جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
الموسيقى الفلسطينية
امتزاج الموسيقى المشرقية بعنفوان الشعر

الموسيقى الفلسطينية هي جزء من الموسيقى العربية وبالتحديد موسيقى بلاد الشام . غير أن الموسيقى التي يؤلفها  الفلسطينيون في كثير من الأحيان تستعمل الفولكلور الفلسطيني كأساس لبناء هذه المؤلفات، مما يمنحها خصوصية فريدة. فضلاً عن ذلك، فإن العديد من الموسيقيين الفلسطينيين ألَّفوا قطعاً موسيقية باستعمال أنواع وقوالب موسيقية عالمية تأثّرت بها فلسطين عبر القرن العشرين ولا تزال، الأمر الذي يشكل تنوعاً وخليطاً موسيقيَّين مميّزَين.

الموسيقى ما قبل النكبة

المعلومات عن الموسيقى في فلسطين وعن الموسيقيين الفلسطينيين في الحقبة ما قبل القرن العشرين شحيحة جداً وهي حقبة لا تزال بحاجة إلى البحث. أما مع بداية القرن العشرين، فيروي لنا واصف جوهرية (1897- 1973) الموسيقي المقدسي، في مذكراته، عن حياة موسيقية متطورة وذات حداثة في ظل الدولة العثمانية ولاحقاً تحت الانتداب البريطاني. ومن الواضح أن فلسطين كانت ممراً مهماً للموسيقيين المتنقلين من مصر إلى بلاد الشام وبالعكس، إذ إن هؤلاء كانوا يقدّمون الحفلات في القدس ويافا ومدن فلسطينية أخرى ويؤثرون على الموسيقيين فيها.

مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أُنشئ العديد من المدارس المسيحية التبشيرية الغربية التي جاءت بالموسيقى الكلاسيكية الغربية وبعلم كتابة النوتة الموسيقية لفلسطين، وهو ما أتاح المجال للتأليف الموسيقي المكتوب. وقد كان الرهبان الفرنسيسكان مِن أوائل مَن علّموا الموسيقى للفلسطينيين، الأطفال منهم والشباب، وكان الغرض بالأساس تحضيرهم للعزف في الخدمة الكنسية. أحد أوائل من تعلّم على يد هؤلاء الرهبان كان أوغستين لاما (1901- 1988) الذي قام بدوره بتعليم الموسيقى الغربية الكلاسيكية لآخرين، ومن أهم هؤلاء سلفادور عرنيطة (1914- 1984) ويوسف خاشو (1927-  1996). وقد ألّف لاما العديد من المقطوعات الموسيقية معظمها كنسيّة. أما عرنيطة، الذي أكمل دراساته الموسيقية في إيطاليا ، فقد كان له دور مهم في نشر الموسيقى الكلاسيكية في فلسطين قبل النكبة. على الرغم من ذلك، فقد بقيت الموسيقى الكلاسيكية الغربية محدودة الانتشار.

ثمّة عامل آخر ومهم أثّر في المشهد الموسيقي في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين (1920- 1948)، هو تأسيس إذاعة فلسطين سنة 1936 وبثّ برامجها من القدس ضمن ثلاثة أقسام منفصلة، عربية وعبرية وإنكليزية، وسرعان ما أصبحت هذه الاذاعة البريطانية مركز ثقل العمل الموسيقي، تجتذب الموسيقيين الفلسطينيين وأيضاً الموسيقيين من الأقطار العربية المجاورة من أجل بث أعمالهم أو تسجيلها. والجدير بالذكر أن الموسيقيين في معظمهم ما كانوا يقرأون في ذلك الوقت النوتة الموسيقية، لكنهم كانوا يتداولون الموسيقى بالطريقة التقليدية الشفوية. وقد برز في هذه الفترة الأستاذ والملحن يوسف البتروني الذي كان قد تعلّم أصول الموسيقى الغربية ولكنه كان ملحناً في الموسيقى العربية أيضاً، وأوكلت له مهمة تعليم الموسيقيين الآخرين - كتابةً وقراءةً - النوتة الموسيقية على الأسس الغربية. وكان من أهم الموسيقيين الذين برزوا في ذلك الوقت روحي الخماش (1923- 1998)، ومحمد غازي (1922- 1979)، كما برز يحيى اللبابيدي (1900- 1941) الذي أدار قسم الموسيقى العربية في إذاعة فلسطين، ويحيى السعودي (1905- 1965)، ورياض البندك (1924- 1992). وكان جميع هؤلاء يؤلفون الموسيقى على النمط العربي التقليدي من قصائد وموشحات وطقاطيق ...إلخ. والجدير بالذكر أن موسيقى إذاعة فلسطين كانت رائجة جداً في الأوساط الشعبية الفلسطينية، وكان الرجال منهم عادة ما يتجمّعون حول المذياع في المقاهي العامة للاستماع لهذه الموسيقى، إذ إنه لم يكن المذياع في ذاك الوقت قد دخل إلى كل البيوت في فلسطين.

الموسيقى بعد النكبة

بعد النكبة سنة 1948، تهجّر الكثير من الموسيقيين الفلسطينيين كباقي الشعب الفلسطيني إلى دول الجوار وأسّس العديد من هؤلاء حياتهم الموسيقية فيها. فذهب الخماش إلى العراق ، والبندك إلى سوريا ثم إلى مصر، وغازي وعرنيطة إلى لبنان ، والعديد من العازفين إلى عمّان حيث انضمّوا لاحقاً إلى الإذاعة الأردنية. وانتقلت إذاعة فلسطين إلى قبرص مما أفقد القدس هذا الدور المركزي الذي لعبته في الموسيقى العربية خلال اثني عشر عاماً سبقت النكبة. على الرغم من ذلك، بقيت مجموعة قليلة من الموسيقيين والمؤلفين في فلسطين، وبعد زوال حالة الشلل التي حلت بنواحي الحياة المختلفة ومنها الموسيقى، استعاد بعض من هؤلاء الموسيقيين المبادرة وعادوا إلى تأليف الموسيقى. ولعبت كلية بيرزيت في تلك المرحلة دوراً موسيقياً هاماً، من خلال الموسيقيين يوسف البتروني، وريما ناصر ترزي (1932- ) التي كانت قد تتلمذت على يد عرنيطة ثم درست البيانو في فرنسا ، وأمين ناصر (1935- ) الذي تتلمذ على يد عرنيطة وخاشو قبل أن يكمّل دراسته في ألمانيا . فشكّل هذا الثلاثي حالة مميزة من التأليف الموسيقي للأناشيد الوطنية التي حاكت حالة التشرد وحاولت شحن الهمم. وكان لوجود الشاعر الشهيد كمال ناصر (1925- 1973 ) في بيرزيت وإنتاجه الغزير أهمية في رفد هؤلاء الملحنين بالأشعار الوطنية.

بعد النكسة مقولة موسيقية جديدة

بعد سنة 1967 واحتلال إسرائيل لباقي فلسطين، كان هناك تغيّر كبير في نوع الانتاج الموسيقي الفلسطيني. فظهرت تجارب موسيقية جديدة رافضة لهذا الاحتلال، وبرز ما أصبح معروفاً بالأغنية الملتزمة التي جاءت كإضافة للأناشيد التي كانت رائجة قبل ذلك. ومن أهم هذه التجارب، كانت تجربة الموسيقي مصطفى الكرد وتجربة فرقة البراعم في بداية سبعينات القرن العشرين. وفي الخارج، في سوريا بالتحديد، أسست منظمة التحرير الفلسطينية فرقة رسمية تابعة لها، وهي فرقة العاشقين. وكان للموسيقي المقدسي حسين نازك (1942- )، الذي كان قد تتلمذ على يد يوسف خاشو، الدور الأهم في رفد الفرقة بالألحان. وكانت كلمات الشاعر أحمد دحبور (1946- ) ملازمة لهذه التجربة الفريدة. وهنا في تجربة حسين نازك بالذات، يمكن تلمّس معالم شخصية جديدة للموسيقى الفلسطينية المعاصرة، إذ استخدم نازك الموسيقى الشعبية الفلسطينية بذكاء وطعّمها بما تعلّمه من موسيقى عربية تقليدية مستفيداً بلا شك من علومه الموسيقية النظرية، فأخرج نتاجاً موسيقياً ذا شخصية خاصة، وكان أثره في الشارع الفلسطيني كبيراً. كما برز في الشتات المغني الشعبي أبو عرب (1931- 2014)، ومهدي أبو سردانة (1940- 2016) كملحن رئيسي لإذاعة الثورة التي كانت تبث باسم منظمة التحرير من القاهرة .

تبع ذلك في بداية الثمانينات تجربة موسيقية مهمة أخرى، وهي تجربة فرقة صابرين بملحنها سعيد مراد ومغنيتها الأساسية كميليا جبران . هنا أيضاً يمكن تلمّس بدايات موسيقى ذات شخصية فلسطينية لا تشبه غيرها. فقد استفاد مراد من الموروث الموسيقي العربي والعالمي على حد سواء لإنتاج نوع جديد من الموسيقى وتوليفة أداء جديدة أصبح لها صوت خاص بها. وقد سار على خطاها العديد من التجارب الفلسطينية الأخرى خاصة في فرق الرقص التي كان يلحن لها مراد. وكان الشاعر الراحل حسين برغوثي مزوداً أساسياً لصابرين بكلمات الأغاني. وقد استمرت هذه التجربة إلى أن انفصلت جبران عن الفرقة سنة 2002، فتابعت صابرين عملها كمؤسسة تعنى بالتربية الموسيقية والإنتاج. أما فرفة الفنون الشعبية الفلسطينية، فكانت تجربتها الموسيقية، مع كاتب هذه النبذة، سهيل خوري (1963- )، الذي تتلمذ على يد أمين ناصر قبل أن يكمل دراسته الموسيقية في الولايات المتحدة ولاحقاً في بريطانيا ، تجربة ذات أبعاد مهمة على الموسيقى الفلسطينية. وكما في تجربة نازك مع العاشقين، استفاد خوري من تعلّمه الموسيقي في استلهام التراث الشعبي وتطويعه في أعماله الموسيقية المختلفة. وقد لازم هذه التجربة الشاعر وسيم الكردي الذي برع باستلهام التراث الشعبي وتقديمه بأشكال جديدة. كما برز في رام الله كل من وليد عبد السلام وجميل السائح بأغانيهما الشعبية السلسة.

وفي فلسطين المحتلة سنة 1948، وعلى الرغم من أن الموسيقى السائدة كانت في معظمها أداء ما ينتجه العالم العربي من موسيقى، ظهرت العديد من التجارب الملفتة للنظر، كان أهمها تجربة المؤلفة والمغنية ريم البنّا بطابع غنائها الخاص جداً، وكذلك فرقة يعاد بقيادة  نبيل عازر والمغنية أمل مرقص .

الانتفاضة الأولى نقطة تحوّل

لم تأتِ الانتفاضة الأولى التي انطلقت في أواخر سنة 1987 بإنتاجات موسيقية من نوع جديد. فقد أنتج الموسيقيون أعمالهم باستعمال أغانٍ فولكلورية معروفة ورفدها بكلمات جديدة تحاكي المرحلة وتدعو الناس إلى الثورة على المحتل. ولكن، على الرغم من ذلك، تركت هذه الثورة الشعبية العارمة أثرها لدى الموسيقيين الفلسطينيين الذين شعروا بالحاجة للبدء ببناء مقومات الدولة الحرة القادمة. ومن هنا، بدأت في سنة 1991 التحضيرات لتأسيس أول معهد موسيقي في فلسطين. وتكلل هذا الجهد بالنجاح سنة 1993 بافتتاح المعهد الوطني للموسيقى. وقد احتضنت جامعة بيرزيت المعهد الجديد الذي أصبح اسمه لاحقاً معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى. ومن أهم إنجازات المعهد الوطني إعارته اهتماماً خاصاً بالموسيقى العربية وتطوير مناهجها، فأصبح المعهد مصدراً مهماً لتخريج العازفين المحترفين، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام المؤلفين لكتابة أعمال موسيقية جديدة.

تبع إنشاء المعهد الوطني تأسيس مجموعة من المدارس الموسيقية التي ساهمت مجتمعة، بلا شك، في تغيير المشهد الموسيقي في فلسطين. ومن أهم هذه المدارس برز معهد المانيفيكات في القدس التابع للرهبنة الفرنسيسكانية، ويمكن اعتبار ذلك استكمالاً لما بدأه الرهبان مع أوغسطين لاما في بداية القرن العشرين. كما برزت مؤسسة الكمنجاتي في رام الله وبيت الموسيقى في شفا عمرو .

القرن الواحد والعشرون، انطلاقة جديدة

تأثّر الموسيقيون الفلسطينيون الشباب منذ بداية القرن الحالي بأنواع جديدة من الموسيقى أهمها كان الراب والهيب هوب ذوات الأصول الأميركية، فظهرت فرق كثيرة تؤدي هذا النوع من الموسيقى ولكن باستعمال اللغة العربية. ومن أهم هذه الفرق، فرقة دام من اللد . ونتيجة لدور المدارس الموسيقية وظهور عدد كبير من العازفين المحترفين، تشجَّع المؤلفون والموزعون على الإنتاج والتأليف. وقد برز العديد من المؤلفين ذوي شخصيات موسيقية مميزة وغير تجارية، نذكر منهم الموسيقيين وعازفي العود المتميزين سيمون شاهين والثلاثي جبران وأحمد الخطيب وخالد جبران . كما برز مؤلفون وملحنو أغان عديدون نذكر منهم خالد صدوق ، وحبيب شحادة ، وعيسى بولص ، وعودة ترجمان ، وباسل زايد ، وكثيرون آخرون. ولا شك في أن الخليط الموسيقي لإنتاجاتهم سيشكل شخصية الموسيقى الفلسطينية في القرن الواحد والعشرين.

وثمّة تجارب وطنية فريدة من نوعها، كأوركسترا فلسطين للشباب في سنة 2004 والأوركسترا الوطنية الفلسطينية في سنة 2011 التي أسسهما المعهد الوطني للموسيقى، وقد أضاف ظهورها إضافة نوعية على المشهد الفلسطيني ونقلَه إلى العالمية.  

وفي الختام، يمكن تلمّس تبلور معالم شخصية جديدة للموسيقى الفلسطينية بعد تراكم تجارب عمرها أكثر من قرن من الزمان تلخّص هذا الخليط الموسيقي المتنوع. وتربط هذه التجارب رؤية مشتركة وصوت مشترك يمكن للمستمع ان يتعرف عليه كصوت فلسطيني ذي بعد عربي، يسعى لبناء شخصية خاصة به بعيداً عن الحركة الموسيقية التجارية العربية. صوت موسيقي ثقافي عربي ذو طابع فلسطيني مميز.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2024/12/28
E.g., 2024/12/28