التي عمل فيها وعن أحداثها وأحوالها وسكانها وخصائصهم، مبرزاً شخصية فلسطين العربية عبر العصور. ويُعتبر مؤلفه الضخم عن نكبة فلسطين سنة 1948 من أهم المراجع العربية عنها وأوثقها.

 

من آثاره:

"أوراق عارف العارف". بيروت: منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، 1973 (12 مجلداً).  

"تاريخ بير السبع وقبائلها". القدس: مطبعة بيت المقدس، 1934. القاهرة: مكتبة مدبولي، ط 2، 1999.

"تاريخ الحرم القدسي". القدس: مطبعة دار الأيتام الإسلامية الصناعية، 1947.

"تاريخ غزة". القدس: مطبعة دار الأيتام الإسلامية، 1943.

"تاريخ قبّة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك ولمحة عن تاريخ القدس". القدس: مكتبة الأندلس، 1955.

"تاريخ القدس". القاهرة: دار المعارف، 1951.

"رؤياي". القدس: مطبعة الآباء الفرنسيسيين، 1943. بيروت: دار ريحاني للطباعة والنشر، ط 2، [1957].

"كتاب القضاء بين البدو". القدس: مطبعة بيت المقدس، 1933.

"المفصل في تاريخ القدس". القدس: مكتبة الأندلس،1961. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 3، 2005.

"الموجز في تاريخ عسقلان". القدس: مطبعة بيت المقدس، 1943.

"النكبة: نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود". صيدا: المكتبة العصرية، 1956-1961 (6 مجلدات).

ط2: مع تقديم وليد الخالدي، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2012 (3 مجلدات).

"النكبة في صور: نكبة العرب في فلسطين". بيروت: دار العلم للملايين, 1961.   

Bedouin Love, Law and Legend, Dealing Exclusively with the Badu of Beersheba, in collaboration with Harold W. Tilley. Jerusalem: Cosmos, 1944.

The Dome of the Rock and other Muslim Sanctuaries in the Haram of Jerusalem: History and Guide, in collaboration with Mrs. A. Willard Jones. Jerusalem: Jerusalem Commercial Press, 1951.

 

المصادر:

تماري، سليم. "مع ناقة الله في سيبيريا: عارف العارف في الأسر الروسي خلال الحرب العالمية الأولى". بيروت: "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 76 (خريف 2008)، ص 109-127.

الحوت، بيان نويهض."المؤرخون الفلسطينيون والنكبة". بيروت: "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 89 (شتاء 2012)، ص 51-71.

الخالدي، محمد مصطفى وسليم عاصم السعيد وأحمد خليل العقاد (إعداد). "من هو؟ رجالات فلسطين 1945-1946". عمّان: مؤسسة التعاون، ط 2، 1999.

الخالدي، وليد. "عارف العارف، النكبة والفردوس المفقود". بيروت: "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 90 (ربيع 2012)، ص 51-85.

الدجاني، أحمد صدقي [وآخرون]. "من أعلام الفكر في فلسطين". القدس: مؤسسة دار الطفل، 1991.

شاهين، أحمد عمر. "موسوعة كتّاب فلسطين في القرن العشرين". دمشق: منظمة التحرير الفلسطينية، دائرة الثقافة، الجزء الثاني، 1992.

صالح، جهاد أحمد. "الرواد المقدسيّون في الحياة الفكرية والأدبية في فلسطين". رام الله: الاتحاد العام لكتاب والأدباء الفلسطينيين، الجزء الأول، ط 2، 2011.

العودات، يعقوب. "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمّان: [لجنة أصدقاء يعقوب العودات]، 1976.

فارس، عوني. "القدس والنكبة في ذاكرة عارف العارف". "حوليات القدس"، العدد 15 (ربيع-صيف 2013)، ص 51-61.

لوباني، حسين علي. "معجم أعلام فلسطين في العلوم والفنون والآداب". بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2012.

الموسوعة الفلسطينية، القسم العام، المجلد الثالث. دمشق: إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984.

Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: A Biographic Dictionary. Jerusalem: Passia Publication, 2nd ed., revised and updated, 2006.