في سنة 1948، أُجبر ثلاثة أرباع مليون فلسطيني على الرحيل عن أرض وطنهم، بعد طرد غالبيتهم الساحقة من المدن والبلدات والقرى التي احتلها المستوطنون اليهود إما بالترهيب وإما بقوة السلاح. وتفيد بعض التقديرات بأن نحو 280 ألفاً من هؤلاء الفلسطينيين نزحوا إلى الضفة الغربية لـنهر الأردن ، و70 ألفاً إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن، و190 ألفاً إلى قطاع غزة ، و100 ألف إلى لبنان ، و75 ألفاً إلى سوريا ، و7 آلاف إلى مصر ، و4 آلاف إلى العراق ، وتوزع الباقون على بلدان عربية أخرى، وكانت وجهة نزوح الفلسطينيين هي الأقرب إلى موقعهم، فعلى سبيل المثال كان معظم الذين نزحوا إلى لبنان من قضاءي عكا وحيفا ، ومعظم الذين نزحوا إلى سوريا من أقضية صفد وطبريا وبيسان ، بينما نزح معظم سكان مدينتَي اللد والرملة إلى الضفة الغربية لنهر الأردن، ونزح معظم سكان مدن الجنوب، مثل أشدود والمجدل وبئر السبع ، إلى قطاع غزة ومدينة الخليل .
وتمت عملية ترحيل هذا العدد الكبير من الفلسطينيين على مراحل أربع، وفق مخطط صهيوني- إسرائيلي انبثق من اعتبارات جغرافية وديمغرافية:
انطلقت المرحلة الأولى بعد صدور
وبدأ ترويع سكان حيفا العرب البالغ عددهم نحو 75 ألف فلسطيني، منذ كانون الأول/ ديسمبر 1947، الأمر الذي تسبب برحيل مبكر لما بين 15 و20 ألفاً من نخب المدينة، ولجوئهم إلى لبنان ومصر. وتواصلت خلال شهر شباط/ فبراير 1948 عمليات الهجوم على القرى الواقعة في منطقة حيفا وطرد سكانها، ففي منتصف شباط 1948 هوجمت قرية قيسارية
، وتبعتها قرى برّة قيسارية
وخربة البرج
ودالية الروحاء
، وهاجم عناصر من
وانطلقت المرحلة الثانية من مراحل الترحيل القسري للفلسطينيين، مع تبنى القيادة الصهيونية، في 10 آذار/ مارس 1948 خطةَ التطهير التي عُرفت باسم "
بعد "عملية نحشون"، ومع استمرار عملياتها في القرى، وجّهت الهاغانا اهتمامها في نيسان/ أبريل وأيار/ مايو إلى المراكز الحضرية الفلسطينية، فكان هدفها الأول طبريا، التي كان يسكنها نحو 5 آلاف عربي فروا منها بعد سقوطها في 18 نيسان، وفي 21 منه بدأ الهجوم على حيفا، وأسفر عن هروب معظم من بقي من سكانها الفلسطينيين الـ55 ألفاً من طريق البحر إلى لبنان. ثم تواصل الهجوم على صفد من منتصف نيسان حتى بداية أيار، فتم طرد سكانها العرب جميعاً، وكانوا 9 آلاف وخمسمئة نسمة. أما مدينة القدس، فقد بدأ الهجوم عليها في 26 نيسان، بعد أن كان غادرها عدد من سكانها الأثرياء قبل أسابيع، ونجح المهاجمون في احتلال ثمانية أحياء في منطقة القدس الكبرى، وتسع وثلاثين قرية فلسطينية وطرد سكانها إلى الجزء الشرقي من المدينة. ثم احتُلت بيسان والقرى الواقعة في جوارها في 12 أيار، فعكا على الساحل في 16 أيار.
وكان نحو 5 آلاف مقاتل من الهاغانا والإرغون هاجموا منتصف نيسان مدينة يافا وفرضوا عليها حصاراً محكماً فصمدت أكثر من ثلاثة أسابيع، لتسقط في أيدي القوات المهاجمة في 13 أيار/ مايو ويتم طرد جميع سكانها الـ50 ألفاً، بعد "وساطة" بريطانية، كما احتلت القوات الصهيونية خلال نيسان العديد من القرى العربية في جوار يافا وتل أبيب وطردت سكانها.
المرحلة الثالثة من عملية إخلاء فلسطين عرقياً كانت في 15 أيار/ مايو 1948، بعد إعلان دولة إسرائيل ودخول الجيوش العربية فلسطين واندلاع الحرب العربية- الإسرائيلية، فقبل ذلك التاريخ، لم يكن تبقّى من القرى الفلسطينية الأربع والستين في المنطقة الممتدة بين تل أبيب وحيفا بعد عمليات التطهير العرقي في شهرَي أيار/ مايو وتموز/ يوليو، سوى قريتين فقط هما الفراديس وجسر الزرقاء .
واستمرت المجازر، فارتكبت القوات الإسرائيلية في 22 أيار/ مايو مجزرة في قرية الطنطورة ، وهي واحدة من كبريات القرى الساحلية وكان يسكنها نحو ألف وخمسمئة نسمة، وذهب ضحيتها وفق بعض التقديرات 230 شخصاً، كما احتلت هذه القوات خلال حزيران/ يونيو القرى الواقعة في الجليل الأسفل والشرقي وطردت سكانها.
وقبل بدء سريان الهدنة الثانية في 18 تموز/ يوليو، نجحت القوات اليهودية في احتلال مدينتي اللد والرملة، ففي العاشر منه بدأ الهجوم على مدينة اللد بقصف جوي، تبعه هجوم مباشر على وسط المدينة التي كان يسكنها نحو 50 ألف نسمة، استمر حتى 14 منه، وتخلله قيام القوات اليهودية المهاجمة بإبادة 426 رجلاً وامرأة وطفلاً من سكانها، الذين كان معظمهم محتمياً بجامع المدينة. أما الهجوم على بلدة الرملة، التي كان يسكنها 17 ألف نسمة، فقد حدث في 12 تموز، ودخلتها القوات اليهودية في 14 منه، وأُرغم سكانها، إضافة إلى سكان بلدة الرملة، على الرحيل مشياً وبلا طعام ولا شراب إلى الضفة الغربية لنهر الأردن، وهلك كثيرون منهم في الطريق بسبب الجوع والعطش.
وبدأ الهجوم على مدينة الناصرة في 9 تموز/ يوليو، يوم انتهاء الهدنة الأولى، واستسلمت المدينة في 16 منه ولكن لم يرحَّل سوى عدد من سكانها، إذ لم يرغب ديفيد بن غوريون في إخلاء المدينة من كل سكانها، لأنه كان يعرف أن عيون العالم المسيحي مركّزة عليها، فبقي فيها 16 ألف نسمة، منهم 10 آلاف مسيحيون.
وأُنجزت المرحلة الرابعة من عملية التطهير العرقي بين تشرين الأول/ أكتوبر 1948 ومطلع سنة 1949، ففي 21 تشرين الأول احتلت القوات الإسرائيلية بلدة بئر السبع الصغيرة، البالغ عدد سكانها 5 آلاف نسمة، وطردت سكانها تحت تهديد السلاح إلى الخليل، كما ارتكبت في 29 تشرين الأول مجزرة ذهب ضحيتها 455 شخصاً في قرية الدوايمة
الواقعة بين بئر السبع والخليل، لدفع سكانها إلى الرحيل. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، نجحت القوات الإسرائيلية في احتلال المدينتين الجنوبيتين أشدود والمجدل، وطردت سكانهما إلى قطاع غزة، كما وصلت في الشهر نفسه إلى منطقة
مع نهاية الحرب، كان أكثر من 400 قرية قد هُدم وأُفرغ من سكانه، وأكثر من 13,000 فلسطيني قد قُتل. وأضحت دولة إسرائيل الناشئة تسيطر على حوالي 77 بالمئة من مساحة فلسطين الانتدابية ، التي هُجِّرمنها ما يقارب 90 بالمئة من سكانها العرب الأصليين. بعد هذا الاقتلاع الهائل وتقطيع أوصال فلسطين واستئصال الطابع العربي عن الجزء الأكبر منه، لا عجب أن يشير الفلسطينيون إلى أحداث 1947-1948 بـالنكبة .
أبو ستة، سلمان حسين (إعداد). "سجل النكبة 1948: سجل القرى والمدن التي احتلت وطرد أهلها اثناء الغزو الإسرائيلي 1948". لندن: مركز العودة الفلسطيني، 1998.
بابه، إيلان. "التطهير العرقي في فلسطين". ترجمة أحمد خليفة. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2007.
الخالدي، وليد (تحرير). "كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2001.
مصالحة، نور الدين. "طرد الفلسطينيين: مفهوم "الترانسفير" في الفكر والتخطيط الصهيونيين 1882-1948". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1992.
محتوى ذو صلة
استعمار اقتصادي - اجتماعي
الديموغرافيا والقضية الفلسطينية (I)
منذ خمسينات القرن التاسع عشر حتى عام 1948
عمل شعبي قانوني
اللاجئون الفلسطينيون في الضفة الغربية
تصميم على التأثير بلا هوادة في جدول الأعمال الوطني