إضاءة على –

لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين

إضاءة على –
لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين
التفاوض على فلسطين بعد النكبة

عرض جدول الأحداث

لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين

لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين  (ترأسها فرنسا ، وتضم تركيا والولايات المتحدة ) تلتقي الوفد الإسرائيلي، من اليسار إلى اليمين: الآنسة ي. بروزا ، وتوفيا عرازي ، وإلياهو ساسون ، وغيرشون هيرش .

31 تموز 1949
Source: 
UN Photo

أنشئت لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين (UNCCP) في كانون الأول/ ديسمبر 1948 تسهيلاً لتنفيذ القرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة في 11 كانون الأول 1948، والمتعلّق بالتسوية السلمية للقضية الفلسطينية. ولم تحظَ هذه اللجنة بشهرة سائر هيئات الأمم المتحدة المسؤولة عن قضية فلسطين، ويمكن ردّ ذلك إلى خمولها الدبلوماسي والتقني خلال ما يزيد على ستين عاماً، إضافة إلى كون أرشيفاتها لا تزال مغلقة أمام الباحثين. غير أن قسماً كبيراً من سجلات اللجنة قد تمت رقمنته وإتاحته عبر نظام معلومات الأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين (UNISPAL). وتركّز الأعمال الأكاديمية عادة على الجهود الدبلوماسية التي بذلتها لجنة التوفيق لتسهيل تنفيذ قرار الجمعية العامة رقم 194 في السنوات التي أعقبت حرب عام 1948 ، وقليلة هي الأعمال التي تناولت البرنامج التقني للجنة، ولا سيما ما يتعلق بتوثيق وتقييم الخسائر في الأملاك نتيجة حرب 1948.

ولاية لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين

طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من لجنة التوفيق القيام بأعمال وسيط الأمم المتحدة بشأن فلسطين، الكونت فولك برنادوت ، الذي اغتيل على يد مسلحين يهود في أيلول/ سبتمبر 1948، وذلك لتنفيذ المهمات والتوجيهات المحدّدة في القرار 194، إلى جانب المهمات والتوجيهات الإضافية التي قد تصدرها الجمعية العامة أو مجلس الأمن . واحتفظ الوسيط بالوكالة رالف بنش ، الذي حلّ محلّ برنادوت، بمسؤولية إبرام اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل والدول العربية المجاورة التي شاركت في حرب 1948. كما تم تفويض لجنة التوفيق، بناءً على طلب مجلس الأمن، بالوظائف التي كان المجلس قد أوكلها سابقاً إلى وسيط الأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة للهدنة في فلسطين .

تحددت مهمة لجنة التوفيق الأساسية في مساعدة الحكومات والسلطات المعنيّة على التوصل إلى تسوية نهائية لجميع المسائل العالقة فيما بينها، بما في ذلك ترسيم الحدود، ومستقبل الأراضي الفلسطينية التي ظلت تحت السيطرة العربية بعد حرب 1948، أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة . وكان من المقرر أن يتم ذلك عن طريق مفاوضات تجري بوساطة لجنة التوفيق، أو مباشرة بين الأطراف المعنيّة. وقد زوّدت الجمعية العامة اللجنة بثلاثة توجيهات محددة:

1- ينبغي حماية الأماكن المقدسة وضمان الوصول إليها. ولهذا أصدرت الجمعية العامة تعليماتها إلى اللجنة لصوغ توصيات بشأن حماية الأماكن المقدسة في القدس وتأمين الوصول إليها، واستشارة السلطات السياسية المعنيّة بشأن ضمانات رسمية ملائمة بشأن الأماكن المقدسة خارج المدينة.

2 - ينبغي وضع القدس تحت سيطرة الأمم المتحدة الفعلية. وكلّفت الجمعية العامة اللجنة تقديم مقترحات لصوغ نظام دولي في القدس يشمل القرى والبلدات المحيطة.

3- ينبغي السماح بعودة اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن، وينبغي للحكومات أو السلطات المسؤولة أن تعوّض اللاجئين عن فقدان أملاكهم أو إلحاق الضرر بها نتيجة للحرب. وأوعزت الجمعية العامة إلى اللجنة بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، ودفع التعويضات لهم.

تشكّلت لجنة التوفيق من ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا ، كانوا يتلقون تعليماتهم من عواصم دولهم. وأنشأت اللجنة أمانة عامة مصغّرة، قدّمت المشورة للأعضاء، ونفّذت مهمات أُخرى، مثل ترتيب اجتماعات غير رسمية للأطراف. كما أنشأت لجنة عامة تضم المستشار الرئيسي لكل عضوٍ، كانت مهمتها القيام بدراسات، وإعداد تقارير دورية عن عمل اللجنة. وقد سمحت الجمعية العامة للجنة التوفيق بإنشاء هيئات فرعية، وتوظيف خبراء تقنيّين، لأداء مهماتها والقيام بالمسؤوليات الموكلة إليها بموجب القرار 194. وعلى هذا الأساس، أنشأت لجنة التوفيق لجنة خاصة بشأن القدس والأماكن المقدسة، ولجنة تقنية لشؤون اللاجئين، وبعثة مسح اقتصادي، ولجنة خبراء بشأن التعويضات، ومكتباً للاجئين، ومكتباً تقنياً لتقييم الأملاك.

أصدرت الجمعية العامة تعليمات إلى لجنة التوفيق بإقامة علاقات وثيقة مع هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين ، التي أنشأتها في تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، من أجل تنسيق الإغاثة الطارئة للاجئين. وقد قدّم الإغاثة كلّ من لجنة خدمة الأصدقاء الأميركيين (التابعة لجمعية "الكويكرز " الأميركية)، واللجنة الدولية للصليب الأحمر ، ورابطة جمعيات الهلال الأحمر . وبناء على توصيات بعثة المسح الاقتصادي التابعة للأمم المتحدة ، استبدلت الجمعية العامة هيئة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين بـوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وذلك في كانون الأول/ ديسمبر 1949. وطلبت الجمعية من الأونروا، إضافة إلى استمرارها بتقديم الإغاثة، وضع برنامج للأشغال العامة لتسهيل إعادة اندماج اللاجئين اقتصادياً في المنطقة، من خلال الإعادة إلى الوطن أو إعادة التوطين.

شكّلت لجنة التوفيق والأونروا معاً نظاماً يُشار إليه أحياناً باسم نظام اللاجئين الفلسطينيين، على الرغم من أن ولاية اللجنة أوسع، فهي تشمل أيضاً التسوية السلمية للنزاع ككل. وتقاسمت الهيئتان المسؤولية على أسس دبلوماسية وتقنية؛ فكانت لجنة التوفيق مسؤولة عن مساعدة الأطراف في التوصّل إلى اتفاقات بشأن الإعادة إلى الوطن، وإعادة التوطين، والتأهيل الاقتصادي والاجتماعي، ودفع التعويضات للاجئين. وكان على الأونروا القيام بدور في تنفيذ الاتفاقات. وبصورة أكثر تحديداً، كان دفع التعويضات منوطاً بلجنة التوفيق فقط، بينما كانت الأونروا هي المسؤولة وحدها عن تأهيل اللاجئين. وفي حين تشاركت الهيئتان المسؤولية عن إعادة اللاجئين إلى وطنهم، وإعادة توطينهم وحمايتهم، إلاّ إن تقسيم العمل بهذا الشكل كان مصدراً للخلاف. ويرى المحللون أن هذه الخلافات، يضاف إليها مشكلات التنسيق مع هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة ، كانت سبباً في انتهاء عمليات لجنة التوفيق. كما ساهمت عوامل أُخرى في هذه النهاية، مثل كفاءة أعضاء اللجنة، والأخطاء التكتيكة في تنفيذ ولاية اللجنة، وعدم قدرة اللجنة على حلّ الخلافات الأساسية بين الأطراف.

عمليات لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين

يمكن تقسيم عمل لجنة التوفيق إلى ثلاث فترات؛ في الفترة الأولى، بين سنتي 1949 و1951، ركّزت اللجنة على تنفيذ التوجيهات المذكورة أعلاه في سياق تسوية تفاوضية لجميع القضايا العالقة بين إسرائيل ومصر والأردن ولبنان وسوريا . ويسّرت اللجنة عقد اجتماعات في لوزان وجنيف وباريس ، كما عقدت اجتماعاً بين دورتين في نيويورك . وقد ركّزت المحادثات في تلك الاجتماعات على المسائل الإجرائية بدلاً من القضايا الجوهرية، فكانت "محادثات حول المحادثات". ونفّذت اللجنة أعمالاً تقنية تمحورت في معظمها حول إيجاد حلول لمشكلات اللاجئين، والتقت الوفود العربية واليهودية كلاً على حدة. وكانت الوفود العربية، التي ضمّ بعضها مستشارين فلسطينيين، تشارك في اجتماعات اللجنة كمجموعة واحدة، إذ لم تسمح اللجنة بمشاركة وفد فلسطيني منفصل، إنما اجتمعت بشكل غير رسمي مع الهيئة العربية العليا التي كانت الممثّل الفعلي للفلسطينيين، ومع منظمات متعددة للاجئين.

1. في لوزان (نيسان/ أبريل – أيلول 1949)، أدت لجنة التوفيق دور الوسيط، وسعت لتسهيل المفاوضات العربية الإسرائيلية من خلال إعلان مبادئ (بروتوكول لوزان ) الذي اتفقت بموجبه الأطراف على إجراء مزيد من المحادثات على أساس قراريْ الجمعية العامة 181 و194. وكان البروتوكول محاولة للجمع بين حرص العرب على عودة اللاجئين، والاهتمام الإسرائيلي بشأن ترسيم الحدود؛ فتم تشكيل اللجنة التقنية لشؤون اللاجئين المذكورة أعلاه في حزيران/ يونيو، وقدّمت اللجنة تقاريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة في أيلول، ثمّ تم حلّها ووُضع أعضاؤها تحت تصرّف بعثة المسح الاقتصادي. كما تشكّلت في حزيران لجنة خبراء مختلَطة معنيّة بالحسابات المصرفية المجمّدة، وأُسندت إليها مهمة تقديم توصيات إلى اللجنة العامة بشأن إجراءات رفع الحظر عن الأصول المجمّدة، التي يعود معظمها إلى اللاجئين. وفي ذلك الوقت نظرت اللجنة العامة للجنة التوفيق في إيجاد حلول لمشكلات أُخرى أكثر إلحاحاً، مثل إلغاء أنظمة أملاك الغائبين التي وضعتها إسرائيل. كما عيّنت ممثلاً للأمم المتحدة في القدس في آب/ أغسطس، وقدّمت تقرير لجنتها الخاصة عن القدس والأماكن المقدسة إلى الأمين العام في أيلول. وهكذا اعتبرت لجنة التوفيق أنها قد أوفت بتوجيهات الجمعية العامة بشأن هاتين المسألتين. وهكذا أيضاً، انتهت في لوزان الجهود المبذولة لتسهيل التوصّل إلى حلّ بشأن الأراضي/الحدود، وتنفيذ توجيهات الجمعية العامة بشأن اللاجئين، من دون اتفاق.

2. في جنيف (كانون الثاني/ يناير - تموز/ يوليو 1950)، سعت لجنة التوفيق لتيسير التوصّل إلى حلّ شامل من خلال إنشاء لجان عمل ثنائية، وهو إجراء هدف إلى التوفيق بين رغبة الدول العربية في التفاوض ككتلة واحدة وطلبها وساطة اللجنة من جهة، ورغبة إسرائيل في إجراء مفاوضاتٍ مباشرةٍ تتيحها مساعي اللجنة الحميدة من جهة أُخرى، كما أوصت اللجنة بإنشاء لجنة إضافية مسؤولة عن الجوانب التي تتسم بتعدّد أطرافها في مشكلة اللاجئين. وكما في لوزان، انتهت محادثات جنيف من دون التوصل إلى اتفاق. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أنشأت لجنة التوفيق لجنة خبراء معنيّة بالتعويضات، وهو ما شكّل بداية تحوّل في مساعيها الرامية إلى تسهيل تنفيذ توجيهات الجمعية العامة بشأن اللاجئين. ويتضح تماماً تحوّل لجنة التوفيق من مناقشة المبادئ إلى وضع الترتيبات لحلّ مشكلة اللاجئين مع تبني الجمعية العامة في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1950 القرار 393 الذي أنشأ صندوقاً لإعادة إدماج اللاجئين، والقرار رقم 394 في 14 كانون الأول 1950، الذي أنشأ مكتب اللاجئين المذكور أعلاه. ولاحقاً، قام مكتب اللاجئين بإعداد سلسلة موسّعة من التقارير التقنية بشأن التعويضات، وتقدير خسائر الأملاك الناجمة عن حرب 1948 التي قُدرت قيمتها بنحو 100 مليون جنيه فلسطيني، وتعريف اللاجئ الفلسطيني ذي الصلة بتنفيذ القرار 194، والخطوط العريضة لخطة مشروع تجريبي عن عودة وإعادة توطين مجموعة محدودة من اللاجئين (40,000 لاجئ إجمالاً).

3. في باريس (أيلول - تشرين الثاني 1951)، تحوّلت لجنة التوفيق إلى وسيط وقدّمت مقترحاتها الشاملة، فسعت في البداية لتحقيق اتفاق على بند عدم الاعتداء، ثم ركّزت على تأمين الموافقة على النقاط الخمس التي شكّلت آخر مجموعة من مقترحاتها لتسهيل تنفيذ القرار 194. وشمل ذلك موافقة إسرائيل على عودة عدد محدّد من اللاجئين، ودفع تعويضات عن أملاك غير العائدين، والإفراج المتبادَل عن الحسابات المجمّدة، وإعادة النظر المتبادَلة في اتفاقيات الهدنة لسنة 1949. وانتهت المحادثات مرة أُخرى من دون التوصل إلى اتفاق. وفي تشرين الثاني بلّغت لجنة التوفيق الجمعية العامة بأنها غير قادرة على تنفيذ ولايتها، وأوصت كذلك بإعادة تنظيم بعثة الأمم المتحدة في المنطقة. وقرّرت الجمعية العامة لاحقاً نقل مسؤولية الحلّ السياسي إلى الحكومات والسلطات المعنيّة (القرار 512 الصادر في 26 كانون الثاني 1952)، كما أوصت (في القرار 513 الصادر في 26 كانون الثاني 1952) بأن تبحث الأونروا في نقل إدارة الإغاثة إلى الدول العربية المُضيفة، في حين تواصل الوكالة تقديم الخدمات الصحية والرعاية والتعليم وتغطية تكاليف البرامج.

وما بين سنة 1952 وسنة 1964، عملت لجنة التوفيق، بصورة أساسية، على توثيق وتقييم الخسائر في الأملاك الفردية منذ حرب 1948. وقد قدّم المكتب التقني، الذي أُنشئ سنة 1952، تقريره النهائي بعد اثني عشر عاماً، وقدّر فيه خسائر أملاك اللاجئين في المناطق الريفية والحضرية بأكثر من 200 مليون جنيه فلسطيني. وفي سنة 1966، أُغلق المكتب التقني. وكان قد تم الإفراج عن الأصول المجمدة في السنوات 1952 و1954 و1956. وفي سنة 1961 عيّنت اللجنة ممثلاً خاصاً لمواصلة استكشاف خيارات إيجاد حلّ مستقل لمسألة اللاجئين، وبعد بعثتين إلى الشرق الأوسط لإجراء مشاورات مع إسرائيل والدول العربية، صاغ الممثل الخاص مقترحاً مفصلاً لمشروع تجريبي بشأن إعادة اللاجئين إلى وطنهم وإعادة توطينهم، وانتهت المبادرة من دون اتفاق.

وظلّت لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين دون نشاط يذكر منذ سنة 1965، باستثناء قيامها برقمنة سجلات أملاكها في أواخر التسعينيات لتسهيل المفاوضات بشأن قضية اللاجئين خلال عملية السلام في الشرق الأوسط.

قراءات مختارة: 

أولييه، جان-إيف. "لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين 1948 - 1951: حدود الرفض العربي". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1991.

رمبل، تيري. "لجنة الأمم المتحدة للتوفيق حول فلسطين (UNCCP): الحماية والحل الدائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين". بيت لحم: مركز بديل، 2000.

فيشباخ، مايكل. "سجلات السلب، أملاك اللاجئين الفلسطينيين والصراع العربي – الإسرائيلي: دراسة في الأرشيفات الرسميّة والمراجع الدولية". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2013.

الهيئة العربية العليا لفلسطين. "لجنة التوفيق الدولية: دراسة لأعمالها وأهدافها ومحاولاتها لتصفية القضية الفلسطينية". بيروت: الهيئة العربية العليا لفلسطين، 1961.

t