مجلس حقوق الإنسان
حالة حقوق الإنسان في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى
تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن النزاع في غزة سنة 2014
A/HRC/29/52
جنيف، 24 حزيران/ يونيو 2015
أولاً- مقدمة
1- في 23 تموز/يوليه 2014، قرر مجلس حقوق الإنسان، عملاً بالقرار د إ-21/1، أن يرسل على وجه الاستعجال لجنة تحقيق دولية مستقلة، للتحقيق في جميع انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وبخاصة في قطاع غزة المحتل، في سياق العمليات العسكرية المنفّذة منذ 13 حزيران/ يونيه 2014، سواء قبل هذه العمليات أو أثناءها أو بعدها. وعين رئيس المجلس، عملاً بالقرار د إ-21/1، ثلاثة خبراء في اللجنة وهم: ويليام شاباز (رئيساً)، وماري ماكغوفن دايفس، ودودو ديين.
2- وبدأت اللجنة رسمياً عملها في 16 أيلول/سبتمبر 2014. وعقب استقالة الأستاذ شاباز في 2 شباط/فبراير 2015، عين رئيس المجلس القاضية دايفس رئيساً. وأنشأت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أمانة لدعم اللجنة. ورغم الاستعجال الذي أعرب عنه المجلس بشأن إرسال اللجنة، لم يكتمل تشكيل الأمانة حتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
3- وطلبت اللجنة مراراً تعاون إسرائيل، بوسائل منها السماح لها بالدخول إلى إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها الضفة الغربية، والقدس الشرقية وقطاع غزة (انظر المرفق الأول). لكن للأسف، لم تستجب إسرائيل لتلك الطلبات. ثم علمت اللجنة من خلال نشرة صحفية( ) أن ذلك التعاون لن يتحقق. وردت حكومة مصر حينما طلب منها تيسير الدخول إلى قطاع غزة عن طريق معبر رفح، بأنه ليس ممكناً بسبب الوضع الأمني السائد. وتشكر اللجنة حكومة الأردن على تيسير زيارتيها إلى عمان.
4- ووجدت اللجنة تعاوناً كاملاً من دولة فلسطين، بما في ذلك التعاون من جانب بعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف. والتقت بممثلين لوزارات فلسطينية في عمان، حيث قدموا لها مجموعة من الوثائق. كما تحدثت اللجنة إلى أفراد من السلطات في غزة، حيث قدموا لها عدة تقارير.
5- ووجهت اللجنة إلى حكومة إسرائيل وحكومة دولة فلسطين قائمة من الأسئلة المتعلقة بحوادث ومسائل قانونية وسياسية محددة. وأُرسلت قائمة مماثلة إلى حركة حماس. ولم تتلق اللجنة ردوداً إلا من دولة فلسطين.
ثانياً- الولاية والمنهجية
6- فسرت اللجنة ولايتها بأنها تتطلب منها النظر في الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، التي وقعت في الفترة بين 13 حزيران/يونيه و26 آب/ أغسطس 2014 في الأرض الفلسطينية المحتلة، لا سيما في غزة، وفي إسرائيل، وتتطلب منها التحقق مما إذا كانت تلك الانتهاكات قد ارتكبت. وفحصت اللجنة آليات المساءلة القائمة ومدى فعاليتها، والتأثير المباشر والمستمر للعمليات العسكرية على السكان المتضررين وعلى تمتعهم بحقوق الإنسان. وترى اللجنة أن اهتمام ولايتها يتركّز أساساً على الضحايا وحقوقهم الإنسان الخاصة بهم. ومن ثم، فإن أنشطتها تسترشد بالرغبة في كفالة سماع أصوات جميع الضحايا وكفالة أن تعزز توصياتها حماية السكان المدنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي إسرائيل.
7- وتشعر اللجنة بالامتنان لكثير من الضحايا والشهود الذين قدموا لها معلومات عن تجاربهم وغيرها من المعلومات ذات الصلة. وشكل عدم السماح للجنة بالدخول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، رغم طلباتها المتكررة بهذا الشأن، عائقاً أمام إجراء مقابلات شخصية مع الضحايا والشهود، وحال دون معاينة المواقع التي وقعت فيها الانتهاكات المزعومة. ونظراً إلى القيود المفروضة على الحركة والتي تمنع الضحايا والشهود من مغادرة غزة، حصلت اللجنة على إفادات شهود العيان عن طريق إجراء مقابلات عبر سكايب وعن طريق الفيديو والهاتف. وأجرت اللجنة مقابلات سرية في الأردن مع ضحايا وشهود من الضفة الغربية (في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 وكانون الثاني/يناير 2015) وفي جنيف مع ضحايا وشهود من إسرائيل (في كانون الثاني/يناير 2015).
8- وأجرت اللجنة وأمانتها ما يزيد على 280 مقابلة مع الضحايا والشهود وتلقت ما يزيد على 500 تقرير مكتوب وغيرها من الوثائق من مجموعة كبيرة من المصادر (انظر المرفقين الثاني والثالث). واستعرضت اللجنة المعلومات المتاحة للجمهور، بما في ذلك المتاح منها على المواقع الشبكية الرسمية لحكومة إسرائيل. واستخدمت اللجنة جميع المعلومات التي جمعتها في إجراء تقييماتها، مع التدقيق في الوقت ذاته في مصداقية المصادر وموثوقيتها. وركزت اللجنة بصفة خاصة على إفادات شهود العيان، وأقرت بجوانب القصور الناجمة عن إجراء المقابلات عن بعد، ووقوع الأحداث قبل فترة من الزمن، وإمكانية حدوث أعمال انتقامية.
9- وطلبت بعض المصادر تناول تقاريرها في إطار من السرية خوفاً من العواقب التي قد تترتب على الإدلاء بالشهادة أمام اللجنة، بما في ذلك الخوف على سلامتها. وتقع المسؤولية الأولى عن حماية الضحايا والشهود وغيرهم من الأشخاص المتعاونين مع اللجنة على الدول التي يقيمون فيها والتي يحملون جنسيتها. وأعربت اللجنة عن تقديرها للإسهامات القيمة المقدمة لها من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ووكالات وبرامج الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية والخبراء.
10- والتزمت اللجنة بالممارسات المتّبعة، مستخدمة "الأساس المنطقي" كمعيار للإثبات في تقييمها لوقائع الأحداث محل التحقيق، وأجرت تحليلاً قانونياً للأنماط التي خلصت إليها. ونظراً لأن هذا المعيار لا يرتقي إلى المستوى المطلوب في المحاكمات الجنائية، فإن اللجنة لا تستخلص أي نتائج فيما يتعلق بمسؤولية أفراد معينين عن الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي.
11- ونظراً لفرض قيود على دخول اللجنة إلى الأراضي المحتلة وإسرائيل، ومحدودية مصادرها وقصر الإطار الزمني المتاح لتحقيقاتها، فقد اختارت اللجنة الأحداث على أساس معايير محددة، لا سيما مدى خطورة مزاعم انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ وأهمية الحدث في إثبات أنماط معينة من الانتهاكات المزعومة؛ وإمكانية الوصول إلى الضحايا والشهود والحصول على الأدلة الداعمة؛ والموقع الجغرافي للحدث.
ثالثاً- الإطار القانوني
12- تكون جميع أطراف النزاع ملزمة بالأحكام والقواعد ذات الصلة في القانون الإنساني الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان والقانون العرفي. وترى اللجنة أن القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان يسريان بالتزامن( ) في حالات النزاع المسلح أو الاحتلال، وتشارك هيئات معاهدات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية موقفها الذي يحمّل إسرائيل المسؤولية عن تنفيذ التزاماتها بموجب معاهدات حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة( ). أما دولة فلسطين، فهي مقيدة بالالتزامات الواردة في المعاهدات التي انضمت إليها. ويتعين على السلطات في غزة أن تحترم معايير حقوق الإنسان وتكفلها لأنها تمارس وظائف شبيهة بالوظائف التي تمارسها الحكومات.
13- ويحكم عدد من المبادئ الأساسية في القانون الإنساني الدولي سير الأعمال القتالية. وأولها هو مبدأ التمييز الذي يقضي بأن تميّز أطراف النزاع بين المدنيين والأهداف المدنية من جهة، والمقاتلين( ) والأهداف العسكرية من جهة أخرى. وتجوز مهاجمة هاتين الفئتين الأخيرتين فقط. والمبدأ الثاني هو مبدأ التناسب الذي يحظر الهجمات التي يُتوقع أن تسبب خسائر عرضية في أرواح المدنيين، أو إلحاق إصابات بهم أو أضرار بالمنشئات المدنية، على نحو قد يكون مفرطاً بالقياس إلى الفائدة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوخاة. والمبدأ الثالث هو مبدأ الحيطة أثناء الهجوم الذي يقتضي من كافة الأطراف اتخاذ جميع التدابير الممكنة من أجل تجنب التسبب، عرضاً، في إزهاق أرواح مدنيين أو إصابتهم أو إلحاق ضرر بمنشئات مدنية، وحصر ذلك في أضيق نطاق في جميع الأحوال.
رابعاً- السياق
14- لقد اندلعت الأعمال القتالية في عام 2014 في سياق الاحتلال الذي طال أمده للضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ولقطاع غزة، وتزايد عدد الهجمات الصاروخية على إسرائيل. وقد انحسرت، في الأشهر السابقة للقتال، الآفاق السياسية للتوصل إلى حل للنزاع يحقق السلام والأمن للفلسطينيين والإسرائيليين، ولإعمال حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، إن وجدت أصلاً.
15- وقد أدى الحصار الكامل الذي تفرضه إسرائيل على غزة منذ عام 2007، الذي وصفه الأمين العام باعتباره "عقوبة جماعية مستمرة ضد سكان قطاع غزة" (الوثيقة A/HRC/28/45، الفقرة 70) إلى تضييق الخناق على الاقتصاد في غزة وفرض قيود قاسية على حقوق الفلسطينيين. وترتب على جولتين سابقتين من الأعمال القتالية في القطاع منذ عام 2008، ليس فقط وقوع خسائر في الأرواح وإصابات، بل ً وإضعاف البنية التحتية المنهكة أصلاً. وقد وأبدى الفلسطينيون قدرة مدهشة على الصمود خلال السنوات الأخيرة، حيث يعيشون في بيئة شوهتها الأضرار المادية والنفسية. وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، لا تزال الأنشطة المتعلقة بالمستوطنات وعنف المستوطنين يشكلان عناصر أساسية لانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارس ضد الفلسطينيين. وفي ظل عدم إحراز أي تقدم على الساحة السياسية، يصبح اشتعال الموقف أمراً بديهياً.
16- وفي غضون ذلك، تظل المخاطر التي تهدد أمن إسرائيل حقيقية ً تماماً. فقد أطلقت الجماعات الفلسطينية المسلحة أعداد متزايدة من الصواريخ على إسرائيل خلال شهري حزيران/يونيه وتموز/يوليه 2014. وفاقم اكتشاف الأنفاق المؤدية إلى إسرائيل الشعور بعدم الأمن. وأفادت امرأة من الشهود بأن سكان الكيبوتز الذي تقيم فيه أصيبوا بنوبات ذعر متواترة بعد اكتشاف نفق في آذار/مارس 2014، وانفجار مخرج نفق مزعوم في 8 تموز/يوليه. وأحبط الجيش عدداً من محاولات التسلل الأخرى خلال شهري تموز/يوليه وآب/أغسطس.
17- وسبق أحداث صيف 2014 التوصل إلى اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس، في 23 نيسان/أبريل 2014، بهدف القضاء على الانقسامات وسط الفلسطينيين. وفي 2 حزيران/ يونيه 2014، أعلن الرئيس عباس عن تشكيل حكومة تحالف وطني. ولم تكن الحكومة قد تولت بعد مسؤولياتها كاملة في غزة حين اندلعت أعمال القتال الفعلية في القطاع في تموز/يوليه 2014، وبذلك ظلت حماس تمارس وظائف شبيهة بوظائف الحكومات، على غرار ما يحدث منذ حزيران/يونيه 2007.
18- وفي 12 حزيران/يونيه 2014، اختُطِف ثلاثة مراهقين إسرائيليين وقتلوا بأسلوب وحشي في الضفة الغربية. ورداً على ذلك، شنت إسرائيل عملية تفتيش واعتقال موسعة، استمرت حتى تم العثور على جثثهم في 30 حزيران/يونيه. وفي 2 تموز/يوليه، قتل بشكل بشع مراهق فلسطيني من القدس الشرقية يبلغ من العمر 16 عاماً، حيث أحرق حياً، واكتشفت جثته في القدس الشرقية، فيما يشبه الانتقام لمقتل المراهقين الإسرائيليين. وارتفعت حدة التوترات في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وتفاقمت بسبب حدة الخطاب المتطرف المعادي للفلسطينيين. وتلى ذلك وقوع احتجاجات واسعة النطاق وصدامات عنيفة بين الفلسطينيين وقوات الدفاع الإسرائيلية.
19- وفي 7 تموز/يوليه 2014، بدأت قوات الدفاع الإسرائيلية عملية "الجرف الصامد" في قطاع غزة، وكان هدفها المعلن هو وقف الهجمات الصاروخية التي تطلقها حماس، وتدمير قدراتها على تنظيم عمليات ضد إسرائيل. وبعد مرحلة أولية تركزت على الضربات الجوية، أطلقت إسرائيل، في 17 تموز/يوليه 2014، عملية برية أعلنت أنها تهدف إلى استنزاف البنية العسكرية "للمنظمات الإرهابية"، و"إبطال مفعول" شبكتها من الأنفاق العابرة للحدود التي تشن من خلالها الاعتداءات"( ). وبدأت مرحلة ثالثة في 5 آب/أغسطس، واتسمت بتعاقب عمليات وقف إطلاق النار واستئناف الضربات الجوية. وانتهت العملية في 26 آب/أغسطس، حين التزمت إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة معا باتفاق غير مشروط لوقف إطلاق النار.
خامساً- النتائج والاستنتاجات الرئيسية
20- لقد هزت أحداث صيف عام 2014 الفلسطينيين والإسرائيليين بعمق. وفي غزة بوجه خاص، بلغ نطاق التدمير حداً غير مسبوق. ولمعدل الوفيات وحده مدلول كبير: فقد بلغ عدد قتلى الفلسطينيين 251 2 قتيلاً، منهم 462 1 مدنياً، من بينهم 299 امرأة و551 طفلاً( )؛ وعدد المصابين 231 11 فرداً، منهم 540 3 امرأة، و436 3 طفلاً (الوثيقة A/HRC/28/80/Add.1، الفقرة 24)، ولحقت بنسبة 10 في المائة منهم إعاقة دائمة بسبب الإصابة. وبينما تتفاوت أعداد القتلى والمصابين حسب إحصاءات الأمم المتحدة وإسرائيل ودولة فلسطين والمنظمات غير الحكومية، بغض النظر عن دقة تحديد نسبة المدنيين إلى المقاتلين، فإن ارتفاع معدل الخسائر في الأرواح والإصابات في غزة يدمي القلب.
21- ومن النتائج المأساوية التي ترتبت أيضاً على الأعمال القتالية وفاة ستة مدنيين و67 جندياً، وإصابة نحو 600 1 آخرين، في إسرائيل. وتفيد مصادر إسرائيلية رسمية بأن الصواريخ وقذائف الهاون أصابت مبان مدنية وبنيات تحتية، من بينها مدارس ومنازل، مما أدى إلى خسائر مباشرة في الممتلكات المدنية قدرت بنحو 25 مليون دولار من دولارات الولايات المتحدة( ). وتسببت الأعمال القتالية في إشاعة الأسى والاضطراب في حياة المدنيين الإسرائيليين، لا سيما من يعيشون في المناطق الجنوبية. وبالإضافة إلى التهديد المستمر بسبب الهجمات الصاروخية والقصف بمدافع الهاون، أعرب الإسرائيليون الذين أجرت معهم اللجنة مقابلات عن بالغ قلقهم من التعرض لتهديد جديد بشن هجمات من خلال الأنفاق المؤدية إلى إسرائيل. وقالت امرأة إسرائيلية "إن الأنفاق تثير الخوف أكثر من الصواريخ لأن فرص التحذير منها معدومة". وقد فاقم شعور كثير من الإسرائيليين بالذعر قصر الوقت المتاح، وفي الغالب عدم كفايته، لاتخاذ إجراءات طوارئ فعالة.
22- وفي غزة، ناضل الفلسطينيون من أجل إيجاد سبل لإنقاذ حياتهم وحياة أسرهم، حيث واجهوا ضربات مكثفة دون وسيلة لمعرفة المواقع التي ستتعرض للضرب والمواقع التي تعتبر آمنة. فصار الناس يتنقلون من مكان لآخر، ليواجهوا هجمات في الحي الجديد، فيضطرون من ثم لمغادرته إلى مكان آخر. فقطاع غزة محاصر، وتنعدم إمكانية الخروج منه في بعض الأحيان، مما يجعل نسبة 44 في المائة من مساحته مناطق محظورة أو عرضة ً لتحذيرات الإخلاء( ). وقد أدت هذه الظروف المريعة إلى شعور السكان بالوقوع في مصيدة وأنه "لا يوجد مكان آمن" يمكن الذهاب إليه.
23- وبالإضافة إلى الخسائر في أرواح المدنيين، حدث تدمير هائل للبنية التحتية في غزة: فقد دمرت 000 18 وحدة سكنية كلياً أو جزئياً( )؛ وتعطل جزء كبير من شبكة الكهرباء والهياكل الأساسية للمياه والصرف الصحي، ودمر 73 مرفقاً طبياً والعديد من سيارات الإسعاف( ). وتشرد كثير من الفلسطينيين عدة مرات من منازلهم أو من ملاجئ مؤقتة، وفي ذروة الأعمال القتالية، بلغ عدد المشردين داخلياً 500 شخص، أو 28 في المائة من السكان. وقد كان لهذا التدمير أثر بالغ على حقوق الإنسان الخاصة بالفلسطينيين في غزة، وسيظل الشعور به قائماً لأجيال مقبلة. وقد شهدت الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، فترة تصاعدت فيها حدة التوترات واستشرت انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك انتهاك الحق الأساسي في الحياة، لكن طغت عليها الأحداث المأساوية في غزة.
24- ولا يمكن تقييم آثار الأعمال القتالية في غزة بشكل منفصل عن الحصار الذي تفرضه إسرائيل. فقد أدى الحصار والعمليات العسكرية إلى أزمة حماية وإلى انتهاكات مزمنة ومستشرية ومنهجية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها وقبل كل شيء انتهاك الحق في الحياة والحق في الأمن، بل وأيضاً الحق في الصحة والسكن والتعليم والعديد من الحقوق الأخرى. ويحمّل القانون الدولي لحقوق الإنسان إسرائيل التزامات فيما يتعلق بتلك الحقوق، ويجب عليها أن تتخذ تدابير ملموسة لإعمالها. وفي هذا السياق، تدرك اللجنة تماماً حاجة إسرائيل إلى معالجة شواغلها الأمنية، لكنها ترى أن آلية إعادة إعمار غزة، التي أقيمت بمساعدة الأمم المتحدة لتسريع الجهود الرامية إلى إعادة بناء المنازل والبنيات التحتية المدمرة، لا يمكن أن تكون بديلاً عن رفع الحصار على نحو تام وفوري.
25- وقد أثرت الأحداث بشكل مريع على الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين. إذ يعاني الأطفال في كلا الجانبين من التبول اللاإرادي، ونوبات ارتعاش ليلية، والحاجة إلى التشبث بوالديهم، والكوابيس، وارتفاع حدة الروح العدوانية( ). وبالإضافة إلى ذلك، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة، تيتَّم أكثر من 500 1 طفل في غزة( ). وشوهد أنس بدر قديح البالغ من العمر 7 سنوات ممسكا بأمعائه التي خرجت من بطنه وهو يتوسل إلى الفارين من خزاعة مساعدته، ويقول: "لا أريد أن أموت. لا تتركوني". وقد توفي بعد فترة وجيزة حين تأخرت خدمة الإجلاء الطبي.
ألف– قطاع غزة وإسرائيل
26- تلخص اللجنة في الجزء أدناه النتائج والاستنتاجات الرئيسية التي توصلت إليها، وتؤكد على السمات الرئيسية للأعمال القتالية لعام 2014. وتركّز اللجنة على المجالات التي تعكس أنماطاً جديدة أبرزها هجمات إسرائيل على المباني السكنية، التي تسببت في مقتل عائلات بأكملها، وعملياتها البرية التي سوت الأحياء السكنية بالأرض؛ والانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات الفلسطينية المسلحة والسلطات في غزة، بما في ذلك اعتمادها على الأنفاق لشن الهجمات. وهناك أحداث أخرى أقل جذبا للانتباه - وهي تحديدا هجمات إسرائيل على ملاجئ الأمم المتحدة والمرافق الطبية وسيارات الإسعاف وغيرها من الهياكل الأساسية المهمة - نظراً لأنها أنماط تشكل واقعاً متكرراً في سياق هذا النزاع والنزاعات السابقة.
1- الهجمات الصاروخية والقصف بمدافع الهاون والهجمات من خلال الأنفاق على مواقع في إسرائيل
(أ) الهجمات الصاروخية والقصف بمدافع الهاون
27- خلال الفترة من 7 تموز/يوليه إلى 26 آب/أغسطس 2014، أطلقت الجماعات الفلسطينية المسلحة 881 4 صاروخاً و753 1 قذيفة هاون على إسرائيل، مما أدى إلى مقتل ستة مدنيين وإصابة نحو 600 1 شخص، منهم 270 طفلاً. وفي هذا الصدد، وصفت أم إسرائيلية المشهد الذي عاشته بقولها: "لدينا 45 ثانية للفرار. ولا تملك سوى أن تنتظر لترى ما إذا كان سيسقط عليك".
28- ونظراً لعدم تعاون إسرائيل ورفضها دخول اللجنة إلى أراضيها، واجهت اللجنة مصاعب في تحديد الضحايا الذين أصيبوا بجراح في الهجمات الصاروخية، ولم تتمكن من بحث الحالات الفردية بالتفصيل. لكنها تمكنت من التحدث إلى شهود وضحايا عدد من الهجمات بمدافع الهاون، وهي التي تسببت في معظم الوفيات وسط المدنيين الإسرائيليين.
29- وفي 22 آب/أغسطس 2014، قتل دانيال تريغرمان، البالغ من العمر 4 سنوات، في منزله في كيبوتز ناحال عوز، الذي يقع على بعد كيلومترين من غزة تقريبا. وبينما كان الطفل يلعب، أطلقت صفارة الإنذار وأعقبها انفجار بعد ثلاث ثوان، حين أصابت قذيفة هاون سيارة الأسرة، وأصيب دانيال بشظاياها. ونظراً لضيق الوقت، لم يتمكن دانيال من الوصول إلى الغرفة المحمية مع باقي أفراد أسرته. وفي حادثة أخرى، في 26 آب/أغسطس، قتل زييف اتزيون وشاهار ميلام بقذيفة هاون. وأصيب غاد يركون في ساقيه اللتين استؤصلتا فيما بعد. وأبلغ غاد اللجنة بأن الهجوم وقع حين كان ثلاثتهم يصلحون خطوطاً كهربائية دمرتها القذائف الفلسطينية في كيبوتز نيريم. وأعلنت كتائب القسام أن هجماتها استهدفت في ذلك اليوم كيبوتز نيريم ومجتمعات محلية أخرى بقذائف هاون عيار 107 ملليمترات( ).
30- وأصدرت الجماعات الفلسطينية المسلحة بيانات أشارت فيها إلى أنها تنوي مهاجمة المدنيين الإسرائيليين والمراكز السكنية في إسرائيل. ووردت بلاغات تفيد بأن بعض الجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة حاولت في بعض الحالات تحذير المدنيين في إسرائيل من وقوع هجمات وشيكة. وعلى سبيل المثال، وجهت كتائب القسام، في 20 آب/أغسطس 2014، تحذيرات إلى المجتمعات المحلية القريبة من غزة بتفادي العودة إلى منازلها أو بالبقاء داخل الملاجئ( ).
31- ورغم أن بعض الجماعات الفلسطينية المسلحة بذلت جهوداً لتوجيه المقذوفات، لا سيما قذائف الهاون، إلى الأهداف العسكرية مباشرة، فقد استهدفت في حالات أخرى قرى قريبة من غزة. وكانت معظم القذائف التي أطلقتها الجماعات الفلسطينية المسلحة صواريخ غير مزودة بنظم توجيه، لذا لم تتمكن من توجيهها إلى أهداف عسكرية محددة. وأطلقت معظم الصواريخ باتجاه مدن كبيرة، بما فيها القدس وتل أبيب وعسقلان، وسقط أحد الصواريخ بالقرب من مطار بن غوريون.
(ب) الأنفاق
32- عثرت قوات الدفاع الإسرائيلية على 32 نفقاً، منها 14 تجاوزت الخط الأخضر إلى داخل إسرائيل( ). وتسبب اكتشاف الأنفاق وأن الجماعات الفلسطينية المسلحة تستخدمها في الأعمال القتالية في إثارة قلق بالغ في أوساط الإسرائيليين، خوفاً من أن تستخدم للاعتداء على المدنيين. وقال أحد الشهود: "عندما تكون الأمور هادئة نكون أكثر خوفاً، لأننا لا نعلم ما يمكن أن يأتينا من الميدان. ومنذ نيسان/أبريل، وكلنا خائفون ونشعر بعدم الارتياح بشأن الأنفاق".
33- ويشكل استخدام الصواريخ التي تملكها الجماعات الفلسطينية المسلحة، والذي يتسم بطابع عشوائي، وتوجيه أي هجمات بمدافع الهاون ضد المدنيين، انتهاكات للقانون الإنساني الدولي، لا سيما المبدأ الأساسي المتعلق بالتمييز، على نحو قد يرقى إلى مستوى جريمة حرب. وتنعكس نية بعض الجماعات الفلسطينية المسلحة في توجيه هجمات ضد المدنيين في البيانات التي تشير إلى أن الأهداف التي يعتزمون مهاجمتها هي المدنيين أو المراكز السكانية الكبرى في إسرائيل. ورغم أن بعض الجهات الفلسطينية المسلحة أشارت إلى محدودية فعالية ترساناتها العسكرية لتبرر إخفاقها في مهاجمة الأهداف العسكرية على وجه التحديد، فإنه لا توجد علاقة بين القدرة العسكرية لأي طرف في النزاع وبين التزامه باحترام حظر توجيه الهجمات العشوائية.
34- ويدل عدم وجود أي مزايا عسكرية ممكنة لإطلاق الصواريخ التي لا يمكن توجيهها إلى أهداف عسكرية، بالإضافة إلى بيانات الجماعات الفلسطينية المسلحة، بوضوح على أن الغرض الرئيسي لشن الهجمات الصاروخية هو نشر الرعب وسط السكان المدنيين، في انتهاك ً للقانون الإنساني الدولي.
2- الضربات الجوية على المباني السكنية في غزة
35- نفذت قوات الدفاع الإسرائيلية، أثناء العملية التي استمرت لواحد وخمسين يوماً، أكثر من 000 6 ضربة جوية في غزة( )، وأصابت ضربات كثيرة منها مباني سكنية. واتضح لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن ما لا يقل عن 142 أسرة فلسطينية تعرضت لمقتل ثلاثة أو أكثر من أفرادها في آن واحد، وبلغ مجموع عدد الوفيات إلى 742 فرداً( ). وذكر توفيق أبو جمعة ً في إفادة في هذا الصدد، وهو أب لثمانية أطفال من غزة: "كنت جالساً مع أسرتي إلى المائدة استعداداً لتناول الإفطار، وفجأة سقطنا على الأرض. وفي المساء استيقظت في المستشفى وعلمت أن زوجتي وأطفالي لقوا حتفهم".
36- وحققت اللجنة في 15 حالة من حالات الهجمات الجوية على المباني السكنية في غزة، بلغ مجموع عدد القتلى فيها 216 قتيلاً، من بينهم 115 طفلاً و50 امرأة. واستناداً إلى جميع المعلومات المتاحة، بما في ذلك الأبحاث التي أجرتها منظمات غير حكومية( )، حددت اللجنة أنماط الضربات الجوية التي وجهتها القوات الإسرائيلية إلى مبان سكنية، وأجرت تحليلاً للقانون الذي يمكن تطبيقه فيما يتعلق بالحوادث الفردية.
37- واتضح للجنة أن استخدام الأسلحة دقيقة التوجيه في جميع الحالات يعني أنها وجهت ضد أهداف محددة وأنها أدت إلى التدمير الكامل أو الجزئي لمبان بأكملها. عزز ذلك الاستنتاج تحليل الصور المأخوذة بواسطة السواتل( ). وقد وقع كثير من الأحداث في المساء أو الفجر، لدى تجمع الأسر للإفطار أو السحور، وجبتا شهر رمضان، أو في الليل، أثناء نوم السكان. وقد أدى توقيت توجيه الضربات إلى تزايد احتمال أن يكون كثير من الأشخاص أو أسر بأكملها في المنازل. وأدى توجيه الهجمات إلى المباني إلى تعرض النساء بصفة خاصة للوفاة أو الإصابة( ).
38- وفي ست من الحالات التي جرى فحصها ومعظم الحالات التي أبلغت عنها منظمات غير حكومية، تشح أو تنعدم المعلومات التي تفسر الأسباب التي تجعل المباني السكنية، التي تتمتع بالحصانة ضد الهجمات بحكم أنها منشئات مدنية، أهدافاً عسكرية مشروعة. وفيما يتعلق بجميع الهجمات التي تشن على مبان سكنية وتؤدي إلى دمار شديد ووفيات أو إصابات بين المدنيين، يقع على إسرائيل عبء توضيح العناصر الفعلية وراء اعتبار المنازل أو الأشخاص الموجودين بداخلها أهدافاً عسكرية. ويتعين على إسرائيل أن تقدم معلومات محددة بشأن إسهام منزل معين أو سكان معينين بشكل فعلي في عمل عسكري، والمزايا الواضحة التي ستجنيها من شن الهجوم. وإذا استهدفت ضربة جوية مباشرة وبشكل متعمد منزلاً معيناً دون وجود هدف عسكري، فإن ذلك يعد انتهاكا لمبدأ التمييز( ). ويمكن أيضا أن يشكل أي هجوم مباشر على أهداف مدنية أو أشخاص مدنيين جريمة حرب وفقاً للقانون الإنساني الدولي( ).
39- ورغم أن اللجنة وجدت ما يشير إلى إمكانية وجود أهداف عسكرية في الحالات التسع التي لا تزال قيد البحث، فهي ليست في وضع يسمح لها بتحديد ما إذا كانت تلك الأهداف هي ً الدافع الفعلي وراء الهجمات قيد البحث. ويبدو أن الأهداف المحتملة كانت في معظمها أفراداً موجودين أو يحتمل وجودهم في تلك المباني في وقت ضربها، باعتبار أن لهم صلات مزعومة بالشرطة، أو بحماس، أو بجماعات مسلحة. وينص القانون الدولي في ذلك الصدد، على أنه لا يمكن استهداف الأشخاص إلا إذا شاركوا بصورة مباشرة في أعمال قتالية، أو كانوا أعضاءً في جماعات مسلحة منظمة ولهم دور قتالي مستمر.
40- وفيما يتعلق بالتناسب في ظل تلك الظروف، ما كانت لتغيب عن فطنة أي قائد عاقل حقيقة أن تلك الهجمات قد تؤدي إلى حدوث خسائر كبيرة بين المدنيين وإلى تدمير كامل أو جزئي للمباني. بيد أن الظروف تختلف من حالة لأخرى، وتدخل فيها الطبيعة السكنية للمباني المستهدفة؛ وموقعها في المناطق المكتظة بالسكان؛ وتوقيت شن الهجمات، ووتيرة استخدام القنابل الكبيرة التي يبدو أن القصد من استخدمها هو إلحاق خسائر فادحة. وبينما لم تتوفر معلومات تفيد بأن المزايا العسكرية المتوخاة وقت شن الهجوم تبرر اعتبار أن الخسائر المتوقعة بين المدنيين والأضرار المتوقع أن تلحق بالمباني المستهدفة والمحيطة بها ليست مفرطة، توجد مؤشرات قوية إلى أن تلك الهجمات قد تكون غير متناسبة، وترقى من ثم إلى مستوى جريمة الحرب( ).
41- وفيما يتعلق بالاحتياطات، ذكرت قوات الدفاع الإسرائيلية مراراً ً أن التدابير التي اتخذتها كانت أشد صرامة مما يتطلبه القانون الإنساني الدولي( ). لكن الأسلحة المستخدمة في كثير من الحالات، بالإضافة إلى توقيت الهجمات، ووجود الأهداف في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، تشير إلى إمكانية ألا تكون قوات الدفاع الإسرائيلية قد بذلت كل ما في وسعها لتفادي وقوع خسائر بين المدنيين أو الحد منها.
42- وتشكل التحذيرات إحدى وسائل الاحتياط. ويتطلب القانون الإنساني الدولي أن "يوجه إنذار مسبق وبوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين، ما لم تحل الظروف دون ذلك"( ). وتشير واقعة أن كثيرا من المباني السكنية قد دمر دون وقوع وفيات، إلى أن الحالات التي وجهت فيها تحذيرات محددة عن طريق الهاتف أو الرسائل النصية شكلت فيها تلك التحذيرات وسيلة فعالة للحد إلى أقصى درجة من الخسائر بين المدنيين. وفي حالات أخرى، استخدمت قوات الدفاع الإسرائيلية ما يسمى بتحذيرات "طرق الأسطح"، والتي تتمثل في توجيه ضربات باستخدام صواريخ صغيرة قبل توجيه الضربة الحقيقية. واتضح في عدد من الحالات التي جرى بحثها، عدم إدراك الأشخاص المعنيين أن منازلهم كانت هدفاً للتحذير بواسطة "طرق الأسطح"، أو لم يكن الوقت المخصص للإخلاء والمتاح فيما بين التحذير والضربة الفعلية كافياً. وفي إحدى الحالات التي بحثتها اللجنة، لم تعط أسرة مكونة من 22 فرداً، منهم تسعة أطفال، سوى دقائق قليلة لإخلاء منزلها عقب "تحذير طرق الأسطح" في الساعات الأولى من الصباح، أي في الوقت الذي كانوا فيه نائمين؛ وتوفي 19 شخصاً من الأشخاص الموجودين في المنزل، البالغ عددهم 22 شخصاً. وخلصت اللجنة إلى أنه لا يمكن اعتبار تحذير "طرق الأسطح" تحذيراً فعالاً نظراً للبلبلة التي يسببها في الغالب لسكان المبنى وقصر الوقت المسموح به لإجلاء السكان قبل الضربة الفعلية.
43- ولا بد أن الفعالية المحدودة للتدابير التحوطية السابق ذكرها قد تجلت بوضوح تام في الأيام الأولى للعملية، بسبب أن مباني كثيرة قد دمرت مع سكانها. ويشير تقاعس إسرائيل الواضح عن اتخاذ خطوات لإعادة النظر في تلك التدابير في ضوء تصاعد وفيات المدنيين إلى أن إسرائيل لم تمتثل لالتزامها باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة قبل شن الهجمات.
44- كما أن ارتفاع عدد الهجمات التي استهدفت مباني سكنية، ومواصلة تلك الهجمات طوال العملية، حتى بعد أن أصبحت آثارها الرهيبة على المدنيين والأهداف المدنية واضحة، يثير القلق من احتمال أن تكون تلك الضربات أساليب عسكرية تجسد سياسة أوسع نطاقا،ً وموافقاً عليها ضمنيا على الأقل من قبل صناع القرار، على أعلى مستويات الحكومة الإسرائيلية( ).
45- ونظرت اللجنة أيضاً في الضربات الجوية الموجهة ضد مباني سكنية واضحة للعيان دون أن تتسبب في وفيات نتيجة إخلائها، والتي تضمنت هجمات على منازل شخصيات سياسة كبيرة وأعضاء رفيعي المستوى في جماعات مسلحة أثناء غيابهم، وهجمات على ثلاثة مباني عالية في الأيام الأخيرة من النزاع. ونظرا لعدم توافر معلومات دقيقة عن الاستخدامات العسكرية المحتملة لتلك المباني، لا تستطيع اللجنة إجراء تقييم نهائي لمدى احترام إسرائيل لمبدأ التمييز، وتثير تلك الهجمات القلق من أن يكون تفسير إسرائيل لما يشكل "هدفاً عسكرياً" أوسع نطاقاً من التعريف الذي ينص عليه القانون الإنساني الدولي( ).
3- العمليات البرية
46- فيما يتعلق بالعمليات التي نفذتها إسرائيل، حققت اللجنة في الهجمات التي وقعت في ثلاثة أحياء هي: الشجاعية (في 19 و20 و30 تموز/يوليه)؛ وخزاعة (خلال الفترة من 20 تموز/يوليه إلى 1 آب/أغسطس)، ورفح (من 1 إلى 3 آب/أغسطس)، حيث سويت مساحات كبيرة منها بالأرض. وبعد تقييم جميع المعلومات المتاحة، حددت اللجنة خمسة أنماط رئيسية فيما يتعلق بالعمليات البرية.
(أ) استخدام المدفعية وأسلحة متفجرة أخرى في مناطق ذات كثافة سكانية عالية
47- استحضر طلال الحلو، وهو رجل من حي الشجاعية، قائلاً: "أنا لست مقاتلاً، أنا مدني ويهمني رفاه أسرتي. لقد كانت الهجمات في كل مكان وطالت جميع الأشياء، والشوارع والمباني؛ ولم يكن هناك أي ملاذ آمن في الشجاعية. وقد ذهبنا لدى استمرار سقوط الصواريخ. وشاهدنا جثث الناس في الشوارع. ومررنا على [...] جثث شباب ومسنين ونساء وأطفال".
48- واستخدمت قوات الدفاع الإسرائيلية الأسلحة المتفجرة بشكل مكثف في مناطق ذات كثافة سكانية عالية من قطاع غزة أثناء العمليات البرية. وشملت تلك الأسلحة المدفعية وقذائف الدبابات ومدافع الهاون وذخائر جوية شديدة الانفجار. وذكرت القوات أن الذخائر التي زودت بها خلال العملية بلغت 000 5 طن( )، وأطلقت 500 14 قذيفة من الدبابات ونحو 000 35 قذيفة مدفعية( ). وأفادت إحدى المنظمات غير الحكومية بأن قذائف المدفعية شديدة الانفجار المستخدمة في عام 2014 زادت بمقدار 533 في المائة مقارنة بالأعمال القتالية التي وقعت في عامي 2008 و2009( ). ويغطي تأثير كثير من الأسلحة المتفجرة مساحات واسعة، ولا سيما المدفعية ومدافع الهاون، بمعنى أن أي شخص أو أي شيء داخل ذلك النطاق المعين يكون عرضة للقتل أو الإصابة أو التدمير ، بسبب مدى فعالية الانفجار وطبيعته العشوائية. ورغم أن استخدام تلك الأسلحة لا يعتبر في حد ذاته مخالفاً للقانون، فإنه يشكل خطراً كبيراً على السكان المدنيين في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية( ).
49- وتشير مصادر رسمية إسرائيلية إلى أن المدفعية استخدمت في المناطق الحضرية بشكل استثنائي فقط، حين عُلم أن تلك المناطق قد أخليت من السكان بشكل كبير( ). لكن الأحداث التي فحصتها اللجنة تبيّن أن المدفعية والأسلحة الثقيلة الأخرى قد استخدمت على نطاق واسع في الأحياء السكنية، مما أدى إلى وقوع أعداد كبيرة من الإصابات وحدوث تدمير واسع النطاق( ). ومثال ذلك ما جرى في الشجاعية، حيث يثير إطلاق عدد ضخم من القذائف عيار 155 ملليمتر وما يقال عن إلقاء 120 قنبلة جوية زنة طن خلال فترة زمنية قصيرة في منطقة ذات كثافة سكانية عالية( )، واستخدام زخات متعاقبة من القصف المدفعي الكثيف، تساؤلات بشأن احترام إسرائيل لقواعد التناسب والتمييز والحيطة.
50- والأرجح هو أن استخدام قوات الدفاع الإسرائيلية أسلحة متفجرة ذات آثار واسعة النطاق، وربما ذات أثر عشوائي، في الأحياء المأهولة بالسكان في غزة، يشكل انتهاكاً لحظر الهجمات العشوائية( ). ويمكن وصف هذا الاستخدام، حسب الظروف، بأنه اعتداءً مباشراً على المدنيين( )، وقد يرقى بالتالي إلى مستوى جريمة حرب( ).
51- كما أن عدم تعديل قوات الدفاع الإسرائيلية للطريقة التي استخدمتها في إدارة العمليات بعد المشاهد الأولية للقصف الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الوفيات بين المدنيين يشير إلى احتمال عدم اتساق سياساتها التي تحكم استخدام المدفعية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مع القانون الإنساني الدولي.
52- وقد فحصت اللجنة عدة حالات إضافية استخدمت فيها المدفعية، وتشمل هجمات على ملاجئ ومستشفيات وعلى الهياكل الأساسية الحيوية. والأرجح أن استخدام الأسلحة ذات ذات نطاق التأثير الواسع ضد أهداف قريبة من المواقع التي تتمتع بحماية خاصة (مثل المرافق الطبية والملاجئ) يشكل انتهاكاً لحظر الهجمات العشوائية. ويمكن، حسب الظروف، وصف الهجمات العشوائية بأنها اعتداء مباشر على المدنيين( )، وترقى من ثم يمكن إلى مستوى جريمة حرب( ).
(ب) التدمير
53- تشير البيانات التي جمعتها اللجنة، بما في ذلك إفادات الشهود وتقارير الأمم المتحدة وأشرطة الفيديو والصور الفوتوغرافية وملاحظات برنامج التطبيقات الساتلية العملياتية التابع لمعهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (اليونيتار)( ) والإفادات المستقاة من حكايات جنود قوات الدفاع الإسرائيلية، إلى أن التدمير باستخدام القصف المدفعي والضربات الجوية والجرافات ربما يكون قد اعتمد ضمن أساليب الحرب. ويمكن القول بأن بعض التدمير جاء نتيجة المحاولات المشروعة لقوات الدفاع الإسرائيلية الرامية إلى إزالة الأنفاق وحماية جنودها. لكن تركز التدمير في المواقع القريبة من الخط الأخضر، والذي وصل في بعضها إلى نسبة 100 في المائة، والطريقة المنهجية التي استخدمت في دك تلك المواقع، الواحد تلو الآخر، تثير القلق من أن ذلك التدمير الموسع لم تمله ضرورة عسكرية ملحة( ). وسيشكل هذا، إذا ثبتت صحته، خرقاً خطيراً للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة، أي جريمة حرب.
(ج) التحذيرات واستمرار حالة حماية المدنيين
54- شهدت حالات كثيرة أثناء العمليات البرية، توجيه تحذيرات من قوات الدفاع الإسرائيلية إلى السكان بشأن شن هجمات وشيكة، مستخدمة في ذلك النشرات والإعلان بمكبرات الصوت والمكالمات الهاتفية والرسائل النصية والإعلانات الإذاعية( ). لكن لم يغادر السكان مساكنهم في حالات كثيرة( ). وعلى سبيل المثال، أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في 20 تموز/يوليه، بأن معظم سكان حي الشجاعية البالغ عددهم 92 ألف نسمة ظلوا في أحيائهم رغم التحذيرات المتكررة بوجوب إخلائها( ). وأشار الشهود إلى أسباب عديدة لبقائهم، منها عدم معرفتهم إلى أين يتوجهون، نظراً لتعرض كثير من المواقع في غزة لقصف كثيف وضربات جوية مكثفة، وعدم وضوح التحذيرات وعدم تحديدها أطر زمنية واضحة؛ واكتظاظ كثير من الأماكن التي تعتبر آمنة، والظروف المتردية في الملاجئ التي تعرضت هي الأخرى للهجمات.
55- وأشارت إفادات صادرة عن بعض ضباط قوات الدفاع الإسرائيلية إلى أن التحذيرات بوجوب إخلاء المناطق كانت تهدف في بعض الحالات إلى إيجاد "مناطق عازلة"، بحيث لا يعتبر السكان المتبقين في تلك المناطق بعد ذلك مدنيين متمتعين بالحماية التي يمنحها لهم وضعهم كمدنيين. وعلى سبيل المثال، يقال أن اللواء أمياتاي كارانيك، رئيس مكتب العقيدة القتالية لقوات المشاة صرح قائلاً: "نحن نحاول إيجاد حالة تؤدي إلى جعل المنطقة التي نقاتل فيها منطقة عازلة، بحيث يكون أي شخص نراه هناك مشتبهاً في التورط في أعمال إرهابية. وفي ذات الوقت، نبذل قصارى جهدنا لإجلاء السكان، ٍسواء استدعى ذلك إسقاط نشرات إعلامية أو قصفاً مدفعياً. ونحن لا نريد إرباك القوات، ففي وقت السلام والأمن، يواجه الجنود سكاناً مدنيين، لكن في وقت الحرب، لا يوجد سكان مدنيون، بل أعداء فقط"( ). وتدرك اللجنة أن تأكيدات وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية بأنه على الرغم من أن "سلطات حماس تشجع المدنيين بشدة على تجاهل تحذيرات قوات الدفاع الإسرائيلية والامتناع عن إخلاء أحيائهم، فإن قوات الدفاع الإسرائيلية لا تنظر إلى المدنيين الذين يستجيبون لتلك النصائح كدروع بشرية طوعية ومن ثم كأهداف مشروعة للهجمات. كما أنها لا تعتبر أن تحليلاتها بشأن مبدأ التناسب تنطبق على هؤلاء المدنيين"( ). ويبدو أن رأي اللواء كارانيك هو الذي كان سائدا في منطقتين على الأقل من المناطق التي نظرت فيها اللجنة، وكان له أثره في تشكيل نظرة الجنود الإسرائيليين في الميدان إلى السكان الذين بقوا في المنطقتين. واستناداً إلى شهادة أحد الجنود، خلصت إحدى المنظمات غير الحكومية إلى أن "الجنود تلقوا تعليمات من قادتهم بإطلاق النار على أي شخص يرونه في منطقة قتال، على أساس أن الافتراض العملي هو أن أي شخص في الميدان يعتبر عدواً"( ).
56- وتقر اللجنة بأن التحذيرات العامة التي أصدرتها قوات الدفاع الإسرائيلية أنقذت الأرواح. وفي الوقت نفسه، غالباً ما كانت تلك التحذيرات تستخدم في سياق لا يستطيع فيه الأشخاص الهاربون إيجاد مكان آمن يذهبون إليه، بسبب عدم إمكانية التنبؤ بكثير من الهجمات على امتداد فترة طويلة. وأهم من ذلك، أن الافتراض بأن أي شخص يبقى في منطقة صدرت فيها تحذيرات هو عدو أو شخص مشارك في "أنشطة إرهابية"، أو إصدار تعليمات بهذا المعنى، يسهم في تهيئة بيئة مؤاتية لتوجيه الهجمات ضد المدنيين. كما أن المدنيين الذين يختارون عدم الاستجابة للتحذيرات لا يفقدون الحماية الممنوحة لهم بحكم وضعهم. فالسبيل الوحيد الذي يجعل المدنيين يفقدون حمايتهم من الهجمات هو مشاركتهم بصورة مباشرة في الأعمال القتالية( ). كما أن مجرد إصدار التحذيرات لا يعفي قوات الدفاع الإسرائيلية من التزاماتها القانونية بحماية حياة المدنيين.
(د) حماية المدنيين، وحماية القوات و"قاعدة هنيبعل الأساسية"
57- تشير دراسة للإجراءات التي اتخذتها قوات الدفاع الإسرائيلية في حي الشجاعية، في تموز/يوليه، وفي رفح، في أول آب/أغسطس، إلى أن حماية الجنود الإسرائيليين أثرت بشكل كبير على سلوك قوات الدفاع الإسرائيلية في هذه العمليات، حيث غلبت في بعض الأحيان على الشعور بالقلق حيال تقليل الخسائر بين المدنيين إلى أقصى حد. ورغم أن حماية القوات تشكل هدفاً مشروعاً، فإن لدى اللجنة انطباعاً واضحاً بأن القوات كانت تغفل المبادئ الأساسية التي تحكم الأعمال القتالية عند تعرض حياة الجنود للخطر أو تعرضهم للأسر. وأشار أحد الشهود قائلاً: " في كل مرة يموت فيها جندي إسرائيلي أو يختطف نشعر بتبعات ذلك". ففي رفح، أدى مقتل جنديين إسرائيليين وما بدا من أن جنديا ثالث قد اختطف، ثم عثر عليه ميتا فيما بعد، إلى إغلاق مناطق بأكملها، وبخاصة عن طريق القصف المدفعي والضربات الجوية، في محاولة لمنع الخاطفين من مغادرة المنطقة مع الجندي الأسير. وتشير بعض الإفادات إلى أن الإجراء المعروف باسم "قاعدة هنيبعل الأساسية"، قد طُبّق في رفح، وربما في الشجاعية، حيث سادت مخاوف مماثلة بشأن اختطاف أحد الجنود. وتؤكد إفادات أخرى أن هذا الإجراء يعطي حرية كبيرة للقادة الإسرائيليين فيما يتعلق باتخاذ القرارات بشأن كيفية منع الجماعات المسلحة من أسر جنودهم( )، وقد شاع الاعتقاد بأن هذه الحرية أدت إلى تكثيف القصف. وفي رفح، أصبحت كل مركبة متحركة وكل شخص هدفاً محتملاً، مع تكثيف إطلاق النار لأقصى درجة خلال الساعات الأربع الأولى، حسب الإفادات.
58- وقالت حكومة إسرائيل إن الالتزام باحترام مبدأ التناسب يطبق على الدوام كلما استخدمت قاعدة هنيبعل الأساسية( )، وقال البعض إنه تجوز مراعاة الاعتبارات الاستراتيجية لتحديد المزايا العسكرية عند وضع مبدأ التناسب في المحك. وتؤكد اللجنة على أن الاعتبارات السياسية والأهداف الاستراتيجية القصية التي تستنير بالأهداف السياسية - مثل حرمان الجماعات المسلحة من أي ميزة ضغط على إسرائيل أثناء المفاوضات بشأن إطلاق سراح جندي أسير - لا تصلح لإجراء تحليلات التناسب المطلوبة بموجب القانون الإنساني الدولي. وتعتقد اللجنة أن الثقافة العسكرية التي نشأت عن هذه الأولويات السياسية قد تكون من العوامل التي أسهمت في اتخاذ القرار بإطلاق النار بشكل مكثف في رفح والشجاعية، في تجاهل تام لآثاره المدمرة على السكان المدنيين. كما أن تطبيق هذا البروتوكول في سياق بيئة ذات كثافة سكانية عالية عن طريق استخدام الأسلحة الثقيلة، يؤدي، كما هو متوقع، إلى حدوث انتهاكات لمبدأي التمييز والتناسب.
(ه) استهداف المدنيين
59- نظرت اللجنة في عدة حالات كان الأشخاص، أو مجموعة الأشخاص، المستهدفين فيها من المدنيين، وفي بعض الأحيان من الأطفال، الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال القتالية، ولا يشكلون أي تهديد للجنود الإسرائيليين في المنطقة. فعلى سبيل المثال، أصيب سالم شمالي، الذي سجل مقتله على الفيديو، بعدة طلقات نارية أثناء بحثه عن قريب له خلال فترة هدنة إنسانية، على الرغم من سقوطه منذ الطلقة الأولى (الوثيقة A/HRC/28/80 Add.1، الفقرة 43). ونظرت اللجنة في حادثتين أخريين يقال إن الجنود استهدفوا فيهما أشخاصا مدنيين يحملون رايات بيضاء في خزاعة. وتتعلق الحالة الأولى بمجموعة كبيرة من الأشخاص، من بينهم أطفال، الذين تعرضوا للاعتداء أمام عيادة طبية، أثناء محاولتهم مغادرة القرية حاملين رايات بيضاء. وفي الحالة الثانية، أطلقت النار عن قرب على رجل يحمل راية بيضاء داخل أحد المنازل، أمام نحو 30 شخصاً، من بينهم نساء وأطفال ومسنون، كانوا يحتمون بذلك المنزل.
60- ويشكل توجيه هجمات ضد المدنيين انتهاكاً لمبدأ التمييز وقد يرقى إلى جريمة حرب. كما يمكن اعتبار تلك الأفعال عمليات قتل عمد. وهي تشكل أيضا انتهاكاً للحق في الحياة، على النحو الذي تكفله المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
4- تأثير سلوك الجماعات الفلسطينية المسلحة على السكان في غزة
61- نظرت اللجنة في سلوك الجماعات الفلسطينية المسلحة في بيئة ذات كثافة سكانية عالية، وفي التدابير التي اتخذتها السلطات في غزة، لحماية المدنيين في القطاع من آثار الهجمات التي شنتها إسرائيل، إن وجدت.
62- وتعرب اللجنة عن أسفها لعدم تمكنها من التحقق من ادعاءات إسرائيل بشأن استخدام الجماعات الفلسطينية المسلحة( ) للمباني المدنية، وذلك بسبب رفض إسرائيل السماح لها بالدخول إلى غزة؛ ولمخاوف الشهود الفلسطينيين من انتقام الجماعات المسلحة والسلطات المحلية؛ لا سيما لدى تقديم المعلومات عن بعد؛ والتحديات التي تواجهها منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية في توثيق الانتهاكات التي يدّعى ارتكابها على يد الجماعات الفلسطينية المسلحة.
(أ) تنفيذ عمليات عسكرية من داخل مناطق ذات كثافة سكانية عالية أو بالقرب منها
63- يُدَّعى أن الجماعات الفلسطينية المسلحة غالباً ما تعمل من أحياء مكتظة بالسكان، ويشمل ذلك إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون واستخدام الأسلحة الأخرى من مناطق معمورة. كما يُدَّعى أن تلك الجماعات اعتادت إقامة مراكز قيادة العمليات ومراقبتها ومواقع الإطلاق في مبان سكنية، وأنها قامت بتخزين الأسلحة وأنشأت منافذ الدخول إلى الأنفاق في مبان ذات واجهات مدنية. ويقال أيضاً أنها أدارت العمليات العسكرية من داخل مواقع تتمتع بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي، أو بالقرب منها، مثل المستشفيات، والملاجئ والأماكن المخصصة للشعائر الدينية أو التعليم، بما في ذلك مدارس تديرها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى. وقد أعرب الأمين العام عن استيائه لأن جماعات فلسطينية مسلحة تعرض مدارس الأمم المتحدة للخطر عن طريق استغلالها لإخفاء أسلحتها. وقال إنه "لم يكن أحدٌ في المدارس الثلاث التي وُجدت فيها الأسلحة حينذاك ولم تكن تُستخدم كملاجئ. غير أنه من غير المقبول على الإطلاق أن يستخدمها من يشارك في القتال من أجل تخزين الأسلحة، وربما في حالتين لإطلاق النار انطلاقاً منها". (الوثيقة S/2015/286، ص. 3). وأدلت إسرائيل بمزاعم محددة بشأن استخدام المدارس والمساجد والمستشفيات، وكذلك المناطق المحيطة بها مباشرة، لأغراض عسكرية. ويؤدي إطلاق الجماعات الفلسطينية المسلحة للصواريخ من مناطق ذات كثافة سكانية عالية لتعريض سكان غزة أيضاً للخطر، وعلى سبيل المثال، قتل في مخيم الشاتي، في 28 تموز/يوليه 2014، 13 مدنياً من بينهم 11 طفلاً، حينما سقط أحد الصواريخ قد قبل بلوغ هدفه فيما يبدو.
64- وتقر اللجنة بأن الالتزام بتفادي إقامة أهداف عسكرية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية ليس مطلقاً؛ لأن صغر حجم غزة وكثافتها السكانية العالية يجعلان التزام الجماعات المسلحة بذلك الشرط على الدوام أمرا صعب التحقيق. ورغم أن اللجنة لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من الأحداث المحددة التي ادعتها إسرائيل، فإن تواتر تقارير الجماعات الفلسطينية المسلحة التي تنفذ عمليات عسكرية في المناطقة المحيطة مباشرة بأهداف مدنية، بالأهداف المحمية على وجه الخصوص، يشير إلى أنه كان من الممكن تفادي ذلك الأمر في عدد من الحالات. وهي حالات ربما لم تف الجماعات الفلسطينية المسلحة فيها بالتزاماتها القانونية إلى أقصى حد ممكن. وفي الحالات التي ربما كان هدفهم فيها هو استخدام وجود المدنيين لحماية أصول عسكرية من الهجمات، يشكل ذلك الفعل انتهاكاً لحظر القانون العرفي استخدام الدروع البشرية( ). وفيما يتعلق بمزاعم استخدام المرافق الطبية وسيارات الإسعاف لأغراض عسكرية، في حالة إثباته، وإذا كانت تلك المباني وسيارات الإسعاف تحمل شعارات مميزة لاتفاقيات جنيف، مثل شعار الهلال الأحمر، فإن تلك الأفعال ترقى إلى مستوى سوء استخدام شعار مميز، وتشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي العرفي.
65- وبغض النظر عن مشروعية أفعال الجماعات الفلسطينية المسلحة، فإن الاستخدام العسكري للمباني المدنية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية بغرض إدارة العمليات العسكرية منها، يزيد المخاطر التي يتعرض لها السكان المدنيون والأهداف المدنية. لكن سلوك تلك الجماعات المسلحة المثير للتساؤل لا يغير من حقيقة أن إسرائيل ملزمة بالتقيد بالقانون الدولي.
(ب) التدابير المتخذة لتسهيل إجلاء السكان المدنيين عن المناطق المحيطة بالأهداف العسكرية
66- قالت السلطات في غزة إنها اتخذت تدابير من أجل تسهيل إخلاء المناطق الأكثر تأثراً بالأعمال القتالية، بوسائل تشمل إقامة ملاجئ للأشخاص المشردين داخلياً وتنفيذ أكثر من 450 4 مهمة إجلاء في بيت حانون والشجاعية وخزاعة. لكن القلق يساور اللجنة لورود أنباء تفيد بأن السلطات في غزة شجعت السكان في بعض الحالات على عدم الاستجابة للتحذيرات التي وجهتها لهم قوات الدفاع الإسرائيلية( ). وإذا ثبت ذلك، وبحسب الظروف، فإن تلك التصريحات قد تدل على أن السلطات في غزة لم تتخذ جميع الاحتياطات اللازمة لحماية السكان المدنيين الذين تحت سيطرتها، كما يقتضي القانون الإنساني الدولي.
(ج) إعدام "المتعاونين" المشتبه فيهم
67- تبيَّن للجنة أن 21 شخصاً من "المتعاونين" المزعومين قد أعدموا في الفترة من 5 إلى 22 آب/أغسطس 2014. وقد أُخذ 16 منهم من سجن الكتيبة حيث كانوا محتجزين لدى السلطات المحلية في غزة، وأعدموا رمياً بالرصاص( ). وأعلنت كتائب القسام مسؤوليتها عن عمليات الإعدام، وصرحت في بعض الحالات أنه "ثبتت على الأشخاص الذين أعدموا جريمة تقديم معلومات عن أماكن وجود المقاتلين والمنازل المدنية( )". وأبلغت السلطات المدنية في غزة اللجنة بأن بعض الفصائل الفلسطينية التي تعمل في الخفاء هي التي نفذت عمليات الإعدام، دون أن تتلقى تعليمات من السلطات. ويُزعم أن السلطات أنشأت جهازاً للتحقيق في ادعاءات القتل خارج إطار القانون. وبالمثل، تعهدت حكومة دولة فلسطين بالتحقيق في مثل هذه القضايا عند استعادتها السيطرة على قطاع غزة.
68- ونظراً لارتباط أعمال القتل المذكورة بالنزاع المسلح، فهي تشكل انتهاكاً للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949، وترقى بذلك إلى مستوى جريمة حرب. كما تبيَّن للجنة أن الإعدامات وقعت، فيما يبدو، بعلم السلطات المحلية في غزة، في انتهاك لالتزامها في إطار حقوق الإنسان بحماية حق الأشخاص المحتجزين لديها في الحياة وفي الأمن. كما أن اللجنة تشعر بالقلق من الوصمة التي قد تلحق بأفراد عائلات الأشخاص الذين أعدموا جراء وصفهم بأنهم أقارب "المتعاونين".
باء- الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية
69- اتسمت الفترة الممتدة من حزيران/يونيه إلى أيلول/سبتمبر 2014 بتصاعد حدة التوتر في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. ويزعم أن قوات الأمن الإسرائيلية شنت أكثر من 400 1 غارة على منازل الفلسطينيين وغيرها من المباني المدنية، في فترة المساء غالباً، وأنها اعتقلت أكثر من 050 2 فلسطينياً، من بينهم أطفال (انظر الوثيقة A/HRC/28/80/Add.1)( ). وفي نهاية آب/أغسطس 2014، أبلغ عن وجود 473 شخصاً رهن الاحتجاز الإداري( ). وترددت إفادات عن انتشار ممارسات معاملة الأشخاص المحتجزين، بمن فيهم الأطفال، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة( ). كما فرضت إسرائيل قيوداً صارمة على حركة الفلسطينيين في داخل الضفة الغربية وإلى خارجها، وكذلك على دخولهم إلى المسجد الأقصى( ). وقد منعت هذه التدابير الفلسطينيين من الحصول على الخدمات والوصول إلى الأسواق وأماكن التعليم وأماكن العمل، وأدت إلى خسائر اقتصادية كبيرة( ). واستأنفت إسرائيل أيضاً ممارستها عمليات هدم البيوت عقاباً لأهاليها. وسُجلت حوادث عنف مرتكبة على يد المستوطنين وأنشطة متعلقة بالمستوطنات، بما في ذلك ما قيل إنه كان رداً على اختطاف ثلاثة شباب إسرائيليين وقتلهم.
70- وحدث أيضاً ارتفاع حاد في أعداد الوفيات والإصابات بين الفلسطينيين على يد قوات الأمن الإسرائيلية. ويدَّعى أن الفترة من 12 حزيران/يونيه إلى 26 آب/أغسطس 2014 شهدت مقتل 27 فلسطينياً، منهم خمسة أطفال، وإصابة أكثر من 100 3 آخرين على يد قوات الأمن الإسرائيلية (الوثيقة A/HRC/28/80/Add.1، الفقرة 10)( ). وجاء في الإفادات أن هذا الرقم ارتفع إلى 36 قتيلاً، منهم 11 طفلاً، بحلول نهاية أيلول/سبتمبر 2014( ). ومن بين الضحايا هاشم أبو ماريا، وهو ناشط معروف في مجال حقوق الطفل، كان يعمل مع المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال، وهي منظمة غير حكومية، وقد قتل في وقت لم يكن يشكل فيه تهديداً لقوات الأمن. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن عدد القتلى خلال تلك الفترة يعادل مجموع عدد وقتلى الفلسطينيين في ظروف مماثلة طيلة عام 2013 (المرجع نفسه). واتضح من تلك البيانات أيضا أن الارتفاع الكبير في عدد الوفيات والإصابات كان نتيجة مباشرة للجوء قوات الأمن الإسرائيلية( ) لاستخدام الذخيرة الحية بانتظام والاتجاه المتنامي الواضح إلى استخدام الرصاص عيار 0.22 بوصة في سياق تدابير السيطرة على الحشود. ويبدو أن الاستخدام المتزايد للذخيرة الحية، مقترناً بالزيادة الكبيرة في الخسائر، يعكس تغيراً في السياسة التي تدير بها قوات الدفاع الإسرائيلية عمليات إنفاذ القانون في الضفة الغربية( ).
71- وتعرب اللجنة عن قلقها بوجه خاص لأن انتشار استخدام الذخيرة الحية يزيد حتماً من مخاطر الوفيات أو الإصابات الخطيرة. ويشكل استخدام الأسلحة النارية ضد من لا يمثلون تهديداً للحياة أو إلحاق إصابات خطيرة بهم انتهاكاً لمبدأ حظر الحرمان التعسفي من الحياة( )، وقد يرقى، رهنا بالظروف، إلى مستوى القتل العمد. وقد يعتبر لجوء موظفي إنفاذ القانون إلى الأسلحة النارية دون مبرر جريمة حرب حين يحدث في سياق نزاع مسلح دولي، بما في ذلك حالات الاحتلال العسكري، وحين يكون الشخص المقتول متمتعاً بالحماية.
سادساً- المساءلة
72- تلاحظ اللجنة التدابير التي اتخذتها إسرائيل للتحقيق في الانتهاكات المزعومة لقانون النزاع المسلح من جانب قوات الدفاع الإسرائيلية أثناء عملية "الجرف الصامد"( ) ولتحقيق اتساق نظام التحقيقات فيها مع المعايير الدولية. لكن لا تزال هناك عيوب في امتثال إسرائيل للمعايير الدولية. وينبغي إجراء مزيد من التغييرات المهمة لضمان أن تفي إسرائيل على نحو ملائم بواجبها في التحقيق مع مرتكبي الانتهاكات وتقديمهم إلى المحاكمة وتحميلهم المسؤولية عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وتشمل التدابير اللازمة لتعزيز استقلال عمل المدعي العام العسكري ونزاهته وضمان تطبيق القانون الإنساني الدولي بشكل قوي في قراراته المتعلقة بالتحقيقات الجنائية. وعلى سبيل المثال، يترتب على تعريف "الأهداف العسكرية" آثار سواء فيما يتعلق بالإرشادات العملياتية التي يقدمها المدعي العام العسكري للقوات في الميدان، أو التقييم الذي يجريه لاحقاً لمسألة ما إذا كان سيحيل قضية ما للتحقيق الجنائي. وعلاوة على ذلك، يركز أسلوب التحقيقات الذي تستخدمه قوات الدفاع الإسرائيلية على إمكانية قيام المسؤولية الجنائية الفردية على مستوى الجندي في ميدان القتال. وحتى حين يصبح سلوك الجنود والضباط ذوي الرتب الدنيا أثناء الأعمال القتالية موضع شك، فإن ذلك قلما يؤدي إلى تحقيقات جنائية. وعلى مستوى الشرطة، تسعى اللجنة إلى قراءة تحقيق المراقب العام بشأن إجراءات اتخاذ القرار على المستويين العسكري والسياسي أثناء عملية "الجرف الصامد". ويتعين استكمال تحقيق المراقب العام بآليات - مثل الإجراءات الجنائية( ) والتدابير التأديبية - بهدف تحميل المسؤولية للأفراد الذين قد يكون لهم دور في ارتكاب المخالفات. يضاف إلى ذلك أن الضحايا الفلسطينيين يواجهون عوائق كبيرة تعرقل حقهم في الاستفادة من سبل الانتصاف الفعالة، بما في ذلك تدابير جبر الضرر.
73- وتخلص اللجنة إلى أن التحقيقات التي تجريها السلطات الفلسطينية غير كافية على الإطلاق، رغم الادعاءات بشأن انتهاك القانون الإنساني الدولي من جانب جهات فاعلة فلسطينية، مما يترك الضحايا الإسرائيليين دون سبل انتصاف فعالة. وفيما يتعلق بالسلطات المحلية في غزة، يبدو أنها لم تتخذ أي تدابير لضمان إجراء تحقيقات فعالة بشأن أفعال الجماعات الفلسطينية المسلحة، بسبب غياب الإرادة السياسية، فيما يبدو. وتدعي السلطة الفلسطينية أن إخفاقها في فتح التحقيقات يرجع إلى عدم كفاية الوسائل اللازمة لإجراء التحقيقات في إقليم لا يزال غير خاضع لرقابة موحدة.
سابعاً- الاستنتاجات والتوصيات
ألف- الملاحظات الختامية
74- تأثرت اللجنة بشدة بالمعاناة الهائلة التي يكابدها الضحايا الفلسطينيون والإسرائيليون الذين تعرضوا لدورات متكررة من العنف. وأعرب الضحايا عن أملهم المتواصل في أن يتخذ قادتهم والمجتمع الدولي إجراءات أشد حزماً للتصدي للأسباب الجذرية للنزاع كي يتسنى إعادة إعمال حقوق الإنسان ومبادئ الكرامة والعدالة والأمن لصالح جميع سكان الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل. وفيما يتعلق بجولة العنف الأخيرة التي أدت إلى وقوع عدد غير مسبوق من الضحايا، تمكنت اللجنة من جمع معلومات وافية تشير إلى ارتكاب إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وفي بعض الحالات، قد ترقى تلك الانتهاكات إلى مستوى جرائم الحرب. وتحث اللجنة المعنيين كافة على اتخاذ إجراءات فورية لضمان المساءلة، بما في ذلك إعمال الحق في الحصول على سبل انتصاف فعالة للضحايا.
75- وفيما يختص بإسرائيل، نظرت اللجنة بعناية في ظروف كل حالة، بما في ذلك ما أوردته الدولة بشأنها، إن وجد. لكن إسرائيل قدمت معلومات غير كافية فيما يتعلق بالأهداف العسكرية المحددة لهجماتها. وتقر اللجنة بالمأزق الذي تواجهه إسرائيل في الإفصاح عن المعلومات التي تكشف بالتفصيل أهداف الضربات العسكرية، نظراً لأن تلك المعلومات قد تكون مصنفة كمعلومات استخباراتية وتضر بمصادر الاستخبارات. وأياً كان الأمر، فإن الاعتبارات الأمنية لا تعفي السلطات من التزاماتها بموجب القانون الدولي. ويقع على إسرائيل عبء تقديم تفاصيل كافية عن القرارات التي تتخذها من أجل السماح بإجراء تقييم مستقل لمشروعية الهجمات التي تشنها قوات الدفاع الإسرائيلية ومساعدة الضحايا في سعيهم للوصول إلى الحقيقة.
76- وتشعر اللجنة بالقلق لأن الإفلات من العقاب يسود بدون استثناء انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، التي يُدّعى ارتكابها من قبل القوات الإسرائيلية، سواء في سياق الأعمال القتالية الفعلية في غزة، أو أعمال القتل والتعذيب وإساءة المعاملة في الضفة الغربية. ويتعين على إسرائيل أن تتخلى عن السلوك المؤسف الذي أبدته مؤخراً تجاه مساءلة الجناة، لا كوسيلة لضمان حصول الضحايا على العدالة فحسب، بل ً ولكفالة تنفيذ الضمانات الأساسية لعدم تكرارها أيضاً.
77- وتثار تساؤلات بشأن دور كبار المسؤولين الذين يضعون السياسة العسكرية في العديد من المجالات التي نظرت فيها اللجنة، مثل الهجمات التي شنتها قوات الدفاع الإسرائيلية على المباني السكنية، واستخدام المدفعية وغيرها من الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وتدمير أحياء بأكملها في غزة، ولجوء قوات الدفاع الإسرائيلية على نحو منتظم لاستخدام الذخيرة الحية، لا سيما في سياق تدابير السيطرة على الحشود في الضفة الغربية. وفي كثير من الحالات، ربما كان فرادى الجنود يطبقون السياسة العسكرية المقررة، بينما تشكل تلك السياسة ذاتها انتهاكاً لقوانين الحرب.
78- وتثير تحقيقات اللجنة أيضا تساؤلات بشأن أسباب عدم تنقيح السلطات الإسرائيلية لسياساتها في قطاع غزة والضفة الغربية خلال الفترة قيد استعراض اللجنة. ولا شك في أن واقعة عدم تغيير القيادة السياسية والعسكرية سير عملها، برغم توافر المعلومات عن أعداد الوفيات الضخمة والتدمير الهائل في غزة، تثير التساؤل بشأن الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني الدولي من جانب هؤلاء المسؤولين، على نحو قد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب. وقد لا تكون آليات المساءلة الحالية مناسبة لمعالجة تلك المسألة.
79- وفيما يتعلق بالجماعات الفلسطينية المسلحة، تشعر اللجنة بقلق جدي حيال الطابع العشوائي الملازم لمعظم القذائف التي توجهها تلك الجماعات ضد إسرائيل، وبشأن استهداف المدنيين أيضاً، وهي مسألة تشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وقد ترقى إلى مستوى جريمة حرب. وكان تزايد المخاوف وسط المدنيين الإسرائيليين بسبب استخدام الأنفاق ملموساً. كما تدين اللجنة عمليات الإعدام التي تنفذ خارج نطاق القانون على "المتعاونين" المزعومين، وهو أمر يرقى إلى مستوى جريمة حرب.
80- وقد أخفقت السلطات الفلسطينية باستمرار في ضمان تقديم مرتكبي انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان إلى العدالة. وتشعر اللجنة بالقلق لأن استمرار الانقسامات السياسية يسهم بقدر كبير في عرقلة مجرى العدالة أمام ضحايا الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات الفلسطينية المسلحة. ويثير عدم اتخاذ تدابير للبدء في إجراءات جنائية ضد الجناة المزعومين الشكوك بشأن عزم السلطة الفلسطينية المعلن على تحقيق المساءلة. ويتعين على السلطات، وفقاً لالتزاماتها القانونية، اتخاذ تدابير عاجلة لتصحيح مسألة الإفلات من العقاب الذي طال أمده.
81- وسيكون توفير آليات للمساءلة الشاملة والفعالة عن الانتهاكات التي يدعى أن إسرائيل وجهات فاعلة فلسطينية ارتكبتها عاملاً حاسماً في تحديد ما إذا كان الفلسطينيون والإسرائيليون سيتجنبون التعرض لجولة أخرى من الأعمال القتالية ولارتفاع معدل انتهاكات القانون الدولي بشكل حاد في المستقبل.
باء- التوصيات
82- يدخل الامتناع المستمر عن تنفيذ التوصيات الصادرة عن لجان التحقيق وبعثات تقصي الحقائق السابقة، وعن هيئات معاهدات الأمم المتحدة وإجراءاتها الخاصة وغيرها من هيئات الأمم المتحدة الأخرى، وبخاصة توصيات الأمين العام ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في صميم التكرار المستمر للانتهاكات المرتكبة في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة. وإذ تأخذ اللجنة في اعتبارها وجود هذا الكم الهائل من الإرشادات، فهي لن تعد قائمة شاملة بالتوصيات وتكرر سرد الشواغل التي سجلتها الهيئات الأخرى. لكنها تدعو المسؤولين كافة إلى كفالة التنفيذ الكامل والعاجل لجميع التوصيات التي أصدرتها الهيئات المذكورة آنفاً، لتفادي حدوث أزمة مماثلة لأزمة صيف عام 2014 في المستقبل.
83- وتهيب اللجنة بجميع الأطراف أن تحترم بشكل كامل القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك المبادئ الرئيسية المتعلقة بالتمييز والتناسب والحيطة، وتسارع بإنشاء آليات مساءلة مستقلة وذات مصداقية وفعالة وشفافة. وتجب كفالة حق جميع الضحايا في الحصول على سبل انتصاف فعالة دون المزيد من التأخير، بما في ذلك جبر الضرر. ويتعين على الأطراف في هذا السياق، التعاون بشكل كامل مع التحريات الأولية التي تجريها المحكمة الجنائية الدولية، ومع أي تحقيق قد يجرى لاحقاً.
84- وتهيب اللجنة أيضاً بالإسرائيليين والفلسطينيين إثبات إمساكهم بزمام القيادة السياسية عن طريق الامتناع عن إصدار بيانات تحط من شأن الطرف الآخر وتحض على عدم التسامح وتؤدي إلى استمرار ثقافة العنف، وباتخاذ تدابير فعالة لمنعها في ذات الوقت.
85- وتهيب اللجنة بحكومة إسرائيل أن تنقح بصورة شاملة وشفافة وموضوعية وصادقة سياسات إدارة العمليات العسكرية وأنشطة إنفاذ القانون في سياق الاحتلال، حسبما يحددها صناع القرارات السياسيون والعسكريون، لضمان الامتثال للقانون الإنساني الدولي والقانون الإنساني لحقوق الإنسان، فيما يتعلق بالآتي بصفة خاصة:
(أ) استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، بما في ذلك استخدامها في محيط الأهداف المحمية على وجه التحديد؛
(ب) تعريف الأهداف العسكرية؛
(ج) أساليب استهداف المباني السكنية؛
(د) فعالية التدابير التحوطية؛
(ه) حماية المدنيين في سياق تطبيق قاعدة هنيبعل الأساسية؛
(و) ضمان احترام مبدأ التمييز عند إعلان الأحياء التي تدور فيها عمليات نشطة "مناطق تطهير من العناصر القتالية"؛
(ز) استخدام الذخيرة الحية في حالات تدابير السيطرة على الحشود.
كما ينبغي أن يتناول الاستعراض أيضاً مسألة إقامة آليات لمواصلة استعراض احترام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان أثناء العمليات العسكرية وفي سياق أنشطة إنفاذ القانون في ظل الاحتلال.
86- وتهيب اللجنة كذلك بحكومة إسرائيل أن:
(أ) تكفل امتثال التحقيقات للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتكفل توجيه اتهامات وإقامة دعاوى قضائية وصدور إدانات وأحكام تناسب الجرائم، في حالة الادعاءات المتعلقة بالجرائم الدولية التي تكون مدعومة بأدلة، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان ألا تقتصر تلك التحقيقات على فرادى الجنود وحدهم، وأن تشمل أيضاً أعضاء المنشأة السياسية والعسكرية، بمن فيهم ذوي المناصب العليا، حسب الاقتضاء؛
(ب) تنفذ جميع التوصيات الواردة في التقرير الثاني للجنة توركال، ولا سيما التوصية الثانية الداعية إلى سن أحكام لفرض مسؤولية جنائية مباشرة على القادة العسكريين والمسؤولين المدنيين عن الجرائم التي يرتكبها مرؤوسيهم، بما يتماشى مع نظرية مسؤولية الآمر؛
(ج) تتيح إمكانية الدخول إلى إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة للهيئات الدولية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية المعنية بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي من جانب المسؤولين كافة، ولأية آليات ينشئها مجلس حقوق الإنسان لمتابعة هذا التقرير، والتعاون معها؛
(د) تعالج المسائل الهيكلية التي تثير النزاعات وتؤثر سلباً على نطاق واسع من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في تقرير المصير؛ وبخاصة رفع الحصار عن غزة فوراً ودون أي شرط؛ وتوقف جميع الأنشطة المتعلقة بالاستيطان، بما في ذلك نقل سكان إسرائيل إلى الأرض المحتلة؛ وتنفذ فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة في 9 تموز/ يوليه 2004 بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة؛
(ه) الانضمام إلى نظام روما الأساسي.
87- وتهيب اللجنة بدولة فلسطين أن:
(أ) تكفل اتساق التحقيقات بشأن انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الجرائم الدولية التي ارتكبتها السلطة الفلسطينية، والسلطات في غزة، والجماعات الفلسطينية المسلحة، إذا كانت مدعومة بالأدلة، مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأن تحقق المساءلة الكاملة، بطرائق تشمل الإجراءات الجنائية؛
(ب) تعجل ببذل الجهود اللازمة لترجمة التصريحات المتعلقة بالوحدة الفلسطينية إلى تدابير ملموسة على الأرض لتمكين حكومة التحالف الوطني من كفالة حماية حقوق الإنسان وتحقيق المساءلة عن الضحايا.
88- وتهيب اللجنة بالسلطات في غزة والجماعات الفلسطينية المسلحة أن:
(أ) تحترم مبادئ التمييز والتناسب والحيطة، بطرائق تشمل وقف جميع الهجمات على المدنيين والأهداف المدنية في إسرائيل، ووقف جميع الهجمات الصاروخية وغيرها من الأعمال التي قد تشيع الرعب في أوساط السكان المدنيين في إسرائيل؛
(ب) تتخذ التدابير اللازمة لمنع عمليات الإعدام خارج إطار القانون والقضاء على التعذيب، والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة،؛ والتعاون مع التحقيقات الوطنية الرامية إلى تقديم المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي إلى العدالة؛ ومكافحة وصمة العار التي تواجهها عائلات المتعاونين المزعومين.
89- وتهيب اللجنة بالمجتمع الدولي أن:
(أ) تعزز الامتثال إلى التزامات حقوق الإنسان؛ واحترام وكفالة احترام القانون الإنساني الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، وفقاً للمادة 1 المشتركة بين اتفاقيات جنيف؛
(ب) استخدام نفوذه لمنع الانتهاكات ووقفها، ولمنع تشجيع الأطراف الأخرى على ارتكاب انتهاكات؛
(ج) تعجل ببذل الجهود وتكثيفها من أجل وضع معايير قانونية وسياسية للحد من استخدام الأسلحة المتفجرة ذات الآثار واسعة النطاق في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، بهدف تعزيز حماية المدنيين أثناء الأعمال القتالية؛
(د) تدعم عمل المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بالأرض الفلسطينية المحتلة دعماً فعلياً؛ وتمارس ولايتها القضائية العالمية من أجل النظر في القضايا الدولية في المحاكم الوطنية؛ وتستجيب لطلبات تسليم المشتبه في ارتكابهم تلك الجرائم إلى البلدان التي سيواجهون فيها محاكمة عادلة.
90- وتوصي اللجنة بأن ينظر مجلس حقوق الإنسان في إجراء استعراض شامل لتنفيذ التوصيات العديدة الموجهة إلى الأطراف من خلال آلياته الخاصة، وبخاصة لجان التحقيق وبعثات تقصي الحقائق ذات الصلة، وأن يستكشف إمكانية إقامة آليات لضمان تنفيذها.
المصدر: الأمم المتحدة. "نظام الوثائق الرسمية" على موقع documents.un.org/prod/ods.nsf/home.xsp.