في منتصف خمسينيات القرن العشرين، نضجت، لدى عدد من اللاجئين الفلسطينيين المتعلمين من قطاع غزة ومعظمهم من المهنيين والموظفين العاملين في دول الخليج ، فكرة راودتهم منذ أيام المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة في سنة 1956، وهي تشكيل منظمة فلسطينية مقاتلة تكون مستقلة عن الأحزاب العقائدية وعن الأنظمة الرسمية العربية على حد سواء، ويكون هدفها تحرير فلسطين وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
التأسيس
من المرجح أن تكون النواة الأولى لحركة "فتح
" قد تأسست في الكويت
في خريف سنة 1957، بحضور خمسة أو ستة فلسطينيين، كان من ضمنهم ياسر عرفات
وخليل الوزير
، صاغوا "بيان الحركة" و"هيكل البناء الثوري"، واتفقوا على اسم الحركة. وتبع ذلك انضمام أعضاء جدد هم صلاح خلف
وكمال عدوان
ومحمد يوسف النجار
ووليد أحمد نمر نصر الحسن
(أبو علي إياد) وخالد الحسن
وسليم الزعنون
، ثم فاروق القدّومي
ومحمود عباس
وممدوح صيدم
ونمر صالح
وهايل عبد الحميد
وهاني الحسن
ومحمد غنيم
، فضلاً عن أحمد قريع
وماجد أبو شرار
وعباس زكي
ونبيل شعث
. وبرز، في تشرين الأول/ أكتوبر 1959، اسم "حركة التحرير الوطني الفلسطيني" (فتح) مع صدور العدد الأول من نشرة "فلسطيننا – نداء الحياة" في بيروت
، وراحت تتشكّل خلايا لها في كل من قطاع غزة والأردن
ومصر
وسوريا
ولبنان
والكويت وقطر
و
وبصفتها حركة لاجئين، كانت حركة "فتح" في حاجة إلى دعم عربي، وجدته في البداية في الجزائر ، منذ سنة 1962، ثم في سوريا اعتباراً من سنة 1963. وبالاستناد إلى هذا الدعم، شرعت قيادة الحركة في التحضير لإقامة جناح عسكري سري، حمل اسم قوات "العاصفة " ونفّذ عمليته العسكرية الأولى داخل إسرائيل، المعروفة باسم "عملية نفق عيلبون " فجر يوم الأول من كانون الثاني/ يناير 1965، التي تمّ فيها تفجير شبكة مياه إسرائيلية، وسقط فيها أول شهيد للحركة هو أحمد محمد موسى "سلامة" .
وفي تموز/ يوليو 1968، خلال مؤتمرها العام الثاني في بلدة الزبداني
السورية (عُقد المؤتمر الأول في دمشق في صيف سنة 1964)، ثبّتت الحركة هيكلها التنظيمي القائم على وجود هيئتين قياديتين هما "
منطلقات حركة "فتح"
كانت حركة "فتح" أول حركة وطنية فلسطينية تتشكّل بعد سنة 1948 وتضم مناضلين فلسطينيين من مشارب فكرية وعقائدية متعددة، إذ هي دعت الحزبيين الفلسطينيين إلى التخلي عن انتماءاتهم الحزبية والانضواء تحت راية حركة "فتح" بصفتها حركة "تنظم طليعة تسمو على الحزبية والأهواء والميول لتشمل جميع الشعب". وخلافاً للشعار القومي السائد آنذاك: "الوحدة العربية هي طريق تحرير فلسطين"، أكدت حركة "فتح" أن "تحرير فلسطين هو الطريق إلى الوحدة العربية"، وأن على الشعب الفلسطيني أن يعتمد على نفسه في الأساس في معركة التحرير، دون أن يعني ذلك الانتقاص من أهمية البعد العربي للقضية الفلسطينية؛ فالثورة الفلسطينية ستكون "فلسطينية في الأصل، عربية في تطورها".
واقتداءً بالنضالات الثورية في الجزائر و
تطوّر التجربة الكفاحية لحركة "فتح"
بعد قيام إسرائيل باحتلال الضفة الغربية
وقطاع غزة في
وسرعان ما تحوّلت الضفة الشرقية
لـنهر الأردن
إلى أكبر منطقة انطلاق للمقاتلين الفلسطينيين، وإلى ممر رئيسي للتسلل إلى الأراضي المحتلة. ومن جهة أُخرى، ساعدت القواعد التي أقامتها حركة "فتح" في سوريا في النصف الثاني من سنة 1968 على تمدد وجودها العسكري إلى جنوب لبنان
. وفي 21 آذار/ مارس 1968، وقعت معركة كبرى نسبياً في بلدة الكرامة
في
بيد أن الصدامات الدامية التي اندلعت في أيلول/ سبتمبر 1970 بين الجيش الأردني ومنظمات حركة المقاومة الفلسطينية، أسفرت، في تموز/ يوليو 1971، عن تصفية الوجود العلني لحركة "فتح" وللمنظمات الفلسطينية المسلحة الأُخرى في الأردن وعن انسحاب المقاتلين الفلسطينيين إلى سوريا ولبنان، حيث استقر معظمهم فيما بعد في الجنوب اللبناني. وكانت حركة "فتح" قد رفضت، ومعها منظمات المقاومة الأُخرى، قرار
بعد اندلاع
عقب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية
في منتصف نيسان/ أبريل 1975، وانتهاج مصر، برئاسة أنور السادات
، طريق الحل المنفرد الذي تكلل، في أيلول/ سبتمبر 1978، بتوصلها إلى
وكانت الحكومة الإسرائيلية، بزعامة مناحيم بيغن
، قد بدأت الإعداد لعملية غزو واسعة للبنان، شرعت فيها في 4 حزيران/ يونيو 1982، فأسفرت الحرب، عقب صمود استمر ما يقرب من ثلاثة أشهر، عن التوصل إلى اتفاق قضى بخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية، بأسلحتها الخفيفة من لبنان تحت إشراف قوة متعددة الجنسية. وبرحيلها عن لبنان وتشتت قواتها في عدد من الدول العربية، فقدت حركة "فتح"، القاعدة "الآمنة" التي وفّرت لها حرية التحرك السياسي، كما فقدت قيادتها، التي انتقلت إلى
وقد أدت قيادة حركة "فتح"، من خلال الرجل الثاني فيها خليل الوزير (أبو جهاد)، دوراً رئيسياً في فاعليات الانتفاضة وفي قيادتها، دعماً للقيادة الفلسطينية في الأراضي المحتلة. وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار باغتياله في تونس في 16 نيسان/ أبريل 1988، لينضم إلى عدد بارز من قياديي الحركة الذين اغتيلوا قبله على أيدي أجهزة الأمن الإسرائيلية أو أعضاء "حركة فتح-المجلس الثوري"، وفي مقدمهم كمال عدوان ومحمد يوسف النجار وماجد أبو شرار وسعد صايل ، أو اغتيلوا بعده، وعلى رأسهم، صلاح خلف (أبو إياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول).
وقد ساهمت قيادة حركة "فتح"، مساهمة بارزة، في دفع الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في
بيد أن الانتفاضة فرضت، من جهة أُخرى، تحدياً كبيراً أمام حركة "فتح" تمثّل في بروز "الإسلاميين" كمنافسين رئيسيين لها، يتبنون برنامجاً سياسياً متعارضاً كلياً مع برنامجها، ويرفضون الاعتراف بوحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني.
أبو بكر، بكر (ب.ب). "حركة فتح"؛ في: "موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية"، تحرير محمد اشتية. القدس: المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية، ط 5، 2013، ص 249-253.
أبو فخر، صقر. "حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح): قافلة التيه الفلسطيني الطويل". صحيفة "السفير"، بيروت، العدد 9941، 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2005، ص 11.
بدوان، علي، ونبيل السهلي. "حركة فتح من العاصفة إلى كتائب الأقصى". دمشق: الأوائل للنشر والتوزيع، 2005.
الشريف، ماهر. "البحث عن كيان: دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني، 1908-1993". نيقوسيا: مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، 1995.
صايغ، يزيد. "الكفاح المسلح والبحث عن الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية، 1949-1993"، ترجمة باسم سرحان. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2002.
كيالي، ماجد. "فتح وتجربة التيار الديمقراطي اليساري فيها". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، بيروت: العدد 92 (خريف 2012)، ص 41-51 .
الناطور، محمود (اللواء أبو الطيب). "حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات، المجلد الأول، 1965-1982، المجلد الثاني 1983-2004. عمّان: الأهلية للنشر والتوزيع، 2014.
الوزير، خليل. "حركة فتح-البدايات". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 104 (خريف 2015)، ص 51-130.