في ما يشكل خرقاً جسيماً لـ اتفاق حبيب
، تقوم القوات الاسرائيليّة بتطويق مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين وحي صبرا في بيروت
، وتنصب مراكز للمراقبة تطلّ عليهما، ثمّ ترسل قوات الكتائب اللبنانية
التي تذبح ما لا يقل عن 3,000 مدنيّ (يتراوح العدد بحسب المصادر بين 2,000 و4,500)، ليس كلهم فلسطينيين، إنما أيضاً لبنانيّون وعرب. كان اتفاق حبيب قدّم ضمانة أميركية لـ منظمة التحرير الفلسطينية
في ما يخص حماية المدنيين الفلسطينيين في بيروت، وتطمينات إسرائيلية لـ
وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا
التي أودت بحياة أكثر من ثلاثة آلاف مدني فلسطيني ولبناني خلال ثلاثة أيام (بين 16 و18 أيلول/ سبتمبر 1982) في أعقاب انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية
من بيروت
، وذلك على الرغم من التطمينات المعطاة بشأن حماية المدنيين. وفي أقل من أربع وعشرين ساعة، أضحت المجزرة الحدث الأهمَّ في الأنباء العالمية، وتناقلت صورها قنوات التلفزة الأجنبية والمحلية، كما زار مواقعها في اليوم التالي لخروج المهاجمين منها، عدد من الكتاب والصحافيين الأجانب البارزين، ومن بينهم الفرنسي
يُعتبر مخيم شاتيلا للاجئين من أوائل المخيمات الفلسطينية التي أقيمت في بيروت، ومن أصغرها مساحة. ومع تكاثر عدد سكانه، صارت بيوت لاجئيه المتواضعة تمتد إلى جواره في حي صبرا ، الأمر الذي جعل الحديث الشائع يدور عن مخيمين هما: صبرا وشاتيلا. وقبل وقوع المجزرة كان يقطن هذين "المخيمين"، بالإضافة إلى سكانهما الفلسطينيين، عدد كبير من اللبنانيين والسوريين والمصريين والأردنيين وسواهم.
في 6 حزيران/ يونيو 1982، اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان
حتى وصلت مشارف عاصمته بيروت وفرضت عليها حصاراً استمر ثلاثة أشهر تقريباً، واجهته القوات المشتركة الفلسطينية- اللبنانية بمقاومة شديدة. وبعد مساع دبلوماسية حثيثة، توصل المبعوث الأميركي
وبعد أيام قليلة من اكتمال رحيل آخر دفعة من المقاتلين الفلسطينيين عن بيروت، في 1 أيلول 1982، أعرب رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات
لمبعوثَين فرنسيين زاراه في مقر إقامته في
وبعد ظهر يوم 14 أيلول 1982، وقع انفجار ضخم في مقر ميليشيا القوات اللبنانية (التابعة لـحزب الكتائب ) في بيروت الشرقية أودى بحياة قائدها بشير جميّل ، الذي كان البرلمان اللبناني انتخبه في 23 آب 1982 رئيساً للجمهورية، فقام الجيش الإسرائيلي صبيحة اليوم التالي باقتحام بيروت الغربية، بذريعة المحافظة على الأمن في المدينة، وطوَّق المخيمات الفلسطينية وأقفل المعابر المؤدية إليها ومنع سكانها من المغادرة، ثم راح منذ صباح الخميس 16 أيلول يشدد قصفه مخيم شاتيلا، وعلى الأخص مدخله الجنوبي، الذي بدأت عنده المجزرة، وتحت إشراف جنوده وحمايتهم، دخلت المخيم بعد غروب ذلك اليوم ميليشيات مسلحة من القوات اللبنانية ومن قوات الرائد المنشق عن الجيش اللبناني سعد حدّاد (القوات العميلة لإسرائيل في جنوب لبنان ) ومن ميليشيا حراس الأرز اليمينية، وراحت على مدى ثلاثة أيام تقريباً، تقتل وتعذب كل من يصادفها، من دون تمييز بين فلسطيني ولبناني، ولم تسلم حتى المستشفيات من عدوانها، حيث اقتحمت الميليشيات في 17 أيلول مستشفى عكا، وقتلت بوحشية عدداً من الأطباء والممرضات والمرضى الفلسطينيين المتواجدين فيه.
ويصف الصحافي الإسرائيلي أمنون كابليوك بعض مشاهد تلك المجزرة فيكتب:
بدأت المذبحة في الحال، واستمرت أربعين ساعة من دون انقطاع... خلال الساعة الأولى قتل المسلحون مئات الأشخاص، كانوا يطلقون النار على كل من يتحرك في الأزقة. حطموا أبواب المنازل وصفّوا أسراً بأكملها كانت تتناول العشاء، وقُتل بعض الأهالي في أسرَّتهم وهم في لباس النوم، كما وُجد في العديد من المساكن أطفالٌ في الثالثة أو الرابعة من العمر تغطيهم بطانيات ملطخة بالدماء... وكانوا أيضاً في لباس النوم. في حالات عديدة، كان المعتدون يبترون أعضاء ضحاياهم قبل القضاء عليهم، ويسحقون رؤوس الأطفال والرضع على الجدران. نساء وصبايا اغتُصبن قبل أن يُذبحن بالبلطات، وكان الرجال يُجَرّون من بيوتهم ليعدموا في الشارع جماعياً وعلى عجل. نشر المسلحون الرعب وأخذوا يبيدون دون تمييز، الرجال والنساء والأطفال والشيوخ... لقد عُثر على أيدٍ نسائية بُترت عن المعصم كي تمكن سرقة المجوهرات منها.
وتواصلت عمليات القتل طوال ثلاث وأربعين ساعة، من السادسة غروبَ شمس الخميس 16 أيلول حتى الواحدة ظهر السبت 18 منه. أما عدد قتلى هذه المجزرة، فقد تباينت المصادر في تقديره، فمع أن بعضها قدّر العدد بما بين 4,000 و 4,500 ضحية، إلا أن من شبه المؤكد أن عددهم لم يكن أقل من 3,500 ضحية، نجحت الجرافات خلال الأيام الثلاثة للمجزرة في إخفاء مئات من جثثهم تحت الركام، أو دفنهم في مقابر جماعية. ويعتقد أمنون كابليوك أن مجزرة صبرا وشاتيلا "ارتُكبت عمداً"، وأن الهدف من ورائها "كان إحداث هجرة فلسطينية كثيفة من بيروت ومن لبنان".
لم تنكر الحكومة الإسرائيلية إشرافها على المخيمات الفلسطينية وقتَ المجزرة، إذ طوقتها منذ الساعات الأولى لدخولها بيروت الغربية، غير أنها أنكرت معرفتها بوقوعها، علماً بأنه جاء في البلاغ رقم 6 لقيادة الجيش الإسرائيلي صباح 16 أيلول، اليوم الأول للمجزرة، الأمر القاضي بـ "عدم دخول مخيمات اللاجئين" لأن "الكتائبيين والجيش اللبناني سيقومون بعمليات التفتيش والتمشيط" داخلها.
أما الذريعة الإسرائيلية للإقدام على العملية بعد حصار المخيمات، فكانت أن ألفين وخمسمئة مقاتل فلسطيني كمنوا في المخيمات ولم يغادروها بعد إجلاء المقاتلين من بيروت. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت " بينما كانت المجزرة في أوجها، عن رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن قوله: "بقي مخرِّبون كثيرون هناك مع أسلحتهم، وهذا ما تأكدنا منه خلال الليلتين الأخيرتين".
بيد أن كل هذه الذرائع لم تقنع قطاعات واسعة من الرأي العام الإسرائيلي، الذي صدمته بشدة أخبار المجزرة وصورها، فتظاهر في 25 أيلول في شوارع تل أبيب ، بدعوة من "حركة السلام الآن "، حوالى 400,000 إسرائيلي وإسرائيلية للتعبير عن استنكارهم المجزرة، ومطالبتهم بتشكيل لجنة تحقيق للكشف عن مسؤولية الحكومة الإسرائيلية في وقوعها.
وقد اضطر مناحيم بيغن وحكومته، تحت ضغط الشارع الإسرائيلي، إلى إصدار قرار وزاري في 28 أيلول بتشكيل لجنة للتحقيق في "الفظاعات التي ارتكبتها وحدة من القوات اللبنانية ضد السكان المدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا"، على أن يرأسها القاضي يتسحاق كاهان
رئيس
وغداة وقوع المجزرة، دخلت وحدات من الجيش اللبناني المخيمين وانتشرت في أحياء بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية، ودعا مجلس الوزراء اللبناني رسمياً حكومات الولايات المتحدة الأميركية و
في 21 أيلول، انتخب مجلس النواب اللبناني أمين جميّل رئيساً جديداً للجمهورية خلفاً لأخيه بشير، وبدأ جنود القوة المتعددة الجنسيات يصلون تباعاً إلى بيروت اعتباراً من مطلع الأسبوع الأخير من أيلول. وقامت وحدات فرنسية بالانتشار في محيط مخيم صبرا، وانتشرت وحدات إيطالية على طول الحدود الجنوبية لمخيم شاتيلا، بينما راحت وحدات الجيش الإسرائيلي تنسحب من بيروت الغربية بالتزامن مع وصول القوة المتعددة الجنسيات.