على امتداد الشاطئ الرملي والصخري لمدينة اللاذقية يقع مخيم الرمل، ليشكل أكبر تجمع للفلسطينيين في الساحل السوري. وعلى الرغم من أن وكالة الأونروا لم تضفِ عليه صفة المخيم الرسمي، فإنها قررت أن تقدم لسكانه بعض الخدمات في مجالي التعليم والصحة.
بفضل تموضع بيوته على الشاطئ مباشرة، أصبح المخيم وجهة لبعض النشاطات الثقافية والفنية، فمثلاً صوّر على شاطئه الفيلم السوري "اليازرلي" الذي أخرجه المخرج العراقي قيس الزبيدي في سنة 1974.
تأثر مخيم الرمل إلى حد ما بالحرب التي عصفت بسورية في بداياتها، لكنه تضرر بصورة كبيرة جرّاء الكارثة الطبيعية التي تمثلت بالزلزال الذي ضرب بعض مناطق سورية الشمالية في السادس من شباط/ فبراير 2023.
نشأة المخيم وسكانه
حمل المخيم عدداً من الأسماء التي ارتبط بعضها بفلسطين، مثل "حي القدس" و"مخيم العائدين"، وبعضها الآخر بالطبيعة الجغرافية للموقع الذي أقيم فيه، مثل "مخيم الرمل" أو "حي الرمل الجنوبي". وهو يبعد عن مركز مدينة اللاذقية مسافة 3 كم، ويعود تأسيسه إلى سنة 1952 بحسب مصادر الهيئة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين العرب في سورية، إذ أقيم على أرض استملكتها الهيئة، وقدّرت مساحتها بـ 22.000م2. وقد حافظ مخيم الرمل لعقود عديدة على مداه الجغرافي، ثم صار، كغيره من المخيمات الفلسطينية التي أقيمت في سورية، يتوسع خارج مداه، وخصوصاً في اتجاه حي "الغراف" ومنطقة "الشاليهات الجنوبية".
ينحدر سكان مخيم الرمل بصورة رئيسية من مدن ساحلية فلسطينية، مثل حيفا ويافا وعكا، الذين انتقلوا عبر السفن من مدنهم إلى بيروت، ومنها إلى اللاذقية، كما ينحدرون من قرى عديدة مثل أجزم، وجبع، والصرفند وعتليت، وطيرة حيفا، وعين غزال، والطنطورة، والزيب وترشيحا. ويُعتقد أنه سكن المخيم في البدء عشر عائلات فلسطينية، كانت تعود بأصولها إلى مدينة حيفا. وبعد حرب حزيران/ يونيو 1967 نزح إليه عدد من الفلسطينيين، وبصورة رئيسية من قطاع غزة، وكان لمعظهم أقارب في مدينة اللاذقية، وبعضهم من الذين كانوا متطوعين في جيش التحرير الفلسطيني (قوات عين جالوت) وتزوجوا من فتيات من المخيم واستقروا فيه. ثم صار يتوافد إليه، بالتدريج، فلسطينيون كانوا قد سكنوا في مدن سورية، مثل دمشق وحلب ودرعا. وقدر عدد اللاجئين في المخيم، في سنة 2010، بـ 6728 نسمة بحسب إحصائية أجرتها دائرة اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2010. أما وكالة الأونروا، فتذكر أن المخيم كان يضم، قبل بدء النزاع في سوريا سنة 2011، أقل من 11,000 لاجئ فلسطيني.
البنى التحتية
نظراً إلى أن وكالة الأونروا لا تعتبر مخيم الرمل مخيماً رسمياً، فقد تشاركت مؤسسات الدولة السورية مع الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في تقديم الخدمات التي تتعلق بالمياه والكهرباء والصرف الصحي وغيرها لسكانه، وفي الإشراف عليها وإصلاح مواطن الخلل في سير عملها. بيد أن هذه الخدمات ظلت ضعيفة، وكان الضغط عليها كبيراً، ناهيك عن أن المناخ الرطب السائد في منطقة المخيم يتطلب الصيانة المتكررة للبنى التحتية، وهو ما لا يمكن ضمانه دوماً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني جرّاءها الدولة السورية.
تطور المساكن والطرقات
عند وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى مدينة اللاذقية الساحلية في سورية، اتخذ كل واحد منهم مساراً معيناً فيما يتعلق بسكنه، وذلك وفقاً لأوضاعه المادية. فمنهم من استأجر بيتاً في المدينة، ومنهم من أقام في المساجد أو في المعهد الزراعي في منطقة تسمى "بوقا"، وهي قرية صغيرة تابعة لمدينة اللاذقية، وذلك إلى حين تمّ إنشاء المخيم في مطلع خمسينيات القرن العشرين على تلال رملية مهجورة. وحينها، قامت وكالة الأونروا بتقديم معونات مالية لعائلات اللاجئين لمساعدتها على بناء بيوت لها، بحيث بنت كل عائلة بيتاً على قطعة أرض، اختلف حجمها من عائلة إلى أُخرى على أساس معيار عدد أفراد العائلة، وكان مكوّناً من طبقة واحدة، ويضم غرفتين: واحدة للإقامة والمنامة، والثانية للمنتفعات. وبقي الأمر على هذا الحال حتى أواخر سبعينيات القرن العشرين، عندما تطوّرت أشكال البيوت، بحيث صارت تظهر بيوت أمامها حدائق صغيرة ، يُزرع فيها الخضار والفواكه، وتحفر آبار للمياه فيها، كما صارت بعض بيوت المخيم تتوسع عامودياً لأكثر من طبقة واحدة للبيت.
لم يكن هناك طرقات معبدة في المخيم عند بداية اللجوء إليه، لكن في سنة 1970 تم تعبيد الشارع الرئيسي والوحيد فيه، الذي سمّي باسم أول شهيد في المخيم، وهو وليد أحمد زامل (الذي تسلل مع مجموعة من حركة "فتح" إلى الضفة الغربية واستشهد ورفاقه في 7 كانون الأول/ ديسمبر 1967 في معركة مع الجيش الإسرائيلي). ويصل هذا الشارع المخيم بمدينة اللاذقية، وقد زرعت على رصيفيه أشجار الكينا، التي كانت جميع الزواريب في المخيم مزروعة بها وبأشجار الدلب. وقد حَمَلت الأحياء في المخيم أسماء المدن والقرى الفلسطينية التي لجأ منها سكانه.
المياه
في سنة 1970 تم توصيل المياه الجارية إلى المخيم من خلال صنابير مياه عمومية توزعت في أحيائه. ولا يزال المخيم يعاني جرّاء شح في المياه، وخصوصاً في فصل الصيف. ويتأثر الوضع المائي من وضع الكهرباء، ذلك إنه عند انقطاع الكهرباء يصبح من الصعب استجرار المياه إلى المنازل، وخصوصاً إلى الطبقات فوق الأرضية، وهو ما جعل سكان المخيم يقومون بتركيب خزانات مياه كبيرة في الطبقات الأرضية عند مدخل الأبنية.
الصرف الصحي
تُعتبر مشكلة الصرف الصحي من أبرز المشكلات التي تواجه سكان المخيم، والتي تستفحل في فصل الشتاء، وذلك جرّاء وقوع المخيم في منطقة منخفضة، الأمر الذي يؤدي إلى انسدادات كبيرة في فوهات الصرف، فضلاً عن تهالك شبكات الصرف الصحي نتيجة تقادمها الزمني، وفقدان بعض فتحات الصرف الصحي أغطيتها، وهو ما يتسبب في انتشار الأمراض والروائح الكريهة، من جهة، وفي بروز خطر سقوط المارة فيها، من جهة أُخرى.
ولا بد من الإشارة إلى أن مياه الصرف الصحي لمدينة اللاذقية بصورة عامة، ولمخيم الرمل بصورة خاصة، يتم التخلص منها عن طريق المصبات التي تصب في مياه البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يؤدي إلى تلوث الشاطئ ومياهه، وهي مشكلة تتسبب في انتشار الهواء الملوث وبالتالي الأمراض.
الكهرباء
في سنة 1959 دخلت الكهرباء إلى المخيم، وكما هي حال المناطق السورية الأُخرى، فإن المخيم يعاني انقطاعات كهربائية متواصلة، فاقمتها الخسائر الكبيرة التي لحقت بشبكة الكهرباء نتيجة الحرائق التي اندلعت في مدينة اللاذقية وريفها في أواسط سنة 2023. وتؤدي مخالفات الكهرباء الكثيرة إلى زيادة الحمولة الكهربائية إلى حد لا تستطيع الناقلات تحمله، الأمر الذي يتسبب في أعطال كهربائية متكررة، تجعل الكهرباء منقطعة عن المخيم لأيام عديدة.
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية
العمل
استفاد اللاجئون الفلسطينيون في المخيم في السنوات الأولى التي أعقبت لجوئهم إليه من خبرة عملهم في موانئ المدن الساحلية الفلسطينية التي وفدوا منها، فعملوا في مرفأ مدينة اللاذقية وفي مجال صيد الأسماك، وقد ترأس بعضهم أكثر من مرة نقابة عمال الصيد البحري في الساحل السوري، كما عمل عدد آخر منهم في أعمال حرة متعددة وفي مجال الخدمات. وبعد صدور القانون رقم 260 لسنة 1956، الذي منح اللاجئين الفلسطينيين في سورية حقوق العمل التي يتمتع بها العمال السوريون، صار اللاجئون في المخيم يعملون في دوائر الدولة وفي منشآت القطاع العام
الصحة
يعاني المخيم من سوء الوضع الصحي بصورة عامة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى مساكنه المتهالكة بسبب الرطوبة العالية، وإلى مشكلة الصرف الصحي التي أشير إليها.
وعلى الرغم من كونه مخيماً غير رسمي، فإن وكالة الأونروا قررت في سنة 2015، التكفل بدفع تكاليف جمع النفايات في المخيم، وهو ما ساهم في تحسين الصحة البيئية، كما تعاونت الوكالة مع البلدية من أجل إصلاح الإنارة في المخيم، الأمر الذي ساعد على تجنب الكثير من الحوادث.
ومن جهة أُخرى، تقوم وكالة الأونروا بإدارة مركز صحي في المخيم، وتدير مركزاً للمرأة ومركزاً للمعاقين. كما يوجد في المخيم مستوصف يتبع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، فضلاً عن صيدلية ومختبر للتحاليل الطبية.
التعليم
يوجد في المخيم ومحيطه القريب عدد من المدارس، منها يتبع وزارة التربية السورية، مثل "مدرسة الشهيد يوسف نداف" الثانوية، ومدرسة "الرمل الجنوبي المحدثة" للتعليم الأساسي، كما يوجد فيه أربع مدراس ابتدائية وإعدادية تابعة لوكالة الأونروا هي: "مدرسة جبع" للتعليم الأساسي حلقة أولى ذكور، و"مدرسة عتليت" للتعليم الأساسي حلقة أولى إناث، و"مدرسة الخيرية" و"مدرسة مجد الكروم". ومنذ سبعينيات القرن الماضي، صار سكان المخيم يركزون على التعليم الثانوي ثم الجامعي، ويتمتع المخيم بمستوى تعليمي جيد، كغيره من المخيمات الفلسطينية في سورية، وإن كان أقل مستوى من مخيم النيرب في مدينة حلب على سبيل المثال، الذي بدأت فيه الحركة التعليمية والثقافية في فترة مبكرة.
علاقة السكان فيما بينهم وبالمحيط
ظلت الروابط الأسرية في مخيم الرمل متماسكة، وذلك بسبب صغر حجمه وقلة عدد سكانه، قياساً بالمخيمات الأُخرى. وقد خفف هذا التماسك على سكانه بعض الأعباء الاجتماعية وحتى الاقتصادية في أحيان عديدة. ونظراً إلى أن منطقة الرمل الجنوبي منطقة كبيرة نسبياً يغلب عليها الطابع الشعبي، ولأن المخيم يجاور ثلاث مناطق هي: منطقة سوق الخضار، وحي الغراف ومنطقة الشاليهات الجنوبية، فقد نسج سكانه علاقات وثيقة مع السكان السوريين في هذه المناطق، شملت علاقات في مجالات التعليم، والبيع والشراء، والزواج والمصاهرة. وعزز هذه العلاقات إقامة عدد من السوريين في المخيم سواء بصفتهم مستأجرين للمساكن أو مالكين لها.
حضور الفصائل الفلسطينية والمنظمات غير الحكومية
تنشط في مخيم الرمل عدة فصائل فلسطينية، لكن زخم نشاطها يظل أضعف من زخم نشاط الفصائل الفلسطينية الموجودة في مخيمات أُخرى. وشهد المخيم في الماضي نشاطاً لمجموعة "عائدون"، التي تعمل بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان، لكن هذا النشاط توقف في السنوات الأخيرة. أمّا المنظمات غير الحكومية الناشطة في المخيم، فهي منظمة "المعهد الأوروبي للتعاون والتنمية" (IECD ) التي تتمتع بخبرة في ثلاثة مجالات عمل هي: التدريب المهني، ودعم المؤسسات الصغيرة، وتوفير التعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن منظمة "موزاييك للإغاثة والتنمية الإنسانية"، و"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" UNDP))، و"الأمانة السورية للتنمية"، التي لم تعد فاعلة الآن.
المآسي التي تعرض لها مخيم الرمل
ذاق مخيم الرمل ويلات المآسي بمختلف أشكالها، ذلك إنه تأثر بالحرب التي عصفت بسورية في بداياتها، وهو ما أدى إلى نزوح الآلاف من سكانه. وبعد أن سيطر الجيش السوري مجدداً على المنطقة، عاد قسم من سكانه إلى مساكنهم، بينما كان قسم آخر منهم قد غادر البلد بصورة كلية، 2000 شخص وفقاً للأونروا. وفي السادس من شباط/ فبراير 2023، ضرب زلزال شديد المناطق الشمالية من سورية ومناطق أُخرى في تركيا، ما تسبب في تضرر ملايين الأشخاص، بمن فيهم سكان مخيم الرمل، الذي شهد وفاة عدد من سكانه وانهيار أو تصدع الكثير من أبنيته، والتجاء قاطنيها إلى الجوامع ومدارس الحكومة أو مدارس الأونروا. وبسبب الوضع الاقتصادي المتردي، لم يتمكن كثير من هؤلاء السكان من ترميم مساكنهم، كما لم يتمكن بعضهم من استئجار مساكن أُخرى داخل المخيم أو خارجه لعدم قدرتهم على دفع بدلات الإيجار.
وقد ناشدت الأونروا الدول المانحة كي توفر لها مبلغ 2.6 مليون دولار بصورة عاجلة لتغطية حاجات سكان مخيم الرمل.