إضاءة على –

الحدود بين فلسطين ولبنان

إضاءة على –
الحدود بين فلسطين ولبنان
خط مرسوم بجرة أقلام أجنبية

عرض جدول الأحداث

تطور الحدود اللبنانية

18 شباط 2024
Source: 
Getty Images
Author(s): 
Amir Levy

مرت مشكلة الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة بعدة مراحل تاريخية منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، فتغيرت خطوط الحدود بشكلٍ كبير، وتقلّصت مساحات طرف على حساب طرفٍ آخر، وخصوصاً في عهد الانتداب، إذ لم يكن للطرفين أي رأيٍ في الأمر، وما كانت هذه التغيرات الحدودية لتتم لولا الانحياز الانتدابي ثم الدولي لمصلحة إسرائيل.

التقسيمات الإدارية العثمانية عشية الحرب العالمية الأولى

بعد انتصار العثمانيين على المماليك في معركة مرج دابق سنة 1516 وخلال القرون الأربعة من الحكم العثماني، تبدّلت مراتٍ عديدة التقسيمات الإدارية للمنطقة الجغرافية التي تضم حالياً لبنان وفلسطين، وكان آخرها في نهاية القرن التاسع عشر عندما أُنشئت ولاية بيروت العثمانية سنة 1888 وضمت المنطقة الساحلية التي تمتد من اللاذقية حتى شمال يافا ، واحتوت، بالإضافة إلى مدينة بيروت وسنجقي اللاذقية وطرابلس الشام، سناجق بيروت وعكا ونابلس . وكان سنجق بيروت يضم أقضية صيدا وصور ومرجعيون . أمّا سنجق عكا، فكان مشكلاً من أقضية عكا والناصرة وطبريا وصفد .

وكان الخط الذي يفصل بين سنجق عكا شمالاً وسنجق بيروت جنوباً يبدأ من الغرب إلى الشرق، من رأس الناقورة  حتى نقطة ثلاثية تقع على الطرف الغربي لـبحيرة الحولة ، وهي تمثل نقطة التقاء الحدود بين السنجقين المذكورين وسنجق حوران في ولاية سوريا . وعملياً، كان قضاء عكا يقابل قضاء صور، وقضاء صفد يقابل قضاء مرجعيون. وقد بقيت هذه التقسيمات الإدارية العثمانية قائمة فيما يتعلق بولاية بيروت، إلى أن دخلت الإمبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى ، فألغت نظام ولاية بيروت ومتصرفيّة جبل لبنان ، وألحقتها بالجيش العثماني وبقيت كذلك حتى نهاية الحرب سنة 1918.

في الفترة بين سنة 1916، لدى توقيع اتفاقية سايكس – بيكو ، وسنة 1923 لدى التوصل إلى اتفاقية بوليه – نيوكومب ، مر ما سيشكل الحدود بين فلسطين و"لبنان الكبير " بمراحل يكتنفها الطابع المعقد والضبابية، وذلك بسبب التنافس على النفوذ بين فرنسا وبريطانيا من جهة، وأطماع الحركات الصهيونية من جهةٍ أُخرى، وكذلك أيضاً بسبب عدم القدرة على الوصول إلى بعض الاتفاقيات الفرنسية – البريطانية غير المنشورة.

اتفاقية سايكس – بيكو

كانت سايكس – بيكو في البداية اتفاقاً سرياً تم توقيعه في أيار/ مايو 1916، بين بريطانيا وفرنسا بموافقة روسيا ، من أجل التحضير لتقاسم النفوذ في المنطقة العربية التي كانت تُعرف باسم الهلال الخصيب بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية. ويمكن اختصار مضمون هذه الاتفاقية بأن كيليكيا وسوريا الساحلية والساحل اللبناني تقع مباشرة تحت نفوذ فرنسا، وقد لونَت على خريطة تقاسم النفوذ باللون الأزرق، وتقع منطقة بغداد والبصرة تحت نفوذ بريطانيا ولونَت باللون الأحمر، بينما وُضعت فلسطين تحت إشراف دولي ولوّنت باللون البني، لكن من دون عكا وحيفا اللتين وضعتا تحت النفوذ البريطاني المباشر. وأُعطيت فرنسا الأولوية في الاستثمارات المحتملة في منطقة سميت على الخريطة الرمز (A)  وتضم الموصل وسوريا الحالية، وأُعطيت بريطانيا الأولوية في استثمارات المنطقة (B) التي تضم شمال العراق والمملكة الأردنية الهاشمية الحالية. ومن الملاحظ أن الحدود الفاصلة بين المناطق رسمت بخط غليظ على خريطة مقياسها صغير جداً (يبلغ 1:2,000,000)، الأمر الذي لا يسمح بتتبع الموقع الدقيق لهذه الحدود والذي أثار نقاشات وإعادة تفاوض بين بريطانيا وفرنسا في مراحل لاحقة.

رسمت سايكس – بيكو الحدود بين ما سيصبح، إلى حد كبير، لبنان وفلسطين، وذلك من خلال خط يتجه من الغرب إلى الشرق، مع انحناء طفيف نحو الشمال، بدءاً بقرية الزيب جنوبي رأس الناقورة إلى نقطة واقعة جنوبي عين إبل ، ثم ينحني بدرجة كبيرة باتجاه جنوبي-شرقي حتى الطرف الغربي لـبحيرة طبريا وتحديداً عند نقطة انطلاق نهر الأردن من البحيرة المذكورة. ووفقاً لذلك أصبح وادي الحولة والجزء الأكبر من بحيرة طبريا ضمن حدود المنطقة الملونة بالأزرق المنوي إخضاعها للنفوذ الفرنسي المباشر.

لم ترّسم سايكس – بيكو إذن الحدود الجديدة وفق التقسيمات الإدارية العثمانية إلاّ جزئياً. فالظاهر أنها تابعت ما يقارب خط حدود قضاء صور العثماني من رأس الناقورة - الزيب وصولاً إلى جنوب عين إبل، ثم تجاهلت الحدود الفاصلة بين قضاء مرج عيون وقضاء صفد، فدفعت الخط  جنوباً من غرب بحيرة الحولة حتى الطرف الجنوبي لبحيرة طبريا، على حساب الجزء الأكبر من قضاء صفد وجزء من قضاء طبريا (التابعين لسنجق عكا)، اللذين لُوّنا باللون الأزرق.

خريطة اتفاقية سايكس بيكو، 8 أيار 1916، حجم الخريطة: 72 × 75، سم المقياس: 1/2,000,000.

التقاسم العسكري البريطاني-الفرنسي

في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 1918، بعد اكتمال احتلال المناطق العربية التابعة للإمبراطورية العثمانية من جانب القوات البريطانية، وبسبب مساهمة فرنسية هامشية في المجهود الحربي في تلك المناطق، فرض الجنرال إدموند أللنبي  على الجانب الفرنسي ما سماه "مبادئ توجيهية" بشأن إدارة أراضي العدو المحتلة (OETA)، قسم فيها هذه الأراضي إلى ثلاث مناطق: منطقة جنوبية OETA-South (فلسطين)؛ منطقة شمالية (سميت منطقة غربية في الشهر اللاحق)؛ منطقة شرقية OETA-East (المنطقة البريطانية "الهاشمية"). وفيما يتعلق بالمنطقة الغربية OETA-West، حددها أللنبي بما يوازي المنطقة الخاضعة للنفوذ الفرنسي المباشر المشار إليها باللون الأزرق في سايكس – بيكو، واستثنى منها أجزاء قضائي صفد وطبريا الملونة باللون الأزرق (كما استثنى منها أقضية بعلبك وحاصبيّا وراشيّا )، أي أن أللنبي أرجع إلى فلسطين سنجق عكا بالكامل. وعلى الرغم من الادعاء البريطاني في ذلك الحين بأن هذا التقسيم هو مجرد تقسيم عسكري، فإن أثره السياسي، جزئياً على الأقل، سيتبين لاحقاً.

في خريف سنة 1919، انسحبت القوات البريطانية بالكامل من سوريا باتجاه OETA-South. وكانت فرنسا قد دعّمت في ذلك الحين حضورها العسكري في OETA-West، وكان باستطاعة قواتها التقدم إلى الخط من رأس الناقورة حتى سهل الحولة، بتوافق بين الجنرال أللنبي والمفوض السامي الفرنسي الجنرال هنري غورو ، من دون أن يعني ذلك بالضرورة انتشاراً شاملاً للطرفين على طول الخط. وفي تلك الفترة، كانت المفاوضات الدبلوماسية تتقدم بشأن منح فرنسا الانتداب على سوريا، بما فيها لبنان، ومنح بريطانيا الانتداب على فلسطين، بما فيه شرق الأردن ، وتضمين وعد بلفور في الانتداب على فلسطين، وهذا ما تم في مؤتمر سان ريمو في نيسان/ أبريل 1920. أمّا المفاوضات بشأن خط الحدود اللبنانية – الفلسطينية بكامله، فكانت تتعثر جراء المطالب الصهيونية المدعومة من الجانب البريطاني، بعضها متعلق بالسيطرة على كامل المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني ومنابع نهر الأردن، وبعضها ناجم عن وجوب أن تتسع فلسطين، موقع الوطن القومي اليهودي الموعود، لجميع المستعمرات اليهودية القائمة شمالاً حينذاك، مثل المطلّة . وعلى الرغم من رفض الفرنسيين لما هو أقل مما منحتها لها اتفاقية سايكس – بيكو، فإنه يبدو أنهم سلموا في حزيران/ يونيو 1920 بأن تظل المستعمرات اليهودية القائمة، شرقاً، شمال خط رأس الناقورة - الحولة ضمن فلسطين.

حدود لبنان الكبير

مرتكزة على ما أفضى إليه مؤتمر سان ريمو، استكملت فرنسا سيطرتها العسكرية على سوريا في معركة ميسلون في تموز/ يوليو 1920، وأصبح إذ ذاك بمقدور غورو أن يصدر في 31 آب/ أغسطس قراراً منشئاً لدولة لبنان الكبير، وهو القرار رقم 318. نص القرار في المادة 1 – ثالثاً (أ) بشأن جنوب لبنان الكبير أنه يشتمل على "سنجق صيدا [بيروت بحسب التعبير العثماني الرسمي] خلا ما أُلحِق منه بفلسطين بحسب الاتفاقات الدولية..." وجاء في المادة 2 أن حدود لبنان الجنوبية ستكون "حدود فلسطين كما سوف تُعيّن في الاتفاقات الدولية." وهذا يعني أن القرار، بالإضافة إلى نية تكريسه الأوضاع التي أصبحت قائمة على الأرض، حمل دلالتين هامتين. فمن جهة، سلم القرار بأن لبنان الكبير لا يشمل في منطقته الجنوبية أراضٍ كان من المفروض أن تكون داخل النفوذ الفرنسي المباشر وفق اتفاقية سايكس – بيكو. ومن جهة أًخرى، كون القرار أشار إلى الاتفاقات الدولية، مرة بصيغة الماضي ومرة بصيغة المستقبل، فإنه سلّم بغياب مرجعيات ثابتة ووضع جزءاً من الحدود اللبنانية - الفلسطينية قيد المساومة المستقبلية بين فرنسا من جهة، وبريطانيا ومن خلفها الحركة الصهيونية من جهة أُخرى.

نحو اتفاقية بوليه – نيوكومب

تكثفت المفاوضات الفرنسية -البريطانية بشأن الحدود بعد أيلول/ سبتمبر 1920، وتتوجت في 23 كانون الأول/ ديسمبر باتفاق حدد حدود الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا من جهة، والانتداب البريطاني على فلسطين وشرق الأردن والعراق من جهة أُخرى. وبما أن المفاوضات تمت في لندن وباريس ، اكتفى الاتفاق بذكر المواقع والبلدات والمسالك التي ستشكل الحدود، من دون إرفاق أي خريطة، ونص في مادته الثانية على تأليف لجنة بمهلة ثلاثة أشهر مهمتها ترسيم الحدود على الأرض. باشرَت اللجنة عملها في 1 حزيران/ يونيو 1921 برئاسة المقدم ستيوارت فرنسيس نيوكومب عن بريطانيا، والمقدم ن.(موريس) بوليه عن فرنسا، وفي 3 شباط/ فبراير 1922 وقع الضابطان التقرير الختامي لتثبيت الحدود بين لبنان الكبير وسوريا من جهة وفلسطين من جهة أُخرى. وفي7 آذار/ مارس 1923 أُبرِمت اتفاقية بوليه – نيوكومب ، تحت اسم "الاتفاق بين حكومة صاحب الجلالة والحكومة الفرنسية المتعلق بخط الحدود بين سوريا وفلسطين من البحر المتوسط إلى الحمّة "، وسُجلت في عصبة الأمم  في 6 شباط 1924.

تضمن الترسيم وضع 71 نقطة حدودية جغرافية تنطلق من جهة البحر المتوسط حتى بلدة الحمّة على الحدود السورية – الأردنية - الفلسطينية. وجرى تركيز 38 نقطة فصل بين لبنان وفلسطين من أصل مجمل النقاط  بحيث أصبحَت حدود لبنان مع فلسطين تمتد من صخرة رأس الناقورة غرباً، وتنتهي على الجسر الروماني القديم على نهر الوزّاني . وعلى الرغم من أن فرنسا نجحت في أن يحافظ لبنان الكبير على خط يمتد من رأس الناقورة غرباً إلى جنوب عيترون شرقاً، فإنها وافقت على أن تسلخ منه المساحات التي كانت ضمن النفوذ الفرنسي المباشر في اتفاقية سايكس – بيكو، وهي أجزاء من أقضية طبريا وصفد ومرج عيون العثمانية على التوالي. وقد تمثلت هذه الأجزاء في اتفاقية بوليه – نيوكومب في نتوء سمي "إصبع الجليل " (تُقدر مساحة الأراضي المقتطعة من قضاء مرج عيون العثماني بحوالى 74 كيلومتراً مربعاً) شمل بحيرتي طبريا والحولة وسهل الحولة وقسماً من الروافد المائية اللبنانية والسورية للبحيرتين حتى منبع نهر الوزّاني.

قضية "القرى السبع" واتفاقية حسن الجوار

في 9 آذار/ مارس 1921، بعد بضعة أسابيع من الاتفاق الأولي بشأن الحدود، ومعتمداً على الأرجح على هذا الاتفاق، أصدر المفوض السامي الفرنسي القرار الرقم 763 القاضي بإحصاء منطقة لبنان الكبير، ثم أصدر بعدها بتاريخ 10 آذار 1922 القرار الرقم 1307 الذي اعتبر لبنانياً كل من كان قد قُيد بهذه الصفة في سجلات الإحصاء. غير أنه مع إتمام الترسيم، وجد سكان سبع قرى تم إحصاؤهم وقيدهم في السجلات اللبنانية أنهم في الجانب الفلسطيني من الحدود. إحدى هذه القرى كانت طيربيخا أو تربيخا وكانت تابعة لقضاء صور في العهد العثماني، في حين أن القرى الست الأُخرى كانت واقعة في قضاء مرج عيون العثماني، وهي: آبل القمح ، هونين ، النبي يوشع ، قَدَس ، مالكيّة الجبل ، صلحة .

يعود هذا الوضع إلى أن المعاينة الطوبوغرافية التي أجراها المفاوضون والفنيون من الطرفين لم يكن أساسه ما نص عليه اتفاق كانون الأول/ ديسمبر 1920 فحسب، بل كان أيضاً حصيلة الضغوط المتبادلة والتدخل الصهيوني في المراحل كافة. فمن وجهة النظر الفعلية، عدّل الترسيم النهائي بعض ما كان قد جاء في اتفاق سنة 1920، وفيما يتعلق بالحدود بين لبنان وفلسطين، اقتطع من الأول مزيداً من الأراضي لضمها إلى إصبع الجليل. كما أن الترسيم النهائي، بالإضافة إلى نتائجه على سكان القرى السبع، أدى إلى أن أراضٍ زراعية تابعة لهذه القرية أو تلك أصبحت في الجانب الآخر من الحدود.

وعلى الرغم من إقرار اتفاقية بوليه – نيوكومب فقد استمر البريطانيون في المماطلة بالتنفيذ تحت ضغط الحركات الصهيونية، وانتهى الأمر إلى اتفاق آخر لتعديل حدود بوليه – نيوكومب سميَ "اتفاق حسن الجوار "، الذي وقعته رسمياً سلطتا الانتداب في القدس في 2 شباط/ فبراير 1926، وقد ثبّت هذا الاتفاق اقتطاع الأراضي اللبنانية في منطقة سهل الحولة وإصبع الجليل والقرى السبع وضمها إلى فلسطين، وأقر إجراءات عملية لاستيعاب نقمة السكان الذين فصلتهم الحدود الجديدة الجائرة عن أرزاقهم، ومراعي مواشيهم ومصادر مياههم وحتى أوقافهم. وقد أقرت عصبة الامم اتفاقية بوليه - نيوكومب سنة 1934 وأصبحت الحدود تحمل صفة الحدود المعترف بها دولياً.

وفي محصلة إجمالية تكون اتفاقية بوليه – نيوكومب وتعديلاتها اللاحقة قد قلّصت مساحة لبنان وفق تقديرات العديد من الباحثين والمؤرخين، من 12 ألف كيلومتر مربع (كما يمكن استنباطها من خريطة سايكس – بيكو) إلى مساحته الحالية البالغة 10.452 كيلومتر مربع. أمّا سكان القرى السبع، فقد هُجروا إلى لبنان ودمرت قراهم في عام النكبة مثل عشرات الآلاف من الفلسطينيين. وفي سنة 1994، أعاد مرسوم وقعه الرئيس إلياس الهراوي الجنسية اللبنانية لأبناء قرى السبع.

اتفاقية الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية سنة 1949

بعد حرب عام 1948 ، وقعَ لبنان وإسرائيل اتفاقية هدنة في 23 آذار/ مارس 1949، و قد حرص الجانب اللبناني على تثبيت خط الهدنة على خط الحدود الدولية، فنصّت الاتفاقية في البند الأول من المادة الخامسة، على ما يلي: "يَتبَع خط الهدنة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين"، أي يتبَع خط الحدود المرسم والمثبّت في اتفاقية بوليه – نيوكومب. وقد اُرفقت اتفاقية الهدنة بخريطة ولائحة إحداثيات تضم 143 نقطة حدودية تضمنت نقاط بوليه – نيوكومب مع نقاط أُخرى لزيادة دقة ترسيم خط الحدود.

لم يتطابق خط الهدنة لسنة 1949 مع خط حدود سنة 1923، فقد اقتطع أراضٍ من قرى وبلدات جنوب لبنان المحاذية للحدود. ويبرّر بعض الخبراء هذه الخسارة بأنها تعود إلى اعتماد خرائط فرنسية (التي تعتمد على تقنية التظليل بالنسبة إلى التضاريس) من جانب لبنان، وبريطانية (التي تعتمد على الخطوط الطوبوغرافية) من جانب إسرائيل، بالإضافة إلى الأمر الواقع الميداني، وعدم دقة خط بوليه – نيوكومب وغيرها من التبريرات، لكن في المحصلة بلغت خسارة لبنان في ترسيم خط الهدنة نحو 16 كيلومتراً مربعاً. ومع ذلك، يعتبر لبنان رسمياً أن خط الهدنة هو حدوده الجنوبية مع فلسطين المحتلة.

الخط الأزرق

بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني في 25 أيار/ مايو 2000، وضعت الأمم المتحدة خطاً حدودياً للتحقق من الانسحاب الإسرائيلي من لبنان سمي "الخط الأزرق " بسبب رسمه على الخرائط بهذا اللون. وقد اعترفت الدولة اللبنانية بهذا الخط كخط انسحاب الجيش الإسرائيلي وليس كخط حدود دولية، ووضع لبنان تحفظاته على هذا الخطَ نسبةً إلى معيار خط الهدنة الذي وضع سنة 1949. تتعلق هذه التحفظات بمساحات يعتبرها لبنان محتلة، وهي تعود إلى قرى وبلدات جنوبية لبنانية محاذية للحدود مع فلسطين المحتلة. وتتدرج هذه المساحات من الغرب نحو الشرق في المناطق التالية:

رأس الناقورة

علما الشعب (ثلاث تحفظات)

البستان

مروحين

رميش

يارون – مارون الراس

بليدا

ميس الجبل

عديسة

عديسة – كفر كلا

المطلّة – الوزّاني

يبلغ عدد هذه التحفظات ثلاثة عشر تحفظاً مساحتها الإجمالية نحو 500 ألف متراً مربعاً، من دون إضافة مساحة الأراضي التي تحتلها في مزارع شبعا وقرية الماري اللبنانية على الحدود اللبنانية مع قرية الغجر في  الجولان السوري المحتل.

الخاتمة

إذا كانت اتفاقية سايكس – بيكو هي المعيار الذي عيّن لمنطقة الشرق الأدنى خطوط الحدود بين بلدانها منذ أكثر من قرن، فيمكن اعتبار اتفاقية بوليه – نيوكومب اللاحقة مجحفة جداً بحق لبنان، الذي تراكمت خسائره من مساحات الأراضي في حدوده مع فلسطين المحتلة ليستفيد منها الكيان الإسرائيلي، ضمن سياق مستمر منذ اتفاقية سايكس - بيكو وصولاً إلى الخط الأزرق، وفي كل مرة كانت الأمم الخارجية أو الكيانات الدخيلة سبباً في ذلك، وهو ما أنتج وينتج أسباباً تاريخية وجيوسياسية دائمة للصراع في هذه المنطقة.

قراءات مختارة: 

اسماعيل، عادل. "مأساة جنوب لبنان: في تردد المواقف العربية وفي متاهات السياسة الدولية". بيروت: دار النشر للسياسة والتاريخ، 2009.

حطيط، أمين محمد. "صراع على أرض لبنان: بين الحدود الدولية والخط الأزرق (وقائع وأسرار)". بيروت: دار الأمير، 2004.

خليفة، عصام. "لبنان المياه والحدود، 1916-1975"، الجزء الأول، إصدار خاص، بيروت، 2012.

شيا، رياض. "اتفاقية الهُدْنة اللبنانية – الإسرائيلية للعام 1949 في ضوء القانون الدولي". بيروت: دار النهار للنشر، 2003.

ضاهر، مسعود. "تاريخ لبنان الاجتماعي، 1914- 1916". بيروت: دار الفارابي، 2015.

"قرار المفوض السامي رقم 318 تاريخ 31/08/1920 بشأن تعيين حدود لبنان الكبير".

http://www.legiliban.ul.edu.lb/Law.aspx?lawId=186332

المجذوب، طارق. "نحو قراءة جديدة لرحلة البحث عن الحدود الجنوبية للبنان". "الدفاع الوطني اللبناني"، العدد 78، تشرين الأول 2012.

المجذوب، محمد. "دراسات قومية ودولية". بيروت: مؤسسة ناصر للثقافة، 1981.

 

Agreement between His Majesty's Government and the French Government respecting the Boundary Line between Syria and Palestine from the Mediterranean to El Hamme (With Three Maps). London: His Majesty's Stationery Office, 1923.

Agreement between Palestine and Syria and the Lebanon to Facilitate Good Neighbourly Relations in Connection with Frontier Questions Signed at Jerusalem, February 2, 1926. London: His Majesty's Stationery Office, 1927.

Biger, Gideon. The Boundaries of Modern Palestine, 1840–1947. London: Routledge Curzon, 2004.

Eshel, David. “The Israel-Lebanon Border Enigma.” In IBRU Boundary and Security Bulletin 8, no.4 (Winter 2000–2001).

“Franco-British Convention on Certain Points Connected with the Mandates for Syria and the Lebanon, Palestine, and Mesopotamia, Paris, 23 December 1920.” Treaty Series XXII. Geneva: League of Nations, 1924.

Hof, Frederic C. Galilee Divided: The Israel-Lebanon Frontier,1916–1984. Boulder, CO: Westview Press, 1985.

Rabbath, Edmond. La formation historique du Liban politique et constitutionnel: Essai de synthèse. Beyrouth: Publications de l’Université Libanaise,1986.

Shaya, Riad. “Lebanon and the Tragedy of the Southern Border  Demarcation.” Al-Difa' al-Watani al-Lubnani, no. 118 (November 2021).

t