أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ٢٩ تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٤٧، القرار رقم ١٨١ القاضي بتقسيم فلسطين دولتين: يهودية وعربية (مع وجود منطقة دولية تشمل القدس
وبيت لحم
). واقترحت الخطة بصورة خاصة دولة يهودية على أكثر من نصف فلسطين الانتدابية
، في وقت كان اليهود يشكلون أقل من ثلث عدد السكان ويمتلكون أقل من ٧ في المئة من مساحة الأرض. إن اعتماد خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين
على رغم المعارضة العربية الشديدة، من أكثر الأحداث دلالةً في تاريخ فلسطين الحديث، إذ أعطى في جوهره الشرعية الدولية للاحتلال الصهيوني لفلسطين بقوة السلاح.
لم تُذكر فكرة تقسيم فلسطين دولتين -يهودية وفلسطينية- في الخطاب الرسمي البريطاني خلال الانتداب على فلسطين، وكانت المرة الأولى في توصية لجنة بيل
سنة ١٩٣٧، التي كانت الدولة اليهودية فيها مقارنةً بمثيلتها في قرار تقسيم فلسطين، أصغر حجماً بكثير. وعلى رغم موافقة الوكالة اليهودية
على خطة بيل وقتذاك، وهي الهيئة التي تمثل المنظمة الصهيونية العالمية
، وكذلك موافقة قيادة حزب مباي
(العمل)، وهو القوة اليهودية المسيطرة على الأرض، إلا أن كثيراً من الصهاينة، بمن فيهم التصحيحيون
وبوعالي تسيون
، اعترضوا على خطةٍ تحدّ إلى هذا الدرجة من أهدافهم، ولم يلطِّف من اعتراضهم سوى اقتراح تقرير بيل بتقسيم ينقل الفلسطينيين العرب إلى خارج الدولة اليهودية.
وبعد نقاش حاد، قبِلَ المؤتمر الصهيوني
الخطة مرحلةً أولى، معتبراً أنها تؤمّن قاعدة آمنة تسمح باستمرار الهجرة اليهودية من دون رادع، وقد تتوسع في وقت لاحق.
أما الفلسطينيون العرب، الذين شكلوا آنذاك أكثر من ٧٠ في المئة من عدد السكان، فنزل قرار التقسيم عليهم كالصاعقة، وأظهر تصعيدهم الفوري والعنيف لـالثورة الفلسطينية الكبرى
(كانت بدأت منذ سنة ١٩٣٦) عمق معارضتهم الشعبية القرارَ، التي دفعت لجنة بريطانية شُكلت في تشرين الثاني ١٩٣٨ بغية دراسة قابلية خطة بيل تسمى "لجنة وودهيد
"، إلى استنتاج أن "التقسيم متعذر التنفيذ".
في أعقاب الحرب العالمية الثانية
، أصبح الوضع في فلسطين خارج عن السيطرة بشكل متزايد، فأعلنت بريطانيا
في شباط/ فبراير ١٩٤٧ نيتها إنهاء الانتداب. وفي أيار/ مايو ١٩٤٧، وبعد شهر من تسليم بريطانيا القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة
بشكل رسمي، أنشأت الأخيرة "لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين
" (يونسكوب)، التي تضمنت ممثلين من أستراليا
وكندا
وتشيكوسلوفاكيا
وغواتيمالا
والهند
وإيران
وهولندا
والبيرو
والسويد
وأوروغواي
ويوغسلافيا
، وأصدرت في أيلول/ سبتمبر ١٩٤٧، تقريراً أدرجت فيه إحدى عشرة توصية بشأن مبادئ عامة اتفق عليها بالإجماع، بما فيها انتقال فلسطين من إقليم منتدب إلى الاستقلال، والمحافظة على "الوضع القائم
" المعهود سابقاً للأماكن المقدسة وعلى حقوق الجماعات الدينية، كما وعلى الامتيازات الخارجية التي منحها العثمانيون. وفي توصية لافتة جداً، ربط التقرير المسألة الفلسطينية بحل مشكلة اللاجئين اليهود الناتجة من الحرب العالمية.
وإلى جانب التوصيات المُجمَع عليها، قدمت اليونسكوب خطتَين من إعداد مجموعتي عمل مختلفتين: خطة تقسيم مع وحدة اقتصادية (بتأييد من كندا وتشيكوسلوفاكيا وغواتيمالا وهولندا وبيرو والسويد وأوروغواي)، وحل لدولة فدرالية (بتأييد من الهند وإيران ويوغسلافيا)، وفي ٢٣ أيلول ١٩٤٧ شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة خاصة مكلّفة بقضية فلسطين
لدراسة تقرير اليونسكوب، دُعي إليها ممثلون عن الهيئة العربية العليا
والوكالة اليهودية.
رفضت الهيئة العربية العليا اقتراحات مجموعتي عمل اليونسكوب، مبرّرة موقفها بأن أي حل يمنح امتيازات لمطالبات اليهود في فلسطين يتعارض وميثاق هيئة الأمم المتحدة
. أما الوكالة اليهودية –التي كانت قدمت في آب/ أغسطس ١٩٤٦ اقتراحاً للتقسيم بـ"دويلة" فلسطينية ذات حدود تشبه حدود الضفة الغربية
بعد ١٩٤٨–، فوافقت على اقتراح التقسيم مع ممارسة الضغط لتضمين القدس والجليل
الغربي (مثال عكا
والناصرة
) في الدولة اليهودية. وأدخلت اللجنة الخاصة في "يونسكوب" بعد ذلك بعض التعديلات على الحدود التي رسمها تقرير اقتراح التقسيم وأحالته إلى الجمعية العامة للتصويت.
غطت الدولة اليهودية المقترحة حوالى ٥٦ في المئة من فلسطين المنتدَب عليها، مقسَّمة ثلاثة "أجزاء- مناطق" بالكاد تكون متاخمة: الجليل الشرقي (بما فيه صفد
وطبريا
وبيسان وبحيرة طبريا
) والمنطقة الساحلية (حوالى ثلثي الساحل الفلسطيني، بما في ذلك حيفا
وتل أبيب
والسهول الخصبة المنخفضة) ومعظم النقب
(باستثناء بئر السبع
ومنطقة تمتد حتى حوالى نصف المسافة إلى الحدود مع مصر
، إنما متصلة بـالبحر الأحمر
). ومن الأقضية الستة عشر لفلسطين الانتدابية، تم تخصيص تسعة للدولة اليهودية واحد منها فقط يتمتع بأكثرية يهودية، وتضمنت الدولة اليهودية المقترَحة "أقلية" عربية تناهز الـ ٤٧ في المئة من سكان تلك الدولة.
أما الدولة العربية المقترحة –التي قد تربط بـ شرق الأردن
–، فكانت حصتها حوالى ٤٣ في المئة من فلسطين الانتدابية، بسكان عرب يتجاوزون ثلثي مجموع السكان، وقسِّمت أيضاً ثلاثة "أجزاء- مناطق"، إضافةً إلى جيب يافا
الصغير (والمحاط بالدولة اليهودية). أما مناطقها الرئيسية فكانت: الجليل الغربي نزولاً نحو عكا، بما في ذلك الناصرة، ومناطق المرتفعات الفلسطينية المركزية المحيطة بـجنين
ونابلس
والخليل
، وتمتد غرباً لتشمل طولكرم
وقلقيلية
واللد
والرملة
، وجنوباً لتشمل المحور المركزي لصحراء بئر السبع الجنوبي، وأخيراً قطاع ساحلي (بما فيه غزة
) يمتد من إسدود حتى الحدود المصرية، ثم يتبع تلك الحدود جنوباً. أما المنطقة الدولية المحاصَرة المحيطة بالقدس وبيت لحم ("الكيان المنفصل") فكانت تتمتع بأكثرية عربية متواضعة.
كان من المقرر عقد التصويت في الأمم المتحدة في ٢٦ تشرين الثاني/ نوفمبر، إلا أن مؤيدي التقسيم خشوا عدم حصول الاقتراح على أكثرية الثلثين المرجوة فأرجأوا التصويت ثلاثة أيام، ما وفّر وقتاً إضافياً لممارسة واشنطن
والمنظمات الصهيونية بشكل رئيسي ضغوطاً شديدة على الدول الأعضاء، ليتم أخيراً إقرار قرار التقسيم في ٢٩ تشرين الثاني/ نوفمبر بمجموع ٣٣ صوتاً مؤيداً و١٣ صوتاً معارضاً و١٠ ممتنعين عن التصويت.
ولاقى إعلان موافقة الأمم المتحدة على التقسيم إضراباً عاماً وتظاهرات في فلسطين العربية، تحول بعضُها –كما في القدس– أعمال شغب مُدَمِّرة. في هذه الأثناء، وبتشجيع من إسباغ الأمم المتحدة الطابع الدولي على قرار التقسيم، سارعت المنظمات العسكرية الصهيونية إلى شنّ هجمات على البلدات العربية والأحياء السكنية، وذلك قبيل إطلاقها الخطة دالت
المنظّمة تنظيماً عالياً في أوائل نيسان/ أبريل ١٩٤٨. فقام سكان البلدات بمساعدة المتطوعين العرب الأكثر تنظيماً والقوات غير النظامية، بحماية أرضهم ومهاجمة المناطق الصهيونية، لتستمر مرحلة من "الحرب الأهلية" في حرب فلسطين
(1947 – 1949) بين كرٍّ وفرّ إلى حين إعلان إسرائيل قيام الدولة اليهوية في ١٥ أيار/ مايو 1948.
لقد نجح الصهاينة، من خلال قبولهم فكرة التقسيم ورفض العرب لها، وتعتيمهم على الظلم الشديد المحيط بتفاصيل الاقتراح من ناحية الأرض، كما السكان، في إضفاء ستار الشرعية والطابع الدفاعي على احتلالهم القسم الأكبر من فلسطين وتهجير أهلها الفلسطينيين. وهكذا، تكرست خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين نتيجةَ الجهود الصهيونية الحثيثة لضمان الاعتراف الدولي بالسيادة اليهودية على جزء كبير من فلسطين، وفي الوقت ذاته التمهيد لقيام دولة إسرائيل في أيار ١٩٤٨، المبني على ترحيل مئات الألوف من الفلسطينيين من أراضيهم.