محمد عزة دروزة
ولد في مدينة نابلس في 21 حزيران/ يونيو 1887 لعائلة من الفئات الوسطى، إذ كان والده تاجراً يعمل في تجارة الأقمشة. ويُعتقد أن اسم العائلة يعود إلى أجداده الذين كانوا يمتهنون الخياطة.
والده: عبد الهادي. زوجته: فاطمة دروزة. زوجته الثانية: لائقة التميمي. ابناه: زهير وسامي. ابنتاه: نجاح وردينة.
درس محمد عزة دروزة المرحلة الابتدائية في مدرسة الشيخ محمد زعيتر وتخرّج في المدرسة الإعدادية، الرشيدية، في سنة 1903. وكان والده قد ألحقه بالشيخ مصطفى الخياط في الجامع الكبير في نابلس ليقرأ عليه بعض دروس الفقه.
بدأ دروزة العمل في سنة 1903 متمرناً في مديرية البرق والبريد في نابلس، وما لبث أن دخل سلك الوظيفة في المديرية نفسها، وتنقل في عدة وظائف فيها، إذ عمل وكيلاً لمديرية بيسان، فمأموراً ووكيلاً لمديرية نابلس، فرئيساً لقسم بيع الطوابع في بيروت فمأموراً متجولاً، ثم مفتشاً على مراكز البرق والبريد في سيناء وبئر السبع، ثم صار سكرتيراً لديوان المديرية العامة في بيروت إلى نهاية الحرب العالمية الأولى.
اهتم محمد عزة دروزة منذ شبابه بالمطالعة، وهو ما أثار وعيه السياسي وصقل مهاراته في الكتابة، فقرأ ما وقع تحت يديه من كتب متنوعة في مجالات الأدب والتاريخ والاجتماع والحقوق. كما وفّرت له وظيفته في مصلحة البريد فرصة الاطلاع على الدوريات المصرية التي كانت توزع على المشتركين في فلسطين في ذلك الوقت، مثل "الأهرام" و"الهلال" و"المؤيد" و"المقطم" و"المقتطف"، فوسّعت مطالعتها مداركه، وعرّفته إلى ما كان يجري في مصر وفي أنحاء الدولة العثمانية من أحداث، وجعلته يبدأ محاولاته الأولى في الكتابة. وشارك دروزة، في تلك الفترة، في الكتابة إلى جريدة "الإخاء العثماني" التي كانت تصدر في بيروت، وصار يكتب مقالاً أسبوعياً في جريدة "الحقيقة" البيروتية، كما شارك بالكتابة في جريدة "فلسطين" في يافا، وجريدة "الكرمل" في حيفا.
انضم محمد عزة دروزة بعد إعلان الدستور العثماني في تموز/ يوليو 1908 لفترة قصيرة إلى "جمعية الاتحاد والترقّي"، ثم شارك في سنة 1909 في تأسيس فرع لـ "حزب الحرية والائتلاف" المعارض لـ "الاتحاديين" في نابلس، الذي تصدى لعمليات بيع الأراضي إلى الحركة الصهيونية.
في سنة 1911 شارك دروزة في تأسيس "الجمعية العلمية العربية" في نابلس، التي كانت تهدف إلى مقاومة سياسة "التتريك" في المدارس وتشجيع تدريس اللغة العربية. وأسس سنة 1912 مع عدد من رفاقه من ذوي الميول القومية العربية فرعاً لـ "حزب اللامركزية الإدارية"، الذي تشكّل في مصر، وساعد في تنظيم المؤتمر القومي العربي الأول الذي عُقد في باريس في حزيران/ يونيو 1913. كما ألّف في تلك الفترة روايتين تعبّران عن المطامح القومية العربية هما "وفود النعمان على كسرى أنوشروان" في سنة 1911، و"السمسار وصاحب الأرض" في سنة 1913، وانضم في سنة 1916 إلى "جمعية العربية الفتاة" السرية، وانتُخب مرتين في هيئتها المركزية.
عاد محمد عزة دروزة إلى فلسطين بعد نهاية الحرب العالمية الأولى في سنة 1918، حيث ساهم مع رفاق له في تأسيس "الجمعية الإسلامية المسيحية"، في نابلس، التي ظل سكرتيراً لها حتى سنة 1932، وشارك مندوباً عنها في المؤتمر العربي الفلسطيني الأول الذي عُقد في القدس في سنة 1919 وانتُخب سكرتيراً له.
كان دروزة من أنصار وحدة فلسطين مع سوريا، فشارك في تأسيس "حزب الاستقلال" الذي كان واجهة لأنصار الأمير فيصل في دمشق، كما مثّل نابلس في المؤتمر السوري العام الذي عُقد في دمشق في آذار/ مارس 1920 ونُصّب فيه الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا. وانتُخب دروزة سكرتيراً لذلك المؤتمر، وهو الذي أعلن، في 8 من ذلك الشهر، استقلال سوريا أمام الجماهير السورية المحتشدة من شرفة البلدية. لكنه اضطر إلى الانتقال إلى عمّان، بعد احتلال القوات الفرنسية دمشق في تموز/ يوليو 1920 والقضاء على حكم الملك فيصل، وعمل هناك سكرتيراً لديوان الأمير عبد الله بن الحسين.
بعد استقراره في فلسطين، شارك محمد عزة دروزة في أعمال المؤتمر العربي الفلسطيني الخامس الذي عُقد في نابلس في أواخر آب/ أغسطس 1922 وانتخب سكرتيراً له.
تولى دروزة إدارة مدرسة النجاح في نابلس في الفترة 1922-1927، التي حملت في عهده رسالة وطنية إلى جانب رسالتها التعليمية والتربوية، فكانت تزرع في نفوس تلامذتها حب الوطنية والعروبة والاعتزاز بالأمجاد العربية والإسلامية. وكانت له خلال إدارته المدرسة محاضرة أسبوعية في الأخلاق والاجتماع يلقيها على طلاب الصفوف الثانوية. ولم تشغله أعباء المدرسة عن الاستمرار في كتابة المقالات الاجتماعية والسياسية والتربوية، التي كان يمد بها مجلات "الكشاف" في بيروت، و"المرأة الجديدة" في القاهرة، وجريدة "الجامعة العربية" في فلسطين، وفي تأليف روايتي "صقر قريش" و"آخر ملوك العرب في الأندلس". كما ألّف في تلك الفترة كتباً مدرسية في التاريخ القديم والمتوسط والحديث.
شارك محمد عزة دروزة، في سنة 1928، في تأسيس "جمعية الشبان المسلمين" في نابلس، وفي عضوية المؤتمر الإسلامي العام الذي عُقد في القدس في كانون الأول/ ديسمبر 1931 للتأكيد على إسلامية "حائط البراق"، وخصوصاً بعد الهبّة التي اندلعت في آب/ أغسطس 1929 وعُرفت باسم "هبّة البراق". كما انضم إلى عضوية "اللجنة المركزية لإعانة المنكوبين" التي تشكّلت في أعقاب تلك الهبّة. وكان المجلس الإسلامي الأعلى قد عيّنه مأموراً للأوقاف في نابلس في الفترة بين 1927 و 1932، ثم مديراً عاماً للأوقاف في فلسطين بين سنة 1933 وسنة 1937.
كان محمد عزة دروزة، في آب/ أغسطس 1932، ضمن أعضاء الهيئة التأسيسة لـ "حزب الاستقلال العربي" في فلسطين، إلى جانب عوني عبد الهادي، وصبحي الخضراء، ومعين الماضي، وأكرم زعيتر وآخرين. وكان من أهداف هذا الحزب: مواجهة الانتداب البريطاني لأنه أصل الداء وأساس البلاء، ومقاومة الصهيونية ومحاربة مخططاتها الاستيطانية في فلسطين، والعمل على استقلال البلاد العربية ووحدتها بما فيها فلسطين التي تشكّل جزءأ لا يتجزأ من سوريا الطبيعية. وخلال مشاركته مع رفاقه أعضاء الحزب في إحدى التظاهرات المناهضة للانتداب البريطاني، التي جرت في يافا في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 1933، شُج رأسه على يد خيالة الإنكليز، قبل أن يُعتقل ويُحكم عليه بالسجن عشرة أشهر مع الأشغال الشاقة.
بعد اندلاع الإضراب العام والثورة الكبرى، تشكّلت، في حزيران/ يونيو 1936، "اللجنة العربية العليا"، التي مثّل "حزب الاستقلال" فيها عوني عبد الهادي، وعندما اعتُقل حل محله محمد عزة دروزة، لكنه اعتُقل بدوره بعد أيام معدودة، وذلك حتى تشرين الأول/ أكتوبر.
أدلى دروزة، في كانون الثاني/ يناير 1937، بشهادته أمام لجنة التحقيق البريطانية التي عُرفت باسم "لجنة بيل". وفي تلك السنة، قررت سلطات الانتداب البريطاني طرده من إدارة الأوقاف، ووضعته قيد المراقبة، فقرر الانتقال إلى دمشق لمساعدة الحاج محمد أمين الحسيني في دعم الثوار. وشارك في عضوية وفد "اللجنة العربية العليا" إلى عاهلي العراق والسعودية، كما كان ضمن المندوبين الفلسطينيين إلى المؤتمر العربي العام الذي عُقد في بلدة بلودان السورية، في أيلول/ سبتمبر 1937، وقرر رفض توصية تقسيم فلسطين التي تقدمت بها لجنة بيل.
في سنة 1939 اعتقلت السلطات الفرنسية محمد عزة دروزة، بتحريض من الإنكليز، وحوكم أمام محكمة عسكرية أصدرت عليه حكماً بالسجن خمس سنوات، أمضى منها 16 شهراً في سجني "المزّة" و"القلعة"، وأفرج عنه في تشرين الأول/ أكتوبر 1940، في إثر انهيار فرنسا في الحرب، وذلك بمساعدة صديقه الزعيم الوطني السوري شكري القوتلي. وكان، خلال وجوده في السجن، قد حفظ القرآن وبدأ يكتب مسودات كتبه الثلاثة "سيرة الرسول" و"عصر النبي" و"الدستور القرآني".
لجأ محمد عزة دروزة بعد الإفراج عنه إلى تركيا حيث أمضى أربع سنوات، عاد بعدها إلى فلسطين، واختير، في سنة 1946، عضواً في "الهيئة العربية العليا لفلسطين"، التي شكّلتها جامعة الدول العربية لتخلف "اللجنة العربية العليا" التي حلّتها سلطات الانتداب البريطاني في سنة 1937. لكنه استقال من عضويتها بعد أشهر جرّاء سوء حالته الصحية، واعتزل النشاط السياسي.
في خريف سنة 1948، اشتد عليه مرض المرارة، فأدخل مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت حيث أُجريت له عملية جراحية خرج على أثرها منهوك القوى، فضلاً عن اشتداد معاناته جرّاء ثقل سمعه الذي بدأ في سنة 1932.
استقر محمد عزة دروزة، بعد وقوع النكبة، في دمشق، وكرس وقته للكتابة والتأليف، فنشر مقالات في صحف ومجلات عديدة، وألّف أكثر من أربعين كتاباً، كما ألقى خلال الفترة بين سنة 1954 وسنة 1957، نحو خمسين حديثاً إذاعياً في إذاعتي مكة ودمشق في مبادئ الجهاد العربي في العصرين القديم والحديث. وفضلاً عن تمكنّه من لغته العربية، أتقن دروزة اللغتين التركية والفرنسية، وترجم عن الأخيرة عدداً من الكتب والروايات، منها رواية "رفائيل" للكاتب ألفونس دو لامارتين وكتاب "دستور الأثينيين" لأرسطو.
انتُخب دروزة، في سنة 1956، عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية في القاهرة، ثم انتُخب، في سنة 1960، عضواً في "المجلس الأعلى للفنون والآداب" في القاهرة ومقرراً للجنة التاريخية فيه، لكن ثقل سمعه وحالته الصحية جعلاه يعتذر عن الاستمرار في هذه العضوية.
اختير محمد عزة دروزة في أيار/ مايو 1964 عضواً في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي عُقد في القدس وصدر عنه قرار بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، ثم ساهم بعد ذلك في تكوين "جمعية رعاية أسر الشهداء" في دمشق، وراح يبذل مساعيه، بعد حرب حزيزان/ يونيو 1967 وانطلاق حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، من أجل توحيد فصائل هذه المقاومة، بما يحوّلها كما طمح إلى حركة تحرير شاملة.
نال محمد عزة دروزة في سنة 1961 جائزة المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية في سوريا عن كتابه "الوحدة العربية".
محمد عزة دروزة، ابن مدينة نابلس، مناضل وطني فلسطيني وقومي عربي، كان أديباً ومؤرخاً وصحافياً ومترجماً ومفسراً للقرآن. تطبّع نضاله بطابعه الوحدوي وتجاوز ظروف التجزئة، واشتهر بصلابة عقيدته الدينية. تُعتبر سيرته الذاتية تأريخاً لمسيرة الحركة الوطنية النضالية والاستقلالية والوحدوية خلال القرن العشرين.
توفي محمد عزة دروزة في دمشق في 26 تموز/ يوليو 1984 ودفن في مقابرها.
من آثاره:
"وفود النعمان على كسرى أنوشروان". بيروت: مطبعة صبرا، 1911.
"سيرة الرسول". القاهرة: مطبعة الاستقامة، 1948.
"القرآن والمرأة". صيدا: المطبعة العصرية، 1951.
"حول الحركة العربية الحديثة: تاريخ ومذكرات وتعليقات" (6 أجزاء). صيدا: المطبعة العصرية، 1950-1952.
"الوحدة العربية"ـ بيروت: المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، 1956.
"تاريخ الجنس العربي في مختلف الأطوار والأدوار والأقطار" (8 أجزاء). بيروت: منشورات المكتبة العصرية، 1956.
"تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم" (3 أجزاء). القاهرة: مكتبة نهضة مصر، 1958.
"القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها. تاريخ وتذكرات وتعليقات" (جزآن). بيروت: المكتبة العصرية، 1959.
"مأساة فلسطين" ـ دمشق: دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر، 1959.
"مذكرات محمد عزة دروزة، سجل حافل بمسيرة الحركة العربية والقضية الفلسطينية خلال قرن من الزمن" (6 مجلدات). بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1993.
"محمد عزة دروزة (1305-1404 هـ/ 1887-1984 م): سيرة ذاتية مقتطفة من مذكراته"، تحرير وتقديم وليد الخالدي. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2023.
المصادر:
الجميل، منصور. "محمد عزة دروزة في تأريخ فلسطين". "العربي الجديد"، 21 حزيران/ يونيو 2020.
حمادة، حسين. "محمد عزة دروزة: صفحات من حياته وجهاده ومؤلفاته". بيروت: الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، 1983.
الحوت، بيان نويهض. "محمد عزة دروزة، الشاهد، والمفكر والمؤرخ من خلال مذكراته السياسية". "مجلة الدراسات الفلسطينية". العدد 31 (صيف 1997).
شبيب، سميح. "من رواد الثقافة والتنوير في فلسطين". رام الله: مركز الأبحاث-منظمة التحرير الفلسطينية، 2017.
العودات، يعقوب. "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمّان: د. ن. ، 1976.
غنيم، عادل حسن. "محمد عزة دروزة وحركة النضال الفلسطيني". القاهرة: ، دار النهضة العربية، 1987.
"مختارات قومية لمحمد عزة دروزة". بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1988.
Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: a Biographic Dictionary. 2nd ed., revised and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006.