سيرة

كلثوم عودة

سيرة

كلثوم عودة

2 نيسان 1892, الناصرة
24 نيسان 1965, روسيا

ولدت في مدينة الناصرة في 2 نيسان/ أبريل لعائلة مسيحية أرثوذكسية. والدها نصر عودة. زوجها إيفان فاسيليف (Ivan Vasiliev) وعُرفت في روسيا باسم كلاوديا عودة فاسيليفا..

بناتها: لاريسا؛ فاليريا؛ لودميلا.

كانت الابنة الخامسة لوالدين ينتظران ولادة الصبي الأول في العائلة، غير أن الطفلة  "خيّبت الآمال" بقدومها، فلم تستقبلها العائلة بالترحاب، ومن سوء حظها أنها لم تتمتع بجمال يشفع لها، فكبرت الطفلة السمراء النحيلة، وهي لا تذكر أن والديها عطفا عليها يوماً، بل تذكر كيف كانت أمها تتهكم عليها لبشاعتها.  

لم يكن أمامها من خلاص سوى الذهاب إلى المدرسة، فعارضت أمها بشدة، غير أن والدها رغب في تعليمها فأرسلها إلى مدرسة ابتدائية من مدارس الجمعية الروسية- الفلسطينية (الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الروسية). ودرست الصغيرة بجد ومثابرة حتى نالت الدرجة الأولى، ولما كان النظام يفتح المجال أمام الطالبة الأولى لتكمل دراستها في مدرسة داخلية مجّاناً، فقد انتقلت إلى دار المعلمات الروسية في بيت جالا، واستمرت تنال الدرجة الأولى لسبع سنوات حتى تخرجها في سنة 1908، وكانت تعتز بأستاذها في اللغة العربية خليل السكاكيني.

عادت إلى الناصرة وامتهنت التعليم في مدارس الجمعية الروسية، التي كان لها دور مهم في نشر المعرفة في فلسطين وسوريا ولبنان، وأخذت تنشر مقالاتها في مجلات "النفائس العصرية" في حيفا و"الهلال" في القاهرة و"الحسناء" في بيروت.

التقت في سنة 1910، خلال تدريسها في مدينة الناصرة، بالمستشرق الروسي أغناطيوس كراتشوفسكي، الذي ترك تأثيراً كبيراً في حياتها العلمية فيما بعد.

تعرّفت، في سنة 1913، إلى الطبيب الروسي إيفان  فاسيليفا (Ivan Vasilieva)، رئيس العيادة الخارجية في مجمع سرجيوس الروسي الذي كان يشرف على صحّة الطالبات، فجمع الحب بينهما، غير أن والديها لم يسمحا لها بالزواج منه، ووقف إلى جانبها قريب من أبناء الناصرة العقلاء، وهو نجيب عودة الذي رافقها والطبيب الذي اختارته شريكاً لحياتها إلى القدس، حيث تمت إجراءات الزواج في الكنيسة الروسية في حي "المسكوبية"، وذلك في سنة 1912، ثم عاد بهما إلى الناصرة، فرضخ الأهل للأمر الواقع.

رحلت كلثوم عودة مع زوجها، في سنة 1914، إلى روسيا بالباخرة، بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى وقيام السلطات العثمانية بإغلاق المدارس الروسية، فقاست الأهوال من الحرب والبرد الشديد، وسرعان ما التحقت بالصليب الأحمر فدرست التمريض وعملت ممرضة في صربيا وفي الجبل الأسود، ثم انتقلت مع زوجها إلى أوكرانيا لتعمل في مكافحة وباء التيفوس، وفي سنة 1919 مرض زوجها ولم يطل صراعه مع المرض، فرحل تاركاً لها ثلاث صغيرات كبراهن في الخامسة وصغراهن طفلة رضيعة.

كانت السنوات ما بعد وفاة زوجها هي الأصعب، لكنها تقبلتها بشجاعة كبيرة وعزم قوي لم يؤديا بها إلى تخطي الصعوبات فحسب، بل إلى شعورها حقاً بالسعادة لكونها نجحت في تدبير شؤون بناتها الصغيرات، كما نجحت في مساعدة الآخرين، وتلك سعادتها الكبرى. وهي من روت هذا الجانب من حياتها عبر مشاركتها في مسابقة مجلة "الهلال" المصرية في سنة 1947، وتضمنت المسابقة سؤالاً واحداً: "كيف يعيش المرء هنيئاً؟"  وتألفت لجنة الحكام من كبار الكتّاب والأدباء في مصر.

فازت بالجائزة مع أن حياتها لم تتصف بالسعادة كما يفهمها البشر، وقد وصفت مشاعرها بقولها إنها كانت تشعر بالسعادة وهي تسعى لتخفيف آلام الجنود في الحرب، وتشعر بها وهي تقوم بأشق الأعمال بعد وفاة زوجها كي تعيل صغيراتها، فهي من زرعت الأرض وسارت وراء الحصادين لتجمع لفائف القمح، وهي من زوّدت الآلة البخارية بالوقود لدرس القمح. وقالت إنها كانت تشعر بأن عيشها هنيء لأنها لم تشعر مع صغيراتها بالجوع والعوز، وقالت: "لم أعرف الاحتياج المادي أو النفساني حتى ولا إبان تلك المجاعة الهائلة وتلك الحروب الفظيعة." وأما الراحة فهي لم تجدها إلا عند تذليل المصاعب، وأما الباعث الحقيقي لسعادتها فهو حبها لكل الناس.  

انتقلت من أوكرانيا إلى ليننغراد في سنة 1924، والتقت ثانية بالعلامة المستشرق إغناطيوس كراتشكوفسكي (Ignaty Krachkovski)، أما اللقاء الأول فكان في أثناء زيارته لمدرستها بالناصرة، إذ لفتت انتباهه تلك المعلمة الموهوبة، ولذلك ساعدها على دخول جامعة ليننغراد، حيث حصلت على شهادة الدكتوراه في سنة 1928 عن رسالتها حول اللهجات العربية. واستمرت في الجامعة من تقدم الى آخر حتى وصلت إلى درجة "أستاذ" أو "بروفسور"، فكانت أول امرأة عربية تنال هذه الدرجة.

جابهتها السلطات السوفييتية في سنة 1926 بالخيار الصعب بين فلسطين والاتحاد السوفييتي؛ إمّا أن تعود إلى فلسطين مع عدم السماح لها بأخذ بناتها معها، فهن بحكم القانون مواطنات سوفييتيات، وإمّا أن تبقى فتمنح الجنسية، وكان أن اختارت البقاء، غير أنها زارت فلسطين في سنة 1928، واطمأنت على ذويها وأصدقائها، حيث لاقت ترحيباً كبيراً في كل مدينة زارتها.  

اعتقلت في العهد الستاليني في سنة 1939، بعد محاولتها الدفاع عن مؤرخين ومستعربين مشهورين اثنين اعتقلتهما الشرطة السوفياتية هما ألكسندر شامي وصوفيا روغينسكايا، وقضت في المعتقل بضعة أشهر من دون أن تثبت ضدها أية تهمة. وسرعان ما أخذ اسمها ينال التقدير الكبير من قبل الشرائح السوفييتية، وخصوصاً السياسية منها؛ ولذلك، فهي في أثناء الهجوم النازي على الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، كانت من بين الذين تم إجلاؤهم الى المؤخرة للحفاظ على حياتهم.

درّست كلثوم عودة في كلية اللغات الشرقية في جامعة ليننغراد، وعملت في القسم العربي في معهد الفلسفة والفنون والتاريخ، وبعد انتقالها إلى موسكو عملت في جامعة موسكو، ثم عملت، ما بين 1943 و 1956، في معهد الاستشراق بعد افتتاحه في موسكو، كما عملت في معهد العلاقات الدولية وفي المعهد الدبلوماسي العالي التابع لوزارة الخارجية.

كان يفغيني بريماكوف، الذي شغل، في مطلع التسعينيات منصب مدير الاستخبارات الخارجية الروسية، ثم عُيّن وزيراً للخارجية (1996-1998) ورئيساً للوزراء (1998-1999) من ضمن الطلبة الذين تتلمذوا على أيديها في معهد الاستشراق في موسكو، إلى جانب العديد من المستشرقين.

كانت أول امرأة تشغل مركز "عضو في جمعية العلاقات الثقافية السوفييتية مع البلدان العربية".

آمنت بأن الأدب هو الطريق إلى القلوب الإنسانية، وابتدأت بترجمة الأدب السوفييتي إلى اللغة العربية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم أخذت بترجمة الأدب العربي إلى الروسية، وهي من ساهم مساهمة كبيرة في إقامة جسر حضاري بين روسيا والعالم العربي وتعريف الروس بالعرب.  ومن أقوالها المأثورة: "العرب في حاجة إلى روسيا، وروسيا في حاجة إلى العرب".

مُنحت وسام الشرف في عيدها السبعين. وتقلدت وسام "الصداقة بين الشعوب"، وهو أرفع وسام تمنحه السلطات السوفييتية لشخصيات تكرس حياتها لتعزيز علاقات الصداقة ما بين الشعب السوفييتي والشعوب الأخرى. ومنحتها منظمة التحرير الفلسطينية بعد وفاتها "وسام القدس للثقافة والفنون والآداب" في كانون الثاني/ يناير سنة 1990 تقديراً لدورها الثقافي والسياسي في روسيا.

توفيت في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1965 في موسكو وحضرت جنازتها أعداد كبيرة من الأساتذة والعلماء والطلاب والفلاحين، كما حضرها وزراء ومسؤولون كانوا من طلاّبها، ودفنت في مقبرة نوفوديفيتشي التي يُدفن فيها الأدباء والعلماء بالقرب من موسكو.

من آثارها:

"لغة الدراما في الأدب العربي الحديث".

"المنتخبات العصرية لدرس الآداب العربية". مع مقدمة لأغناطيوس كراتشكوفسكي. ليننغراد: 1928 ـ 1929، جزءان.

كراتشكوفسكي، أغناطيوس. "حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي". ترجمته من الروسية كلثوم عودة. القاهرة: المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، 1964.

وترجمت كذلك كتابه "حضارة العرب في الأندلس".

ترجمت من العربية إلى الروسية كتاب "الأرض واليد والماء" للأديب العراقي ذي النون أيوب والمجموعات التالية:  "قصص الأدباء العرب" في سنة 1955؛ "الروايات المصرية" في سنة 1956؛ "قصص الكتّاب السوريين" في سنة 1958؛ "قصص كتّاب لبنان" في السنة نفسها؛ "الرواية العربية المعاصرة".

نشرت عشرات المقالات والقصص القصيرة في مختلف المجلات والصحف الروسية.  

 

المصادر:

الخطيب، حسام. "حركة الترجمة في القرن العشرين حتى عام 1985". "الموسوعة الفلسطينية"، القسم الثاني - الدراسات الخاصة، المجلد الرابع،  دراسات الحضارة. بيروت: هيئة الموسوعة الفلسطينية،  1990.

"كلثوم عودة فاسيليفا.. أول أكاديمية فلسطينية وعربية في الاتحاد السوفياتي"، "الجزيرة نت"، 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2024/11/7/كلثوم-عودة-فاسيليفا-أول-أكاديمية

طوبي، أسمى. "عبير ومجد".  بيروت: مطبعة قلفاط ، 1966.

لوباني، حسين علي. "معجم أعلام فلسطين في العلوم والفنون والآداب". بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 2012 .

محاميد، عمر. "كلثوم عودة من الناصرة الى سانت بطرسبورغ (في الوثائق المحفوظة في أرشيف أكاديمية العلوم الروسية). بيت بيرل: مركز أبحاث حوار الحضارات، 2004.

t