هو واحد من اثني عشر مخيماً في سوريا، أخذ اسمه من بلدة جرمانا القريبة منه والتابعة لمحافظة ريف دمشق، وهو يبعد نحو ثمانية كيلومترات عن دمشق، ويحظى باعتراف رسمي من وكالة الأونروا التي تقدم خدماتها لسكانه، وأصبح، بعد تفجر النزاع في سوريا في سنة 2011، ملاذاً لعدد كبير من الفلسطينيين الذين نزحوا إليه من مناطق ومخيمات أُخرى، نظراً إلى قربه من العاصمة وانخفاض إيجارات السكن فيه، وهو ما اضطر وكالة الأونروا إلى افتتاح ملاجئ جماعية ثلاثة في مدارسها المقامة فيه، كما اختارته مركزاً لتوزيع المعونات والمساعدات الغذائية وغيرها لعموم فلسطينيي مخيم اليرموك وغيره من التجمعات الفلسطينية الواقعة في محيط مدينة دمشق.
نشأة المخيم، ومساحته، وظروف اللجوء إليه
أنشئ مخيم جرمانا في سنة 1948 (وهناك بعض المصادر التي تعيد إنشاءه إلى سنة 1949) على أرض بلغت مساحتها 30.000 متر مربع، ويحده من الشمال منطقة أبو نوري والطبالة، ومن الجنوب بلدة جرمانا، ومن الشرق منطقة الدويلعة، ومن الغرب أوتوستراد مطار دمشق الدولي. وقد سكنه فلسطينيون لجأوا من وطنهم جرّاء نكبة 1948، ونازحون فلسطينيون وسوريون التجأوا إليه من مدينة القنيطرة ومن مرتفات الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران/ يونيو 1967، واستقر بهم المقام في المناطق الشمالية من المخيم. وتعود أصول معظم لاجئي هذا المخيم إلى قرى أقضية صفد وطبرية وعكا، ولا سيما الدوارة، والصالحية، وقيطية، والخصاص، والخالصة، والناعمة، والملاّحة، والزوق التحتاني والزوق الفوقاني، والكابري، والقديرية، كما يقطنه عدد من "غوارنة فلسطين" نسبة إلى غور نهر الأردن. وقد أطلقت أسماء بعض هذه القرى على حارات المخيم، مثل حارات القيطية والخصاص والدوارة والصالحية والناعمة، التي ضمت، غالباً، مجموعات سكانية من القرى والبلدات الفلسطينية نفسها.
لا تشير المصادر إلى عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين سكنوا المخيم عند إنشائه، ومعظمهم من الفلاحين الذين هُجّروا من أراضيهم، ولا إلى عدد النازحين الذين نزحوا إليه بعد سنة 1967، لكنها تشير إلى أن عدد المساكن المقامة فيه بلغ 2414 مسكناً في سنة 1985، وقُدّر عدد سكانه في ذلك العام بنحو 24.000 نسمة، وذلك قبل أن تقرر السلطات البلدية هدم عدد كبير من بيوت المخيم، على فترات متلاحقة، لشق طريق أوتوستراد مطار دمشق الدولي وأوتوستراد المتحلق الجنوبي، ونقل العائلات التي هدمت بيوتها إلى مشروع سكني جديد في منطقة الحسينية القريبة ثم إلى منطقة ثانية نشأ فيها تجمع فلسطيني صار يُعرف باسم "مخيم الحسينية". وقد قّدّر عدد أفراد العائلات التي نُقلت من مخيم جرمانا بنحو 8910 لاجئين.
وبحسب بيانات وكالة الأونروا، كان يقطن في المخيم قبل اندلاع النزاع في سنة 2011 أكثر من 18.000 لاجئ، ثم ارتفع عدد قاطنيه وقاطني المنطقة المحيطة به، خلال سنوات الأزمة السورية، إلى 49.000 شخص. وفي سنة 2021، وبعد موجات الهجرة المتلاحقة من المخيم، قدّرت بيانات وكالة الأونروا عدد سكانه بنحو 13.000 لاجئ.
تطور بنى المخيم التحتية
سكن أهالي مخيم جرمانا في البدء الخيام، ثم بنوا وحدات سكنية كانت عبارة عن مساكن جدرانها من اللَبِن وأسقفها من الخشب، وتغطيهما طبقة من التراب الممزوج بالتبن. وحُفرت بجانب كل مسكن منها حفر فنية لغياب شبكة للصرف الصحي آنذاك. وكانت مساحة هذه المساكن لا تتجاوز 80 متراً مربعاً، وتتكوّن من غرفتين أو ثلاث مكتظة غالباً، الأمر الذي أدى إلى مشكلات صحية واجتماعية عديدة. ومع بناء هذه المساكن، تشكلت وحدات سكنية متراصة بجانب بعضها البعض، إذ لم يكن يفصل الساكن عن جاره سوى متر أو أقل، ويفصل الأحياء بعضها عن بعض شوارع ترابية توحل في الشتاء لدى هطول المطار، ولم تظهر في المخيم المنازل المبنية من الأسمنت والحديد سوى في مرحلة لاحقة.
بعد هدم عدد كبير من مساكن المخيم، سكن اللاجئون الذين نقلوا إلى منطقة الحسينية عدداً من الأبنية، يتألف كل بناء من طبقتين فضلاً عن الطبقة الأرضية، ويبلغ عدد الشقق في كل بناء ست شقق تقدر مساحة الواحدة منها بنحو 70 متراً مربعاً، وذلك في مقابل مبالغ مالية تُحسب بعد تقدير قيمة المساكن التي هدمت في مخيم جرمانا وإنقاصها من قيمة الشقق السكنية الجديدة والطلب من ساكن الشقة الجديدة أن يدفع على أقساط فرق المبلغ الذي يترتب عليه. وقد رفض عدد من ساكني هذه الشقق دفع هذه المبالغ وحاولوا بوسائل قانونية التهرب من دفعها، ويبدو أن الخلاف بشأن هذه المبالغ لا يزال قائماً ولم يجد حلاً له بعد.
تقع مسؤولية الخدمات في المخيم على عاتق الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب ووكالة الأونروا، إذ تشرف الهيئة العامة للاجئين على خدمات المياه والكهرباء وتعبيد الشوارع، بينما تشرف وكالة الأونروا على النظافة في المخيم، ويشاركها في عملية التنظيف متعهد تابع للهيئة العامة للاجئين، كما شاركت الوكالة في تقديم خدمات الصرف الصحي. وتوجد في المخيم خزانات مياه، لكنها غير صالحة للشرب، الأمر الذي يضطر السكان إلى شراء مياه الشرب من صهاريج لقاء مبالغ كبيرة. كما يعاني سكان المخيم جرّاء انقطاع التيار الكهربائي، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، إذ إن ساعات التغذية الكهربائية في مناطق ريف دمشق لا تتجاوز 4 ساعات يومياً موزعة على امتداد الـ 24 ساعة، بمعدل ساعتين في فترة الظهيرة وساعتين في الفترة المسائية بصورة متقطعة. أمّا بالنسبة إلى الصرف الصحي، فقد أقيمت شبكة للصرف الصحي تخدم المخيم كاملاً، لكن سكانه ظلوا يعانون بسبب الانسداد المتكرر في هذه الشبكة، ولا سيما عند هطول الأمطار، التي تؤدي إلى فيضان المجاري لتغمر شوارع المخيم وبعض المساكن الأرضية. وتوجد في المخيم شبكة هاتف تصل إلى جميع أنحائه. وتهتم الهيئة العامة للاجئين بتزفيت الشوارع والحارات، التي تخلو غالباً من أعمدة للإنارة الليلية، وهو ما يدفع السكان إلى الاعتماد على مصابيح كهربائية توضع أمام المنازل لإنارة الطريق.
تطور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية
يعمل اللاجئون في مخيم جرمانا في بعض المعامل القريبة، مثل معمل الزيت والشركة الحديثة الخماسية وبعض معامل السكاكر والمعلبات، وقد توفر لبعضم رأس مال صغير استثمروه داخل المخيم فعملوا باعة متجولين وأصحاب محال بسيطة تلبي بعض حاجات السكان، كما عمل بعضهم عمّال نظافة أو في جمع الخردوات من المناطق المجاورة للمخيم وبيعها. ولم يقتصر العمل على الرجال بل خرجت الفتيات والنساء للعمل في المعامل المجاورة وفي تنظيف بيوت أهل مدينة دمشق، لكن عمل المرأة كان له تأثير سلبي انعكس على وضع بيتها وأولادها من الناحية الصحية والتعليمية. ولا توجد في المخيم محال تجارية كبرى، ولا سوق تلبي متطلبات أهالي المخيم بصورة كاملة. وتدير وكالة الأونروا في المخيم برامج للمساعدة الطارئة والإغاثة والإقراض الصغير، تستفيد منها العائلات الفقيرة والأشد فقراً.
ويقع العبء الأكبر بالنسبة إلى التعليم على عاتق وكالة الأونروا، التي تدير ست مدارس في المخيم تعمل بنظام الفترتين وتحمل أسماء القرى الفلسطينية، أربع منها ابتدائية من سن 6 سنوات إلى 12 سنة؛ مدرستان للبنين هما: "القديرية" و"عارة"، كان يدرس فيها نحو 1212 تلميذاً سنة 2011، ومدرستان للبنات هما: "نحف" و"سيرين" كان تدرس فيهما نحو 1160 تلميذة، كما يوجد في المخيم مدرستان إعداديتان إحداهما للبنين هي "الرامة" (481 طالباً)، والثانية للبنات وهي "الكابري" (414 طالبة). وأُغلقت مدرستا "الطور" و"كفر برعم" بعد أن تقلص عدد سكان المخيم جرّاء هدم المساكن وترحيل الأهالي إلى منطقة الحسينية. أمّا المدارس الحكومية فهي تقتصر على مدرسة ابتدائية مختلطة واحدة. وتوجد في المخيم روضة أطفال تابعة لوكالة الأونروا تدخل ضمن برنامج المرأة، وأُخرى باسم "براعم بيسان" تابعة للجان المرأة الديمقراطية، وروضة ثالثة باسم "الشهيد ماجد أبو شرار" تابعة لمؤسسة ماجد أبو شرار الفلسطينية. ويتوجب على الطلاب في المرحلة الثانوية الانتقال إلى مدارس خارج المخيم، وخصوصاً تلك الواقعة في بلدة الدويلعة وبلدة جرمانا القريبتين، لتحصيل علومهم.
ويوجد في المخيم مركز صحي تابع لوكالة الأونروا يقدم خدمات يومية لسكانه المسجلين في سجلاتها في مجال الرعاية الطبية الأولية، بالإضافة إلى جهات أُخرى تقدم الخدمات الصحية لأبناء المخيم، مثل مستوصفات وزارة الصحة، إذ يستطيع سكان المخيم الاستفادة من المستوصفات الصحية الموجودة في بلدة جرمانا وبلدة دويلعة نظراً إلى عدم وجود مستوصف حكومي داخل المخيم، كما يمكنهم الاستفادة من خدمات مستشفيات وزارة الصحة والتعليم العالي؛ ومستوصف جيش التحرير الفلسطيني الذي يحمل اسم "الشهيد أحمد أبو عمر" ويضم ثلاث عيادات تخصصية: عيادة أطفال، وعيادة داخلية وعيادة أسنان، ويقدم خدماته لجميع المواطنين بأجور رمزية؛ وخمس عيادات خاصة تقدم الخدمة الصحية داخل المخيم في مقابل أجور متفاوتة. ولا يوجد في المخيم سوى مختبر تحليل طبي واحد، وأربع صيدليات تتوزع في مناطق متعددة ومتباعدة في المخيم. وتنتشر في المخيم بعض الأمراض الوراثية والمزمنة بين سكانه، كأمراض الدم والأورام وفقر الدم المنجلي والسكري والتلاسيميا.
ويتميّز مخيم جرمانا بوجود ترابط أسري وقروي قوي بين لاجئيه، وهو يعد مجتمعاً متماسكاً إلى حدٍ كبير؛ فعلى الرغم من رحيل الكثير من العائلات إلى مناطق أُخرى، فإن سكانه لا يزالون محافظين على المشاركة في الأفراح والأتراح. كما يتميّز المخيم بالعلاقات الوثيقة التي تربط سكانه بمحيطهم المناطقي؛ فالمخيم الذي يفتقد أماكن الترفيه والمقاهي، يرتاد سكانه العديد منها في بلدة جرمانا القريبة. وظلت الرياضة في المخيم مقتصرة حتى منتصف السبعينيات على بعض الفرق الرياضية الشعبية كـ "الكرامة" و"النسور" و"أبناء فلسطين" و"الفداء" و"الوثبة"، التي لم تكن تمتلك مقاراً خاصة بها، وذلك إلى أن أنشئ في سنة 1975 "نادي الجليل الرياضي" الذي يتبع للاتحاد الرياضي الفلسطيني العام. ويشتهر مخيم جرمانا بحراكه الثقافي الواسع ووجود عدد من الملتقيات والمنتديات الثقافية فيه، مثل "منتدى فلسطين الثقافي"، و"الملتقى الثقافي الفلسطيني"، و"المركز الثقافي شتات"، و"لجان حق العودة". وقد أقام أحد مواطني المخيم ويدعى محمد علي فارس متحفاً لتراث فلسطين في منزله يضم بعض المقتنيات القديمة التي جمعها بجهد شخصي، وتشتمل على أوانٍ منزلية قديمة، وأوراق ملكية "كوشان" للبيوت، وبعض فئات العملة الفلسطينية الورقية والمعدنية وعلى رأسها الجنيه الفلسطيني، وأدوات فلاحة وزراعة، وأدوات صناعة النسيج والقشيات، وأدوات لصناعة الآلات الموسيقية، كآلة اليرغول والمجوز والصنجات، ومذياع قديم، وأزياء فلسطينية تقليدية، وصندوق جهاز عروس فلسطينية، ومجلس عربي مع أدوات الضيافة كالمهباج والبرادة والفناجين وغيرها، وأسلحة قديمة، كالسيوف والسكاكين والبنادق والمقاليع.
بيد أن مخيم جرمانا يعاني عدداً لا يستهان به من المشكلات الاجتماعية، وفي مقدمها النزوح المتواصل، ومعدلات البطالة العالية، وارتفاع التضخم، وعدم ضمان الحماية والأمن، فضلاً عن الزواج المبكر وتزايد حالات الطلاق، وعمالة الأطفال، وتعاطي المخدرات وزيادة العنف، ونسب التسرب المدرسي المرتفعة. وقد تفاقم الوضع المعيشي السيئ للغاية لسكان المخيم بسبب آثار النزاع السوري وجائحة كورونا والتدهور الدراماتيكي للوضع الاقتصادي وانهيار قيمة الليرة السورية في السنوات الأخيرة. وبغية مواجهة هذه المشكلات، عززت وكالة الأونروا، على الرغم من تقلص مواردها المالية، جهودها للقيام بنشاطات وقائية وتوعوية ولتقديم الدعم النفسي والاجتماعي من خلال مدارسها والمركز المجتمعي التابع لها.
الإدارة والنشاط السياسي
تشرف على مخيم جرمانا إدارياً الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا، التي أنشئت في 25 كانون الثاني/يناير 1949 وتتبع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتقوم بتنظيم شؤون اللاجئين الفلسطينيين العرب ومعونتهم، وهي تنسق نشاطها وتتعاون في ذلك مع وكالة الأونروا. وتمتلك الهيئة العامة للاجئين مكتباً في المخيم وأمانة للسجل المدني. وعلى الصعيد السياسي، شارك عدد كبير من أبناء مخيم جرمانا في الثورة الفلسطينية منذ انطلاقها، وقدّموا المئات من الشهداء، وتنشط في المخيم جميع المنظمات الفلسطينية تقريباً، التي لها مكاتب علنية في سوريا، باستثناء حركة "حماس" التي حظر نشاطها بسبب موقفها المؤيد للمعارضة في النزاع الذي اندلع في سنة 2011.
إبراهيم، نعيم. "متحف مخيم جرمانا: جهد فردي وعتب على المعنيّين". جريدة "الأخبار"، بيروت، 8 تشرين الأول/أكتوبر 2022:
https://www.al-akhbar.com/Albilad/346787/متحف-مخيم-جرمانا-جهد-فردي-وعتب-على-المعني-ي
"الأعطال وشحّ الكهرباء يحرمان معظم أحياء مخيم جرمانا من المياه". لاجئين. بوابة اللاجئين الفلسطينيين، 24 تشرين الأول/أكتوبر 2022:
https://refugeesps.net/post/22774/الأعطال-وشح-الكهرباء-يحرمان-معظم-أحياء-مخيم-جرمانا-من-المياه
بدوان، علي. "فلسطينيو سوريا ومخيم جرمانا". "أخبار اليوم"، (نقلاً عن الوطن العمانية)، 20 نيسان/أبريل 2013:
https://akhbaralyom.net/articles.php?lang=arabic&id=71575
جمعة، أنور (إعداد-نورث برس). "دمشق: معاناة سكان مخيم جرمانا من انسداد مجاري الصرف الصحي". 10 كانون الأول/ديسمبر 2020:
دائرة شئون اللاجئين-منظمة التحرير الفلسطينية. "مخيم جرمانا للاجئين":
http://plord.ps/post/7680/مخيم-جرمانا-
محمود، فهد جمال. "بحث (ميداني) واقع الصحة والخدمات في مخيم جرمانا"، مقدم لأكاديمية دراسات اللاجئين، 2011:
https://refugeeacademy.org/archive/studies
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى. "مخيم جرمانا"
https://www.unrwa.org/ar/where-we-work/سوريا/مخيم-جرمانا
موسوعة المخيمات الفلسطينية. "مخيم جرمانا"
https://palcamps.net/ar/camp/47/مخيم-جرمانا
الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب. "مخيم جرمانا"
http://www.gapar.sy/ar/jaramanacamp.html