كلمة للرئيس جورج بوش يدعو فيها لعقد مؤتمر من أجل السلام
واشنطن، 16 تموز/يوليو 2007
مساء الخير، خلال الأسابيع الأخيرة تركز الجدل في بلدنا حقيقة على الوضع في العراق؛ غير أن العراق ليس الموضوع الوحيد البالغ الأهمية في الشرق الأوسط. فقبل أكثر من خمس سنوات، كنت أول رئيس أميركي يدعو إلى قيام دولة فلسطينية، وفي حديقة الزهور بالبيت الأبيض قلت آنذاك إنه ينبغي ألاّ يعيش الفلسطينيون في ظل الفقر والاحتلال، كما قلت إنه لا ينبغي أيضاً أن يعيش الإسرائيليون في ظل الإرهاب والعنف. ووضعت رؤية جديدة للمستقبل، دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن.
ومنذ ذلك الحين حدثت تغيرات كثيرة، بعضها مثير للأمل وبعضها الآخر مثبط، فإسرائيل اتخذت خطوات صعبة، بما فيها الانسحاب من غزة ومناطق من الضفة الغربية، والفلسطينيون أجروا انتخابات حرة، واختاروا رئيساً ملتزماً بالسلام، والدول العربية وضعت خطة تعترف لإسرائيل بمكان في الشرق الأوسط. وكل تلك الأطراف، إلى جانب المجتمع الدولي، تتفق على هدف واحد هو إقامة دولة فلسطينية مسالمة ديمقراطية، وهي درجة من الاتفاق لم تتحقق من قبل إطلاقاً على هذا الموضوع الحيوي والمهم.
غير أن السنوات الخمس الماضية جلبت أيضاً تطورات مألوفة إلى حدّ مذهل على التاريخ الحديث للمنطقة؛ فالمتطرفون حينما ووجهوا باحتمالات إحلال السلام ردوا بأعمال عدوانية وإرهابية. ففي غزة، خان المتشددون من حماس الشعب الفلسطيني باستيلائهم العنيف غير المشروع على القطاع. وربما أقدمت عليه حماس من أفعال، فإنها أثبتت بما يتجاوز كل الشكوك أنها تكرس جهودها للتطرف والقتل أكثر مما تكرسه لخدمة العشب الفلسطيني.
وهذه هي لحظة الوضوح لكل الفلسطينيين، وحانت الآن لحظة الاختيار. إن البدائل المطروحة أمام الشعب الفلسطيني صارخة الوضوح؛ فهناك رؤية حماس التي شاهدها العالم في غزة، بالقتلة ذوي الأقنعة السوداء والإعدامات العاجلة ودفع الرجال من فوق الأسطح ليلاقوا حتفهم. وبانتهاج هذا الطريق فإن الشعب الفلسطيني يمكن أن يضمن حدوث فوضى، ومعاناة، وارتكاب مظالم لا نهاية لها، إنهم سيسلمون مستقبلهم إلى ما يرعون حماس من الخارج؛ سورية وإيران، وهو سيسحقون بذلك كل احتمال لقيام أي دولة فلسطينية.
لكن هناك خيتر آخر، وهو خيار مثير للأمل. إنه رؤية الرئيس عباس ورئيس الوزراء فياض، إنه رؤية حكومتهما، إنه رؤية دولة مسالمة تسمى فلسطين كموطن للشعب الفلسطيني. ومن أجل تحقيق هذه الرؤية فإن أولئك القادة والزعماء يكافحون من أجل إقامة مؤسسات الديمقراطية العصرية. إنهم يعملون لتعزيز أجهزة الأمن الفلسطينية، لكي يتمكنوا من مواجهة الإرهابيين وحماية الأبرياء. إنهم يتخذون الخطوات المؤدية إلى تشكيل وزارات قادرة على تقديم الخدمات بدون فساد، ويتخذون خطوات من أجل تحسين الاقتصاد وإطلاق العنان لحب العمل الكامن طبيعياً لدى الشعب الفلسطيني. وهم يعملون من أجل ضمان أن المجتمع الفلسطيني يعمل في ظل حكم القانون. وباتباع هذا الطريق يستطيع الفلسطينيون استعادة كرامتهم ومستقبلهم، وإقامة دولة لأنفسهم.
والفلسطينيون وحدهم هم الذين يستطيعون أن يقرروا أي الطريقين سيسلكون، غير أن كل الدول المسؤولة عليها واجب المساهمة في توضيح الطريق نحو الأمام، بدعم الإصلاحات التي يطبقها الرئيس عباس ورئيس الوزراء قياض. يمكننا أن نساعدهم على أن يُطلعوا العالم على شكل وسلوك الدولة الفلسطينية. ونستطيع أن نساعدهم على أن يثبتوا للعالم وللمنطقة أن إسرائيل التي ستكون شريكاً للدولة الفلسطينية لن تمثل خطراً. ونستطيع أن نساعدعم على أن يوضحوا لكل الفلسطينيين أن نبذ العنف هو أضمن طريق للأمن، وضمان حياة أفضل. ونستطيع أن نساعدهم على أن يوضحوا للمتطرفين بشكل قاطع لا رجعة فيه أن الإرهاب لن يكون له مكان في الدولة الفلسطينية.
وبناء على ذلك، وبالتشاور مع شركائنا في اللجنة الرباعية – وهم: الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة – فإن الولايات المتحدة ستتخذ سلسلة من الخطوات من أجل تعزيز وتقوية قوى الاعتدال والسلام بين أطياف الشعب الفلسطيني.
أولاً: إننا نعزز التزاماتنا المالية؛ ففور طرد الرئيس عباس لحماس من الحكومة الفلسطينية، رفعت الولايات المتحدة القيود المالية التي كنا فرضناها على السلطة الفلسطينية. وخلال العالم الحالي سنقدم للفلسطينيين مساعدات أميركية تقدر قيمتها بأكثر من 190 مليون دولار، بما في ذلك مساعدات الإغاثة الإنسانية في غزة. وبناء على ذلك الدعم، فإنني صرحت مؤخراً لهيئة الاستثمارات الخاصة في الخارج بالانضمام إلى البرنامج، الذي سيساهم في توفير قروض بقيمة 228 مليون دولار للمشروعات التجارية الفلسطينية. وإنني اليوم أعلن عن عزمنا تقديم مساهمة مباشرة بـ 80 مليون دولار؛ لمساعدة الفلسطينيين على إصلاح أجهزتهم الأمنية، وهي مهمة أساسية ينفذونها بتوجيهات من الجنرال الأميركي كيث ديتون. وسنعمل مع الكونغرس، وشركائنا في جميع أنحاء العالم، من أجل توفير موارد إضافية بمجرد إعداد خطة لبناء المؤسسات الفلسطينية. وبكل تلك المساعدات فإننا نبين للشعب الفلسطيني أن الالتزام بالسلام يؤدي للحصول على دعم سخي من الولايات المتحدة.
ثانياً: إننا نقوي التزامنا السياسي والدبلوماسي؛ فمرة أخرى جلس اليوم الرئيس عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت معاً لمناقشة الأولويات وحل القضايا. إن وزيرة الخارجية رايس وأنا، ندعم بشدة تلك اللقاءات، وهي عملت مع الجانبين، من أجل وضع رسم مبدئي "للأفق السياسي" للدولة الفلسطينية. والآن سنكثف جهودنا، بهدف تعزيزي ثقة جميع الأطراف في حل الدولتين، وسنواصل نقل رسالة حاسمة إلى حماس مفادها أنه: ينبغي أن تتوقفوا عن جعل غزة ملاذاً آمناً لشن الهجمات ضد إسرائيل. وينبغي عليكم قبول الحكومة الشرعية الفلسطينية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتفكيك الجماعات المسلحة. وينبغي عليكم نبذ العنف، والاعتراف بحق إسرائيل في البقاء، والالتزام بكل الاتفاقيات السابقة بين الطرفين. ومثلما قلت في حديقة الزهور قبل خمسة أعوام، فإن قيام دولة فلسطينية لن يكون أبداً عن طريق الإرهاب.
ثالثاً: إننا نشدد التزامنا بالمساهمة في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية؛ ففي الشهر الماضي وافق رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير على القيام بدور جديد كمندوب عن اللجنة الرباعية. وفي منصبه الجديد سيقوم بتنسيق الجهود الدولية لمساعدة الفلسطينيين على بناء مؤسسات مجتمع قوي دائم وحر، بما فيها هيكل حكم فعال، ونظام مالي سليم، وحكم القانون. وسوف نشجع الشباب الفلسطيني على المساهمة في العملية السياسية، وأميركا ستدعم بقوة هذه المهمة لمساعدة الزعماء الفلسطينيين على تلبية رغبة شعبهم على العيش في سلام.
والغاية من جميع الخطوات التي عرضت ملامحها هي إرساء الأساس لدولة فلسطينية ناجحة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل دولة ذات مؤسسات سياسية تؤدي وظائفها، وقوات أمن مقتدرة، وزعماء ينبذون الإرهاب والعنف. وبوجود الأساس المناسب سيكون بمقدورنا أن نبدأ مفاوضات جدّية نحو إقامة دولة فلسطينية.
وهذه المفاوضات يجب أن تسوّي المسائل العويصة، وأن تساند مبادىء جلية، كما يجب أن تضمن أن إسرائيل ستكون آمنة. وعلى هذه المفاوضات أن تكفل بأن الدولة الفلسطينية (العتيدة) ستكون قابلة للحياة، وذات أجزاء مترابطة. وهذه المفاوضات يتعين أن تقود إلى تسوية إقليمية، تتمخض عنها حدود متفق عليها بصورة متبادلة، وتعكس الخطوط السابقة والحقائق الراهنة، وتعديلات متفق عليها ثنائياً. وأميركا جاهزة لقيادة مباحثات تعالج هذه المسائل، لكن هذه يتعين أن تسوّى من قبل الفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم. ومن شأن حلّ هذه المسائل أن يظهر للفلسطينيين سبيلاً واضحاً إلى الأمام، وفي نهاية المطاف يمكن أن تؤدي إلى سلام نهائي في الشرق الأوسط، ونهاية دائمة للنزاع، واتفاق بشأن جميع القضايا، بما فيها اللاجئون والقدس.
ومن أجل تحويل هذا التصور إلى حقيقة يجب أن يقرّر الشعب الفلسطيني بأنه يريد مستقبلاً من العيش اللائق والأمل، لا مستقبلاً من الإرهاب والموت. وعليه أن يشفع كلامه باستنكار الإرهاب بالفعل، وليس مجرد القول. وعلى الحكومة الفلسطينية أيضاً أن تعتقل الإرهابيين، وأن تفكك بنيتهم التحتية، وأن تصادر الأسلحة غير المشروعة، كما تقتضي ذلك خريطة الطريق. وعليها أن توقف الهجمات ضد إسرائيل، وأن تطلق سراح الجندي الإسرائيلي الذي يرتهنه المتطرفون. وعليها أن تنفذ القانون بمعزل عن الفساد الإداري، كي تتمكن من كسب ثقة شعبها والعالم. واتخاذ تلك الخطوات سيمكّن الفلسطينيين من أن تكون لديهم دولة خاصة بهم، وهذا هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب، ولا شيء أقل من ذلك سيكون مقبولاً.
وأمام إسرائيل مسار جلّي؛ فعلى رئيس الوزراء أولمرت أن يواصل الإفراج عن عائدات الضرائب الفلسطينية، وأن يحوّلها إلى حكومة رئيس الوزراء فيّاض. كما أن رئيس الوزراء أولمرت أوضح أن مستقبل إسرائيل يكمن في تطوير مناطق مثل النقب والجليل، لا في الاستمرار في احتلال الضفة الغربية، وهذه حقيقة أقر بها رئيس الوزراء شارون كذلك. لهذا فإن المواقع الاستطانية غير المصرح بها ينبغي أن تزال، وأن يوضع حدّ لتوسيع الاستيطان. وفي الوقت ذاته ينبغي على الإسرائيليين أن يجدوا سبلاً أُخرى لتقليص أثر وجودهم، بدون الحدّ من أمنهم، كي يمكنهم أن يساعدوا الرئيس عباس على تحسين الظروف الاقتصادية والإنسانية. وعليهم أن يكونوا واثقين من أن الولايات المتحدة لن تتخلى أبداً عن التزامها تجاه أمن إسرائيل كدولة يهودية، وكوطن للشعب اليهودي.
ويجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في هذه المناسبة، وأن يقدّم دعماً حاسماً لقادة فلسطينيين ذوي مسؤولية يعملون من أجل السلام. وأحد المنابر لمدّ ذلك الدعم هو لجنة الاتصال المختصة، وهي مجموعة تترأسها النرويج، وتضم الولايات المتحدة واليابان والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودولاً عربية مثل العربية السعودية ومصر والأردن. وهذا اليوم أنا أدعو لالتآم جلسة لهذه اللجنة في وقت قريب، كي يمكن للعالم أن يساند كلامه بدعم حقيقي للحكومة الفلسطينية الجديدة.
وبإمكان العالم أن يفعل المزيد لإيجاد الظروف للسلام، لذلك فإنني سأدعو لعقد لقاء دولي في خريف هذا العام، يجمع ممثلين عن البلدان التي تدعم مبدأ الدولتين، وتنبذ العنف، وتعترف بحق إسرائيل في الوجود، وأن تتعهد بالتقيد بجميع الاتفاقات السابقة بين الأطرفا. والمشاركون الأساسيون في هذا اللقاء سيكونون الإسرائيليين والفلسطينيين وجيرانهم في المنطقة، وستترأس الوزيرة رايس هذا الاجتماع، وستستعرض هي ونظراؤها التقدم التي سيكون قد تحقق نحو إنشاء مؤسسات فلسطينية. وسيتدارسون سبلاً خلاقة وفعالة لدعم مزيد من الإصلاح، كما سيوفرون دعماً دبلوماسياً للطرفين في مباحثاتهما الثنائية ومفاوضاتهما؛ كي يكون بمقدورنا أن نمضي قدماً في مسار ناجح نحو الدولة الفلسطينية.
ولدى الدول العربية دور محوري لممارسته كذكل؛ فعليها أن تبدي تأييداً قوياً لحكومة الرئيس عباس، وأن ترفض التطرف العنفي لحماس. وعلينا أن تسخّر مواردها لتوفير مساعدات، ثمة حاجة ماسة لها، للشعب الفلسطيني. كما أن دولاً مثل مصر والأردن، التي تعتبر بوابات طبيعية للصادرات الفلسطينية، يجب أن تفتح سبل التجارة، وأن تنشىء فرص عمل على جانبي الحدود.
إلى ذلك، ينبغي على الدول العربية أن تشارك مشاركة نشطة في دعم مفاوضات السلام، وإعادة إطلاق المبادرة العربية كانت خطوة أولى مستحبة. والآن على الدول العربية أن تبني على أسس هذه المبادرة، من خلال إنهاء خرافة أن إسرائيل غير قائمة، وأن تتوقف عن التحريض على الأحقاد في وسائل إعلامها الرسمية، وإيفاد زوار على مستوى وزاري إلى إسرائيل. وبوجود كل هذه الخطوات بإمكان القادة العرب أن يظهروا أنفسهم بمظهر الأنداد في صنع السلام، أمثال العاهل الأردني السابق الملك حسين، والرئيس الراحل أنور السادات.
كما أن الصراع في غزة والضفة الغربية حالياً، هو كفاح بين المتطرفين والمعتدلين. وهاتان المنطقتان ليستا المكانين الوحيدين اللذين تهدد قوى الراديكالية والعنف فيهما الحرية والسلام؛ فالكفاح بين المتطرفين والمعتدلين تدور رحاه في لبنان أيضاً، حيث تحاول سورية وإيران وحزب الله أن يزعزعوا استقرار الحكومة المنتخبة شعبياً. والكفاح تدور رحاه في أفغانستان، حيث تحاول القاعدة وطالبان أن تلغيا المكاسب الديمقراطية هناك. ويدور هذا الكفاح في العراق، حيث تحاول القاعدة والمتمردون والميليشيات أن يتحدوا إرادة ما يقرب من 12 مليون عراقي صوتوا لصالح مستقبل حر.
إن الاستسلام للمتطرفين في كل من هذه الصراعات ستكون له عواقب مميتة للمنطقة والعالم، ولذا فإن على المجتمع الدولي أن يتكاتف مع الرجال والنساء الشجعان الذين يعملون من أجل السلام في كل من غزة والضفة الغربية وما وراءهما.
وقد شهدت الأيام الأخيرة فصلاً من الاعتلاجات والالتباسات في الشرق الأوسط، إلا إن هذه السيرة يجب ألا تنتهي بهذه الطريقة. فبعد موجة القتل التي شنتها حماس في الشهر الماضي، قالت فتاة ذات ستة عشر ربيعاً لأحد المراسلين في غزة "المسلحوون يبغون [يريدون] تخريب ثقافة آبائنا وأجدادنا، ونحن لن نسمح لهم بأن يفعلوا ذلك. وأنا أقول كفى قتلاً، كفى".
هذه الفتاة تكلمت باسم الملايين في غزة والضفة الغربية، وفي إسرائيل، وفي الدول العربية، وفي كل أمة. والآن على العالم أن يستجيب لدعوتها، وعلينا أن نبيّن في وجه التطرف والعنف أننا نقف صفاً واحداً مع التسامح ومكارم الأخلاف والعيش الكريم، وفي مواجهة الفوضى والقتل نتكاتف مع القانون والعدالة، وفي وجه الإرهاب والتشاؤم والغضب نقف إلى جانب السلام في الأرض المقدسة.
وشكراً لكم.
المصدر: "الوثائق الفلسطينية لسنة 2007"، تحرير محسن محمد صالح، وائل سعد (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2009)، ص 483 - 487.