خطاب جورج بوش حول سياسته في الشرق الأوسط وحل الدولتين
24/6/2002
"لزمن طويل عاش مواطنو الشرق الأوسط وسط الموت والخوف، وكراهية قلة تحتجز آمال الكثرة رهينة، قوى التطرف والإرهاب تحاول قتل التقدم والسلام بقتل الأبرياء، وهذا يلقي بظلال قاتمة على منطقة بأسرها.
من أجل الإنسانية كلها يجب أن تتغير الأمور في الشرق الأوسط، يستحيل أن يعيش المواطنون الإسرائيليون في رعب، ويستحيل أن يعيش الفلسطينيون في فساد سياسي واحتلال.
والموقف الراهن لا يبعث آمالاً بتحسن الحياة، سيظل المواطنون الإسرائيليون يقعون ضحايا للإرهابيين، ومن ثم فستظل إسرائيل تدافع عن نفسها، وسيزداد وضع الشعب الفلسطيني بؤساً أكثر فأكثر.
رؤيتي هي لدولتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن، وليس هناك من سبيل إلى تحقيق هذا السلام، حتى تكافح كل الأطراف الإرهاب، ومع ذلك، ففي هذه اللحظة الحرجة إذا تجاوزت كل الأطراف الماضي، وانطلقت في طريق جديد -فإننا نستطيع التغلب على الظلام بنور الأمل.
السلام يتطلب قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة، حتى يمكن أن تولد دولة فلسطينية، إنني أدعو الشعب الفلسطيني إلى انتخاب زعماء جدد، لا يشينهم الإرهاب.
أدعوهم إلى بناء ديمقراطية حقيقية، تقوم على التسامح والحرية، إذا سعى الشعب الفلسطيني بفاعلية نحو هذه الأهداف، فإن أميركا والعالم سوف يساندان جهوده، إذا حقق الشعب الفلسطيني هذه الأهداف، فسوف يتمكن من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل ومصر والأردن، بشأن الأمن وغيره من الترتيبات من أجل الاستقلال.
وحينما تكون هناك قيادات جديدة للشعب الفلسطيني، ومؤسسات جديدة وترتيبات أمنية جديدة مع جيرانه، فإن الولايات المتحدة ستؤيد قيام دولة فلسطينية، تكون حدودها وجوانب معينة من سيادتها موقتة إلى حين الاتفاق عليها في إطار تسوية نهائية في الشرق الأوسط.
كلنا علينا مسؤوليات في ما ينتظرنا من عمل، الشعب الفلسطيني موهوب وكفؤ، وأنا واثق من أنهم يستطيعون تحقيق ميلاد جديد لأمتهم.
لن تقوم الدولة الفلسطينية أبداً بالإرهاب، سوف تبنى من خلال الإصلاح، ويجب أن يكون الإصلاح أكثر من مجرد تغيير شكلي أو محاولة مغلفة للحفاظ على الوضع الراهن، وسوف يتطلب الإصلاح الحق مؤسسات سياسية واقتصادية جديدة تماماً، تعتمد على الديمقراطية واقتصاديات السوق والتحرك لمكافحة الإرهاب.
واليوم المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب ليست له سلطة، وتتركز السلطة في أيدي نفر قليل لا يمكن محاسبتهم، ولا يمكن لدولة فلسطينية أن تخدم مواطنيها، إلا بدستور جديد يفصل بين السلطات.
وينبغي أن تكون للبرلمان الفلسطيني السلطة الكاملة لمجلس تشريعي، ويحتاج المسؤولون المحليون ووزراء الحكومة إلى سلطة خاصة بهم وإلى ستقلال؛ ليحكموا بكفاءة.
وسوف تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية مع الزعماء الفلسطينيين؛ لإنشاء إطار دستوري وديمقراطية فاعلة للشعب الفلسطيني، وستعمل الولايات المتحدة إلى جانب آخرين في المجتمع الدولي، على مساعدة الفلسطينيين في تنظيم ومراقبة انتخابات محلية، متعددة الأطراف نزيهة، بحلول نهاية العام يتبعها انتخابات عامة.
يعيش الشعب الفلسطيني اليوم في حالة ركود اقتصادي، زاده الفساد الرسمي سوءاً، وستحتاج الدولة الفلسطينية لاقتصاد نشط، يلقى فيه القطاع الخاص النزيه تشجيعاً من حكومة نزيهة.
وتقف الولايات المتحدة والجهات الدولية المانحة والبنك الدولي على أهبة الاستعداد؛ للعمل مع الفلسطينيين في مشروع كبير للإصلاح الاقتصادي والتنمية، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي مستعدون للإشراف على الإصلاحات في الشؤون المالية الفلسطينية، وتشجيع الشفافية والتدقيق المستقل، وستزيد الولايات المتحدة وشركاؤنا في العالم المتقدم مساعدتنا الإنسانية، للتخفيف من المعاناة الفلسطينية.
واليوم، فإن السلطات الفلسطينية تشجع الإرهاب ولا تعارضه، وهذا غير مقبول، والولايات المتحدة لن تؤيد قيام دولة فلسطينية، ما لم يشن زعماؤها حرباً متواصلة على الإرهابيين، ويدمروا بنيتهم التحتية.
اليوم يفتقد الشعب الفلسطيني إلى المحاكم القانونية الفعالة وليست لديه وسائل للدفاع عن حقوقه والمطالبة بها، إن الدولة الفلسطينية ستحتاج إلى نظام عدالة يمكن الاعتماد عليه لمعاقبة الذين يعيشون على دم الأبرياء، إن الولايات المتحدة وأعضاء آخرين بالمجتمع الدولي مستعدون للعمل مع زعماء فلسطينيين، لإقامة وتمويل ومراقبة نظام قضائي مستقل بحق.
وهذا سيستلزم جهداً خاضعاً لإشراف خارجي لإعادة بناء وإصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولا بد أن تكون للنظام الأمني خطوط واضحة للسلطة وقابلية المساءلة، وكذلك سلسلة قيادة موحدة.
وتعكف الولايات المتحدة على السعي لتحقيق هذا الإصلاح مع غيرها من الدول الإقليمية الرئيسية، العالم مستعد للمساعدة، ولكن هذه الخطوات تجاه الدولة الفلسطينية تعتمد في النهاية على الشعب الفلسطيني وزعمائه، فإذا ساروا بجد في طريق الإصلاح، فإن المكافأة قد تأتي سريعاً، وإذا اعتنق الفلسطينيون الديمقراطية وتصدوا للفساد ورفضوا الإرهاب بثبات، فإن بوسعهم الاعتماد على الدعم الأميركي لقيام دولة فلسطينية موقتة.
في وجود جهود دؤوبة يمكن أن تنهض هذه الدولة بسرعة، وتتفق مع إسرائيل ومصر والأردن في قضايا عملية مثل الأمن، وسيتم التفاوض على الحدود النهائية، والعاصمة، وغير ذلك من جوانب سيادة هذه الدولة بين الأطراف في إطار تسوية نهائية، لقد عرضت الدول العربية تقديم المساعدة ومساعدتها لازمة.
قلت في الماضي إن الدول إما أن تكون معنا أو علينا في الحرب على الإرهاب، ولكي تحسب الدول على جانب السلام، فإن عليها أن تتحرك، وكل زعيم ملتزم فعلياً بالسلام، سينهي التحريض على العنف في الإعلام الرسمي، ويدين علناً التفجيرات القاتلة، كل دولة ملتزمة فعليا ًبالسلام، ستوقف تدفق الأموال والمعدات وعمليات التجنيد في الجماعات الإرهابية الساعية لتدمير إسرائيل بما في ذلك "حماس"، والجهاد الإسلامي، وحزب الله.
ويجب على كل دولة ملتزمة فعلاً بالسلام أن تمنع شحن الإمدادات الإيرانية لهذه الجماعات، وأن تعارض الأنظمة التي تشجع الإرهاب مثل العراق، ويجب على سوريا أن تأخذ جانب الحق في الحرب على الإرهاب، بالقيام بإغلاق معسكرات الإرهابيين وطرد المنظمات الإرهابية.
ويجب على كل دولة ملتزمة فعلا بالسلام أن تمنع شحن الإمدادات الإيرانية لهذه الجماعات وأن تعارض الأنظمة التي تشجع الإرهاب مثل العراق، ويجب على سوريا أن تأخذ جانب الحق في الحرب على الإرهاب بالقيام بإغلاق معسكرات الإرهابيين وطرد المنظمات الإرهابية.
ويجدر بالزعماء الراغبين في أن تشملهم عملية السلام، أن يظهروا بأفعالهم تأييدهم التام للسلام.
ومع تحركنا نحو حل سلمي، فمن المتوقع من الدول العربية بناء علاقات أوثق دبلوماسياً وتجارياً مع إسرائيل، بما يؤدي إلى تطبيع تام للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي بأسره.
وهناك مصلحة كبيرة أيضاً لإسرائيل في نجاح قيام دولة فلسطينية، ذات طابع ديمقراطي، فدوام الاحتلال يهدد هوية إسرائيل وديمقراطيتها، وقيام دولة فلسطينية مستقرة مسالمة، ضروري لتحقيق الأمن الذي تتوق إليه إسرائيل، لذا أدعو إسرائيل إلى اتخاذ خطوات ملموسة؛ لتأييد قيام دولة فلسطينية لها مقومات البقاء وذات مصداقية.
ومع تقدمنا نحو الأمن، يجب على القوات الإسرائيلية الانسحاب الكامل إلى مواقعها قبل الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2000، ولا بد من وقف أنشطة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، بما يتفق مع توصيات لجنة ميتشل.
ولا بد أن تتاح للاقتصاد الفلسطيني فرصة النمو، ومع انحسار العنف لا بد من استعادة حرية الحركة والسماح للفلسطينيين الأبرياء باستئناف أعمالهم وحياتهم العادية، ولا بد من السماح للمشرعين والمسؤولين الفلسطينيين وعمال الجهود الإنسانية الدوليين بأداء مهمتهم في بناء مستقبل أفضل، ويجب على إسرائيل الإفراج عن العائدات الفلسطينية المجمدة، ووضعها في أيد أمينة ومسؤولة.
لقد طالبت الوزير باول (وزير الخارجية الأميركي) بتكثيف العمل مع زعماء شرق أوسطيين ودوليين؛ لتحقيق رؤية لدولة فلسطينية، بالتركيز على خطة شاملة لمساندة إجراء إصلاح وبناء للمؤسسات الفلسطينية.
وفي نهاية المطاف يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين تناول القضايا الجوهرية التي تقف حائلاً بينهم، إذا كان لسلام حقيقي أن يسود، وبتسوية كل المزاعم، وإنهاء النزاع في ما بينهم.
وهذا يعني إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967، من خلال تسوية يتم التفاوض عليها بين الأطراف، على أساس قراري الأمم المتحدة 242 و338، مع انسحاب إسرائيل إلى حدود آمنة ومعترف بها.
علينا أيضاً حسم القضايا المتعلقة بالقدس، ومحنة اللاجئين الفلسطينيين، والتوصل إلى سلام نهائي بين إسرائيل ولبنان، وبين إسرائيل وسوريا، يدعم السلام، ويكافح الإرهاب.
ويدرك كل من هو على دراية بتاريخ الشرق الأوسط أن هذه العملية قد تتعرض لانتكاسات، فكما رأينا، هناك من قتلة محترفين عقدوا العزم على إيقافها، لكن معاهدتي السلام المصرية، والأردنية مع إسرائيل، تذكرنا بأنه في ظل قيادة مثابرة ومسؤولة يمكن تحقيق تقدم سريع.
ومع ظهور مؤسسات وقيادة فلسطينية جديدة تحقق أداء حقيقياً في مجالي الأمن والإصلاح، أتوقع أن تستجيب إسرائيل وتعمل من أجل اتفاق وضع نهائي. ومع تكاتفنا جميعاً في تكثيف جهدنا، يمكن التوصل إلى اتفاق في غضون ثلاث سنوات من الآن، وسأقود أنا وبلادي العمل النشط صوب هذا الهدف.
أتفهم الغضب والألم الشديدين اللذين يعتصران الشعب الإسرائيلي، لقد عشتم طويلاً تحت وطأة الخوف والجنازات، وأرغمتم على تحاشي الأسواق وحافلات النقل العام، وأجبرتم على وضع حراس مسلحين داخل فصول حضانات الأطفال، ورفضت السلطة الفلسطينية يدكم الممدوة وتعاملت مع الإرهابيين. من حقكم العيش بصورة طبيعية، ومن حقكم الأمن، وأعتقد اعتقاداً جازماً بأنكم تحتاجون إلى وجود شريك فلسطيني صالح ومسؤول؛ لتحقيق هذا الأمن.
وأتفهم الغضب واليأس العميقين اللذين يستبدان بالشعب الفلسطيني، فلعقود عوملتم كرهائن لصراع الشرق الأوسط، واحتجزت مصالحكم رهينة لاتفاق سلام شامل بدا وكأنه لن يتحقق، بينما أخذت حياتكم تسوء عاماً بعد آخر. من حقكم، الديمقراطية وحكم القانون. من حقكم العيش في مجتمع مفتوح واقتصاد مزدهر. من حقكم حياة مفعمة بالأمل لأطفالكم.
وقد تبدو نهاية الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مسالمة وديمقراطية بعيدة، لكن أميركا، وشركاءنا في أنحاء العالم، على أتم استعداد لتقديم يد العون، ومساعدتكم في تحقيق هذا بأسرع ما يمكن.
وإذا قدر للحرية أن تزدهر في الأرض الوعرة للضفة الغربية وغزة، فإنها ستلهم الملايين من النساء والرجال في أنحاء المعمورة، الذين أثقلهم أيضاً الفقر والقمع، ومن حقهم التمتع بحكم ديمقراطي أيضاً.
ويحدوني أمل بالنسبة لشعوب الدول الإسلامية، فالتزامكم بالخلق والمعرفة والتسامح يؤدي إلى إنجازات تاريخية عظيمة، وهذه القيم قائمة في العالم الإسلامي اليوم؛ فأنتم أصحاب ثقافة ثرية وأنتم تتقاسمون تطلعات أصحاب كل حضارة من الرجال والنساء، والازدهار والحرية والعزة ليست آمالاً أميركية أو غربية وحسب، فهي آمال عامة لجميع البشر، وحتى في خضم عنف الشرق الأوسط، واضطرابه تؤمن أميركا أن هذه الآمال قادرة على تغيير الحياة والأمم.
هذه اللحظة هي فرصة واختبار في الوقت نفسه لجميع الأطراف في الشرق الأوسط، هي فرصة لإرساء أسس سلام للمستقبل، واختبار لمعرفة من هو جاد لتحقيق السلام ومن هو غير جاد.
والاختيار هنا لا لبس فيه وبسيط وكما يقول الإنجيل "لقد وضعتم أمامكم الحياة والموت فاختاروا الحياة". لقد حان الوقت للجميع في هذا الصراع أن يختاروا جانب السلام والأمل والحياة.
شكراً جزيلاً.
المصدر: