Overall Chronology

Overall Chronology

Highlight
II- الاحتلال البريطاني وعهد الانتداب المبكر
1917–1936

بعد إطلاق بريطانيا حملة فلسطين سنة 1917 خلال الحرب العالمية الأولى ومع قرب احتلال قواتها لمدينة القدس، قامت بإصدار وعد بلفور الذي أعربت فيه عن دعمها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وعلى الرغم من الارتياح الذي شعر به الفلسطينيون إثر توقف الحرب العصيبة وانتهاء حكم العثمانيين (الذين كانت شعبيتهم في تراجع متزايد خلال السنوات التي سبقت الحرب)، إلا أنهم أدركوا في الوقت نفسه أن الجهود الرامية إلى استقلال العرب كانت تُقوَض لصالح نظام سيتمتع بدعم عصبة الأمم ، وسيقسِّم بلاد الشام إلى خمسة كيانات تحت الانتداب البريطاني والفرنسي، وسيضع فلسطين، على وجه الخصوص، تحت الانتداب البريطاني، مع تنفيذ وعد بلفور كجزء لا يتجزأ من هذا الأخير.

أدّت موجات الهجرة اليهودية، على رغم عدم انتظامها، إلى زيادة كبيرة في عدد السكان اليهود في فلسطين، كما نمت المؤسسات الصهيونية وازدادت قوة ورسوخاً ضمن مؤسسات سلطة الانتداب. وفيما سعى القادة السياسيون الفلسطينيون إلى مواجهة الإدارة البريطانية، تشكّلت مقاومة شعبية اتخذت من حين إلى آخر شكل اشتباكات عنيفة، لعل أهمها انتفاضة البراق سنة 1929، وتظاهرات واسعة الانتشار ضد البريطانيين سنة 1933، حتى باتت فلسطين بأكملها في نهاية سنة 1935 على مشارف ثورة شاملة.

شهد صيف سنة 1919 مساعي ثبَّتت القوى الأوروبية من خلالها سيطرتها على الأقاليم العربية في الإمبراطورية العثمانية السابقة، وقوّضت الجهود المبذولة من أجل تقرير المصير العربي، ففي حزيران/ يونيو وُقّعت معاهدة فرساي وميثاق عصبة الأمم، اللذان مهَّدا لنظام ما بعد الحرب العالمية الأولى، الذي اعتبر الأقاليم العربية "أمماً مستقلة" تجب مساعدتها من طريق الانتداب في مسيرتها نحو تحقيق كيانها المستقل.

في السنة ذاتها، وفي مطلع شهر حزيران، انعقد المؤتمر السوري العام في دمشق بمشاركة مندوبين فلسطينيين، وفي المؤتمر العام السوري الثاني الذي انعقد في 7-8 آذار/ مارس 1920، انتَخبت وفود من جميع مناطق بلاد الشام الأمير فيصل ابن الشريف حسين ، ملكاً على سوريا (التي كانت تشمل آنذاك لبنان وفلسطين و شرق الأردن أيضاً)، لكن القوى الغربية سرعان ما أفشلت دولة فيصل، فخلعه الفرنسيون في تموز سنة 1920، الذين كانوا قد اتفقوا مع البريطانيين، في مؤتمر سان ريمو للسلام في نيسان/ أبريل سنة 1920، على وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين والعراق تحت الانتداب البريطاني، على رغم تأكيد تقرير لجنة كينغ - كرين المرسلة إلى بلاد الشام في أيار/ مايو سنة 1919، رغبةَ سكانها العرب بالاستقلال، والقلق البالغ إزاء تأييد بريطانيا الصهيونية كما عُبِّر عنه في وعد بلفور سنة 1917.

وشهد شهر نيسان 1920 أول اشتباكات عنيفة بين الفلسطينيين واليهود في مدينة يافا ، قُتل فيها خمسة من اليهود وجُرح مائتان، في حين قُتل أربعة فلسطينيين وجُرح 21. وعزت لجنة تحقيق شكّلها البريطانيون أسباب تلك الاضطرابات إلى خيبة الأمل التي أصابت الفلسطينيين بسبب عدم الوفاء بوعود الاستقلال، و"خشيتهم أن يتم إخضاعهم اقتصادياً وعسكرياً للصهاينة". وأجج مخاوفَ الفلسطينيين كثيراً تعيين السير هربرت صموئيل ، البريطاني الصهيوني البارز، مندوباً سامياً في فلسطين.

في أيار 1921، امتدت مواجهات بين فصائل صهيونية متنافسة إلى يافا، ما دفع الفلسطينيين إلى الاحتجاج على الهجرة اليهودية وتسبب في مواجهات عنيفة قُتل فيها 47 يهودياً و 68 فلسطينياً. في الوقت ذاته، كان الفلسطينيون يتحركون سياسياً ودبلوماسياً ضد الدعم البريطاني للصهيونية، فأنشأوا في المدن الكبرى جمعيات إسلامية- مسيحية عقدت ثلاثة مؤتمرات وطنية بين كانون الثاني/ يناير 1919 وآب/ أغسطس 1922، وانتخبت لجاناً تنفيذية، كما زارت ثلاثةُ وفود فلسطينية لندن سنتي 1921 و1922 من أجل عرض قضيتها والمطالبة بسياسة تعطي الأولوية لحقوق العرب الفلسطينيين واحتياجاتهم، لكن تلك الزيارات لم تلق آذاناً صاغية لدى بريطانيا، التي مضت قدماً في تنفيذ عهودها للصهيونية، وسعت في الوقت ذاته إلى توضيحها، فوَرَدَ في الكتاب الأبيض صدر في حزيران 1922، أن نية بريطانيا كانت دعم قيام وطن قومي لليهود "في" فلسطين، وليس أن تتحول فلسطين بكاملها وطناً لهم، وربطت تلك الوثيقةُ تنظيم الهجرات اليهودية إلى فلسطين بالقدرة الاستيعابية الاقتصادية للبلد. وفي تموز 1922، صادقت عصبة الأمم على نظام الانتداب البريطاني لفلسطين، الذي أعاد التأكيد في بنود عدة على التزام البريطانيين بالمشروع الصهيوني، وفي أيلول/ سبتمبر 1923 دخل هذا النظام رسمياً حيز التنفيذ.

كانت السنوات بين سنتي 1923 و1929 هادئة نسبياً، لكن الوطن القومي لليهود واصل نموه، فمن سنة 1918 إلى سنة 1929 تم بناء حوالى ستين مستعمرة صهيونية، وارتفعت نسبة ملكية الصهاينة للأراضي من 2.04 في المئة من المساحة الإجمالية للبلاد سنة 1919، إلى 4.4 في المئة سنة 1929، وزادت الهجرات نسبة السكان اليهود من 9.7 إلى 17.6 في المئة خلال الفترة ذاتها، كما واصلت المؤسسات الصهيونية في فلسطين إثبات ذاتها: ففي آب 1929 تم إنشاء الوكالة اليهودية لتمثيل الطوائف اليهودية عبر العالم، وواصل البريطانيون تفضيل المصالح الصهيونية على مبدأ تقرير المصير أو أي بنية من شأنها إعطاء الفلسطينيين سلطة سياسية تتناسب مع ثقلهم الديموغرافي.

بلغ الإحباط الفلسطيني ذروته سنة 1929، إثر قيام صهاينة تصحيحيين يمينيين بالتوجه في تظاهرة نحو حائط البراق (البراق) للحرم القدسي، وهو مكان مقدس عند اليهود والمسلمين، للاحتجاج على ما يسمى "الوضع القائم "، وهو الوضع الذي حكم مدى قرون الحقوقَ في المواقع الدينية بفلسطين وأدار آلية الدخول إليها. وأحدث التهديد بانتهاك نظام الوضع الراهن ردود فعل عنيفة لدى الفلسطينيين، فخرجت تظاهرات واندلعت أعمال شغب في جميع أنحاء البلاد، كان أشدّها في القدس والخليل وصفد ، كشفت عن عمق رفض الفلسطينيين فرْضَ المشروع الصهيوني ضد إرادتهم، ودفعت البريطانيين إلى النظر في النتائج بعيدة المدى لسياستهم المؤيدة للصهيونية. وفي آذار 1930، أكدت لجنة تحقيق (لجنة شو ) أن الفلسطينيين يرون في الهجرة اليهودية خطراً اقتصادياً وسياسياً في آن، وخلص تقرير آخر (تقرير جون هوب سمبسون ) نشر في تشرين الأول/ أكتوبر، إلى أنه لم تعد ثمة أراض إضافية من أجل إقامة مستوطنات زراعية لليهود المهاجرين الجدد عليها. وفي الشهر نفسه ، أصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيض آخر(كتاب باسفيلد الأبيض (1930) )، أخذت فيه بعين الاعتبار ما خلصت إليه تلك التقارير، ودعت إلى إيلاء شكاوى الفلسطينيين المزيد من الاهتمام. لكن الانتقاد الصهيوني الشرس للكتاب الأبيض أدى إلى التراجع عنه في شباط/ فبراير 1931.

حقق الصهاينة العديد من المكاسب في سنوات الثلاثينيات، ساعدهم في ذلك تصاعد معاداة السامية –بشكل رسمي أو غير رسمي- في العديد من البلدان الأوروبية، والجهود التي بذلوها من أجل توجيه اليهود الفارين من قمع تلك البلدان باتجاه فلسطين. وفي الفترة بين سنتي 1931 و1936، تم بناء أربع وستين مستعمرة صهيونية جديدة، وارتفعت نسبة ملكية الصهاينة للأراضي في فلسطين لتصل إلى 5.4 في المئة من مساحتها الإجمالية، وأصبح اليهود يشكّلون 29.5 في المئة من السكان. وأنعشت الهجرة اليهودية المكثفة المؤسسات اليهودية، بما في ذلك الهاغاناه ، المنظمة العسكرية غير القانونية. واكتشفت في سنة 1935 شحنة ضخمة من الأسلحة المهربة لصالح الهاغانا، الأمر الذي أكد مخاوف الفلسطينيين من أن الحركة الصهيونية تسعى إلى تشريدهم بالوسائل العسكرية، إضافة إلى السياسية والديموغرافية والاقتصادية.

كانت أوائل الثلاثينيات أيضاً فترة ازدياد النشاط السياسي الفلسطيني، فقد تشكلت أحزاب سياسية إضافية، وصدرت صحف جديدة، ما شكّل تحدياً للسياسة النخبوية التقليدية، التي تم استكمالها بتكوّن سريع لمجموعات عدّة، مثل "مؤتمر الشباب العربي " و"جمعية الشبان المسلمين " والحركات الكشفية و"حزب الاستقلال ".

خلال تلك الفترة، كان للأزمة الاقتصادية العالمية أثرها في فلسطين، فدفعت -بالإضافة إلى السياسات البريطانية والضغط الذي يمارسه الصهاينة- العديد من الشباب الفلسطينيين إلى مغادرة المناطق الريفية والاتجاه إلى المدن طلباً للعمل، وكان هؤلاء هم العناصر الأساسية للاتجاهات السياسية الشعبية الجديدة التي بدأت بالظهور.

وفي شهر تشرين الأول 1933، قامت تظاهرات كبيرة في جميع أنحاء فلسطين، تعبيراً عن الغضب والإحباط من حكم البريطانيين، الذين تصدّوا لها بعنف، وفي الوقت ذاته بدأت منظمات سرية شبه عسكرية بالتشكل في مناطق مختلفة من فلسطين، لعل أشهرها جماعة اليد السوداء التي قادها الشيخ عز الدين القسّام ، السوري الذي التجأ إلى حيفا هرباً من الفرنسيين، وهناك أصبح خطيباً في جامع يرعى الفلاحين الفقراء الذين نزحوا حديثاً من قراهم. استشهد القسام سنة 1935 أثناء اشتباكه ومجموعة من أنصاره مع عناصر من الشرطة البريطانية، وتحوّلت جنازته في حيفا تظاهرة حاشدة. وستثبت السنوات اللاحقة أن الفلسطينيين كانوا مستعدين للتضحية بكل شيء في سبيل مقاومة فرض الصهيونية المدعومة من بريطانيا.

Overall Chronology
E.g., 2024/12/29
E.g., 2024/12/29