نص البيان المذاع عن المؤتمر العربي القومي
13/12/1931
يعرف كل من اشتغل في الحركة العربية أو تتبع سيرها على اختلاف أدوارها ما كان من الجهود النبيلة التي شرع رجالات العرب ومفكروهم وشبانهم يقومون بها من عهد طويل، ولا سيما بعد إعلان الدستور العثماني، لتكوين قضية عربية عامة، غايتها تحقيق كيان عربي مستقل يشمل الأقطار العربية المختلفة ويوصل الأمة العربية إلى الاستقلال الذي تتمتع به أمم العالم الحرة. وقد اتخذ العرب لجهادهم السياسي هدفاً مقدساً ظهرت آثاره في أعمال الجمعيات والأندية والمؤتمرات التي عقدوها. ثم كانت الثورة العربية الكبرى وقطعت للعرب عهود أملوا من ورائها الوصول إلى غايتهم الشريفة. وقد أريقت في سبيل هذه الغاية الاستقلالية المقدسة أثناء الحرب العالمية الكبرى الدماء الزكية وبذلت الضحايا الغالية. ولكن ما كادت تنكشف الحرب حتى أخذ العرب يلقون من المطامع الاستعمارية غمطاً لحقوقهم وجهادهم جحوداً لضحاياهم، ويرون حلفاءهم ينصبون لهم العراقيل الحائلة بينهم وبين بلوغ استقلالهم. وكانت نهاية ذلك أن الحلفاء ظهروا بمؤامرتهم علناً بعد أن تواطأوا عليها سراً، لتجزئة بلاد بالعرب والكيد للقضية العربية، وهي من كبريات القضايا القومية في العالم، وبها تتعلق حياة أمة عظيمة من أعرق أمم العالم في المجد والحضارة والتاريخ، وهي اليوم بنفوسها التي لاتقل عن سبعين مليونا تشغل خير بقاع الأرض في آسيا وأفريقيا.
ولقد كان أحد مظاهر هذه المؤامرة المنكرة ووسائل إنجاحها إشغال أهل كل قطر من الأقطار العربية عن إخوانهم في الأقطار الأخرى بقضايا إقليمية مصطنعة وأوضاع محلية متقلبة، ونكبات متنوعة، حصراً للجهود في دوائر ضيقة ومناطق محدودة، وصرفاً لها عن الامتداد إلى أفق أعلى تتلاقى في مستواه العام القضية العربية مترابطة الأجزاء متضافرة الأقسام، جرياً مع السنن الكونية في نهضات الأمم وارتقاء الشعوب. وقد استغرقت هذه الشواغل المدسوسة أوقات أبناء كل قطر، بل انغمر كل فريق من العرب في بحرانها حتى كاد المستعمرون يدركون مآربهم من مؤامراتهم من جعل العرب أشتاتاً لا قضية كبيرة لهم، وهي القضية التي عمل لها رجالاتهم وجمعياتهم، وذهب في سبيلها ضحاياهم وأرواح شهدائهم، والتي غاية غاياتها الكيان العربي موحداً مستقلا يستأنفون فيه ما كان لهم في سالف الأيام من حضارة مزدهرة، اتسق عمرانها خير اتساق عرفه التاريخ، وطأطأ لهم العالم رأسه، وملأت جنبات الدنيا علماً وخيراً ونوراً.
وذلك ما دعا فريقاً من رجالات العرب الذين سبقت لهم في الحركة العربية في ماضي أدوارها جهود معروفة، إلى دعوة جمهور من مندوبي البلاد العربية الذين حضروا المؤتمر الإسلامي العام المنعقد في بيت المقدس، إلى مؤتمر عقدوه في هذه المدينة مساء الأحد 4شعبان 1350 (13 كانون الأول 1931) بحثوا فيه ما يجب عمله لدرء النازلات الاستعمارية التي نزلت ببلادهم والقضايا الإقليمية التي غمرها بها المستعمرون، وأقروا المواد الآتية ميثاقاً مقدساً يكون للعرب هدفاً ولمجهودهم مقصداً وغاية في مختلف أقطارهم، فيستأنفون جهادهم في سبيل الاستقلال المنشود على نوره، ويجرون على سننه، حتى يأذن الله بإدراك المحجة والأماني كاملة محققة، وهذا نص الميثاق:
المادة الأولى: إن البلاد العربية وحدة تامة لا تتجزأ وكل ما يطرأ عليها من أنواع التجزئة لا تقره الأمة ولا تعترف به.
المادة الثانية: توجه الجهود في كل قطر من الأقطار العربية إلى وجهة واحدة هي استقلالها التام كاملة موحدة ومقاومة كل فكرة ترمي إلى الاقتصار على العمل للسياسات المحلية والإقليمية.
المادة الثالثة: لما كان الاستعمار بجميع أشكاله وصيغه يتنافى كل التنافي مع كرامة الأمة العربية وغايتها العظمى فإن الأمة العربية ترفضه وتقاومه بكل قواها.
ثم رأى المجتمعون، ضرورة عقد مؤتمر عام في إحدى العواصم العربية للبحث في الوسائل المؤدية إلى نشر الميثاق ورعايته والخطط التي ينبغي السير عليها لتحقيقه. وقد انتدبنا، نحن الموقعين على هذا البيان، كلجنة تنفيذية تنشر هذا الميثاق في العالم العربي وتهيئ الوسائل لعقد المؤتمر وتكون صلة المراسلة بين الأقطار العربية في الشؤون المتعلقة بهذا الأمر.
وقد بدأنا العمل مستعينين بالله عز وجل، تشد أزرنا الروح النامية الفياضة التي تجلت في ذلك الاجتماع الخطير والتي تظهر حينا بعد حين في مختلف الأقطار، متذمرة بعنف وقوة من هذا الطاغوت الاستعماري الذي أرهق العرب سيطرة وتسلطاً، ومزق مجموعهم بالقضايا المحلية المولدة، وعطل سير جهودهم الكبرى التي يرمي إليها هذا الميثاق المقدس لإنجاح هذه القضية على مقتضى هذا العهد. والله من وراء القصد.
وقد وقع البيان أعضاء اللجنة التنفيذية. عوني عبد الهادي، وخير الدين الزركلي، وصبحي الخضرا، وعجاج نويهض، وأسعد داغر، وعزة دروزة.
المصدر: "وثائق المقاومة الفلسطينية العربية ضد الاحتلال البريطاني والصهيونية (1918 – 1939)" سلسلة الوثائق العامة -1، جمع وتصنيف عبد الوهاب الكيالي، (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1968)، ص 253 – 255.