التصوير الفوتوغرافي فن وحرفة جديدان في تاريخ العالم المديد. فإلى جانب توفيره أداة إبداع جديدة للفنانين، أتاح تثبيت المشهد بواسطة "المرآة ذات ذاكرة"، أي عدسة الكاميرا، توثيق المواقع والأحداث والأشخاص. ومنذ اللحظة الأولى لاختراعه، فتح التصوير الفوتوغرافي مجالات عديدة أمام علماء الآثار والطبيعة والعلوم الاجتماعية والصحافيين، الأمر الذي أدّى إلى انتشاره بسرعة فائقة في كافة أنحاء المعمورة ومنها فلسطين وعموم بلاد الشام
العثمانية ومصر
. وكانت فلسطين من أول المناطق خارج أوروبا التي وصلها التصوير وذلك في سنة 1839، وهو العام ذاته الذي أعلن فيه الفرنسي
وقد زار فلسطين بضع مئات من المصورين في القرن التاسع عشر، غالبيتهم من الأوروبيين الذين انصبّ اهتمامهم على تصوير المواقع المقدسة المرتبطة بالأحداث الإنجيلية والتوراتية. ولم يمضِ زمن طويل قبل أن يتحوّل التصوير إلى حرفة تُمارس محلياً على أيدي أبناء البلاد. ففي سنة 1860، على وجه التقريب، تأسست في القدس
مدرسة لتعليم التصوير وذلك في الحي الأرمني من
وإلى جانب رعد وكريكوريان، أسس السويدي
وفي النصف الأول من القرن العشرين انتشرت حرفة التصوير الفوتوغرافي على نطاق واسع في القدس وبرز عدد من المصورين الأرمن والعرب، منهم المصور حنّا تومايان الذي عمل في المدينة في بدايات القرن العشرين وقد اختص، كما تشير إعلاناته التجارية، بإنتاج صور البورتريه التي يظهر فيها زبائنه في أزياء مختلفة مثل الزي البدوي وأزياء رام الله وبيت لحم .
بالإضافة إلى من سبق ذكرهم، مارس المهنة في القدس أنطون ميخائيل كرمي
وأخوه
وقد احترف مهنة التصوير في عهد الانتداب في القدس مصورون عرب آخرون، منهم ديفيد عبدو الذي برع في التصوير الفني داخل الاستوديو عبر التلاعب بطباعة الصور بطريقة تظهر الشخص موضوع الصورة في عدة أوضاع في ذات الصورة. وقد انتقلت ممارسته الفوتوغرافية إلى بيروت بعد النكبة . وعملت معه في الاستوديو أخته مارغريت عبدو التي كانت تلون الصور يدوياً وربما التقطت بعضاً منها. أما سمعان السحّار ، وهو مصور مقدسي آخر، فقد عمل في المدينة في حقبة الانتداب وانتقل إلى بيت لحم بعد النكبة في إثر وقوع محترفه ضمن منطقة الحرام ما بين شطري القدس بعد النكبة. كذلك افتتح الأرمني كريكور إشخانيان محترفاً فوتوغرافياً في شارع يافا في المدينة لينتقل بعد تقسيم المدينة إلى داخل بلدة القدس القديمة في شارع الخانقاة في الحي المسيحي .
إضافة إلى مصوري مدينة القدس، فقد عمل في فلسطين مصورون آخرون، منهم المصور اليافاوي عيسى الصوابيني (من مواليد سنة 1875) الذي افتتح محترفاً في يافا قرب نهاية القرن التاسع عشر بعد تعلمه للحرفة في روسيا خلال دراسته لطب الأسنان هناك. وكذلك عمل في المدينة المصور داوود صابونجي مفتتحاً استوديو خاص به في العقد ذاته من القرن التاسع عشر. وقد ازدهر النشاط الفوتوغرافي أيضاً في حيفا والناصرة وبيت لحم قبل انتشاره في بقية أنحاء فلسطين.
ومن الجدير بالذكر أن أول امرأة في المنطقة تحترف التصوير الفوتوغرافي كانت النصراوية كريمة عبود التي افتتحت استوديو تصوير خاصاً بها في بيتها في مدينة بيت لحم. وعبود هي من مواليد 1894 وابنة القس سعيد عبود ، انتقلت إلى بيت لحم برفقة والدها الذي أصبح قسيس المدينة اللوثري. ويعتقد أنها تعلمت حرفة التصوير على يد مصور أرمني من القدس لا نعرف اسمه. باشرت عبود عملها كمصورة في سنة 1913، بداية في تلوين الصور ومن ثم في إنتاجها. ومن الجدير أن نذكر هنا أن كونها امرأة مكّن نساء بيت لحم من التصوير بحرية داخل الاستوديو، وبذلك فُتح المجال لهن لالتقاط صورهن في جو يناسب البيئة المحافظة في المدينة. وقد ذاعت شهرة كريمة عبود لدرجة أن نساء من غزة والقدس ويافا وحيفا أخذن يترددن عليها لالتقاط صورهن. ويتضح من مجموعة عبود أنها صورت في العديد من المدن الفلسطينية وبخاصة طبريا وحيفا وقيسارية . توفيت كريمة عبود سنة 1940 ولفترة طويلة تم تناسي اسمها ولم يرد ذكرها في أية من الدراسات الفوتوغرافية حول فلسطين وبلاد الشام حتى تمت إعادة اكتشاف أعمالها سنة 2000.
عمل أيضاً في بيت لحم عدد من المصورين الآخرين ولربما كان أولهم المصور زخريا أبو فحيلة (1885-1951)، ويوسف شامية الذي أسس محترفه سنة 1942 باسم "شركة المصورون الشرق أوسطيون"، وسمعان السحّار بعد انتقاله من القدس للمدينة في إثر وقوع مكان عمله في المنطقة الحرام سنة 1948. بعض هؤلاء تعلم التصوير على يد المصورين الأرمن في القدس أو لدى الاستوديوهات الأخرى في المدينة. أمّا في رام الله فقد افتتح يوسف قدورة أول استوديو في المدينة سنة 1935 وأسماه ستوديو مي نسبة لابنته. وقد تتلمذ قدورة أيضاً على يد أحد مصوري القدس الأرمن. وفي غزة، حيث انتشر التصوير بشكل واسع بعد النكبة الفلسطينية وذلك بسبب وصول مصورين لجأوا من يافا وغيرها من المناطق التي احتلتها إسرائيل آنذاك. منهم المصور الأرمني هرانت نكشيان .
ما ميّز التصوير المحلي المبكر هو اعتماده على الطلب على الصور، وبالتالي فقد تخصص المصورون في مجالات مختلفة. فمنهم من أنتج صوراً لتلبية الطلب المتزايد على صور البلاد المقدسة من قبل السيّاح والحجاج والتي ركزت على تصوير مواقع مرتبطة بالتاريخ الإنجيلي للبلاد، ومنهم من اختص بالتصوير داخل الاستوديو لتلبية الطلب على صور يرتدي أصحابها أزياء البلاد المقدسة، ولاحقاً على صور العرسان والصور الشخصية للمعاملات الرسمية. وخلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) تخصص عدد منهم في تصوير الجنود قبل ذهابهم للحرب في إثر إعلان النفير العام. ومما يجدر ذكره أن عدداً منهم تخصص في الصور العائلية والتي ظهرت فيها العائلات في تصوير داخل الاستوديو. وقد عمل البعض على تصوير الموتى لإبقاء ذكراهم حية لدى أقربائهم وخصوصا أولئك الذين لم يكن لهم صور وهم أحياء. ومع اقتراب نهاية الحكم البريطاني في فلسطين سنة 1948، كانت مهنة التصوير قد انتشرت بشكل واسع في كافة أرجاء البلاد.