عبد الله مخلص
والده: محمد. والدته: من أسرة حصيرجي. ابنته: مقبولة.
ولد عبد الله مخلص في 27 كانون الأول/ ديسمبر 1878 في بلدة عين تاب من أعمال حلب لعائلة تعود أصولها إلى مدينة الحديدة في اليمن، تدعى "شبجي خوجه زاده". وكان والده ضابطاً في الجيش العثماني، نُقل بمقتضى عمله العسكري إلى مدينة حيفا ولم يكن ابنه عبد الله قد تجاوز الرابعة من عمره.
بدأ عبد الله مخلص دراستة في المكتب الرشدي في مدينة حيفا، وحصل على شهادته في 21 تموز/ يوليو 1890 وهو في الثانية عشرة من عمره، ولم يبعث به والده إلى مدرسة أعلى.
انتقل والده، بحسب وظيفته، إلى جنين من أعمال نابلس، فراح عبد الله مخلص يتردد على إحدى دوائر الحكومة للتمرن على إجادة الخط وتعلم أساليب الكتابة، وكان يقرأ ما يصدر من تقارير ولوائح عن قائمقام قضاء جنين محمد رؤوف بك، وكانت اللغة التركية العثمانية هي اللغة الرسمية في دوائر الحكومة.
عكف عبد الله مخلص على تحصيل العلم بنفسه، فراح يتردد على كبار العلماء في مدينة نابلس، كالشيخ حسن هاشم مفتي نابلس، والشيخ داود هاشم عضو محكمة الاستئناف الشرعية في القدس، والشيخ عبد الله صوفان الحنبلي وغيرهم، فانتفع بدروسهم ومجالسهم العلمية.
كان أول عمل زاوله عبد الله مخلص هو كتابة بلدية قضاء جنين في 14 نيسان/ أبريل 1893، ثم أصبح أمين صندوق البلدية. وفي 22 تموز/ يوليو 1896، عُيّن كاتباً في فرع المصرف الزراعي بلواء نابلس، ثم أضيفت إليه، بعد عامين أمانة الصندوق في المصرف، ورقّي، في 4 حزيران/ يونيو 1900، إلى مدير محاسبة الفرع المذكور في جنين، قبل أن يُنقل، في 21 نيسان/ أبريل 1906، إلى قضاء صور من أعمال بيروت في الوظيفة نفسها.
في 24 تموز/ يوليو 1907، استقال عبد الله مخلص من عمله في المصرف الزراعي، وعُيّن في فرع الاستثمار التابع لإدارة سكة حديد الحجاز في حيفا، ثم أصبح، بعد عامين، رئيساً لهذا الفرع، فعمل على تأليف جمعية تدافع عن مصالح العاملين باسم "جمعية تعاون موظفي سكة الحديد"، لكن مجلس شورى الدولة قرر إلغاءها بعد ستة أشهر من تأسيسها.
بدأ عبد الله مخلص، منذ سنة 1909، يكتب المقالات في الجرائد والمجلات العربية، ومنها "المقتبس" و"النفائس العصرية" و"اللواء" و"المفيد"؛ والتركية، مثل "زمان" و"الترقي" و"صباح". وتركزت اهتماماته العلمية في التراث العربي الإسلامي والتراث المعماري في فلسطين والأردن.
أُقيل عبد الله مخلص من منصبه في إدارة سكة حديد الحجاز في 13 آذار/ مارس 1914، بعد أن نشب خلاف بينه وبين المدير العام الألماني لهذه الدائرة، الذي كان يدعى "ديكمن"، وذلك جرّاء رغبة هذا الأخير في أن يأتي بجميع لوزام السكة الحديدية من المعامل الألمانية فقط، بينما كان عبد الله مخلص يصرّ على ضرورة الرجوع إلى طرق المناقصة والمزايدة لشراء هذه اللوازم.
بعد إقالته من منصبه الأخير، عمل عبد الله مخلص لسنوات في التجارة. وعند تأسيس دار كتب المسجد الأقصى في سنة 1922، عُين مخلص وكيلاً لها، فانصرف إلى تأسيس مكتبة تراثية عظيمة في الدار، جمع فيها المصاحف الشريفة القديمة النادرة والكتب المخطوطة القليلة وما جادت به نفوس كرماء العلم السخية من الكتب القيّمة والأسفار الممتعة.
في 3 أيلول/ سبتمبر 1922 دُعي مخلص لتولي المحاسبة العامة لمديرية الأوقاف في المجلس الإسلامي الأعلى في القدس، كما اختير عضواً في لجنة مدرسة دار الأيتام. لكن لم يكد يمضي عام واحد على توليه إدارة المحاسبة حتى قررت رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى إلغاء هذا المنصب لانتقاده تبذير المجلس في النفقات، فعاد إلى مزاولة أعماله التجارية.
انتُخب عبد الله مخلص في سنة 1927 عضواً مراسلاً في المجمع العلمي العربي في دمشق، فصار ينشر بعض مقالاته وأبحاثه في المجلة التي يصدرها هذا المجمع.
في أوائل سنة 1938، عُيّن مخلص مديراً للأوقاف العامة الإسلامية في فلسطين، وظل في منصبه هذا حتى أيار/مايو 1944 حين فُرضت عليه الاستقالة.
بعد إقالته من إدارة الأوقاف الإسلامية، انصرف عبد الله مخلص، بصورة كلية، إلى التأليف والكتابة، وإلى تقديم الأحاديث في الإذاعة الفلسطينية. كما انكب على جمع ما أمكنه من المخطوطات والمطبوعات النفيسة حتى غدت مكتبته الخاصة في منزله في حي الشيخ جراح مكتبة قليلة النظير في فلسطين. وكان منزله يحفل بالعلماء الذين كانت تدور بينهم مناقشات علمية غنية لم ينقطع عن المشاركة فيها، على الرغم من مرضه، حتى في السنة الأخيرة من حياته.
نسج عبد الله مخلص صداقات كثيرة مع عدد من علماء عصره المعروفين، وخصوصاً في بلاد الشام ومصر والعراق، ومنهم محمد كرد علي صاحب مجلة "المقتبس" وأول رئيس للمجمع العلمي العربي في دمشق، والعلامة المصري أحمد تيمور باشا، والعلامة الأب أنستاس ماري الكرملي في بغداد صاحب مجلة "لغة العرب"، والشيخ سعيد الكرمي الذي كان في وقت من الأوقات نائباً لرئيس المجمع العلمي العربي في دمشق وقاضياً للقضاة في الأردن، والشيخ أسعد الشقيري من علماء عكا، والمؤرخ عجاج نويهض، ونجيب نصار صاحب جريدة "الكرمل" الحيفاوية، والعلامة المؤرخ عيسى اسكندر المعلوف صاحب مجلة "الآثار"، والمؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب. كما ربطته روابط الصداقة أو المراسلة بعدد من المستشرقين مثل الأب الدومينيكي الفرنسي أنطونين جوسين (Antonin Jaussen)، المختص بالآثار والتاريخ الإسلامي، ودافيد صاموئيل مرغوليوت (David Samuel Margoliouth) الإنكليزي أستاذ اللغة العربية بجامعة أكسفورد، وكارل بروكلمان (Carl Brockelmann) الألماني، صاحب "تاريخ الأدب العربي".
عندما اضطرب حبل الأمن في مدينة القدس بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار التقسيم في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، خشي عبد الله مخلص على مكتبته الثمينة، وكان بيته في حي الشيخ جراح مجاوراً لحي مئا شيعاريم اليهودي، فأصبح التفكير بإنقاذ مكتبته شغله الشاغل، وقرر نقلها إلى دير راهبات القلب المقدس، مقابل المستشفى الفرنسي في القدس، لكن القوات الصهيونية قصفت فيما بعد الدير فانهار، وظلت مكتبته تحت الأنقاض.
أصيب عبد الله مخلص في نيسان/أبريل 1947 بمرض خبيث في غدة البروستات، فأجريت له عملية جراحية غير ناجحة في المستشفى الفرنسي، وظل يعاني الآلام ثمانية أشهر إلى أن توفي في 16 كانون الأول/ ديسمبر 1947، ودُفن في مقبرة الساهرة قبالة سور القدس والبلدة القديمة، ونُقش على قبره: "هنا يرقد بسلام فقيد العلم والوطن العلامة المؤرخ عبد الله مخلص المدير العام للأوقاف الاسلامية في فلسطين برّد الله مثواه وجعل الجنة مأواه". وقد نعاه عدد من الصحف والمجلات في فلسطين والعالم العربي، ووصفه الأديب إسعاف النشاشيبي بقوله: "الجاحظ أعجوبة البيان، وعبد الله مخلص أعجوبة الزمان".
كان عبد الله مخلص، الذي أتقن اللغتين التركية والفارسية إلى جانب العربية، مؤرخاً وعالم تراث في المقام الأول، ومفكراً عقلانياً يرفض الخرافات، وتميّزت كتاباته بالموضوعية، وكان جريئاً في الدفاع عن رأيه حتى لو خالف الأفكار السائدة. كما كان ديمقراطياً محباً للحرية، مناهضاً للاستبداد والإقطاع والطائفية، ونصيراً للمرأة ولنيلها حقوقها الإنسانية. ومع اعتزازه بعروبته، ونزعته الاشتراكية التي جعلته يقف في صف العمال ويدافع عنهم، كان، في الوقت نفسه، يعتز بعقيدته الإسلامية مع مناوأته الجمود والتحجر والإيمان الأعمى بالقديم.
من مؤلفاته:
"تاريخ المسجد الأقصى". صيدا: مطبعة مجلة العرفان، 1947.
"جب يوسف الصديق وقبره الشريف". القاهرة: المطبعة السلفية، 1927.
"جمهرة مقالات وبحوث مؤرخ القدس العلامة المؤرخ الأديب الآثاري عبد الله مخلص". تجميع محمد خالد كًلّاب (ثلاثة مجلدات). الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2019.
"صاحب مختار الصحاح". بولاق: المطبعة الأميرية، 1919.
"مئذنة الجامع الأبيض في الرملة". بيروت: المطبعة الأدبية، 1923.
من تحقيقاته:
ابن جابر الأندلسي." بديعية العميان، المسماة الحلة السيرا في مدح خير الورى". القاهرة: المطبعة السلفية، 1347 ه.
ابن منجب الصيرفي. "الإشارة إلى من نال الوزارة". القاهرة: المعهد العلمي الفرنسي، 1924 .
خليل بن أيبك الصفدي. "التذكرة الصلاحية". دمشق: "مجلة المجمع العلمي العربي" في دمشق، 1935.
من ترجماته:
نامق كمال. "سيرة الفاتح"، حيفا، 1910.
نامق كمال. "فاتحة الفتوحات العثمانية". حيفا، 1910.
المصادر:
الزركلي، خير الدين. "الأعلام"، الجزء الرابع. بيروت: دار العلم للملايين، 1980.
العسلي، كامل جميل. "تراث فلسطين في كتابات عبد الله مخلص: مع دراسة مفصّلة عن حياته وشخصيته العلمية". عمّان: دار الكرمل-صامد، 1986.
العسلي، كامل (تقديم). "ترجمة حياة عبد الله مخلص بقلمه". "دراسات"، المجلد الثاني عشر، العدد الثامن، 1985.
العودات، يعقوب. "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمّان: د. ن. ، 1976.
نويهض، عجاج. "رجال من فلسطين". بيروت: منشورات فلسطين المحتلة، 1981.
هلال، حكمت. "الأديب المجمعي الكبير عبد الله مخلص: العالم الجليل والمؤرخ المنصف". "مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق". المجلد 83، الجزء 4 (تشرين الأول 2008).
محتوى ذو صلة
دبلوماسي استعمار
خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947
تمهيد الطريق للنكبة الوشيكة