ينشئ القرار لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين
مكونة من ثلاثة أعضاء (سيتم اختيار
شكّل التعليم عنصراً رئيسياً في التجارب التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون منذ النكبة ، وغالباً ما أعطوا الأولوية للتعليم كأداة لتعزيز فرصهم الاجتماعية والاقتصادية، ووسيلة يمكن من خلالها التعبير عن هويتهم الوطنية في المنفى. كما أصبح التعليم حلقة وصل تربط بين اهتمامات اللاجئين المتعددة، السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية.
توفر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) التعليم للاجئين الفلسطينيين الذين يقطنون في مخيمات فلسطين والدول المحيطة بها. بدأت الأونروا التي أُنشئت بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949، تسيير أعمالها في 1 أيار/ مايو 1950، وكانت موكلة بتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في "مواقع أربعة" هي: سوريا ، ولبنان ، وقطاع غزة ، والأردن (الذي قُسم إلى ميدانين بعد حرب عام 1967 إلى: شرق الأردن، والضفة الغربية ، بما في ذلك القدس الشرقية ). وتشمل خدمات الأونروا مجموعة من المجالات بما فيها الرعاية الصحية، والإغاثة، والاستجابة لحالات الطوارئ والبنية التحتية. إلاّ إن التعليم لطالما شكّل المحور الأساسي في عملها ويمثل أهم بند من بنود ميزانيتها، فهو يشكل برنامجاً عريضاً يشمل المدارس ومراكز التدريب المهني ومعاهد تدريب المعلمين. وتوفر الوكالة التعليم الأساسي الكامل للاجئين الفلسطينيين المسجلين في مواقع عملها الخمسة، كما تدير في لبنان مدارس ثانوية أيضاً لأن الفلسطينيين مستبعدون من المدارس الحكومية في هذا البلد.
نشأة مدارس اللاجئين الفلسطينيين
على الرغم من ارتباط الأونروا الوثيق بالتعليم اليوم، فإن الوكالة أُقيمت في الأصل من أجل التركيز على توجه مختلف تماماً. وفي الواقع لم يتم إنشاء المدارس الأولى للاجئين الفلسطينيين من الأمم المتحدة
، إنما من الفلسطينيين أنفسهم. ففي أعقاب النكبة، سرعان ما تحوّلت مخاوف اللاجئين بشأن فرص تعليم أطفالهم الضائعة كطريق محتمل للخروج من الكارثة على المستويين الفردي والجماعي. وبما أن العديد من لاجئي المخيمات كانوا من فئة الفلاحين الذين فقدوا رأس مالهم المتمثل في الأرض التي شكلت عملتهم الأساسية على مدى أجيال، فقد رأوا في التعليم رأس مال اجتماعياً بديلاً منه. كما رأوا أن التعليم يمكن أن يشكّل وسيلة ضرورية في مقابل نزوحهم ونزع ممتلكاتهم، في حين استنتج البعض أن معدلات التعليم العالي لدى
مع أواخر سنة 1948 وخلال سنة 1949، عمل اللاجئون على إنشاء صفوف أساسية وحتى مدارس موقتة في المخيمات. ومَن كان منهم معلماً في فلسطين استأنف التدريس في المنفى، فابتكر المعلمون طرقاً للتدريس من دون كتب، ولا أقلام ولا أثاث، وأقاموا صفوفاً في الخيام، أو في غرف خالية، أو في الهواء الطلق، حتى أن أساتذة في مخيم المغازي للاجئين
بغزة قدموا دروسهم في مطبخ قديم. وتلقى اللاجئون بعض المساعدات من جمعيات خيرية محلية ومنظمات إغاثة دولية، وبصورة خاصة من
من التوظيف وإعادة التوطين إلى التعليم
لقد صُممت الأونروا، لدى إنشائها من الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سنة 1949، لتكون وسيلة لتنفيذ برامج توظيف اللاجئين في الدول العربية المضيفة - ومن هنا جاء اسم الوكالة الذي تضمن "الأشغال" إلى جانب "الإغاثة"، وكان هذا الهدف يتوافق مع مخاوف
هذا لا يعني أن التعليم كان غائباً عن العمل المبكر للأونروا. فبالإضافة إلى متابعة برامج التوظيف، وتقديم الإغاثة الطارئة، وتوزيع الحصص الغذائية وتوفير الرعاية الصحية، تولت الوكالة أيضاً مسؤولية المدارس والصفوف التي كانت قد أقيمت في المخيمات من سنة 1948 إلى سنة 1950، وعملت على رفع مستوى تقديماتها بشكل كبير من خلال إنشاء مدارس جديدة وإدخال التعليم المجاني لجميع أطفال اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في مواقع عملها. لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن تركيز الأونروا بقي منصبّاً بصورة رئيسية في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي على إيجاد فرص عمل للاجئين الفلسطينيين بدلاً من تعليمهم.
بيد أن ترتيب أولويات الإدارة العليا للأونروا بهذه الصورة، وضعها في تناقض مع الأغلبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين التي احتاجت إلى تعاونهم من أجل قيامها بعملها بفاعلية. فكونهم اشتبهوا - وليس من دون سبب - بأن برامج التوظيف قد صممت، جزئياً على الأقل، للمساعدة في إعادة توطينهم بشكل دائم خارج فلسطين، جعل الكثيرين منهم يرفضون ذلك. ومن بين 878,000 لاجئ مسجلين لدى الأونروا في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، بلغ أكبر عدد على الإطلاق تم توظيفه في إطار هذه البرامج 12,000 فقط. وبدلاً من ذلك، طالب اللاجئون الأونروا باستثمار مزيد من الموارد في التعليم. وفي الواقع حتى قبل أن تبدأ الأونروا عملها في أيار/ مايو 1950، كان الفلسطينيون في المخيمات يطالبون بشدة بأن تعطى الأولية لتعليم أطفالهم، واستمرت هذه المطالب في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي وكانت موضوعاً بارزاً في اتصالات اللاجئين الرسمية وغير الرسمية مع إدارة الوكالة، وظهرت في المناشدات والالتماسات المكتوبة وكذلك في مذكرات اجتماعات موظفي الأونروا.
حقق اللاجئون في النهاية انتصاراً على هذه الجبهة، على الرغم من مرور عقود قبل أن تعترف إدارة الوكالة بذلك. وبعد أن ثبت أن برامج التوظيف مكلفة وغير فعالة وغير شعبية، بدأت الأونروا في تحويل تركيزها إلى التعليم كنهج بديل. وبحلول نهاية خمسينيات القرن الماضي، استغنت الأونروا بهدوء عن مخططات التوظيف (على الرغم من أنها احتفظت بكلمة "تشغيل" في تسميتها)، وأصبح التعليم موضع أولوية جديدة، فارتفع عدد مدارس الأونروا من 61 في سنة 1950 إلى 386 في سنة 1958. وبحلول سنة 1960، أصبح التعليم أكبر برنامج منفرد للأونروا من حيث قيمة الاستثمار والتمويل وعدد الموظفين، ولم تعد هناك أي مدرسة تحت الخيام. وبعد ذلك، تواصل توسع برنامج التعليم فزاد نصيبه من الإنفاق العادي للوكالة من الثلث في منتصف الستينيات إلى أكثر من النصف بحلول منتصف الثمانينيات. وفي سنة 1987، اعترف المفوض العام للأونروا
كان لنجاح برنامج التعليم في الأونروا انعكاسات ذات دلالة. ففي أوجِه، اعتُبر التعليم في الأونروا مميزاً إلى حد أنه حتى الفلسطينيين الذين لم يكونوا لاجئين مسجلين لديها، وأشخاص من جنسيات أخرى سعوا (من دون جدوى) لتسجيل أطفالهم في مدارس الوكالة. وقد مكنت الجودة العالية للبرنامج بعض الخريجين من الحصول على منح دراسية للتعليم العالي، ومن ثم التنافس بنجاح في سوق العمل العربي. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، انتقل العديد من الفلسطينيين إلى الكويت وغيره من دول الخليج حيث عملوا مهندسين ومدرسين ورجال أعمال. ومن هنا، يمكن الادعاء بأن برنامج التعليم كان بمثابة وسيلة بديلة لخلق فرص عمل للاجئين الفلسطينيين - لكنها طريقة رأى اللاجئون أنها أفضل بكثير من خطة الأونروا المبكرة. ولم يُنظر إلى برنامج التعليم على أنه يقوّض حق العودة بحجة تجذيره اللاجئين الفلسطينيين بشكل دائم داخل الدول العربية المضيفة. وبدلاً من ذلك، اعتُبر أن التعليم زود اللاجئين بأدوات رأس المال الاجتماعي القابل للتحول إلى أنواع أُخرى من رأس المال وساهم في رفع شأن قضيتهم في نظر الكثيرين.
صِدامات المناهج التعليمية
واجه التعليم، بصفته برنامجا رائداً للأونروا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، انتقادات مستمرة على مر السنين. ولعل الأمر الأكثر شهرة هو أن منتقدي الوكالة المناهضين للفلسطينيين غالباً ما ركزوا على المحتوى الذي يتم تدريسه في مدارسها، زاعمين أنه يروّج للتحيز ضد إسرائيل وحتى للإرهاب. وأثارت السلطات الإسرائيلية مزاعم كهذه لأول مرة بعد سنة 1967 عندما تم تسليط الضوء على محتوى برامج المدارس في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد وقت قصير من بدء الاحتلال. وبعد ذلك، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتفتيش مدارس الأونروا بانتظام، وتفحص الكتب المدرسية والرقابة عليها، وكان التدقيق مكثّفاً لدرجة أن معلمي الأونروا، الذين كانوا أنفسهم في معظمهم من لاجئي فلسطين، كانوا يشتكون في السبعينيات من أنهم غير قادرين على أداء وظائفهم لافتقارهم إلى الكتب المدرسية المحتجَزة لدى المفتشين الإسرائيليين واضطرارهم إلى الانتظار حتى يوافق هؤلاء عليها.
وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية دانت مراراً مناهج الوكالة وكتبها المدرسية، فإن من الخطأ، في الواقع، التحدث عن "منهاج الأونروا" أو "كتب الأونروا المدرسية". لقد اتبعت مدارس الأونروا، منذ البداية، مناهج الدولة المضيفة في برامجها، مستخدمة الكتب المدرسية الرسمية العائدة إليها. وفي الحقبة التي سبقت اتفاقية أوسلو
وإنشاء السلطة الفلسطينية
، استخدمت مدارس الأونروا المنهاج الأردني في الضفة الغربية، والمنهاج المصري في قطاع غزة. أمّا بعد أوسلو، فطبقت منهاج السلطة الفلسطينية في منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة. إنما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الأونروا تعمل بالتنسيق مع منظمة
من جهة أُخرى، لم يسلم المحتوى الذي يتم تدريسه في مدارس الأونروا من انتقادات الفلسطينيين أنفسهم. فمنذ البدء، عنى استخدام مناهج الدول المضيفة والكتب المدرسية المقرَّرة فيها أن أطفال اللاجئين الفلسطينيين لم يتلقّوا أي تعليم يتعلق بتاريخهم الوطني وجغرافية بلدهم. وبدلاً من ذلك، كان تاريخ فلسطين يقع إلى حد كبير تحت موضوعات أوسع مثل دور الدول العربية في حرب سنة 1948، أمّا في لبنان، فنادراً ما ظهرت فلسطين في نظام التعليم الرسمي. وللتعويض عن هذا الخلل، سعى المعلمون الفلسطينيون، منذ البداية، إلى تعليم تلاميذهم قدر الإمكان التاريخ والجغرافيا الوطنيين، وكثيرا ما كانوا يفعلون ذلك بصورة غير رسمية، إذ كانوا يفتقرون إلى المواد ذات الصلة في المنفى. حتى أنه في سنة 1949، ناشدت مجموعة من المربين الفلسطينيين اليونسكو أن تطور نظاماً تعليمياً فلسطينياً وطنياً، لكن من دون جدوى.
ومع تزايد إضفاء الطابع المؤسسي على نظام التعليم في المخيمات تحت إدارة الأونروا، أصبح غياب المحتوى الخاص بالفلسطينيين موضع الشكوى الأولى للعديد من اللاجئين. وفي هذا الصدد، يذكر فواز تركي الذي ترك حيفا في طفولته في أثناء النكبة ونشأ في مخيم برج البراجنة للاجئين القريب من بيروت :
"صُممت المدارس التي ترعاها الأونروا – مع قصد أو من دون قصد - لتربية الأطفال الفلسطينيين وتعليمهم على قبول محنة حياتهم كشيء مقدَر له. ولم يتم إجراء أي محاولة لشرح الوضع والقوى التي تقف وراءه والتي تحكم حياتهم، أو كيف كان يمكنهم مواجهتها.... ولم تقدم لهم دروساً لإظهار من أين أتوا وتاريخ فلسطين."
ونظراً إلى هذا الوضع قام المعلمون الفلسطينيون بالتظاهر والمعارضة على نحو متزايد لإدراج التاريخ والجغرافيا الوطنيين في مدارس الأونروا، وظهر هذا المطلب بشكل متكرر في نشاطاتهم وإضراباتهم النقابية منذ الخمسينيات، كما تظاهر الطلاب أيضاً ضد المناهج في بعض الأحيان.
إلاّ إن الأونروا قاومت لفترة طويلة الضغوط الهادفة إلى إدخال مناهج خاصة بالفلسطينيين، وجادلت الإدارة أنه من الضروري استخدام الأنظمة التعليمية للدولة المضيفة حتى يتمكن الأطفال اللاجئون لاحقاً من المشاركة في التعليم العالي في الدول التي يعيشون فيها، والتنافس في أسواق العمل لديها. لكن مرة أُخرى حقق اللاجئون شيئاً من الانتصار على هذه الجبهة، ففي أواخر الستينيات عينت إدارة الأونروا مستشارين تربويين في لبنان للنظر في تعزيز المناهج القائمة بمواد تدريسية ذات مضمون فلسطيني خاص. وفي مراسلات مع المدير العام لليونسكو، أشارت إدارة الأونروا إلى الضغط الذي يمارسه المعلمون الفلسطينيون كعامل رئيسي وراء قرار الاستعانة بمستشارين لهذا الغرض. وقد باشر المستشارون تطوير منهاج تاريخ فلسطين للمرحلتين الابتدائية والتكميلية إلى جانب إعداد مجموعة من الكتب المدرسية الجديدة ودليل المعلمين، وتم إدخال هذه العناصر الإضافية إلى مدارس الأونروا في لبنان في أوائل السبعينيات، مع نية طرحها في نهاية المطاف في جميع مواقع عملها.
بيد أن هذا لم يتحقق قط، لسوء حظ الفلسطينيين؛ فبعد أن طردت إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان سنة 1982، فقدت حركة المقاومة جل نفوذها. وبدلاً من انتشار "فلسطنة" المناهج في مدراس الأونروا في الدول العربية المضيفة، اختفت هذه المواد الجديدة في نهاية الثمانينيات حتى من مدارس الأونروا في لبنان. ومن الممكن اليوم العثور في أرشيف الأونروا في عمّان على هذه المواد التي توقف استخدامها منذ عقود.
ومع كل ذلك، فقد استمر تفاني اللاجئين الفلسطينيين من أجل التعلم عبر الزمان والمكان. وظل ثابتاً في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وهو ما تجلى مؤخراً في احتجاجات اللاجئين المنظمة ضد تقليص ميزانية التعليم في الوكالة. وبما أن التعليم لا يزال أكبر برنامج منفرد للأونروا، فمن الجدير ذكره أن هذا البرنامج قد نشأ بالأساس بفضل نشاط اللاجئين أنفسهم وضغطهم.