إضاءة على –

المكسيك والقضية الفلسطينية

إضاءة على –
المكسيك والقضية الفلسطينية
مسافة متساوية... لصالح إسرائيل

عرض جدول الأحداث

المكسيك والقضية الفلسطينية

2 أيار 2024
Source: 
Getty Images/ AFP
Author(s): 
Yuri Cortez

ابتداءً من أربعينيات القرن العشرين، التزمت المكسيك الحياد في موقفها من القضية الفلسطينية. ويعود هذا الاتجاه الذي التزمته المكسيك على المدى الطويل إلى ضعف تأثيرها في النظام الدولي. ومع ذلك، بدءاً من ثمانينيات القرن العشرين، تأثرت سياسة المكسيك تجاه فلسطين باعتبارات داخلية وباعتمادها الكبير على الولايات المتحدة.

سياسة المكسيك تجاه فلسطين خلال الحكم الاستبدادي (1948-2000)

وجهت أفكار الثورة المكسيكية (1910-1923) علاقات المكسيك الدولية حتى ثمانينيات القرن العشرين. فتحت رئاسة ألفارو أوبريغون (Alvaro Obregón 1920-1924)، كانت سياسات الدولة تسترشد بالفكر القومي المكسيكي ومبادئ عدم التدخل وحق الشعوب في تقرير المصير. ونصت عقيدة استرادا (1930)، التي ارتبطت باسم وزير الخارجية المكسيكي جينارو استرادا (Genaro Estrada)، على ألاّ تقوم المكسيك بالتصريح علانية باعترافها الدبلوماسي بالحكومات الأُخرى. (ستستند الإدارات المكسيكية لاحقاً إلى عقيدة استرادا بدءاً من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لعدم الاعتراف بدولة فلسطين).

النأي بالنفس

في فترة ما بين الحربين العالميتين وحتى سنة 1945، نأت المكسيك بنفسها عن القضية الفلسطينية وأحداثها المتصاعدة. في ذلك الوقت، وفي سياق التوترات الخطرة مع بريطانيا بشأن النفط، مارست الجالية اليهودية المكسيكية ضغوطاً على الحكومة اليسارية بقيادة الرئيس لازارو كارديناس (Lázaro Cárdenas 1934-1940) لدعم الحركة الصهيونية في عصبة الأمم. ومع ذلك، اختار كارديناس عدم الانحياز إلى أي طرف للحفاظ على العلاقات الودية مع الجاليات اليهودية والعربية (السورية اللبنانية) ومع بريطانيا. وفي سنة 1947، امتنعت المكسيك عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الذي دعا إلى تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأُخرى يهودية.

في سنة 1949، صوتت المكسيك لصالح انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة. وادعت حينها أن إسرائيل في حاجة إلى أن تكون عضواً في المحفل الأممي إذا كان من المتوقع منها أن تحترم قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بتدويل القدس، وترسيم الحدود كما أشار القرار الأصلي، وضمان سلامة اللاجئين العرب، من بين قضايا أُخرى. وحافظت المكسيك على هذا الموقف على الرغم من تجاهل إسرائيل قرارات الأمم المتحدة في كثير من الأحيان. وفي سنة 1952، أقامت المكسيك علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، وعيّنت، في سنة 1956 في أثناء أزمة السويس، ممثلاً دبلوماسياً لها في إسرائيل.

وخلال حرب حزيران/يونيو 1967، دعت المكسيك إلى السلام بين العرب وإسرائيل،  لكنها ظلت محايدة في تصريحاتها الرسمية. وخلال حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، زوّدت المكسيك الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، والتي تضررت من الحظر النفطي العربي، بالنفط  وهو ما خفف من أزمتها الاقتصادية الوطنية.

مبادرات حذرة تجاه منظمة التحرير الفلسطينية

بهدف تعزيز شرعية النظام السياسي الذي تلقى ضربة قاتلة بعد مذبحة الطلاب في تلاتيلولكو سنة 1968، أقامت إدارة الرئيس لويس إيشيفيريا ألفاريز (Luis Echeverría Álvarez 1970-1976) علاقات أوثق مع ما صار يُعرف بالجنوب العالمي. وفي أيلول/ سبتمبر 1975، أعلنت وزارة الخارجية أن منظمة التحرير الفلسطينية ستنشئ مكتباً إعلامياً في المكسيك، كجزء من التزام قدمه الرئيس إيشيفيريا آنذاك لياسر عرفات خلال زيارة رسمية إلى مصر. وقبل فتح المكتب، انتظرت المكسيك موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على العديد من القرارات في تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 1974 التي أُعتُرف بموجبها بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني وسُمح لها بالمشاركة في جلسات ومؤتمرات الأمم المتحدة وهيئاتها. فرضت الحكومة المكسيكية قيوداً شديدة على هيكلية هذا المكتب وأهدافه ومكانته ولم تمنحه وضعاً دبلوماسياً رسمياً، وذلك في المقام الأول نتيجة الضغوط التي مارستها الجالية اليهودية في كل من الولايات المتحدة والمكسيك؛ كما اشترطت التزاماً صريحاً بأن يمتنع المكتب عن المشاركة في "نشاطات تخريبية".

في تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، صوتت المكسيك لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الذي وصف الصهيونية بأنها شكل من أشكال العنصرية. ورداً على ذلك، حرضت الجالية اليهودية في المكسيك على مقاطعة السياحة إلى البلد، مما تسبب في استقالة وزير الخارجية إميليو راباسا (Emilio Rabasa).

 ومنذ منتصف الثمانينيات، عادت المكسيك إلى حيادها الرسمي السابق. وأدت السياسة الاقتصادية الكارثية للرئيس خوسيه لوبيز بورتيو (José López Portillo) إلى انزلاق البلد إلى أسوأ أزمة في تاريخها ما بعد الثورة، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى نهاية "طفرة" النفط والتوجه القومي الثوري في السياسة الخارجية.

الليبرالية الجديدة والأجندة الثنائية بين الولايات المتحدة والمكسيك

خلال رئاسة ميغيل دي لا مدريد (Miguel de la Madrid 1982-1988)، تغيرت أولويات المكسيك مع تعزز التوجه الأيديولوجي الليبرالي. ومع توقيع اتفاقية التجارة الحرة في سنة 1991، أصبحت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكثر أهمية للمكسيك. وبعد توقيع اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في سنة 1993، رفعت الحكومة المكسيكية مستوى تمثيل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في المكسيك إلى مصاف "بعثة فلسطين الخاصة". وطوال تسعينيات القرن العشرين، وثقت المكسيك وإسرائيل علاقاتهما في المجالات السياسية والثقافية والتجارية. ففي آذار/ مارس 2000، وقع الرئيس إرنستو زيديلو بونس دي ليون (Ernesto Zedillo Ponce de León 1994-2000) اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل، وسبق التوقيع زيارة وزير الخارجية روزاريو غرين (Rosario Green) إلى إسرائيل ومصر والأردن ومناطق الحكم الذاتي الفلسطيني. (ومع ذلك، لم يلتقِ غرين بياسر عرفات). وفي الوقت نفسه، واصلت المكسيك التعبير رسمياً عن الأسف إزاء توسع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية ورأت فيه "عقبة رئيسية أمام عملية السلام."

سياسة المكسيك تجاه إسرائيل وفلسطين (2000-2019)

وضع انتصار حزب العمل الوطني اليميني (PAN) في سنة 2000 نهاية لواحد وسبعين عاماً من النظام الحزبي المهيمن في ظل الحزب الثوري المؤسساتي (PRI). وتحت إدارة فيسينتي فوكس (2000-2006)، تم إنشاء مكتب تمثيلي مكسيكي لدى السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله سنة 2005.

مع الرئيس فيليبي كالديرون هينوخوسا (Felipe Calderón Hinojosa 2006-2012)، انتُخبت المكسيك عضواً غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للفترة 2009-2010. ومن موقعها هذا، نددت الحكومة المكسيكية بالاستخدام غير المتناسب للقوة من جانب إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين في أثناء حرب غزة (2008-2009)، وفي الوقت نفسه وصفت تصرفات إسرائيل بأنها تشكل "ردود أفعال" و"رداً" على إطلاق الصواريخ المستمر من غزة على الأراضي الإسرائيلية؛ ولم تشكك المكسيك قط في شرعية عملية عسكرية واسعة النطاق يشنها محتل ضد أرض محتلة.

وفي وقت لاحق، امتنعت المكسيك عن التصويت على القرار الذي أقر نتائج تقرير غولدستون بشأن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، على أساس أن مثل هذا التصويت قد يحد من إجراءات المتابعة استناداً إلى هذا التقرير. وفي سنة 2011، امتنعت المكسيك عن الموافقة على عضوية فلسطين في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على أساس أن مثل هذه الخطوات قد تحد من زخم مبادرات أُخرى لحل النزاع، مثال المفاوضات التي تجريها اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي). وفي نهاية ولاية كالديرون التي استمرت ست سنوات، اعترفت المكسيك أخيراً بفلسطين كدولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، لكن فقط بعد أن وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار الصادر بهذا الشأن في سنة 2012.

عاد الحزب الثوري المؤسساتي إلى السلطة بين سنتي 2013 و2018، بقيادة إنريكي بينيا نييتو (Enrique Peña Nieto)، وخلال تلك الفترة تعمقت العلاقات مع إسرائيل وتوسعت. وتبادل الجانبان الزيارات الرسمية: زار الرئيس شمعون بيرس ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المكسيك في شتاء سنة 2013 وأيلول/ سبتمبر2017 على التوالي، وزار الرئيس المكسيكي إسرائيل في خريف سنة 2016. وقد غيرت المكسيك مواقفها بشأن القضية الفلسطينية لمصلحة إسرائيل، كما يتضح من الطريقة التي تعاملت بها المكسيك مع فصلين معقدين من فصول الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي بدءاً من سنة 2016. حدث الأول في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، عندما وافق المجلس التنفيذي للمؤتمر العام لليونسكو على قرار بإبقاء البلدة القديمة في القدس وأسوارها على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر. صوتت المكسيك لصالح القرار، لكنها طلبت لاحقاً تغيير تصويتها إلى الامتناع عن التصويت. أمّا الثاني فيتعلق بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017 أن بلاده ستعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وستأمر بنقل السفارة من تل أبيب إليها. وبعد أيام، في 21 كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت أغلبية الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الاعتراف الأميركي الأحادي الجانب "باطل ولاغ". امتنعت المكسيك عن التصويت وأبقت على سفارتها في تل أبيب، وتعرضت لضغوط قوية من الجماعات الصهيونية. لكن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بعد شهرين من زيارة بنيامين نتنياهو للمكسيك، أعلن وزير الخارجية لويس فيديغاراي (Luis Videgaray)، القريب جداً من جاريد كوشنر، صهر دونالد ترمب ومستشاره، أن المكسيك "ستصوت ضد قرارات الأمم المتحدة التي تتعارض مع مصالح إسرائيل."

سياسة المكسيك في ظل حكومة يسارية (2019-2024)

 في كانون الثاني/ يناير 2019، فازت حركة التجديد الوطني (مورينا)، وهي حزب يجمع العديد من التيارات الإيديولوجية اليسارية، بالانتخابات وصار مؤسسها أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (Andrés Manuel López Obrador) رئيساً. وخلال ولايته (2019-2024) ازداد الحوار السياسي رفيع المستوى مع فلسطين بشكل كبير. وقدمت المكسيك مساهمات إضافية للأونروا من خلال الوكالة المكسيكية للتعاون الدولي والتنمية. وتمثل أحد القرارات المهمة في ظل رئاسته في رفع رتبة البعثة الدبلوماسية لفلسطين إلى "سفارة دولة فلسطين" في حزيران/ يونيو 2023. ووصفت وزارة الخارجية المكسيكية هذه الخطوة بأنها قرار "من طرف واحد". ومن غير الواضح ما إذا كان موقف المكسيك ردة فعل على ضغوط من الجالية اليهودية في المكسيك أو احتجاجاتها.

عندما شنت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، دعا الرئيس المكسيكي إلى احترام القانون الدولي. وبمرور الوقت، دفعت شدة الهجوم الإسرائيلي المكسيك، إلى جانب تشيلي وكولومبيا وبوليفيا والبرازيل، إلى إدانة الهجوم الإسرائيلي المدمر. حتى أن المكسيك انضمت إلى تشيلي في كانون الثاني/ يناير 2024 في إحالة الوضع في دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في ارتكاب جرائم محتملة ضمن ولايتها القضائية. وفي 25 نيسان/ أبريل، أعرب ممثل المكسيك لدى الأمم المتحدة عن دعمه حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.

 ويبدو أن تأثير الأيديولوجيا اليسارية بصفته عاملاً يفسر هذه الإجراءات أقل أهمية بكثير من العناصر التي تشكل السياق الذي اتخذت فيه. ففي العديد من دول أميركا اللاتينية، أعيد تصنيف المكاتب الفلسطينية جنباً إلى جنب مع عمليتين متقاربتين: الاعتراف بفلسطين كدولة ذات سيادة ومستقلة ورفع التمثيل الدبلوماسي لهذه الدول في فلسطين إلى مستوى السفارة بموجب مبدأ المعاملة بالمثل. وشهدت العلاقات مع إسرائيل بعض التوتر خلال إدارة لوبيز أوبرادور. كان أحد مصادر التوتر طلب المكسيك تسليمها توماس زيرون (Tomás Zerón)، المدير السابق لوكالة التحقيقات الجنائية التابعة لمكتب المدعي العام المكسيكي والذي تابع قضية أيوتزينابا (قضية التعذيب والاختفاء القسري لثلاثة وأربعين طالباً في 26 أيلول/ سبتمبر 2014 في بلدة إيغوالا بولاية غيريرو بالمكسيك) ثم فر إلى إسرائيل. وقد رفضت السلطات الإسرائيلية طلب التسليم في عدة مناسبات، وناشد الرئيس لوبيز أوبرادور الجالية اليهودية المكسيكية ممارسة الضغط على تل أبيب. وقد يكون تأييد المكسيك لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة مرتبطاً جزئياً بشعور الرئيس بالإحباط إزاء عدم تعاون إسرائيل.

وبعيداً عن هذه التوترات العابرة، كانت العلاقات بين المكسيك وإسرائيل قوية في مجالات متعددة. فقد استثمرت إسرائيل بشكل كبير في قطاعات التكنولوجيا الزراعية والأدوية والطاقة المتجددة والقطاعات العسكرية والاستخباراتية في المكسيك. وخفتت مؤخراً مواقف المكسيك من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، إذ صارت المكسيك تتجنب، في تصريحات التنديد والبيانات المكسيكية، الإشارة إلى إسرائيل، ولم تستدعِ سفيرها في تل أبيب.

 وباختصار، ظل مبدأ الحفاظ على "مسافة متساوية" الذي وجّه مواقف المكسيك رسمياً فيما يتصل بفلسطين سارياً في ظل حكومة حركة التجديد الوطني اليسارية (مورينا). ويمكن تفسير التمسك بالحياد بالعوامل البنيوية نفسها التي أثرت في الحكومات السابقة: العلاقة مع الولايات المتحدة والتأثير الذي يتمتع به رجال الأعمال اليهود المكسيكيون والأميركيون في سياسة المكسيك تجاه القضية الفلسطينية. ويستمر هذا التأثير ويزداد خلال الأزمات أو الحروب التي تتورط فيها إسرائيل، فضلاً عن التوترات الشديدة بين المكسيك والولايات المتحدة كخلفية لذلك.

التأثير العربي واليهودي المكسيكي في سياسة المكسيك

منذ منتصف الثمانينيات، أدى عاملان إلى تقليص استقلال المكسيك وكبحها عن اتخاذ مواقف قوية وواضحة من القضية الفلسطينية: الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة ودور كل من الجاليتين العربية واليهودية في المكسيك.

بدأ اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون في الهجرة إلى المكسيك في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، حيث عملوا في التجارة والنشاطات ذات الصلة. وفي حين تركزت هجرة اليهود في مدينة مكسيكو، أدى تشتت المهاجرين العرب في مناطق عديدة من المكسيك إلى إضعاف نفوذهم. وقبل منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، كانت جامعة الدول العربية هي التي تمارس الضغوط على الحكومة المكسيكية من خلال السفراء العرب في المكسيك أو ممثليهم لدى الأمم المتحدة. فقد كان المهاجرون العرب بطيئين في تنظيم أنفسهم لتشكيل مجموعة ضغط، وفعلوا ذلك بطريقة لامركزية، بحسب كل منطقة. وظلت قدرتهم على التأثير في صنع القرار في سياسة المكسيك الخارجية لمصلحة الشؤون العربية والفلسطينية ضئيلة. وفي حين تقدر الجالية الفلسطينية بالمكسيك بنحو 13.000 نسمة، لم تبدِ الجالية "اللبنانية" الأكبر حجماً في المكسيك والتي يبلغ تعدادها نحو 500.000 نسمة، إلاّ القليل من الاهتمام بالشؤون العربية والفلسطينية.

يبلغ عدد السكان اليهود في المكسيك نحو 65.000، وعلى الرغم من أنهم لا يتحدثون بصوت واحد، فإن أولئك الذين يؤيدون إسرائيل بقوة توحدهم الإيديولوجيا الصهيونية، وتزيد علاقاتهم العابرة للحدود الوطنية من فرصهم في أن يكونوا مؤثرين وفعالين. على سبيل المثال، غالباً ما يجتمع وفد من قادة اللجنة اليهودية الأميركية (AJC) مع الرؤساء المكسيكيين، بمشاركة ممثلين عن الجاليتين المكسيكية الأميركية واليهودية المكسيكية. (كانت اللجنة المركزية للجالية اليهودية المكسيكية شريكاً دولياً للجنة اليهودية الأميركية منذ سنة 1999). وتعتبر المكسيك اللجنة اليهودية الأميركية حليفاً في المفاوضات مع واشنطن بشأن قضايا الهجرة.

وسائل الإعلام المكسيكية والمجتمع المدني المكسيكي

إن غياب ثقل موازن فعال في مقابل النظام الرئاسي وشخصنة السياسة الخارجية يعني أن الكونغرس المكسيكي يتبع بشكل عام توجهات الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعبئة الرأي العام بشأن قضايا السياسة الخارجية شبه معدومة. وتعتمد الصحف المكسيكية بشكل كبير على التغطية التي تقوم بها وكالات الأنباء الغربية ووسائل الإعلام الدولية الكبرى المنحازة إلى إسرائيل. أمّا النقاش في ملفات السياسية الخارجية  في المكسيك، فيهيمن عليه عدد قليل من الشخصيات ـ قادة الرأي، والمثقفون العضويون الذين يظهرون فجأة كمحللين رئيسيين داخل مجموعة عرقية دينية أو طبقة اجتماعية اقتصادية. وتتحدث أغلب المنابر الصحافية وتقارير الأخبار التلفزيونية عن أفعال إسرائيل بصفتها "رداً" على الهجمات الفلسطينية؛ ويتم التخفيف من المسؤولية الإسرائيلية في السردية الإعلامية من خلال الإشارة إلى وجود "أقليات متطرفة لدى الجانبين". وتعتمد الصحافة على تبسيط الحقائق أو تحريفها: فعلى سبيل المثال، يُقال إن "القرارات السيئة" التي اتخذها الفلسطينيون قادت إلى مسار عدم الاستقرار الذي يعيشونه الآن. ويُشار إلى الجيش الإسرائيلي باسم "قوات الدفاع الإسرائيلية"؛ ويتم تقديم إسرائيل بصفتها دولة ديمقراطية تعددية وعلمانية تحمي نفسها بشكل مشروع حيال الدول الاستبدادية والجهات الفاعلة غير الحكومية؛ ويُلقى اللوم على حركة "حماس" الفلسطينية في ما يحدث من فوضى عامة، وتوصف ببساطة بأنها جماعة "إرهابية"، ويتم التعريف عنها (مع إيران) باعتبارها راعية لثقافة العنف والكراهية.

لكن، هناك ثقل موازن ناشئ يمثله المجتمع المدني. ففي سياق الحرب والإبادة الجماعية الأخيرة، عبَّر المجتمع الأكاديمي المكسيكي عن قدر أكبر من الحزم عما سبق. فقد أطلق مبادرات متعددة بالاشتراك مع أكاديميين من مختلف أنحاء أميركا اللاتينية، مطالبين بمقاطعة أكاديمية نشطة للجامعات الإسرائيلية. وطالبت منظمة المكسيكيين المتحدين بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل وإلغاء اتفاقيات التعاون الأمني ​​والعسكري معها. وقادت لجنة التضامن مع فلسطين ولجان مماثلة تظاهرات في عدة مدن. وعلى نحو مماثل، حشد المجتمع المدني وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات تظاهرات ضد التكنولوجيا الإسرائيلية، وذلك قرب الحدود مع الولايات المتحدة، ونددا بمشاركة شركة سيمينتوس مكسيكانوس (Cementos Mexicanos) في بناء الجدار الفاصل في غزة والضفة الغربية.

الخلاصة

أدانت المكسيك بشكل روتيني انتهاك إسرائيل للقانون الدولي على مدى خمسة وسبعين عاماً. لكن عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات حاسمة بشأن هذه القضية، فإنها تلجأ إلى الحياد، وهو ما يعتبره المسؤولون المكسيكيون جزءاً مما يمكن أن يُطلق عليه "الدبلوماسية الإيجابية". ويرتبط هذا التقليد الدبلوماسي بالانشغال بالقضايا والأزمات المحلية ومصالح المكسيك ودورها والتي تشكل الولايات المتحدة نقطة مرجعية لا مفر منها وحاسمة فيها. وعلى المستوى المجتمعي، هناك وعي أكبر وتعددي على نحو متزايد تجاه القضية الفلسطينية يمكن أن يفضي إلى مناقشات مثمرة بين الأكاديميين والشبكات المهنية ومنظمات المجتمع المدني.

قراءات مختارة: 

Alfaro-Velcamp, Theresa. So Far from Allah, So Close to Mexico: Middle Eastern Immigrants in Modern Mexico. Austin, University of Texas Press, 2007.

Galindo, Alejandra. “La política exterior de México hacia el Medio Oriente: el dilema entre el compromiso y la realidad.” Araucaria. Revista Iberoamericana de Filosofía, Política y Humanidades 14, no. 28 (2012): 91–110.

Magaña Duplancher, Arturo. “México ante el conflicto árabe–israelí: 1932–1976.” BA thesis, Centro de Estudios Internacionales, El Colegio de México, 2006.

Magaña Duplancher, Arturo. “Presiones y decisiones en política exterior: dos momentos de México ante el conflicto árabe–israelí.” Relaciones Internacionales, no. 17 (2011): 123–52. http://www.relacionesinternacionales.info/ojs/article/view/292.html

Martínez Assad, Carlos. “Los judíos de México y las percepciones sobre la creación del Estado de Israel.” Historias 95 (2016): 77–96.

Musalem Rahal, Doris. “La migración palestina a México.” In María Elena Ota Mishima, ed., Destino México: un estudio de las migraciones asiáticas a México, siglos XIX y XX, 305–54. México: El Colegio de México, 1997.

Tawil-Kuri, Marta. “Mexico’s Foreign Policy towards the Middle East: Individual Preferences and Bureaucratic Politics in a Changing International Environment.” In Marta Tawil-Kuri and Élodie Brun, eds., Latin American Relations with the Middle East: Foreign Policy in Times of Crisis, 161–85. New York: Routledge, 2022.

Tawil-Kuri, Marta. “Mexico’s Policy Toward the Middle East: From Equidistance to Distance.” In Marta Tawil-Kuri, ed., Latin American Foreign Policies Towards the Middle East. Actors, Contexts, and Trends, 251–75. New York: Palgrave MacMillan, 2016.

Zeraoui, Zidane. “Los árabes en México: el perfil de la migración.” In María Elena OtaMishima, eds., Destino México: un estudio de las migraciones asiáticas a México, siglos XIX y XX, 257–303. México: El Colegio de México, 1997.

t