بيان الحكومة البريطانية حول تقرير لجنة وودهيد للتقسيم
قدمه وزير المستعمرات إلى مجلس العموم
لندن، 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1938
كانت اللجنة الملكية التي ترأسها المرحوم الإيرل بيل قد نشرت تقريرها في شهر تموز سـنة 1937، واقترحت حلاً لمعضلة فلسطين بواسطة مشروع للتقسيم تنشأ بموجبه دولة عربية مستقلة وأخرى يهودية، بينما يحتفظ بالمناطق الأخرى تحت إدارة الدولة المنتدبة. وقد أعلنت حكومة جلالته في المملكة المتحدة فـي بيـان خطتها السياسية الذي أصدرته على أثر نشر تقرير اللجنة الملكية، موافقتها العامة على الحجج التي أدلـت بهـا اللجنة الملكية والاستنتاجات التي توصلت إليها، وأعربت عن رأيها أن مشروعاً للتقسيم يقـوم علـى الأسـس العامة التي أوصت بها اللجنة الملكية، قد يكون فيه أفضل وأنجح حل للمأزق.
وقد وضع اقتراح اللجنة الملكية على ضوء المعلومات التي كانت متيسرة في ذلك الحين، وما اعترف به بصورة عامة، أن من الواجب إجراء تحقيق مفصل آخر قبل أن يتسنى اتخاذ قرار فيما إذا كان مثل هـذا الحـل سيثبت كونه عملياً. وقد كان هذا الاقتراح موضع البحث فيما بعد في البرلمان، وفي اجتماعات لجنة الانتدابات الدائمة، ومجلس عصبة الأمم وهيئة العصبة الكلية، وتلقت حكومة جلالته عندئذٍ تفويضاً بأن تبحث فيما إذا كان من الممكن تطبيق مبدأ التقسيم تطبيقاً عملياً. ثم أعربت حكومة جلالته، في رسالة وجهها وزير المـستعمرات إلى المندوب السامي بتاريخ 23 كانون الأول سنة 1937، عن رغبتهـا فـي القيـام بالتحقيقـات الإضافية الضرورية لوضع مشروع آخر يكون أكثر دقة وأعم تفصيلاً. وذكر في تلـك الرسـالة أن القـرار النهائي لا يمكن وضعه بعبارات عامة مجردة، وأن القيام بتحقيق آخر قد يهيئ المواد اللازمـة للحكـم، عنـد وضع الأسس لأفضل مشروع ممكن للتقسيم، فيما إذا كان ذلك المشروع هو عادل وعملي، وقد أوضحت تلك الرسالة أيضاً مهام واختصاص اللجنة الفنية التي انتدبت لزيارة فلسطين، وتقديم اقتراحات لحكومة جلالته، بعد قيامها بالتحقيق المقتضى، فيما يتعلق بهذا المشروع المفصل.
إن حكومة جلالته قد تلقت الآن تقرير لجنة تقسيم فلسطين، بعد أن قامت هذه اللجنة بالتحقيقات التـي انتدبت لها بمقتضى الدقة والكفاءة، وجمعت من المواد ما قد يكون عظيم القيمة لدى استزادة البحث في الخطة السياسية. وقد نشر تقرير اللجنة الآن، مع خلاصة للاستنتاجات التي توصلت إليها. ومما هو جدير بالذكر أن الأعضاء الأربعة قد أوصوا برفض مشروع التقسيم الذي رسمته اللجنة الملكية بإجماع الرأي. وقـد تـضمن التقرير، بالإضافة إلى مشروع اللجنة الملكية، البحث في مشروعين آخـرين، أشـير إليهمـا بالمـشروع (ب) والمشروع (ج)، وقد حبذ أحد أعضاء اللجنة المشروع (ب) بينما أن عضوين آخرين مـن أعـضائها، أحـدهما الرئيس، اعتبرا المشروع (ج) خير مشروع للتقسيم يمكن للجنة استنباطه بموجب شـروط اختـصاصها. أمـا العضو الرابع فقد وافق على المشروع (ج) باعتباره أفضل مشروع يمكن استنباطه بموجب شروط اختصاص اللجنة ولكنه اعتبر كلا المشروعين غير عمليين. ومما أوضحه التقرير أن ميزانية الدولة اليهودية قـد تنجلـي عن وفر ضخم بموجب أي مشروع من المشروعين في حين أن ميزانية الدولة العربيـة، (بمـا فيهـا شـرق الأردن)، وميزانية مناطق الانتداب قد تنجلي عن عجز كبير.
أما التوصية التي تقدمت بها اللجنة الملكية، وقالت فيها بوجوب دفع الدولة اليهودية إعانة ماليـة إلـى الدولة العربية مباشرة، فقد ردتها لجنة التقسيم باعتبار أنها غير عملية. ومـن رأي اللجنـة أن إنـشاء اتحـاد جمركي بين الدولتين العربية واليهودية ومناطق الانتداب من الأمور التي لا مفر منها، لأسباب اقتصادية.
وقد بحثت اللجنة في إمكان إيجاد حل للمشاكل المالية والاقتصادية التي ينطوي عليها التقسيم بواسـطة مشروع يبنى على مثل هذا الاتحاد. ومن رأيها أن كل مشروع كهذا لا يتفق مع منح الاستقلال المالي للدولتين العربية واليهودية، وتوصلت إلى الاستنتاج أنه لو كان مـن المترتـب عليهـا أن تتمـسك بحرفيـة شـروط اختصاصها لما وجدت مناصاً من أن تقرر أنها لم تتمكن من الإيصاء بحدود للمناطق المقترحة من شـأنها أن تنطوي على أمل معقول بإنشاء دولة عربية وأخرى يهودية، تكون كل دولة منهما قادرة في النهاية على سـد نفقاتها بذاتها.
وقد قر رأى حكومة جلالته، بعد إنعام النظر والتدقيق في تقرير لجنة التقسيم أن هذا التحقيق الإضافي قد أظهر أن الصعاب السياسية والإدارية والمالية التي ينطوي عليها الاقتراح القائل بإنشاء دولة عربية مـستقلة وأخرى يهودية مستقلة هي عظيمة لدرجة يكون معها هذا الحل للمعضلة غير عملي.
ولذلك فإن حكومة جلالته ستواصل الاضطلاع بمسؤولياتها في حكم فلسطين بأجمعها، وهـي تواجـه الآن مشكلة إيجاد وسائط أخرى تمكنها من تلافي ما تطلبه الحالة الشاقة التي أتت اللجنة الملكية على وصـفها، وتكون متفقة مع الالتزامات المترتبة عليها نحو العرب ونحو اليهود. وتعتقد حكومة جلالته أن هـذه الوسـائط ليس من المتعذر إيجادها.
لقد تسنى لحكومة جلالته أن تدرس المعضلة درساً وافياً على ضوء تقرير اللجنة الملكية وتقرير لجنة التقسيم، ومن الجلي أن الوصول إلى تفاهم بين العرب واليهود هو من أثبت الأسس لإقامـة دعـائم الـسلام والتقدم في فلسطين. إن حكومة جلالته مستعدة بادئ ذي بدء أن تبذل جهداً أكيداً لترويج مثـل هـذا التفـاهم. وتحقيقاً لهذه الغاية تنوي أن توجه الدعوة في الحال إلى ممثلين عن عرب فلسطين والدول المجاورة من الجهة الواحدة، وعن الوكالة اليهودية من الجهة الأخرى، للتداول معهم في أقرب فرصة ممكنة في مدينة لندن حـول السياسة المقبلة، بما فيها مسألة الهجرة إلى فلسطين. أما فيما يتعلق بتمثيل عرب فلسطين في هـذه المباحثـات، فإن حكومة جلالته يجب أن تحتفظ لنفسها بحق رفض قبول الزعماء الذين تعتبـرهم مـسؤولين عـن حملـة الاغتيال والعنف.
وتأمل حكومة جلالته أن تساعد هذه المباحثات التي ستُجرى في لندن إلى الوصول إلى اتفـاق حـول السياسة المقبلة المتعلقة بفلسطين، غير أنها تعلق أهمية كبرى على الوصول إلى قرار بهذا الشأن في القريـب العاجل، فإذا لم تسفر مباحثات لندن عن الوصول إلى اتفاق خلال مدة معقولة من الزمن فإن حكومـة جلالتـه تتخذ قرارها الخاص على ضوء درسها للمعضلة ومباحثات لندن، تم تعلن السياسة التي تنوي اتباعها.
ولن يغرب عن بال حكومة جلالته، لدى النظر في سياستها ووضع أسسها، الصفة الدولية التي ينطوي عليها الانتداب الذي عهد به إليها، والالتزامات المترتبة عليها في ذلك الصدد.
المصدر: "الوثائق الرئيسية في قضية فلسطين من أرشيف الأمانة العامة للجامعة العربية: المجموعة الأولى، 1915-1946". إعداد وتحرير: أمين عقل. تقديم: وليد الخالدي. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2016، ص 264-266.