أدى نهوض الهوية الوطنية الفلسطينية في الستينيات في كنف منظمة التحرير الفلسطينية
، إلى تآكل الرؤية التي تبنتها
ظهرت القضية للمرة الأولى سنة 1964، عندما أنشأت
أما على الصعيد السياسي، فقد أقرّ مؤتمر القمة العربية، الرباط، 1974 ، أن منظمة التحرير الفلسطينية هي "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني"، في حين أعادت الجمعية العمومية في الأمم المتحدة التأكيد من جديد على حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في "تقرير المصير من دون تدخل خارجي"، وفي "الاستقلال والسيادة الوطنية" (القرار رقم 3236).
كان لهذه التطورات آثار سياسية عميقة، فقد تنافس الأردن ومنظمة التحرير ليس فقط على من يمثل فلسطينيي الضفة الغربية، بل شدّد الأردن قبضته على الأردنيين الفلسطينيين، فقام بحظر جميع الأنشطة العسكرية المستقلة، وضَبَطَ النشاط السياسي بشكل صارم، وفي الوقت ذاته تم إدخال سياسة "الأردنة" إلى القطاع العام، فأُسندت الوظائف الحساسة إلى الأردنيين "الأصليين"، كما أفضى القرار الذي أصدره الملك حسين
عام 1988، بتأثير
لم يكن المقصود رسمياً من قرار قطع الروابط التأثير على وضع الأردنيين الفلسطينيين، حيث أصر الملك حسين في خطاب له على أن الأمر "لا يتعلق بأي شكل من الأشكال بالأردنيين الفلسطينيين في المملكة الأردنية الهاشمية، فلهؤلاء جميعاً كامل حقوق المواطَنة وعليهم كامل التزاماتها"، لكن إمكان إقامة كيان فلسطيني في الضفة الغربية أثار مع ذلك المخاوف على استقرار البلاد، نظراً إلى تأثيراته المحتملة على السياسة الأردنية إذا ما ادعى الكيان الفلسطيني الجديد أنه يمثل الأردنيين الفلسطينيين.
كان أكثر ما ينذر بالخطر المزاعم بأن الأردنيين الفلسطينيين يشكّلون أغلبية السكان في الأردن، ما عزّز السيناريو الذي روّجت له الأحزاب اليمينية الإسرائيلية بخصوص تحويل المملكة الأردنية الهاشمية دولةً فلسطينية بديلة ("الوطن البديل")، وكذلك لم تخفف عملية أوسلو للسلام سنة 1993 هذه المخاوف، إذ إن الوعد بقيام السلطة الفلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة لم يمنع قياداتها من المطالبة بتمثيل كامل الشتات على طاولة المفاوضات. وزاد الأردنيين ضيقاً إدراكُهم أن مصير الأردنيين الفلسطينيين سوف يتقرّر عبر مفاوضات إسرائيلية- فلسطينية ثنائية من دون مشاركتهم.
وسّعت هذه التطورات الهوّة بين الأردنيين الفلسطينيين وبين "الأردنيين الأصليين"، فتم على صعيد السياسة العامة تعزيز عملية "أردنة" القطاع العام وتوسيعها لتشمل القبول في الجامعات الحكومية (من خلال نظام محاصصة –كوتا– يعطي الأفضلية إلى فئات شرق-أردنية، مثل طلاب "المناطق القبلية" أو أقارب الموظفين العاملين في القوات المسلحة) والمؤسسات السياسية، بما فيها البرلمان، فمنذ التسعينيات أدت القوانين الانتخابية إلى انخفاض تمثيل الأردنيين الفلسطينيين في مجلس النواب.
انعكس فقدان الأردنيين الفلسطينيين نسبياً مكانتهم كمواطنين أردنيين، انخفاضاً في معدلات مشاركتهم في الانتخابات العامة واقتصاراً في توظيفهم على القطاع الخاص بنحو متزايد وهجرةً متزايدة إلى الخارج من أجل العمل، فغدت
وبشكل أعمّ، يمكن القول إن هوية الأردنيين -الفلسطينيين تحولت "هجينة" ومنفصلة عن الأرض، ومصمَّمة لتحقيق الاستفادة القصوى من الظروف المعاكسة.
كان للفشل المتكرر لعملية "أوسلو" منذ سنة 2000 آثار مختلفة على الأردنيين-الفلسطينيين، فاحتمال استمرار قضية اللاجئين من دون حل إلى أجل غير مسمى، المقرون بالخوف من أن يؤدي تدهور الظروف المعيشية في الضفة الغربية إلى هجرة واسعة النطاق في اتجاه الأردن، وبالتالي إلى إعادة إحياء فكرة "الوطن البديل"، جعل الأردن يستمر في نهج "الأردنة" المذكور أعلاه. وفي هذا السياق، واصلت السلطات الأردنية عملية سحب الجنسية من الأردنيين المشتبَه في أنهم من سكان الضفة الغربية، كما تردّدت في استضافة الموجات الجديدة من اللاجئين الفلسطينيين الذين أُجبروا على القدوم إلى الأردن من العراق بين سنتي 2003 و2010، ومن سوريا ابتداء من 2013.
وُضعت "عملية الأردنة" ضمن خطة إنمائية تم إعدادها من أجل إصلاح الإدارة العامة في البلاد بغضّ النظر عن الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط ، فالرسالة الأساسية التي حملتها هذه المبادرة ومبادرات أخرى مرتبطة بها (مثل: "الأردن أولاً" (2003) و"كلنا الأردن" (2006))، هي أنه على جميع شرائح المجتمع، بمن فيهم الأردنيون-الفلسطينيون، المساهمة اليوم في عملية الإصلاح. ومن أجل تعزيز شرعية مثل هذه المبادرات، كشفت الحكومة سنة 2003، عن أن الأردنيين- الفلسطينيين (من دون احتساب عدد السكان الفلسطينيين غير الأردنيين) يشكّلون 43 بالمئة من الشعب الأردني، ما يعني ضمناً أنهم "الأقلية" الأكبر من الأقليات الإثنية في الأردن المتنوع ثقافياً، وتعيش جنباً إلى جنب مع العرب الشرق- أردنيين، والشيشان، والشركس، والأرمن وغيرهم.
سعت تلك المقاربة الشمولية إلى احتضان الأردنيين- الفلسطينيين الأكثر تهميشاً، لاجئي المخيمات، الذين يوصفون اليوم بأنهم جزء أصيل من الشعب الأردني ويجب أن يحصلوا على الاهتمام والخدمات ذاتها التي تحصل عليها بقية الأردنيين. وبناء عليه، تم إدراج المخيمات الثلاثة عشر ضمن برنامج وطني للإسكان وإعادة تأهيل البنية التحتية، بهدف تحسين الظروف المعيشية في المناطق الفقيرة. كان من الملاحظ تجاوب سكان المخيمات إيجاباً مع تلك التدخلات، على الرغم من ادعاءات الأحزاب المعارضة بأن مثل تلك الإجراءات ستقود لا محالة إلى توطين دائم للاجئين في الأردن، وخصوصاً مع تلاشي ذكر حق العودة ضمن عملية السلام "المتهالكة"، أو أنها بوادر تطبيع طويل الأمد لوضع الأردنيين-الفلسطينيين.
ويبقى من المبكر على أي حال القفز إلى أي استنتاجات، فإن رفض إسرائيل الشديد أي تسوية لقضية اللاجئين، واستمرار تلميحات بعض زعمائها اليمينيين إلى أن الأردن هو "الوطن البديل" للفلسطينيين، ساهما في إبقاء قضية اللاجئين والأردنيين- الفلسطييين على حد سواء من أكثر القضايا تعقيداً في المملكة الأردنية الهاشمية.
أبو فخر، صقر وأنيس فوزي قاسم ومحمد يحيى المحاسنة. "الأردن: أسئلة الهوية". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 83، صيف 2010.
براند، لوري. "الفلسطينيون في العالم العربي: بناء المؤسسات والبحث عن الدولة". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1991.
صايغ، يزيد. "الأردن والفلسطينيون: دراسة في وحدة المصير أو الصراع الحتمي". لندن: رياض الريس للكتب والنشر، 1987.
عايد، خالد. "العلاقة الأردنية - الفلسطينية: ماضياً وحاضراً ومستقبلاً". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 24، خريف 1995.
محتوى ذو صلة
عمل شعبي قانوني
اللاجئون الفلسطينيون في الضفة الغربية
تصميم على التأثير بلا هوادة في جدول الأعمال الوطني