رداً على العمليات الفدائيّة التي تشنّها "فتح " من داخل سوريا ، يقوم سلاح الجو الإسرائيليّ بتدمير جرارات ومعدات ميكانيكيّة سوريّة جنوب شرق الماجور كانت تُستخدم لتحويل مياه نهر بانياس عن نهر الأردن .
شهدت الفترة بين عامَي 1967 و1972 ذروة الصراع العربي الإسرائيلي في بُعده الدولي، ففي حرب عام 1967 هزمت إسرائيل ثلاثة جيوش عربية واستطاعت السيطرة على فلسطين التاريخية كلها، لتركّز "دول المواجهة" العربية جهودها بعد ذلك على استرجاع الأراضي التي خسرتها. وعاد الفلسطينيون خلال تلك الفترة إلى المشاركة الفاعلة في الصراع، فنمت أساليب حرب العصابات داخل الفصائل الفلسطينية المسلحة، وعلى رأسها حركة "فتح "، التي سيطرت في نهاية المطاف على منظمة التحرير الفلسطينية ومنحتها روحاً وأهمية جديدتين.
كان التوتر بين العرب وإسرائيل قد اشتد قبل عامين من اندلاع حرب عام 1967، بسبب دعم سوريا
العمليات في الداخل الإسرائيلي التي كان يقوم بها مقاتلو "فتح" انطلاقاً من الأراضي التي يسيطر عليها الأردن
، وردّت إسرائيل من جهتها على هذه العمليات بغارات عبر الحدود ضد أهداف فلسطينية وعربية، وكان أشد هذه الغارات وأعنفها يوم 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1966 على قرية السموع
في الضفة الغربية
، حيث أسفرت عن خسائر بشرية كبيرة، كما كانت مناوشات متكررة تقع بين القوات الإسرائيلية والسورية بالقرب من المنطقة المنزوعة السلاح، إلى أن شهد يوم 7 نيسان/ أبريل 1967 معركة حقيقية، جوية وبرية، بين إسرائيل وسوريا، رافقتها تهديدات إسرائيلية ضد النظام السوري وتبعتها تقارير كاذبة مررها المسؤولون السوفييت إلى الحكومة المصرية عن حشد عسكري إسرائيلي على الحدود السورية. وعلى رغم أن مصر
وسوريا كانتا وقّعتا معاهدة دفاع مشترك في تشرين الثاني 1966، إلا أن الرئيس المصري والزعيم العربي البارز وقتها جمال عبد الناصر
، لم يكن متشوقاً لوقوع الحرب (وخصوصاً بعد أن دفع بقوات مصرية كبيرة إلى
وفي استعراض للقوة تجاه إسرائيل، أمر عبد الناصر جيشه بالتعبئة العامة في 14 أيار/ مايو 1967، ولكن سرعان ما دحرج ذاك الاستعراض الأحداث نحو الحرب، على الرغم من الجهود الدولية لحل الأزمة، ففي 19 أيار طرد عبد الناصر قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة
المتمركزة بين القوات المصرية والإسرائيلية في قطاع غزة
و
وكسرت إسرائيل المواجهة الصامتة والمتوترة في 5 حزيران/ يونيو، ففاجأت الجبهات العربية بغارات جوية مفاجئة وشاملة وصاعقة على المطارات المصرية، مدمِّرة أكثر من 300 طائرة، ومبيدة عملياً القوة الجوية المصرية عن بكرة أبيها. وبعد بضع غارات جوية غير فاعلة على إسرائيل من الطائرات السورية والعراقية، هاجمت القوة الجوية الإسرائيلية القواعد الجوية الأردنية والعراقية لاحقاً في ذلك اليوم، فدمّرت المزيد من الطائرات، بالتزامن مع اجتياح القوات البرية الإسرائيلية غزة وسيناء واحتلالهما في ثلاثة أيام. وفي يوم 5 حزيران المشؤوم أيضاً، عبرت القوات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية واستولت على القدس الشرقية بعد معارك طاحنة مع الجيش الأردني، وسرعان ما أصبح كامل الضفة الغربية في يديها. وعلى الرغم من موافقة سوريا على وقف لإطلاق نار اقترحته الأمم المتحدة في 9 حزيران، إلا أن القوات الإسرائيلية استمرت بمهاجمة مواقع سورية في مرتفعات الجولان ، ولم يتوقف العدوان الإسرائيلي إلا في 10 حزيران، ليوافق الجميع في اليوم التالي على وقف إطلاق النار.
شكلت الحرب هزيمة مدمرة للعالم العربي، الذي أطلق عليها تخفيفاً اسم "
كانت نتائج الحرب الكارثية خسارة مصر صحراء سيناء، ولم تعد قناة السويس صالحة للملاحة والإبحار ومرور السفن عبرها، نظراً إلى أنّها تحولت خط مواجهة بين القوات المصرية والإسرائيلية، وخسرت سوريا كذلك مرتفعات الجولان المهمة إستراتيجيّاً. أما الفلسطينيون، فقد احتل الإسرائيليون أرضهم في قطاع غزة التي كانت خاضعة للإدارة المصرية، والضفة الغربية التي كانت قد ضُمت إلى المملكة الأردنية الهاشمية ، ما يعني وصول إسرائيل للمرة الأولى إلى السيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية. ومن النتائج الأكثر مأسوية للحرب، خسارة القدس الشرقية وطرد أو دفع حوالى 400,000 فلسطيني من الأراضي المحتلة إلى النزوح نحو الأردن.
دمرت القوات الإسرائيلية في القدس الشرقية فور احتلالها 135 منزلاً بغية افتتاح ساحة للحجاج اليهود مكانها، وشرّدت بذلك 600 فلسطيني من حارة المغاربة قرب حائط البراق . وفي 28 حزيران، أعلنت إسرائيل ضمّ القسم الشرقي من المدينة وأحياء محيطة به إلى إسرائيل، فوسّعت بذلك في شكل كبير حدود المنطقة الملحقة ببلدية القدس الغربية .
سمحت إسرائيل فور احتلالها الأراضي الجديدة لليهود ببناء مستعمرات فيها، متحدّية بذلك
أعلن العالم العربي في القمة العربية، الخرطوم
في 29 آب/ أغسطس 1967 "اللاءات الثلاث"، وهي: "لا صلح مع إسرائيل" و"لا اعتراف بإسرائيل" و"لا مفاوضات مع إسرائيل". أما مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
، فتبنى في 22 تشرين الثاني 1967، بعد أشهُرٍ من النقاشات الحامية، القرار رقم 242
الذي نصَّ على صيغة "الأرض مقابل السلام" كأساس للسلام العربي الإسرائيلي، وعيَّن الدبلوماسي السويدي
أعادت الهزيمة العربية في سنة 1967، بما فيها احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، المشكلة الفلسطينية إلى الواجهة، وتعهدت المجموعات الفلسطينية المسلحة المعروفة باسم الفدائيين، وعلى رأسها "فتح"، بإكمال درب المقاومة العربية.
وعلى الرغم من أن تخطيطها لإثارة انتفاضة ضد إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة لم ينجح في الأشهر الثلاثة الأولى للاحتلال، فقد بدأت "فتح" تنظيم غارات مسلحة على إسرائيل عبر الحدود الفلسطينية، وسرعان ما تأسّست جماعات فلسطينية أخرى تتبع منهاج الكفاح المسلح في صراعها مع إسرائيل، لا سيما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (في كانون الأول/ ديسمبر 1967). وارتفعت شعبية الفدائيين، و"فتح" بصورة خاصة، في شكل كبير ولافت نتيجة معركة الكرامة في 21 آذار 1968.
حدثت المعركة إثر غارة إسرائيلية كبيرة على الأراضي الأردنية هدفت إلى تدمير قاعدة للفدائيين في قرية الكرامة
في
أما منظمة التحرير الفلسطينية، فقد عانت -كما الأنظمة العربية- من التداعيات السياسية السلبية للهزيمة، فباتت فاقدة المصداقية بشكل كبير، كونها أنشئت بقرار من مصر و
وسرعان ما أدت الأعداد المتزايدة لقوات الفدائيين في الأردن إلى تصعيد المواجهة العسكرية مع إسرائيل، في حين تسبب تحول التنظيمات الفلسطينية إلى دولة داخل الأردن بتوتر حاد في العلاقة مع النظام الأردني ظل يتصاعد إلى أن اختطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثلاث طائرات في أوائل أيلول/ سبتمبر 1970 وحطت بها في مطار منطقة الأزرق الصحراوية شمال شرق الأردن، متخذة الركاب رهائن، فعندها أمر الملك حسين بإبعاد قوات منظمة التحرير الفلسطينية إلى خارج عمّان ، فخاض جيشه 10 أيام من القتال الشرس والعنيف مع قوات الفصائل الفلسطينية عُرفت بـ"أيلول الأسود "، لترتب الجامعة العربية على أثرها هدنة نصت على انسحاب مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من عمان إلى شمال الأردن، لكنهم لم يلبثوا أن طُرِدوا من هناك أيضاً في جولة أخرى من القتال في تموز 1971.
وبغية الثأر للضربة الموجعة التي أنزلها الملك حسين بالفلسطينيين، قامت فصيلة من "فتح" أطلقت على نفسها اسم أيلول الأسود، باغتيال رئيس الوزراء الأردني وصفي التل
في القاهرة
في تشرين الثاني 1971، وهي المجموعة نفسها التي اختطفت فريقاً من الرياضيين الإسرائيليين في الألعاب الأولمبية في
وعلى رغم طرح كثيرين وقتها تساؤلات حول فاعلية
ومع نهاية تلك الحقبة، وعلى الرغم من نكسة سنة 1967 واغتصاب إسرائيل كامل فلسطين التاريخية، يمكن القول إن الفلسطينيين أثبتوا وقتها أنهم يرفضون التسليم بهدوء بالواقع المرّ، بل استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم لاعبين فاعلين في الصراع العربي الإسرائيلي.