المجلس الوطني الفلسطيني
الدورة العاشرة الاستثنائية
البرنامج السياسي للثورة الفلسطينية
(مقتطفات)
القاهرة، 10 نيسان/ أبريل 1972
طوال نضاله المجيد من أجل التحرر والديمقراطية والوحدة، كان شعبنا العربي يواجه على الدوام بالمخططات والمؤامرات من جانب القوى الاستعمارية والإمبريالية وعملائها المحليين. لقد كانت هذه القوى الاستعمارية والإمبريالية ولا تزال تنظر إلى وطننا العربي كمجال خصب لممارسة النهب الاستعماري لما يملكه من ثروات طبيعية بغير حدود، كما كانت ولا تزال، تنظر إليه كمنطلق استراتيجي هام لما له من موقف فريد يتوسط القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، ولما له من سيطرة على طرق مواصلات بحرية وجوية حيوية، وعلى الأخص البحر الأبيض وقناة السويس والبحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي. كذلك كانت ولا تزال تنظر إليه كمركز ثقل لمن يسيطر عليه في السياسات الدولية.
ولأن القوى الاستعمارية والإمبريالية في هجمتها على وطننا العربي كانت تخشى على مخططاتها من النضال الوطني والقومي المتعاظم، ولأنها لم تكن واثقة من قدرة ركائزها من الرجعية المحلية على الصمود في وجه المد القومي الصاعد، فإنها مستخدمة الحركة الصهيونية العالمية، خططت لاغتصاب فلسطين لتقيم فيها كياناً عنصرياً استعمارياً يكون مخفراً أمامياً لحماية السيطرة الاستعمارية والصهيونية في وطننا العربي، ويكون عصا غليظة تشهرها الإمبريالية العالمية في وجه النضال العربي التحرري المتنامي.
ولقد نجحت القوى الاستعمارية والإمبريالية، وبالتواطؤ مع القوى العربية العميلة في أن تزرع الكيان الصهيوني الاستعماري اغتصاباً وقسراً على أرض فلسطين، وأن تقتلع الفلسطينيين من أرضهم، ولم يستسلم الشعب العربي الفلسطيني. وانطلاقاً من حقه في الدفاع عن أرضه ووجوده، ومن مسؤوليته كخط دفاع أمامي ضد الهجمة الإمبريالية – الصهيونية على وطننا العربي، ناضل نضالاً بطولياً ومستميتاً طوال ثلاثين عاماً، ومن خلال ثوراته الجماهيرية والشعبية المسلحة والتي بلغت ذروتها في ثورتي 1936-1947 وفي كل هبة من هباته الثورية، كان للقوى الرجعية والعميلة، دورها في إحباط نضاله وفي التمكين لأعدائه وأعداء الأمة العربية.
حتى كان الفاتح من كانون الثاني (يناير) 1965 حيث انطلقت طلائع شعبنا الفلسطيني لتفجر الثورة الوطنية المسلحة المعاصرة ضد الكيان الصهيوني القائم بقوة العدوان والسلاح فوق أرض فلسطين، والذي لم يتوقف أبداً عن استخدام القوة لتشريد شعبنا ولاستكمال مخططاته لاغتصاب كل أرضنا. كانت طلائع شعبنا بثورتها التي فجرتها في ذلك اليوم المجيد في مستهل عام 1965، تجسد التقاليد النضالية العريقة لشعبنا ولأمتنا العربية وترفع من جديد راية النضال التحرري ضد الإمبريالية والصهيونية، هذه الراية التي سقط دفاعاً عنها عشرات الآلاف من الشهداء في كافة أنحاء الوطن العربي.
لقد آمنت تلك الطلائع ومعها ومن خلفها شعبنا الفلسطيني وسائر الجماهير العربية وجميع أحرار العالم، بأن الكفاح المسلح هو الطريق الصحيح والحتمي والرئيسي والأساسي لتحرير فلسطين لأن تناقصنا مع العدو الصهيوني ذو طبيعة عدائية لا يمكن أن يعالج إلاّ بالعنف الثوري المسلح.
أدى انتهاج الكفاح المسلح من قبل طلائع الثورة الفلسطينية إلى استنهاض الجماهير الفلسطينية والعربية وشحنها بإرادة القتال مما أحدث في الواقع العربي تغييراً عميقاً امتاز بالإصرار على رفض الهزيمة وبالتصميم على الانتقال إلى مواقع الهجوم في قتال العدو الصهيوني، ودحر مؤامرات الإمبريالية الأميركية. فقد أصبح الأردن قاعدة للثورة المسلحة ومنطلقاً لتصعيد الكفاح المسلح وحمايته على أرض فلسطين وفتحت جبهات قتال طويلة ضد العدو فشملت قناة السويس وكل حدود فلسطين مع شرقي الأردن ولبنان وسورية. وتصاعدت المقاومة الشعبية المسلحة في الضفة الغربية وفي الأرض الفلسطينية التي احتلت قبل حزيران [يونيو] 1967 وسجل قطاع غزة مآثر بطولية في المقاومة المسلحة وصلت إلى حد إيجاد أحياء شبه محررة في مدينة غزة بالذات.
لقد راحت الثورة الفلسطينية تنتقل من نصر إلى نصر وتتطور بسرعة رغم كل المؤامرات الإمبريالية ورغم كل الصعوبات وقد استطاعت أن تخرج ظافرة من كل معارك الصدام التي واجهت بها المؤامرات الإمبريالية والقوى المضادة للثورة في الأردن ولبنان منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 1968 حتى حزيران (يونيو) 70. كما فشل العدو الصهيوني في حملات الإبادة التي وجهها ضد قواعد الثورة وتمكنت الثورة أن تحولها إلى انتصارات كما حدث في الكرامة والعرقوب.
على أن الثورة بدأت تواجه وضعاً خطراً للغاية بفعل المبادرات الأميركية وما أفرزته من مشاريع كمشروع روجرز وما صحبها من محاصرة للثورة على نطاق عربي وإشاعة لروح الاستسلام مما أتاح للقوى المضادة للثورة في الأردن فرصة لتنفيذ المخططات الأميركية – الصهيونية الهاشمية التي استهدفت إنزال ضربة قاسية بالثورة الفلسطينية تمهيداً لتصفيتها وتصفية القضية الفلسطينية.
لقد قاتلت الثورة الفلسطينية والجماهير الفلسطينية والأردنية قتالاً مجيداً في الأردن في أيلول (سبتمبر) 1970، دفاعاً عن الكفاح المسلح والقضية الفلسطينية، سيبقى أبد الدهر ملحمة خالدة من البطولة الأسطورية والصمود تحت أقصى الظروف. ولكن الحكم العميل في الأردن استطاع في تموز (يوليو) 1971 ضرب التواجد العلني للثورة الفلسطينية في الأردن وراح ينتهج سياسات تهدد بالتنازل عن الضفة الغربية والقدس رسمياً للعدو وتحمل المخاطر لتصفية الوجود الفلسطيني الموحد، وتشجع على الانقسامية داخل صفوف الشعب الفلسطيني وتجعل من الضفة الشرقية عملياً عازلاً لمصلحة الكيان الصهيوني ومنطقة نفوذ عسكري واقتصادي وسياسي له. وتحوله إلى مزرعة للنفوذ الإمبريالي الأميركي والألماني الغربية والبريطاني فضلاً عن قمع الجماهير الفلسطينية – الأردنية ونهبها وإفقارها ومصادرة حرياتها الديمقراطية وتعطيل الاقتصاد الوطني. ولم يعد خافياً أن المخططات الأميركية الآن تستهدف إعادة بناء الجيش الأردني لكي يوجه ضد سورية والعراق أيضاً.
إن هذه الظروف أتاحت للعدو الصهيوني فرصة ذهبية لمواصلة مخططاته في تكريس احتلاله وتشديد محاولة تصفية المقاومة المسلحة في قطاع غزة وتدجين الوضع في المنطقة العربية المحتلة، فقد تعرض قطاع غزة إلى أقصى عمليات القمع والتهجير كما فرض على الضفة الغربية انتخابات المجالس البلدية والمحلية بقصد خلق أوضاع مؤاتية للاحتلال إحداث شق في صفوف الشعب الفلسطيني ومحاولة إبراز زعامات بديلة لقيادات الثورة الفلسطينية. وقد سار هذا جنباً إلى جنب مع مشروع الملك حسين لإنشاء ما يسمى بالمملكة العربية المتحدة الذي استهدف أيضاً ما استهدفته المؤامرة الصهيونية.
ومن جهة أخرى صعدت الإمبريالية الأميركية هجماتها تحت مخطط واسع يستهدف أحكام الطوق على الثورة الفلسطينية وحركة التحرر العربي والإجهاز عليهما وهي تستخدم لهذا الغرض العديد من المناورات والمؤامرات تحت لافتات ما يسمى بالمبادرات الأميركية والحلول الإستسلامية والتسويات الجزئية بمساعدة نشطة من قوى انهزامية عربية لها علاقاتها القوية اقتصادياً وسياسياً بالإمبرياليين.
إن الضربة التي وجهت للثورة الفلسطينية في الأردن في أواسط عام 1971 واشتداد الهجمة الإمبريالية الأميركية والصهيونية على الثورة الفلسطينية والجماهير الفلسطينية داخل المناطق المحتلة وخارجها وزيادة تدهور الوضع العربي الرسمي باتجاه الاستسلام تجعل الثورة الفلسطينية والعربية تواجه أزمة عامة وتواجه من جهة ثانية المؤامرات تلو المؤامرات من أجل تصفية الثورة الفلسطينية وتصفية الوجود الوطني الموحد للشعب الفلسطيني ولقضيته الوطنية عبر مشروعات تآمرية مثل مشروع آلون ومشروع الدويلة الفلسطينية في الضفة والقطاع والضم والتهويد ومحاولات الاستيعاب والتذويب للشعب الفلسطيني في المجتمعات التي يعيش فيها في الشتات.
ولكن في جو الأزمة نجد شعبنا العربي الفلسطيني يتحرك بتصميم وثبات دفاعاً عن ثورته المسلحة ووجوده الوطني الموحد وعن حقه في تحرير وطنه كاملاً ولن يسمح بتصفية قضيته العادلة وثورته اللتين تشكلان مركزاً للإشعاع النضالي والثوري في منطقة يريد الإمبرياليون والصهاينة أن يفرضوا عليها سيطرتهم الكاملة.
ونجد قواعد الثورة ومقاتليها ومنظماتها الجماهيرية تدفع بقوة وبحسم تجاه الوحدة الوطنية وتصعيد الكفاح المسلح شد العدو الصهيوني وتحرير الأردن وبناء الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية والالتحام بحركة التحرر العالمي وبالقوى التقدمية والمعادية للإمبريالية في العالم.
إن التوجه القوي نحو الوحدة الوطنية في صفوف الثورة الفلسطينية لا يشكل بحد ذاته كسراً لطوق ولكنه يوفر شرطاً ضرورياً على طريق كسر ذلك الطوق. وأن تصعيد الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني وتعبئة الجماهير وتنظيمها وتنشيط مختلف أشكال النضالات الجماهيرية المسلحة وغير المسلحة العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية يؤديان إلى استعادة زمام المبادرة والانتقال إلى مواقف الهجوم في كسر طوق الأزمة.
إن الساحة الأردنية تتميز عن أية ساحة عربية أخرى بالنسبة للثورة الفلسطينية وقضية تحرير فلسطين فهي تتشكل من أغلبية فلسطينية لها حقوق وطنية فيه بالإضافة إلى حقوقها العامة وتشكل هذه الأغلبية جزءاً رئيسياً من الشعب الفلسطيني، لا مجال للحديث عن كفاح مسلح ضد العدو الصهيوني بدونها فضلاً عن ارتباط نضالها بنضال شعب شرقي الأردن ارتباطاً عضوياً في التاريخ المعاصر وخصوصاً في الخمس والعشرين سنة الماضية، كما أن شرق الأردن يشكل أطول حدود مع العدو الصهيوني وأقرب حدود إلى طريق مواصلاته ومواقعه الاستراتيجية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وسكانياً، من هنا تنبع الخطورة البالغة لتآمر حكم الملك حسين في الأردن مع الإمبريالية وما ترتب عن ذلك من مجازر ضد الثورة الفلسطينية وتحريم تواجدها في الأردن ومقاومة أي نشاط موجه ضد العدو الصهيوني والإمبريالية وتحويل الأردن إلى عازل عسكري لمصلحة الكيان الصهيوني وممر لسياساته ونفوذه في كل المجالات الأمر الذي يجعل مسألة تحرير الأردن (إسقاط الحكم العميل) يلعب دوراً حاسماً في كسر طوق الأزمة ويشكل ضرورة استراتيجية في تحرير فلسطين.
إن بناء جبهة عربية مشاركة للثورة الفلسطينية يرتكز أساساً على الإيمان بأن لا نجاح لقضيتنا إلاّ في إطار الانتصار العام لنضال أمتنا الوطني والقومي التحرري سوف يسهم في حماية الثورة الفلسطينية والقضية الفلسطينية وضمان استمرارية الكفاح المسلحة وتصعيده ويساعد في الكفاح لإقامة حكم وطني ديمقراطي في الأردن فضلاً عن إسهامه العام في كسر طوق الأزمة.
إن توثيق علاقات التضامن والنضال المشترك بين الثورة الفلسطينية والنضال العربي وبين حركة التحرر العالمية والقوى التقدمية والمعادية للإمبريالية في العالم الذي يرتكز أساساً على الإيمان بأن الثورة الفلسطينية والنضال العربي جزء من النضال التحرري العالمي سوف يسهم في دعم نضالنا الثوري تصعيده كما يسهم إيجابياً في نضال الشعوب المشترك ضد الإمبريالية والصهيونية والعنصرية والرجعية.
وأمام هذه الأوضاع الجديدة والخطرة وأمام المسؤوليات الملقاة على عاتق الثورة الفلسطينية فإن منظمة التحرير قد التقت بجميع فصائلها وقواها على إعلان برنامجها السياسي المرحلي الذي يرتكز على أربعة محاور استراتيجية رئيسية:
1- مواصلة تعبئة وتنظيم كل طاقات شعبنا داخل الوطن وخارجه في حرب شعبية طويلة المدى من أجل التحرير الشامل وإقامة المجتمع والدولة الديمقراطيين ضمن إطار مطامح الأمة العربية في التحرر القومي والحدة الشاملة.
2- لحم نضال شعبنا بنضال الشعب الأردني الشقيق في جبهة تحرير أردنية – فلسطينية تقوم إلى جانب مهامها على الساحة الفلسطينية بالنضال لتحرير الأردن من النظام الملكي العميل الذي يشكل قناعاً للسيطرة الصهيونية الفعلية على الضفة الشرقية وحارساً مأجوراً شرساً لنفس الاحتلال الصهيوني على فلسطين.
3- ربط النضال الفلسطيني والأردني – الفلسطيني بالنضال العربي العام من خلال جبهة لكل القوى الوطنية والتقدمية المعادية للإمبريالية والصهيونية والاستعمار الجديد.
4- التلاحم مع حركة النضال العالمية ضد الإمبريالية والصهيونية من أجل التحرر الوطني.
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1972". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1975، ص 217-219.