يعتبر مخيم نهر البارد ثاني أكبر المخيمات الفلسطينية بعد مخيم عين الحلوة، ويقع في شمال لبنان على بعد 16 كم شمال مدينة طرابلس بالقرب من الطريق الساحلي. في سنة 2007 دمرت المعارك التي دارت بين الجيش اللبناني ومجموعة فتح الإسلام المخيم بالكامل وهجّرت جميع سكانه تقريباً. وبعد مرور أكثر من 17 عاماً على تدميره، لم يتم بعد إعادة بناء المخيم بالكامل.
إنشاء المخيم
تم تأسيس مخيم نهر البارد من جانب عُصبة جمعيات الصليب الأحمر في كانون الأول/ ديسمبر 1949 وكان أول مخيم في لبنان يتم تحديد موقعه مسبقاً من الدولة والوكالات الإنسانية قبل استيعابه اللاجئين الذين أعيدوا من الحدود السورية بعدما أُقفلت الحدود في وجههم سنة 1948، والذين نُقلوا من محيط بلدة عنجر في البقاع، ومن منطقة خان العسكر في طرابلس. وكانوا قد قدموا أصلاً من قرى وبلدات الجليل في شمال فلسطين، ولا سيما سعسع وصفورية والدامون والسموعي والغابسية والشيخ داوود وعمقا، وقد سميت حارات المخيم بأسماء تلك القرى والبلدات لتصبح رمزاً للهوية والتمسك بقراهم.
بني المخيم في منطقة زراعية بعيدة عن المدينة على أرض بالقرب من مجرى نهر البارد الذي سمي المخيم على اسمه. وكانت أرض المخيم مكونة من أكثر من 20 قطعة تعود لأكثر من 60 مالك لبناني استأجرتها منهم الأونروا بعد تسلمها إدارة المخيم وتقديم الخدمات لسكانه في سنة 1950، في أعقاب قرار الأمم المتحدة إنشاء هذه الوكالة الدولية. وفي ذلك الوقت انتشرت مئات الخيم من مختلف الأحجام، وبعضها استخدم لاحقاً كصفوف دراسية. في البداية، تولى زعماء ووجهاء القرى والبلدات التي ينحدر منها اللاجئون، تنظيم توزيع المواد والمؤن وشوادر الخيم التي كانت تقدمها عصبة الصليب الأحمر ولاحقاً الأونروا، فيما كان الأمن بإشراف الدرك اللبناني.
البنية التحتية
في الستينيات، وبالتدريج، تم استبدال الخيام بمنازل دائمة. وفي السبعينيات، وبسبب ضيق مساحة المخيم وتزايد عدد السكان، توسع المخيم عمودياً وامتدّ خارج حدوده الأصلية إلى المنطقة المجاورة حيث تم شراء قطع من الأراضي وتسجيلها.
في أيلول/ سبتمبر 2007، في أعقاب قتال دام أكثر من أربعة أشهر بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام المتحصنة في المخيم، تعرض مخيم الأونروا الأصلي إلى تدمير شبه كامل، كما تعرض امتداد المخيم لأضرار جسيمة. كانت مساحة المخيم الأصلي قبل الحرب تبلغ 195.000 متر مربع وكان يضم 1700 مبنى من طبقتين إلى أربع طبقات. أمّا امتداد المخيم، الذي تم تعريفه لاحقاً بالمخيم الجديد، فقد بلغت مساحته نحو 700.000 متر مربع. وبحسب لجنة إعادة إعمار مخيم نهر البارد، فإن ما يقرب من 6000 منزل ومحل تجاري في المخيم وامتداده دُمر أو تعرض لأضرار جسيمة.
في 23 حزيران/ يونيو 2008، عُقد في فيينا مؤتمر بشأن إعادة إعمار نهر البارد، التزمت في إثره الحكومة اللبنانية والأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية، بإعادة إعمار المخيم ودفع التعويضات للمتضررين في الأحياء المجاورة والبلدات المحيطة به بما يحقق إعادة الوئام الاجتماعي لهذه المنطقة من لبنان. وحدد وقت الانتهاء من التنفيذ في مدة أقصاها ثلاث سنوات من تاريخه (في أيار/ مايو 2011) وبتكلفة قدرها 277 مليون دولار أميركي. لكن عملية إعادة الإعمار تأخرت، إذ خلال العمل على إزالة الركام في المخيم في شباط/ فبراير2009، تم اكتشاف موقع أثري تحت الأنقاض، وذكر بعض الخبراء بشأنه أنه قد يكون جزءاً من بلدة رومانية - بيزنطية تسمى "أرتوزيا".
تم استغلال هذا الاكتشاف من جانب أطراف سياسية لبنانية بهدف وضع إعادة بناء المخيم موضع تساؤل، إلى حين قررت الحكومة اللبنانية في أواخر نيسان/ أبريل 2009 أن تُصوّر وتُوثّق المواقع التي تكتشف فيها الآثار، ثم تطمر لتلبية متطلبات الحماية الأثرية. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2009 وضعت المنطقة في عهدة الأونروا، ومع انتهاء أعمال الطمر فرشت المنطقة بأول طبقة من الأسمنت، تمهيداً لصب الأساسات وتدعيمها. لكن التحديات لم تقف عند هذا الحد، بل ظهرت عقبات أُخرى لاحقاً، وهي انخفاض ملحوظ في التمويل بسبب تبدّل الأولويات بعد دخول الأزمة السورية والأزمات الإقليمية بعد سنة 2011 على خط أزمة البارد. ولغاية سنة 2023 تمّ إعادة بناء ما يقارب نسبته 82% من المخيم القديم. أمّا في مناطق التمدّد، أي المخيم الجديد، فتمّ إعادة تأهيل 1277 وحدة سكنية وغير سكنية.
وفي حين أشرفت الأونروا على إعادة بناء البنية التحتية للمخيم القديم (الكهرباء والمجاري والطرقات وخزانات المياه...) وإدارتها، تحملت البلديات اللبنانية مسؤولية إعادة ترميم البنية التحتية للمخيم الجديد، إذ تعتبر الأونروا أنه يقع خارج صلاحياتها. وقد تولى المشروع العربي الإنمائي جزءاً من إنجازها.
تطور الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية
عند تأسيسه، كان مخيم نهر البارد يضم نحو 9000 نسمة وازداد هذا العدد مع النمو الطبيعي للسكان. وخلال الحرب الأهلية في لبنان (1975ـ1990)، استوعب المخيم أعداداً من النازحين ومنهم، على سبيل المثال، عدد من سكان مخيم تل الزعتر، الذي دمّر في سنة 1976، والذين سكنوا في منطقة أُطلق عليها لاحقاً اسم "حي المهجرين". وفي أوائل الألفية الثانية، كان عدد سكان المخيم الأصلي نحو 20.000 نسمة وكان المخيم الجديد يضم العدد ذاته تقريباً.
في بداية القتال في أيار/ مايو 2007، وبعد توافق بين الفصائل الفلسطينية والجيش اللبناني لهدنة ساعات، نزح جميع أهالي نهر البارد تقريباً إلى مخيم البداوي والمناطق المجاورة في طرابلس والمخيمات الأُخرى. وبحسب الأونروا، تم تهجير أكثر من 26.000 فلسطيني ونحو 1600 لبناني كانوا يعيشون في المخيم. لكن هذا العدد يصل إلى ما يقارب 36.000 إذا أضيف إليه مَن نزحوا من القرى المحيطة بالمخيم.
بعد انتهاء المعارك وسيطرة الجيش اللبناني في بداية أيلول/ سبتمبر، عاد قسم كبير من الأهالي وسكنوا في منازل موقتة عُرفت بالكونتينرات/ البركسات، وهي عبارة عن مستوعبات معدنية أقامتها الأونروا في محيط مخيم نهر البارد والبداوي لإيواء الذين نزحوا من المخيم القديم (أُزيلت هذه المنازل خلال إعادة الإعمار). كما وجدت بعض العائلات ملجأً في كراجات غير صالحة للسكن، ومن يملك بعض المال استأجر بيتاً في محيط المخيم الجديد. وخلال مرحلة إعادة إعمار المخيم، بدأ السكان بالعودة تدريجياً إلى المناطق التي يتم إنجاز بنائها. وبعد سنة 2011، وجرّاء الأحداث في سورية، لجأ عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين من سورية والسوريين إلى مخيم نهر البارد ومحيطه، مما أدى إلى ضغوط إضافية على البنية التحتية والموارد المنهكة أصلاً.
وبحسب التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان، الذي أشرفت عليه لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني سنة 2017، بلغ عدد سكان المخيم 9470 نسمة، يتوزعون على 8091 لاجئاً فلسطينياً، و1015 من فلسطينيي سورية، و208 من السوريين، و147 من اللبنانيين. فيما يبلغ عدد سكان المخيم الجديد أكثر من 17.000 نسمة وفق التعداد نفسه.
قبل قتال 2007، كان نهر البارد يمثل شرياناً اقتصادياً حيوياً، إذ أصبح مركزاً تجارياً لسكان بلدات وقرى منطقة عكار. وقد تميّز عن باقي المخيمات الفلسطينية في لبنان بحالة الازدهار الاقتصادي التي عرفها والتي ارتبطت بشكل أساسي بموقعه الجغرافي الاستراتيجي على مفترق مدينة طرابلس والمناطق الزراعية في عكار وعند الخط الساحلي الدولي بين طرابلس والحدود اللبنانية السورية. وكانت العلاقات الاجتماعية بين سكان مخيم نهر البارد وجيرانهم اللبنانيين متينة بسبب النشاط الاقتصادي داخل المخيم وزيارة عدد من سكان القرى المجاورة للمخيم بشكل دائم للتسوق. إلاّ إن هذه العلاقات تأثرت سلباً بسبب أحداث سنة 2007، وكذلك بسبب وجود نقاط تفتيش للجيش اللبناني حول المخيم.
العمل
كان النشاط التجاري في المخيم مصدراً رئيسياً للعمل، بالإضافة إلى العمل الزراعي في القرى اللبنانية المجاورة. لكن أحداث 2007 أثرت بشكل كبير في الأوضاع الاقتصادية والعمل داخل المخيم، إذ خسرت العائلات في معظمها أموالها، وممتلكاتها، ومصادر رزقها، ومنذ ذلك الحين باتت تعتمد على المساعدات العينية والمادية البسيطة التي تقدمها الأونروا والمؤسسات الاجتماعية الأُخرى. ومع بداية إعادة الإعمار داخل المخيم، عمل عدد مهم من شباب المخيم بمشروعات الإعمار، إلاّ إن هذه المشروعات لا تستوعب جميع القوة العاملة العاطلة عن العمل. وأدى هذا الوضع إلى تفاقم الهجرة من المخيم، ولا سيما الهجرة غير الشرعية. وفي أيلول/ سبتمبر 2022، كان العديد من سكان نهر البارد من بين ضحايا حادثة غرق مركب مهاجرين قبالة الساحل السوري.
التعليم
قبل سنة 2007، كان لوكالة الأونروا مجمع يضمّ ستة مدارس ومركزاً صحياً ومكاتب للإغاثة. لكن المجمّع دمّر بالكامل خلال الأحداث، وهو ما دفع الأونروا إلى بناء مدارس موقتة من صفائح معدنية (براكسات) في المناطق المجاورة للمخيم ولمخيم البداوي. وبسبب طبيعة هذه المباني، عانى الطلاب بسبب ضيق المساحة والضجيج والحر الشديد في الصيف والبرد القاسي في الشتاء. وبين سنتي 2011 و2013، أعادت الأونروا بناء خمس مدارس ومعهد الشمال للتعليم المهني، وفي سنة 2023، افتتحت الوكالة مجمع مدارس (مجدو والمزار) المختلطة في منطقة المخيم الجديد. وفي السنة نفسها، كان المخيم يضم 18 روضة منها تابعة لجمعيات فلسطينية ومنها مستقلة تتوزع ما بين داخل المخيم وأطرافه.
تطور الإدارة والسيطرة
خلال الخمسينيات والستينيات، كان المخيم تحت سيطرة السلطات اللبنانية، وفي نهاية الستينيات، باتت السيطرة للمكتب الثاني، وهو الجهاز الأمني التابع للجيش اللبناني. وكان المكتب الثاني ينسق عمله مع بعض العشائر الفلسطينية في المخيم. اتسمت هذه الفترة بالقمع الشديد للفلسطينيين في المخيمات؛ فلم يكن مسموحاً لهم أن يتفاعلوا مع العمل السياسي، وحتى أن يقوموا بتغيير أو اصلاح منازلهم. لكن بعد توقيع اتفاق القاهرة بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1969، أصبح مخيم نهر البارد تحت السيطرة المشتركة للفصائل الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وتم في حينه تشكيل لجنة شعبية لإدارة المخيم، كما أصبح الأمن المحلي في عهدة عناصر "الكفاح المسلح".
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وانسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من الجنوب اللبناني وبيروت في صيف سنة 1982، وحدوث انشقاق داخل حركة "فتح" وتشكيل حركة "فتح الانتفاضة" في ربيع سنة 1983، وتوجُه ياسر عرفات إلى شمال لبنان في منتصف أيلول/ سبتمبر، اندلعت مواجهات في طرابلس ومحيط مخيمي البداوي ونهر البارد بين "فتح الانتفاضة" بمساندة القوات السورية من جهة، والموالين لعرفات من جهة أُخرى. وأدت المواجهات إلى انسحاب القوات الموالية لعرفات من مخيم نهر البارد في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر وسيطرة "فتح الانتفاضة" عليه. فتم تشكيل لجنة شعبية جديدة في المخيم مكونة من الفصائل الفلسطينية الموالية لسورية استمرت بالإشراف عليه حتى انسحاب الجيش السوري والأجهزة الأمنية السورية من لبنان سنة 2005.
غير أنه بعد أن بدأت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية تعيد تنظيم صفوفها في المخيم، وصل مسلحون إسلاميون متشددون إلى نهر البارد في خريف سنة 2006 واستقروا في منطقة المخيم الجديد. في الوقت نفسه، دخلت مجموعة من السلفيين إلى المخيم القديم مدعية الانتماء إلى فتح الانتفاضة وسرعان ما سيطر أفرادها على القاعدة العسكرية للفصيل. ومنذ انتهاء المعارك التي اندلعت بين تلك القوات والجيش اللبناني (أيار/ مايو – أيلول/ سبتمبر 2007)، تمركز الجيش اللبناني بصورة دائمة عند مدخل المخيم، حتى أن سكان المخيم وزواره كانوا يحتاجون على مدى سنوات، إلى تصريح لدخول المخيم. وقد أصبح مخيم نهر البارد المخيم الوحيد في لبنان الذي يقع تحت سلطة الدولة اللبنانية. وباتت تتولى المسؤولية الأمنية فيه الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية، إذ يوجد فيه مخفر للأمن الداخلي اللبناني.
نشاطات ثقافية واجتماعية
تميز مخيم نهر البارد بحيويته في المجال الثقافي من خلال مكتباته العامة ومعارضه الفنية وتوفر مساحات واسعة للعروض. لكن قتال سنة 2007 دمّر هذه المساحات كما تغيرت حاجات ومتطلبات الناس. لكن هناك محاولات لإيجاد مساحات للتعبير والثقافة والفن بفضل وجود عدد من المنظمات الاجتماعية والإنسانية والشبابية والنسائية. وتم بناء عدة ملاعب لكرة القدم وملعب كبير يسمى "ملعب نهر البارد الكبير" بفضل تبرعات من مؤسسة أنيرا (ANERA) ودولة قطر.
حنفي، ساري وإسماعيل الشيخ حسن. "إعادة إعمار مخيم نهر البارد وحكمه: نموذج 'مثالي' للإقصاء". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 78 (ربيع 2009)، ص 35-52.
موسوعة المخيمات الفلسطينية. "مخيم نهر البارد".
https://mokhayyam.com/ar/article/85
وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى. "مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين".
https://www.unrwa.org/ar/where-we-work/لبنان/مخيم-نهر-البارد-للاجئين-الفلسطينيين
Hassan, Rana. « L’informalité comme porte de sortie : construction et reconstruction de l’extension du camp de Nahr el-Bared », a contrario, vol. 2 no. 23 (2016), pp. 77-95.
"Reconstruction of Nahr El-Bared Camp and UNRWA Compound: Second Progress Report and Work Plan, September 2007 to June 2012." https://www.refworld.org/reference/countryrep/unrwa/2012/en/94565
Sheikh Hassan, Ismael (2015). On Urbanism and Activism in Palestinian Refugee Camps. Thesis dissertation, KU Leuven.
Sheikh Hassan, Ismael (2017), Palestinian Camp–Military Relations in Lebanon: The Case of Nahr al-Bared, in Are John Knudsen and Tine Gade, Civil-Military Relations in Lebanon: Conflict, Cohesion and Confessionalism in a Divided Society. London: Palgrave Macmillan, 2017. pp. 121–144.
مقابلات:
أحمد عودي
محتوى ذو صلة
نص تاريخي
نص اتفاق القاهرة المعقود ما بين السلطات اللبنانية والمنظمات الفدائية الفلسطينية
3 تشرين الثاني 1969