قدري طوقان
ولد في مدينة نابلس لعائلة عريقة. والده: حافظ. عمه: عبد الفتاح. ابنا عمه: الشاعران إبراهيم وفدوى.
تلقى قدري طوقان علومه الابتدائية والثانوية في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس، وتخرج فيها سنة 1924، وتابع دراسته الجامعية في كلية العلوم في الجامعة الأميركية في بيروت، وتخرّج فيها بحصوله على درجة البكالوريوس في الرياضيات سنة 1929.
بعد عودته من بيروت إلى نابلس، عيّن أستاذاً للرياضيات في مدرسة النجاح، وشرع في التركيز على دراسة العلوم عند العرب، وهو الحقل الذي كان من المُبرّزين العرب القلائل فيه.
بدأ قدري طوقان نشاطه الوطني منذ مطلع الثلاثينيات ضد الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية. وفي سنة 1936، اعتقلته السلطات البريطانية ونفته إلى الحفير في النقب، ثم إلى صرفند جنوب حيفا، لمدة تسعة أشهر، عاد بعدها ليواصل التدريس في مدرسة النجاح التي أصبح فيما بعد مديراً لها.
تميّز قدري طوقان بكونه مثقفاً ملتزماً آمن بواجب المثقفين الفلسطينيين الاضطلاع بدور كبير في مجتمعهم، كي ينشئوا "شباباً مؤمنين عاملين على رفع مستوى البلاد، مثقفين تثقيفاً قومياً وطنياً، يعرفون كيف يخدمون الوطن."
تصدى طوقان لمزاعم الصهيونية التي تدّعي الحق في فلسطين؛ فعندما رفع أساتذة الجامعات والمدارس في الولايات المتحدة الأميركية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كتاباً إلى الرئيس فرانكلين روزفلت يطلبون فتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بادر، بصفته عالماً وعضواً في الجمعية الرياضية الأميركية، إلى الرد على كتاب أولئك الأساتذة، وتوجّه إليهم بقوله: "قد لا يكون عند بعضكم علم بأن في فلسطين عرباً هم أصحابها، وأنه ليس في شرعة الإنصاف والعدل أن يطلب من الدول القوية إرغامهم على قبول الوطن القومي في بلادهم"؛ وبعد أن أكد أن لا ذنب للعرب في فلسطين "حتى يذوقوا العذاب، ويصبح كيانهم مهدداً من هجرة أقوام ليس للعرب أية علاقة فيما يحل بهم من مصائب، وما ينزل عليهم من مظالم"، عبّر عن ألمه "لما يحل باليهود من المظالم"، وعن شعوره بالأسى للنكبات "التي تنصب عليهم"، وعن استنكاره النازية "وأساليبها في إفناء اليهود"، مطالباً زملاءه من الأساتذة الأميركيين، إذا كانوا "حريصين على مصالح اليهود وتأمين كيان لهم"، أن يفتحوا بلادهم للاجئيهم.
ساهم قدري طوقان، في سنة 1945، في تأسيس "لجنة الثقافة العربية" في فلسطين، إلى جانب إسحق موسى الحسيني وآخرين، وفي تنظيم "معرض الكتاب العربي الفلسطيني الأول" في نادي الاتحاد الأرثوذكسي العربي بالقدس في سنة 1946، الذي ضم نحو 800 كتاب باللغة العربية وعشرات الكتب بلغات أجنبية.
بعد النكبة، وصدور قرار ضم الضفة الغربية لنهر الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية، ترشح طوقان لانتخابات البرلمان الأردني في نيسان/ أبريل 1950 وانتُخب نائباً عن مدينة نابلس، وأعيد انتخابه في الانتخابات التي جرت في مطلع أيلول/ سبتمبر 1951، وبقي نائباً عن مدينته إلى حزيران/ يونيو 1954 عندما اتخذت الحكومة قراراً بحل البرلمان.
شارك طوقان في نابلس مشاركة فعالة في النضالات التي شهدها الأردن في أواسط الخمسينيات ضد المعاهدة الأردنية-البريطانية ومن أجل تعريب الجيش الأردني.
في تموز/ يوليو 1964، عيّن قدري طوقان وزيراً للخارجية الأردنية واستمر في هذا المنصب حتى شباط/ فبراير 1965، وسعى من موقعه هذا لتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية بين الأردن ومصر.
اختير قدري طوقان عضواً في المجلس الأعلى للتعليم في الأردن، وترأس الجمعية الأردنية للعلوم منذ سنة 1955 حتى وفاته، وشارك في عضوية مجلس أمناء الجامعة الأردنية عند تأسيسها في سنة 1962. كما اختير عضواً في المجمع العلمي العربي في دمشق، وانتُخب نائباً لرئيس الاتحاد العلمي العربي وعضواً في مجمع اللغة العربية في القاهرة.
أعار طوقان اهتماماً كبيراً لدراسة التراث العربي العلمي، وخصوصاً في مجالي الرياضيات والفلك، وأعد عدداً كبيراً من الكتب العلمية والتراثية، ونشر مئات المقالات السياسية والفكرية في الصحف والمجلات الفلسطينية والعربية، كما ألقى العديد من المحاضرات العلمية في القاهرة، ودمشق، وبيروت، وعمّان، وبغداد، وغيرها، واشترك في الكثير من المؤتمرات العلمية العربية والدولية.
كان قدري طوقان من المؤمنين بأن طريق تجاوز النكبة الفلسطينية يمر عبر تملك العلم وتطوير أساليب الحياة العربية بالاستناد إلى العلم ومكافحة الجهل. ففي كتابه "بعد النكبة"، كتب: "لقد نزلت كارثة فلسطين بالعرب أجمعين، وكانت نتيجة حتمية للأوضاع والأساليب التي اتبعها العرب في الحياة والجهاد، فهي بعيدة عن العلم، لم تقم على أساس، بل تقيدت بمقاييس الماضي وأغراضه، فكانت الفوضى في الأعمال، وكان الارتجال في السياسة والحركات"، وأضاف: "لقد تخيل العرب أنهم يستطيعون مقاومة اليهود ودحرهم، وأن هزيمتهم قريبة المنال لا تحتاج إلى كبير جهد أو عناء، فساروا في مقاومتهم على هذا الأساس، ونسوا أن الحديد لا يفله إلاّ الحديد، والعلم لا يقابل إلاّ بالعلم، والتنظيم لا يقاوم إلاّ بالتنظيم، فانتصر عليهم الأعداء"، ليخلص إلى أنه "إذا أراد العرب أن يعيشوا في القرن العشرين في بلادهم أحراراً، منتجين، عاملين، فعليهم أن يعيشوا بالعلم، وعلى أسس من الأرقام، ويتبصروا بمعاني الأسلوب العلمي، ويسلموا زمام أمورهم لعقليات علمية". وكان طوقان قد حمّل الاستعمار القسط الأكبر من المسؤولية في تأخر العرب، إذ كتب في ذلك: "إن تخلف العرب عن السير في ركب الحضارة هو في الواقع من آثار الاستعمارين التركي والأوروبي".
حاز قدري طوقان عدداً من الأوسمة والجوائز، منها وسام الاستقلال من الدرجة الأولى من المملكة الأردنية الهاشمية سنة 1957، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى، الذي منحه له الزعيم جمال عبد الناصر في عيد العلم العاشر بالجمهورية العربية المتحدة الذي عقد سنة 1964 في جامعة القاهرة. كما حاز وسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى سنة 1964، ووسام الكفاءة المغربي من الدرجة الممتازة في سنة 1961، ونال درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة البنجاب في الباكستان سنة 1967 تقديراً لجهوده المتميزة في خدمة الفكر والتراث الإنساني. وبعد وفاته، منحته منظمة التحرير الفلسطينية، في سنة 1990، وسام القدس للثقافة والفنون والآداب.
توفي قدري طوقان في 26 شباط/ فبراير 1971 في بيروت، وهو في طريقه إلى القاهرة في إثر نوبة قلبية حادة، وتم نقل جثمانه إلى عمّان جواً، ثم إلى نابلس حيث دفن في المقبرة الشرقية إلى جوار ابن عمه الشاعر إبراهيم طوقان.
من آثاره:
"تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك". القاهرة: منشورات مجلة "المقتطف"، 1941.
"الكون العجيب". سلسلة اقرأ (رقم 11). القاهرة: دار المعارف، 1943.
"بين العلم والأدب". القدس: مكتبة فلسطين العلمية، 1946.
"بعد النكبة". بيروت: دار العلم للملايين، 1950. أعيد إصداره في: قسطنطين زريق، جورج حنا، موسى العلمي، قدري حافظ طوقان (تقديم وليد الخالدي). "نكبة 1948: أسبابها وسبل علاجها". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2009.
"العلوم عند العرب". القاهرة: مجموعة الألف كتاب 1956.
"مقام العقل عند العرب" القاهرة: دار المعارف، 1960.
"حيوية العقل العربي في نقد الفكر اليوناني". القاهرة: مجمع اللغة العربية، 1966.
"قدري طوقان، مختارات من إنتاجه الفكري" (تحرير ماهر الكيالي). بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2002.
المصادر:
جبر، يحيى عبد الرؤوف جبر. "قدري طوقان 1910-1971". الموسوعة التربوية الفلسطينية، مكتبة الجمعية العلمية، 1995 .
الزركلي، خير الدين. "الأعلام". الطبعة الخامسة عشر. بيروت: دار العلم للملايين، 2002.
الشريف، ماهر. "المثقف الفلسطيني ورهانات الحداثة (1908-1948)". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2020.
العودات ، يعقوب. "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمّان: د.ن. 1976.
"الموسوعة الفلسطينية"، القسم العام، المجلد الثالث. دمشق: هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984.
يعقوب، أوس داوود، "قدري حافظ طوقان 1910-1971: سيرة عالم فلسطيني .. رفع لواء الدفاع عن العقل والعلم والمنهج العلمي في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية". موقع ديوان العرب (7 تشرين الأول/ أكتوبر 2009) diwanalarab.com.
Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: A Biographic Dictionary. 2nd ed., rev. and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006.
محتوى ذو صلة
رسم توضيحي
غلاف تقديم معرض الكتاب العربي الفلسطيني، القدس، 1946
11 تشرين الأول 1946 - 20 تشرين الأول 1946