خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو يؤكد فيه
أن عاصمة إسرائيل القدس ستبقى موحدة مع استمرار صيانة حرية العبادة لجميع الأديان
جامعة بار-إيلان، 14/6/2009
أيها الضيوف الكرام ،
أيها المواطنون الإسرائيليون ،
إن السلام كان دوماً محطّ تطلعات شعبنا. وكان أنبياؤنا هم الذين ورثوا العالم رؤية السلام. إننا نتبادل التهاني بكلمة (شالوم) [وتعني "سلام" بالعبرية] ، كما أن صلواتنا تُختتم بالسلام.
إننا نحضر هذا المساء مقر مركز الدراسات الذي يحمل اسم الشخصيتين اللتين اخترقتا طريق السلام وهما الراحلان الكبيران مناحيم بيغن وأنور السادات حيث إننا نشاركهما رؤيتهما.
لقد أديت تصريح الولاء أمام الكنيست بصفتي رئيساً لحكومة إسرائيل قبل نحو شهرين ونصف. لقد وعدت بتشكيل حكومة وحدة وطنية – وأوفيت بالوعد. وكنت أعتقد بأن الوحدة مطلوبة في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى كوننا نواجه حالياً ثلاثة تحديات جمة: التهديد الإيراني ، والأزمة الاقتصادية ، ودفع عملية السلام قدماً.
إن التهديد الإيراني ما زال يواجهنا بمنتهى القوة ، إذ إن أكبر خطر بالنسبة لإسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع يتمثل بهذا اللقاء بين الإسلام المتشدد والسلاح النووي. كنت قد تحدثت عن هذا الموضوع مع الرئيس أوباما خلال زيارتي لواشنطن ، كما أنه سيكون مدار بحث خلال محادثاتي مع بعض القادة الأوروبيين الأسبوع القادم. يجب التنويه هنا إلى أنني أعمل منذ سنوات دون كلل لتكوين جبهة دولية ضد حصول إيران على السلاح النووي.
أما بالنسبة للأزمة الاقتصادية العالمية فقد تحركنا سريعاً لجلب الاستقرار على الاقتصاد الإسرائيلي من خلال مصادقة مجلس الوزراء على مشروع ميزانية الدولة للعامين الحالي والقادم ليصار إلى مصادقة الكنيست عليه أيضاً في الوقت القريب.
أما التحدي الثالث الذي يواجهنا ، وهو على غاية من الأهمية ، فيخص المضي بالسلام قدماً. وكنت قد تحدثت عن هذا الموضوع أيضاً مع الرئيس أوباما حيث أؤيد جداً فكرة السلام الإقليمي التي يقودها. إنني أشارك الرئيس الأميركي رغبته في الانتقال إلى عهد جديد من المصالحة في منطقتنا ، ولهذه الغاية التقيت بالرئيس مبارك في مصر والملك عبد الله الثاني في الأردن لأستعين بهذين الزعيمين في المجهود الرامي لتوسيع دائرة السلام.
ها أنني أتوجه من هنا إلى قادة الدول العربية وأقول لهم: تعالوا لنتقابل لنتحادث عن السلام ونصنع السلام. إنني مستعد للقائكم في أي وقت. إنني مستعد للحضور إلى دمشق والرياض وبيروت – إلى أي مكان.
إنني أناشد الدول العربية التعاون مع الفلسطينيين ومعنا للمضي قدماً بالسلام الاقتصادي. إن السلام الاقتصادي لا يأتي بديلاً عن السلام السياسي لكنه يشكل مقوّماً هاماً في إنجازه. إننا سنستطيع معاً تطوير مشاريع تتخطى النواقص في منطقتنا مثل إزالة ملوحة مياه البحر ومشاريع تستفيد من مميزاتها مثل استغلال الطاقة الشمسية أو مد خطوط أنابيب الغاز والنفط وخطوط المواصلات التي تربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.
إن النجاح الاقتصادي الذي حققته دول الخليج ترك أثره على العالم بأسره وعليّ أيضاً. إنني أدعو المبادرين الموهوبين من العالم العربي للوصول والاستثمار هنا لمعاونة الفلسطينيين ومعاونتنا على القفز بالاقتصاد إلى الأمام.
إننا سنستطيع سوية تطوير مناطق صناعية توفر الآلاف من فرص العمل بالإضافة إلى المواقع السياحية التي تستقطب الملايين من السياح الراغبين في السير على دروب التأريخ سواء في الناصرة أو في بيت لحم وأسوار أريحا وأورشليم القدس وضفاف بحيرة طبريا والمغطس المطل على نهر الأردن. بإمكاننا الاستفادة هنا من طاقات أثرية وسياحية هائلة إذا ما عرفنا كيفية التعاون فيما بيننا من أجل تطويرها.
إنني أتوجه إليكم ، أيها جيراننا الفلسطينيون بقيادة السلطة الفلسطينية لأقول لكم: تعالوا لنباشر المفاوضات فوراً دون شروط مسبقة. إن إسرائيل ملتزمة بالاتفاقات الدولية وهي تنتظر من جميع الأطراف الأخرى التقيد بالتزاماتها. إننا نريد العيش معكم بسلام وحسن الجوار.
إننا نريد أن لا يشهد أطفالنا وأطفالكم المزيد من الحروب ؛ أن لا يعرف أولياء الأمور والأبناء والأشقاء الثكل والشجون ؛ أن يحلم أطفالنا في مستقبل أفضل ويجسدونه ؛ أن نشحذ نحن وإياكم هممنا في صناعة السُكَك والمناجل وليس السيوف والرماح.
إنني عرفت شخصياً ويلات الحرب. لقد شاركت في معارك وفقدت أصدقاء طيبين لا بل فقدت شقيقاً لي. كما أنني شهدت آلام العائلات الثكلى. وبالتالي فإنني لا أريد الحرب ، إن الشعب في إسرائيل لا يريد الحرب.
إذا ما تشابكت أيدينا وعملنا معاً بسلام ، فلن تكون هناك حدود للإزدهار والتنمية التي نستطيع جلبها على شعبيْنا – سواء أكان ذلك في الاقتصاد أو في الزراعة والتجارة والسياحة والتربية والتعليم ، وبالذات فيما يتعلق بقدرتنا على منح الجيل الصاعد لدينا مكاناً يحسُن العيش فيه حياة مطمئنة ومليئة بالاهتمام والإبداع تحمل بين طياتها آفاق الفرص والآمال.
إذا ما كانت حسنات السلام واضحة إلى هذا الحد فلا بد من طرح السؤال على أنفسنا: لماذا ما زال السلام بعيداً عنا رغم أن أيدينا ممدودة إليه؟ لماذا يتواصل هذا النزاع منذ أكثر من 60 عاماً؟ يجب علينا من أجل وضع حد لهذا النزاع تقديم الإجابة الحقيقية والصادقة على السؤال الآتي: ما هو أصل النزاع؟
لقد تحدث صاحب رؤية الدولة [اليهودية] بنيامين زئيف هرتصل في خطابه أمام المؤتمر الصهيوني [الأول] في بازل عن هذه الرؤية العظيمة المتمثلة بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي حيث قال ما يلي: "إن هذا الأمر عظيم لدرجة تجعلنا مضطرين للحديث عنه بأبسط الكلمات ليس إلا".
إنني أود اليوم الحديث عن هذا التحدي الكبير للسلام بأبسط الكلمات وبما يوافق المستوى الشعبي. يجب أن تكون أقدامنا مثبّتة على أرض الواقع والحقيقة حتى عندما نلقي نظرتنا إلى الأفق. وهذه الحقيقة البسيطة هي أن أصل النزاع كان وما زال رفض الاعتراف بحق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة خاصة به في وطنه التأريخي. إذ كان العالم العربي بأكمله قد رفض عام 1947 خطة التقسيم التي طُرحت على الأمم المتحدة بشأن قيام دولة يهودية ودولة عربية فيما احتفى جموع اليهود [بهذه الخطة] برقصات البهجة والفرح. وكان الرفض العربي يطال أي دولة يهودية أياً كانت حدودها.
وبالتالي فإن مَن يعتقد بأن العداء المتواصل تجاه إسرائيل ينتج عن تواجدنا في يهودا والسامرة وغزة يُحلّ السبب محل النتيجة. لقد بدأت الهجمات علينا في عشرينيات القرن الماضي ، وتحولت إلى هجوم شامل عام 1948 عند الإعلان عن الدولة ، واستمرت في هجمات الفدائيين في الخمسينيات ، وبلغت ذروتها عام 1967 عشية حرب الأيام الستة بمحاولة فرض طوق خانق على رقبة دولة إسرائيل. وقد وقعت جميع هذه الأحداث طيلة ما يقارب 50 عاماً وقبل تواجد ولو جندي إسرائيلي واحد في يهودا والسامرة.
إنه لمن دواعي سرورنا أن تكون مصر والأردن قد خرجتا من دائرة العداء هذه ، إذ أدى توقيع معاهدتي السلام معهما إلى وضع حد لمطالبهما من إسرائيل وإلى إنهاء النزاع معهما أو بالأحرى إلى السلام. غير أنه لشدة أسفنا لا يطال هذا الوضع الفلسطينيين: إذ كلما اقتربنا من اتفاق السلام معهم فإنهم يبتعدون عنه ويعيدون طرح المطالب التي لا تتوافق مع الرغبة في إنهاء النزاع.
هناك كثير من الأخيار الذين يقولون لنا إن الانسحاب هو مفتاح السلام مع الفلسطينيين. وبالفعل فقد انسحبنا ، إلا أن الحقيقة هي أن أي انسحاب من جانبنا قد جُوبه بموجة عارمة من إرهاب الانتحاريين وآلاف الصواريخ.
لقد حاولنا الانسحاب بناء على اتفاق والانسحاب بدون اتفاق ، الانسحاب الجزئي والانسحاب الكامل. لقد اقترحت إسرائيل عام 2000 الانسحاب شبه الكامل مقابل إنهاء النزاع ، وأعادت طرح هذا الاقتراح العام الماضي ، لكن هذا الموقف لقي الرفض مرتين.
إننا أخلينا قطاع غزة حتى آخر شبر واقتلعنا عشرات المستوطنات وآلاف الإسرائيليين من ديارهم ، لكننا تلقينا بالمقابل وابلاً من الصواريخ على مدننا وقرانا وأطفالنا. إن الادعاء بأن الانسحاب سيجلب السلام مع الفلسطينيين – أو يجعله أقرب على الأقل – لم يصمد أمام اختبار الواقع. لا بل إن حماس في الجبهة الجنوبية شأنها شأن حزب الله في الجبهة الشمالية تعود وتصرح علناً بأنها تسعى ل"تحرير" أشكلون وبئر السبع وعكا وحيفا. إن عمليات الانسحاب لم تغير من هذه العداوة شيئاً.
ومما يدعونا إلى الأسف أيضاً أن المعتدلين الفلسطينيين غير مستعدين للإدلاء بالأقوال البسيطة التالية: إن دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي وهي ستظل هكذا. إن تحقيق السلام يتطلب الشجاعة والإنصاف من كلا الجانبين وليس من الجانب الإسرائيلي وحده. يجب أن تنهض القيادة الفلسطينية وتقول بمنتهى البساطة: "كفانا هذا النزاع. إننا نعترف بحق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة خاصة به في هذه البلاد ، وإننا سنعيش إلى جانبكم بسلام حقيقي".
إنني أتمنى مجيئ هذه اللحظة لأن الطريق نحو حل سائر المشاكل مهما صعُبت سيُفتح بمجرد توجيه القادة الفلسطينيين هذه الكلمات إلى شعبنا وإلى شعبهم. لذا يكون اعتراف فلسطيني علني وملزم وصادق بإسرائيل بصفتها الدولة القومية للشعب اليهودي شرطاً أساسياً لإنهاء النزاع.
ومن أجل اكتساب إعلان كهذا مغزى عملياً هناك حاجة لاتفاق واضح على أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ستجد حلها خارج حدود دولة إسرائيل. إذ من الواضح بمكان بالنسبة للجميع أن المطالبة بإسكان اللاجئين الفلسطينيين داخل إسرائيل تتناقض مع استمرار قيام إسرائيل بصفتها دولة الشعب اليهودي. يجب حل قضية اللاجئين الفلسطينيين – ويمكن حلها مثلما أثبتنا نحن ذلك في حالة مشابهة: إن دولة إسرائيل الصغيرة قد استوعبت بنجاح مئات الألوف من اللاجئين اليهود من الدول العربية الذين غادروا منازلهم معدمين تماماً.
وبالتالي فإن العدالة والمنطق تقتضيان حل قضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل علماً بأن هذا الموقف محل توافق وطني عريض جداً [في إسرائيل]. أعتقد بقابلية حل هذه المشكلة الإنسانية حلاً جذرياً من منطلق الرغبة الحسنة والاستثمار الدولي.
لقد تحدثت حتى الآن عما يدعو الفلسطينيين إلى الاعتراف بحقوقنا وها أنني مقبل على حاجتنا للاعتراف بحقوقهم.
غير أنه ينبغي لي أن أستبق ذلك بقول الآتي: إن الرابط التأريخي بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل يستمر منذ أكثر من 3500 سنة. إن مناطق يهودا والسامرة حيث سار وتمشى كل من أبراهام ويتسحاق ويعقوب ودافيد وشلومو وإشعياء وإرمياء – ليست بالغريبة علينا بل هي أرض الآباء والأجداد.
إن حق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة في أرض إسرائيل لا ينبع من سلسلة الويلات التي ابتُلي بها. صحيح أن اليهود تعرضوا خلال 2000 عام لمعاناة فظيعة تتمثل بعمليات الترحيل والمذابح والافتراءات والقتل مما بلغ ذروته في المحرقة النازية (الهولوكوست) التي لم يكن لها مثيل أو نظير في تأريخ الأمم والشعوب. هنالك من يقول إنه لولا وقوع المحرقة لما كانت دولة إسرائيل ستقوم ، لكنني أقول إنه لو قامت دولة إسرائيل في موعدها لما كانت المحرقة ستقع أصلاً.
إن المآسي الناتجة عن عجز الشعب اليهودي توضح سبب احتياج شعبنا لقوة حامية سيادية تتبع له. غير أن حقنا في إقامة دولتنا هنا في أرض إسرائيل مردّه حقيقة واحدة بسيطة: إن هذه الأرض لهي وطن الشعب اليهودي وهنا نشأت هويتنا ، كما قال ذلك رئيس الوزراء الأول دافيد بن غوريون لدى إعلانه عن إقامة الدولة: "نشأ الشعب اليهودي في أرض إسرائيل، وفيها تمت صياغة شخصيته الروحانية والدينية والسياسية، وفيها عاش حياة مستقلة في دولة ذات سيادة، وفيها أنتج ثرواته الثقافية الوطنية والإنسانية العامة وأورث العالم أجمع سفر الأسفار الخالد" [إقتباس من الفقرة الاستهلالية لوثيقة استقلال دولة إسرائيل].
لكن يجب هنا أيضاً قول الحقيقة كاملة غير منقوصة: يعيش في قلب مناطق الوطن اليهودي اليوم جمهور غفير من الفلسطينيين. إننا لا نريد حكمهم أو إدارة حياتهم أو فرض رايتنا أو ثقافتنا عليهم.
إن رؤيتي السلمية تقضي بأن هناك في بلادنا الصغيرة شعبين يجب أن يتمتعا بحرية ويعيشا جنباً إلى جنب بالجيرة الحسنة والاحترام المتبادل ، ولدى كل منهما رايته ونشيده الوطني والحكومة الخاصة به ولا يهدد أي منهما أمن جاره أو كيانه.
وقد أدت هاتان الحقيقتان – أي ارتباطنا بأرض إسرائيل ووجود سكان فلسطينيين يعيشون هنا – إلى نشوء خلافات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي. بيد أن الحقيقة هي أن عوامل الوحدة القائمة بيننا أكبر بكثير من عوامل الفرقة. لقد حضرت هذا المساء لأعبر عن هذه الوحدة ، عن مبادئ السلام والأمن التي باتت موضع التوافق العريض في المجتمع الإسرائيلي ، وهي المبادئ ذاتها التي توجّه سياستنا.
يجب أن تأخذ هذه السياسة بعين الاعتبار الأوضاع الدولية الناشئة مؤخراً. علينا أن نقرّ بهذه الأوضاع إلى جانب الإصرار على المبادئ الهامة لدولة إسرائيل.
سبق وأشرت إلى المبدأ الأول – الاعتراف ، بمعنى أنه يتحتم على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل اعترافاً حقيقياً بصفتها دولة الشعب اليهودي ؛
أما المبدأ الثاني فهو – نزع السلاح ، إذ يجب أن تكون الأرض التابعة للفلسطينيين تحت طائلة أي تسوية سلمية منزوعة السلاح وخاضعة لتدابير أمنية راسخة بنظر إسرائيل.
إن غياب هذين الشرطين يولد الخوف الحقيقي من قيام دولة فلسطينية مسلحة إلى جانبنا تتحول إلى قاعدة إرهابية أخرى ضد إسرائيل مثلما حدث في قطاع غزة. إننا لا نريد سقوط قذائف القسام الصاروخية على بيتاح تكفا أو سقوط صواريخ الغراد على تل أبيب والصواريخ الأخرى على مطار بن غوريون ، بل إننا نريد السلام. وبالتالي ، ومن أجل تحقيق السلام ، يجب أيضاً ضمان أن يكون من المحال على الفلسطينيين إدخال القذائف والصواريخ إلى أراضيهم وتكوين جيش وإغلاق مجالهم الجوي بوجهنا أو عقد التحالفات مع جهات مثل إيران وحزب الله.
إن هذا الأمر هو أيضاً محل توافق عريض في الجمهور الإسرائيلي. لا يمكن لأحد أن يتوقع منا الموافقة سلفاً على مبدأ قيام دولة فلسطينية دون ضمان تجريد هذه الدولة من السلاح. يجب أن يتم أولاً التجاوب مع احتياجاتنا الأمنية في قضية مصيرية كهذه تخص صميم وجود إسرائيل.
لذلك نطلب الآن من أصدقائنا في المجتمع الدولي وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأميركية ما هو ضروري لضمان أمن دولة إسرائيل: التعهد الصريح بأن الأراضي التي يحتفظ بها الفلسطينيون ضمن اتفاق الوضع الدائم ستكون منزوعة السلاح أي خالية من الجيش وبدون سيطرة على المجال الجوي ومع مراقبة فعالة لمنع إدخال الأسلحة إلى أراضيهم ، أقصد مراقبة حقيقية تختلف عما يجري حالياً في قطاع غزة. كما يستحيل على الفلسطينيين بالطبع عقد التحالفات العسكرية. إذا ما افتقدنا هذا الأمر فإننا سنواجه عاجلاً أم آجلاً دولة حماستان أخرى ، ولن يكون بوسعنا الموافقة على ذلك. يجب على إسرائيل أن تتحكم بأمنها وبمصيرها.
لقد قلت في واشنطن للرئيس أوباما إن المصطلحات لن تشكل أي مشكلة إذا ما اتفقنا على الجوهر. وها هو الجوهر الذي أشير إليه هنا بصوت صريح وواضح: إذا ما مُنحنا هذه الضمانة الخاصة بنزع السلاح والتدابير الأمنية اللازمة لإسرائيل ، وإذا ما اعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي ، فإننا سنكون مستعدين ضمن تسوية سلمية مستقبلية للتوصل إلى حل يقوم على وجود دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب الدولة اليهودية.
أما باقي المسائل المحورية مدار البحث ضمن التسوية الدائمة فإن مواقفي معروفة: إن إسرائيل تحتاج إلى حدود قابلة للحماية ، وإن أورشليم القدس عاصمة إسرائيل ستبقى موحدة مع استمرار صيانة حرية العبادة لجميع الأديان.
إن قضية الأراضي ستكون مدار بحث في اتفاق الوضع الدائم. وحتى ذلك الحين لا ننوي إنشاء مستوطنات جديدة أو مصادرة أراضٍ لتوسيع المستوطنات القائمة. غير أن الحاجة تقتضي السماح للسكان بممارسة حياة طبيعية ، وتمكين الآباء والأمهات من تربية أولادهم مثلهم مثل أي عائلة في العالم. إن المستوطنين ليسوا أعداء الشعب أو أعداء السلام بل إنهم أشقاؤنا وشقيقاتنا وهم جمهور طليعي يحمل معتقدات صهيونية ويتميز بقيمه الرفيعة.
إن الوحدة الداخلية حيوية كما أنها ستدعم جهود تحقيق المصالحة مع جيراننا. ويجب أن تنطلق هذه المصالحة الآن من خلال إحداث تغيير في الواقع الميداني. إنني أعتقد بأن وجود اقتصاد فلسطيني متين سيعزز السلام.
إذا ما كان الفلسطينيون يتجهون نحو السلام ومكافحة الإرهاب وتعزيز سلطة وسيادة القانون وتربية أطفالهم على السلام ووقف التحريض ضد إسرائيل – فإننا من جانبنا سنبذل كل جهد مستطاع لمنحهم حرية الحركة والتنقل للتسهيل على حياتهم وزيادة رفاهيتهم. وستساعد كل هذه الأمور مجتمعة على المضي قدماً نحو اتفاق السلام بيننا. غير أنه يتحتم على الفلسطينيين أولاً وأخيراً حسم أمرهم بين طريق السلام والطريق الذي تسلكه حماس. يجب على السلطة الفلسطينية أن تفرض القانون والنظام في قطاع غزة وتتغلب على حماس. إن إسرائيل لن تجلس إلى طاولة المفاوضات مع إرهابيين يسعون للقضاء عليها.
ويشار إلى أن حماس غير مستعدة حتى للسماح للصليب الأحمر الدولي بزيارة الجندي المخطوف غلعاد شاليط الموجود قيد الأسر منذ 3 سنوات بمعزل عن والديْه وعائلته وشعبه ، علماً بأننا ملتزمون بالسعي لاستعادته إلى داره سالماً معافى.
إذا ما وُجدت قيادة فلسطينية تناشد السلام ، وإذا ما شارك العالم العربي في السلام ، وإذا ما دعمته الولايات المتحدة والمجتمع الدولي – فما من سبب يحول دون تحقيق الانطلاقة نحو السلام.
لقد أثبت شعبنا أنه قادر على صنع المستحيل ، إذ إننا صنعنا المعجزات خلال 61 عاماً وبالتزامن مع الدفاع المستديم عن وجودنا. ثمة شرائح تُنتَج في إسرائيل وتشغل الحواسيب في العالم ، وثمة أدوية إسرائيلية تعالج الأمراض العضالة ، وثمة أجهزة للري بالتنقيط تجعل مناطق قاحلة في ربوع العالم تزدهر ، فيما يوجد باحثون إسرائيليون يخترقون حدود المعرفة البشرية.
إذا ما رغب جيراننا في تلبية ندائنا – أصبح السلام في متناول اليد أيضاً.
إنني أناشد قادة الدول العربية والفلسطينيين: لنواصل معاً السير على درب الراحلين الكبار مناحيم بيغن وأنور السادات ويتسحاق رابين والملك حسين.
دعونا نحقق رؤية النبي إشعياء الذي كان قد أطلق نداءه في أورشليم القدس قبل 2700 سنة: "فلا ترفَعُ أُمَّةٌ على أُمَّةٍ سيفًا ولا يتَعَلَّمونَ الحربَ مِنْ بَعدُ".
إننا بعونه تعالى لن نتعلم المزيد من الحروب بل نتعلم السلام.