الهبّة الفلسطينية في غزة
تسبّبها الغارة الإسرائيلية على معسكر للجيش المصري في غزة في 28 شباط/ فبراير. يطالب المتظاهرون بإنهاء مشاريع إعادة توطين اللاجئين، ولا سيما الخطة المشتركة التي وضعتها
اتسمت هبّة آذار/ مارس 1955
ضد مشروع توطين قسم من لاجئي قطاع غزة
في شمال غرب صحراء
خلفية الهبة
بلغ عدد سكان قطاع غزة في مطلع سنة 1948 نحو 80 ألف نسمة. وقد تضاعف هذا العدد ثلاث مرات تقريباً، بعد أن تدفق إلى القطاع، خلال حرب فلسطين وبعدها مباشرة، ما يقرب من 200 ألف لاجئ من مدن وقرى فلسطين المختلفة، توزعوا على ثمانية مخيمات. وكان قطاع غزة قد أصبح، بعد توقيع اتفاقية الهدنة بين إسرائيل ومصر في 24 شباط/ فبراير 1949، خاضعاً لسلطة الحاكم الإداري العام المصري، الذي تمتع بالصلاحيات نفسها التي كان يتمتع بها، قبل النكبة ، المندوب السامي البريطاني.
كانت الحكومة المصرية، التي انبثقت عن
وكانت سنة 1953 قد شهدت بداية الاعتداءات الواسعة التي صارت تشنها القوات الإسرائيلية على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، للحد من الهجمات الفردية التي كانت تستهدف المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة لحدود القطاع. ففي ليلة 28 آب/ أغسطس من ذلك العام، قامت وحدة عسكرية إسرائيلية بشن هجوم على مخيم
الغارة الإسرائيلية في 28 شباط/ فبراير 1955
في أوائل سنة 1954، تكثفت مساعي وزير الخارجية الأميركي،
بيد أن أنصار النزعة التوسعية في إسرائيل لم يكونوا مستعدين للتقدم في اتجاه السلام مع مصر، وهو ما تأكد إثر الكشف عن "الفضيحة" التي ارتبطت باسم وزير الدفاع الإسرائيلي بنحاس لافون ، الذي نظم شبكة تجسس داخل مصر وكلفها بالقيام بعمليات تخريبية ضد أهداف مصرية وبريطانية وأميركية مختارة بهدف التسبب في إشاعة جو من عدم الاستقرار في مصر وحث الحكومة البريطانية على إبقاء قواتها في منطقة قناة السويس. كما تأكد، بصورة أوضح، من خلال قيام وزير الدفاع الجديد ديفيد بن غوريون ، الذي تسلّم منصبه في 21 شباط 1955 بعد استقالة لافون، بتدشين سياسته المتشددة بغارة عسكرية مدمرة على قطاع غزة، كانت الأعنف منذ توقيع اتفاق الهدنة بين إسرائيل ومصر.
ففي مساء 28 شباط/ فبراير 1955، وبذريعة مقتل أحد الإسرائيليين في مستوطنة "رحوفوت
" جراء نشاط المتسللين الفلسطينيين، قامت وحدة مظلات تابعة للجيش الإسرائيلي بمهاجمة معسكر عسكري مصري قرب محطة سكة الحديد في مدينة غزة
، أسفر عن مقتل سبعة عشر جندياً وهم نيام. ثم نصبت كميناً لقوة مصرية هرعت لنجدة جنود المعسكر، ما أسفر عن مقتل عدد آخر من الجنود المصريين، ليبلغ عدد ضحايا الجيش المصري 38 قتيلاً ونحو 33 جريحاً. وعقب تلك الغارة، انعقد
الرد الشعبي على مشروع توطين اللاجئين
كانت التحركات الشعبية ضد مشروع التوطين في سيناء قد انطلقت منذ قيام الصحف المصرية بالتلميح إليه في أيار/ مايو سنة 1953. بيد أن هذه التحركات اتخذت أبعاداً جديدة عقب العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة. فغداة ذلك العدوان مباشرة، أي في الأول من آذار 1955، انطلقت تظاهرة حاشدة من مدرسة "فلسطين الرسمية" في مدينة غزة، بمشاركة معلمي المدرسة وطلابها وسائقي السيارات والباصات وأصحاب الدكاكين، الذين راحوا يهتفون: "لا توطين ولا إسكان/ يا عملاء الأمريكان"، "كتبوا مشروع سيناء بالحبر/ وسنمحو مشروع سيناء بالدم". فواجهتهم قوات الشرطة المصرية بالرصاص الحي، مما أدى إلى مقتل حسني بلال عامل النسيج من مدينة المجدل واللاجئ إلى غزة. ولم تقتصر التظاهرة على مدينة غزة، بل انتشرت التظاهرات في بقية مدن القطاع وقراه ومخيماته، بحيث امتدت من بيت حانون شمالاً وحتى رفح جنوباً، وشهدت قيام المتظاهرين بإحراق سيارات المسؤولين العسكريين المصريين وبمهاجمة المقرات التابعة لهيئة الأمم المتحدة ومخازن وكالة "الأونروا".
وحافظت التظاهرات الشعبية على زخمها خلال الأيام التالية، وتشكّلت من ممثلي الشيوعيين و
أما الحاكم الإداري العام لقطاع غزة، اللواء عبد الله رفعت ، الذي هرب إلى مدينة العريش عقب اندلاع التظاهرات، فأصدر بياناً استجاب فيه لمطلب اللجنة الوطنية العليا الرئيسي بإلغاء مشروع التوطين في سيناء، ووعد بإقرار قانون لتدريب سكان المخيمات وتسليحهم، وإشاعة الحريات العامة في القطاع، كما وعد بعدم المساس بأي شخص شارك في التظاهرات.
لكن وعوده هذه ذهبت أدراج الرياح، إذ قام باستدعاء كتائب من الجيش المصري المرابطة في صحراء سيناء، ونظم، ليلة 8-9 آذار/ مارس 1955، حملة اعتقالات واسعة شملت أعضاء اللجنة الوطنية العليا، وعدداً كبيراً من المدرسين والطلاب والعمال، الذين اقتيدوا إلى سجن غزة المركزي ومنه إلى محطة العريش، ومن هناك نُقلوا إلى سجن مصر العمومي، ولم يُطلق سراحهم إلا في مطلع تموز/ يوليو 1957. كما أصدر قراراً يقضي بحل نقابة معلمي مدارس وكالة "الأونروا"، وأمر بفرض عقوبات صارمة على كل من يحرض على الإضراب أو الاعتصام.
ما بعد هبة آذار
شكلت الغارة الإسرائيلية على مواقع الجيش المصري في قطاع غزة في 28 شباط 1955، ثم التظاهرات الشعبية التي شهدها القطاع في الأسبوع الأول من آذار 1955 ضد مشروع التوطين، منعطفاً في مسار ثورة 22 تموز/ يوليو المصرية وتوجهات قادتها، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، الذي أعلن، في خطاب أمام طلبة