حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"
البيان الصحفي الأول الموجه إلى الصحافة الأجنبية
بيروت، كانون الثاني/ يناير 1968
تصدر حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" البيان الصحفي التالي لتوضيح موقفها من قوات الاحتلال الإسرائيلي وتنوير الرأي العام العالمي بصدد الأبعاد والمعاني من أجل تحرير فلسطين.
إن الحركة الثورية لتحرير فلسطين "فتح"، في هذه النشرة الدولية العامة الأولى الموجهة للصحافة العالمية، ترغب في توضيح سوء التفاهم المتعلق بعملياتها وبطبيعة النضال الذي يخوضه الآن الشعب الفلسطيني ضد الغزاة الإسرائيليين.
إن القضية الفلسطينية هي في جوهرها قضية شعب بأكمله، يشكل الأكثرية العربية في فلسطين والذي اقتلع وطرد من وطنه لإقامة إسرائيل فوق أرضه. نتيجة ذلك، وقبل عدوان حزيران (يونيو)، كان ما يقارب مليونان ونصف المليون من الفلسطينيين العرب مرغمين على العيش كلاجئين في مخيمات منتشرة في العالم العربي، يستمرون في الحياة بإعاشات الأمم المتحدة، وكان الثلاثمائة ألف، الباقون داخل إسرائيل، يعانون التفرقة من قبل النظام الذي يمسك عنهم الوظائف وفرض التعليم وكل الحقوق الإنسانية. وخلال عشرين سنة رفضت إسرائيل طلبات اللاجئين العرب المستمرة للعودة إلى أرضهم.
في البداية تطلع الشعب الفلسطيني، المقاسي والمطرود من أرضه، إلى الأمم المتحدة لتحل له مأساته. لكن هذه المنظمة العالمية فشلت في حل مشكلته مدة عشرين سنة، بالإضافة إلى أن قراراتها العديدة القائلة بوجوب عودة اللاجئين إلى بلادهم أو الحصول على تعويض لم تنفذ أبداً. كل هذا الوقت وإسرائيل مستمرة في إنجاز خططها التوسعية، التي عبرت عنها في العدوان الثلاثي في 1956 عندما احتلت سيناء وقطاع غزة لمدة أربعة أشهر متحدية إنذارات الأمم المتحدة، الداعية لانسحابها.
وانكشفت تلك الخطط مرة ثانية، وبدون أي شك، في عدوان حزيران (يونيو) عندما احتلت إسرائيل، وفاخرت بضمها اللاقانوني للضفة الغربية لنهر الأردن، وقطاع غوى والجزء الجنوبي من سورية، ومدينة القدس بتحد لكل القوانين الدولية وباحتقار تام لميثاق الأمم المتحدة ومؤتمرات جنيف وإعلان حقوق الإنسان. وقد كشفت الأمم المتحدة اليوم عن عجزها لفرض حل عادل للمأساة الفلسطينية، وذلك بفشلها في الوصول إلى اتفاقية تتعلق بانسحاب المعتدي من الأراضي المحتلة.
علينا أن نعترف أن عدداً من زعماء العرب استغلوا، عبر السنين، القضية الفلسطينية لمنفعتهم الخاصة. بالإضافة لذلك، فقد فشلت مؤتمرات القمة العربية المتتابعة في أن تعطي الشعب الفلسطيني الدعم المستحق. ويجب أن نقر كذلك أن منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الشقيري قد فشلت، هي الأخرى، في تحرير فلسطين. وبالرغم من أن بعض العناصر الفلسطينية التقدمية أرادت حقاً للمنظمة المذكورة أن تكون ممثل للشعب الفلسطيني، فإن بعض القوى الرجعية حاولت استعمالها للسيطرة على الفلسطينيين. واليوم فإن منظمة التحرير الفلسطينية، منظمة التحرير المزيفة هذه، توقفت عن لعب أي دور هام في تحرير فلسطين.
والسبب في ذلك يعود إلى كون المنظمة لم تنبع من الجماهير أنفسها، وإنما فرضت من فوقها بشكل مصطنع.
إن معاناة وكبت الشعب الفلسطيني خلال السنين قد ولد حركة تحرر فلسطينية ناشطة وشعبية حقاً، عبرت عن ثورة ذلك الشعب ضد الغزاة الإسرائيليين. وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، التي اضطرت أن تعمل سراً في الأراضي المحتلة، بدأت في سنة 1965 بتنفيذ عمليات العصابات بشكل مكشوف لتدمير تجهيزات إسرائيلية عسكرية واستراتيجية من أجل إضعاف وإنهاك الطغاة الذين كانوا يهددون وجود وكيان شعبنا كأمة، كما كانوا يهددون العالم العربي بأسره. وحتى عدوان حزيران (يونيو) كان على "فتح" أن تشن من الخارج تلك العمليات، التي استقبلها الفلسطينيون العرب بالتأييد المتحمس في كل العالم العربي. على كل حال فإن حرب الأيام الستة بنتائجها المفجعة التي حلت بكل الشعب الفلسطيني، داخل وخارج إسرائيل، أوجدت له ظروفاً جديدة في نضاله من أجل تحرير وطنه. ونظراً للحدود الجديدة التي تدعي إسرائيل حقها بها، وجد الفلسطينيون أنفسهم يواجهون عدواً صهيونياً مشتركاً ضمن كل الحدود التي كانت تشكل في السابق أرض فلسطين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عملية الإخضاع الفاشستية التي بدأت إسرائيل تنفيذها ضد السكان العرب قد ولدت حركة مقاومة شبيهة بحركة المقاومة الفيتنامية.
إن هذه الثورة الشعبية ضد عملية الإخضاع تعترف بها إسرائيل نفسها، لأنه لا يمكن بعد اليوم تجاهل أو إنكار شواهد هذه الثورة من قبل أي متحدث إسرائيلي.
وبعد العدوان مباشرة بدأت "فتح"، سراً، تنظيم الشعب العربي في الأراضي المحتلة وشجعتهم على أن يكون لديهم الثقة بمقدرتهم على تحرير وطنهم. وبقيادة "فتح"، التي تمثل طليعة الشعب الفلسطيني، يقاوم هذا الشعب الآن عدواً متفوقاً جداً من الناحية العسكرية، بكل الوسائل المتوفرة: إضرابات، عدم تعاون مع العدو، مقاطعة البضائع الإسرائيلية، رفض عمليات الإخضاع والضم، إلخ. وكذلك بالتعاون مع "فتح"، رفضت الشخصيات السياسية والدينية تنفيذ قوانين العدو، ورفض المعلمون إعادة فتح المدارس كما بقي الأولاد خارج الصفوف طالما تحتل هذه القوة المعادية أرضهم وتسيطر عليها. وأثناء فترة ما بعد العدوان هذه، صعدت العاصفة، الجناح المسلح لـ"فتح"، عملياتها العسكرية والتدميرية ضد التجهيزات الإسرائيلية بما فيها مخيمات ومخازن للجنود، مراكز للقوة الكهربائية وخطوط حديدية، للتأثير على اقتصاد العدو وإضعاف مقدرته على السيطرة على شعبنا. كما هاجم فدائيو "فتح" ورشات صناعية لإسرائيل، ومطابع ومراكز إدارية وكيبوتزات (تعاونيات) لها وظيفة عسكرية يتم إنشاؤها الآن في الأراضي التي احتلت مؤخراً، مما أدى إلى إحداث إصابات، ودمار كبير، وزيادة في التوتر داخل إسرائيل. لقد تحقق شعبنا أنه إذا رفض العيش في العبودية فليس ثمة سبيل آخر غير المقاومة.
إن إسرائيل، باحتلالها كل فلسطين، جعلت واحداً من أهم أهداف "فتح" البعيدة المدى ممكن التحقيق، ألا وهو نقل كل قواعدها العسكرية إلى داخل الوطن المحتل، وعملية النقل هذه قد تم إنجازها الآن. ومن هذه القواعد المخفية والممونة بشكل جيد يقوم الفدائيون الفلسطينيون الذين هم في معظمهم فلاحون وطلاب متفرغون بعشرات العمليات يومياً في المناطق المحتلة قديماً وحديثاً. ولا يقع أي جزء من إسرائيل أو من التجهيزات والنقاط الإسرائيلية بعيداً عن متناول الفدائيين، وبالتالي فإن على هذا النظام أن يتوقع تقطعاً متكرراً في سياق وجوده الكولونيالي في الأسابيع أو الأشهر المقبلة. وسيستمر هذا الإنهاك للوجود الإسرائيلي الصهيوني حتى تعود فلسطين لأصحابها الحقيقيين، الفلسطينيين العرب الذين عاشوا على أرضها جنباً إلى جنب مع الأقلية اليهودية 4000 سنة دون انقطاع.
وتود حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" أن تشير إلى عملياتها – التي تتمتع اليوم بتأييد كل الشعب الفلسطيني – لا تستهدف الشعب اليهودي، كشعب يهودي، عاش الفلسطينيون معه بانسجام عدة قرون في الماضي، كما لا تنوي "فتح" أن "ترمي باليهود إلى البحر". إن حركة المقاومة والتحرير التي تقوم "فتح" بتنسيقها موجهة فقط ضد النظام الفاشستي – العسكري – الصهيوني الذي اغتصب أرضنا وطرد شعبنا وحكم عليه بحياة التشرد والبؤس.
وترغب "فتح" أيضاً أن تصحح بشكل نهائي التلميحات الصهيونية المستمرة بأن هذه الحركة "الإرهابية" تأخذ وحيها وتوجه من الخارج من بلدان كسورية والأردن والجزائر. لكنه لا يمكن لأي "حركة" مفروضة من الخارج أن تستمر في البقاء لمدة طويلة في الظروف القائمة في الشرق الأوسط، لأن الشعب سرعان ما يرفضها. ومن جهة أُخرى، فإن حركة التحرير الشعبية الفلسطينية قد انبثقت من خيبة الفلسطينيين الكاملة، ومن تطلعاتهم الأصيلة إلى الحرية والعدل والكرامة، يمارسونها في وطنهم التاريخي. وهذا هو منشأ قوتها.
على العالم أن يتذكر أن الذين قاسوا من الوجود الإسرائيلي أكثر من الجميع في السنوات العشرين الأخيرة هم الشعب الفلسطيني. وعلى العالم أن يلاحظ أن الذين يحملون السلاح اليوم ليقاتلوا متحدين بشجاعة وطيبة خاطر الطغاة الإسرائيليين الأفظاظ في حرب عصابات بقيادة "فتح" هم الشعب الفلسطيني.
وكانت هذه الانتفاضة الشعبية العفوية المسلحة دفاعاً عن كرامته وحقوقه المغتصبة، ردة فعل هذا الشعب ضد قنابل النابالم والقصف الكثيف والمستمر، ضد التهجير وإصدار أحكام الإعدام في محاكمات شكلية، ضد النهب والوحشية والسجن، ضد تدنيس المقدسات، وجرائم أخرى لا تحصى ارتكبتها إسرائيل الفاشستية في الشهور الأخيرة. والحركة التي تقودها "فتح" هي التعبير المنظم للنضال التحريري للشعب الفلسطيني، هذا النضال الذي تتواجد أجزاؤه المماثلة والمكملة له في جميع أنحاء العالم، حيث تشن الإمبريالية والفاشستية اعتداءاتها – في فيتنام، وجنوب أفريقية، وأنجولا، وبوليفية، وأمكنة أخرى. ففي فلسطين المحتلة، كما في هذه الأقطار، يحمل الناس العاديون البسطاء المغلوبون السلاح من أجل الدفاع عن النفس ومن أجل التحرير النهائي لأوطانهم.
أما اليوم، فقد قرر الشعب الفلسطيني أن يأخذ مصيره بيديه. فبالسلاح والشجاعة يستعيد اليوم كرامته الضائعة. وغداً، وبعد نضال قاس يسقط فيه شهداء كثيرون – نضال سيحوز بدون شك دعم حركة التحرر العربية كلها، والشعوب التقدمية في العالم – سيستعيد أرضه الحبيبة. إن "فتح" وكل الشعب الفلسطيني يؤمنون بقضيتهم العادلة وبالنصر النهائي. ويعرفون كذلك أنه يوم يرفرف علم فلسطين فوق أرضهم المحررة الديمقراطية المحبة للسلم ستبدأ حقبة جديدة يعيش فيها الفلسطينيون واليهود، مرة ثانية، بانسجام، وجنباً إلى جنب مع أصحاب الأرض الأصليين الفلسطينيين العرب.
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1968". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1970. ص 54-57.