الملك حسين ملك الأردن يعلن الأحكام العرفيّة. بدءاً من اليوم التالي، تهاجم الدبابات الأردنيّة مقار المنظمات الفلسطينيّة والمخيمات، وفي 20 أيلول/ سبتمبر تدخل قوات مدرّعة سوريّة شمال الأردن وتصل إربد كدعم للفلسطينيين، ولكنّها تنسحب في 22 أيلول/ سبتمبر بعد أن يتم قصفها من قبل سلاح الجو الأردنيّ. مقتل ما بين 5 إلى 10 آلاف فلسطينيّ في الأيام العشرة مما بات يُعرف باسم أيلول الأسود.
يُعد مخيم جبل الحسين أول مخيم للاجئين يُقام في عمّان. ويتفرّد مخيم جبل الحسين، الذي أُنشِئ سنة 1952، بكونه مخيماً مدينياً، وهو ما جعل موقعه يساهم إلى حدّ كبير في نمط تطوّر المدينة الاجتماعي- الاقتصادي وتطوّر حيّزها الفضائي.
تاريخ المخيم
قبل إنشاء المخيم، كانت التلة المعروفة باسم جبل الحسين حيّاً قليل السكّان يقع إلى الشمال من وسط عمّان التجاري. أُقيم المخيم على الجانب الشرقي من جبل الحسين (ومن هنا اسمه)، على قطعة أرض جرى لاحقاً استئجارُها من ملّاكين خاصين لمدة 99 عاماً. وكان معظم اللاجئين الذين سكنوا المخيم قد أتوا من مدن الرملة، واللد، ويافا؛ ومنهم من جاء من بيت دجن والولجة. والبعض من الذين انتهى بهم المطاف بالسكن في المخيم كان قد لجأ قبل ذلك إلى كهوف الجوفة والزهور، وأحياء أُخرى في عمّان، قبل أن يحصلوا على وحدة إيواء في المخيم. وبعد عامين من إقامة المخيم، بلغ عدد سكّانه 8783 نسمة، أي نحو 1608 عائلة.
غطى المخيم، حين إقامته، مساحة قُدّرت بـ420 دونماً (0،42 كلم2)، لكنه تمدّد عبر السنين ليغطّي نحو ضعف هذه المساحة. وقد أُقيم المخيم حول شارع رئيسي واحد يخترقُه كلياً (شارع عين جالوت)، مع وجود خمسين ممرّاً تتقاطع مع هذا الشارع عمودياً. وبالإضافة إلى ذلك تمّ بناء مدارس وأبنية أُخرى تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، "الأونروا"، حول المدخل الرئيسي الغربي للمخيم، بينما تشكّلت بقية المخيم من وحدات الإيواء.
اعتُبرت مخيمات اللاجئين في الأردن (بما فيها مخيم جبل الحسين) مساحات موقتة تتيح الإقامة العابرة والطارئة في المدينة. وهو ما بدا جليّاً أيضاً في كيفية استثناء مخيمات اللاجئين من أية مشاريع تخطيطية في المدينة أو حتى في الأحياء المحيطة بها. والجدير بالذكر أن ’مخطط كينغ ولوك’ (King and Lock) لسنة 1955 اقترح نقل مخيم جبل الحسين إلى جنوبي عمّان لإقامة مجمّع واحد للاجئين، حيث كان من الممكن تنفيذ هذا المخطط حينها لتشكّل المخيم من مجموعة خيام تؤوي اللاجئين. لكن تمّ صرف النظر عن هذا المخطط، واستمرّ جمهور اللاجئين في النمو في جبل الحسين والمخيم، حيث أقام اللاجئون الفلسطينيون الذين وصلوا في خمسينيات القرن الماضي وستينياته بسفح النزهة المجاور وفي منطقة أُخرى من جبل الحسين، وبحلول سنة 2012، بات هناك قرابة 30،000 شخص يقطنون المخيم. وعبر السنوات، تمدّد المخيم خارج حدوده الأولى، في كل الاتجاهات، وهو ما أدى إلى تغيير مكانة المخيم في المدينة من كيان طرفيّ يُؤوي لاجئين إلى حيّز مركزي في جبل الحسين وفي المدينة.
تطوّر البُنى التحتية للمخيم
شهد المخيم في جبل الحسين، عبر السنين، تحوّلات سريعة في عملية تطوره. وقد ساعدت عدة أحداث وعوامل في تبلور البُنى الاجتماعية - المكانية للمخيم بصورة خاصة، والمساحات المجاورة في المدينة بصورة عامة. وربما مثّلت سياسات الدولة الأردنية العامل الرئيسي الذي بلور هذه التحوّلات، إذ مُنح اللاجئون الفلسطينيون المواطنة الأردنية، فبات في إمكانهم شراء الأرض والعقارات وبيعها خارج المخيم والتحرّك بحرية، بما يسهّل اندماجهم الاجتماعي - الاقتصادي في عمّان. ويمكن تتبع تطوّر المخيم وتحوّلاته من خلال فهم (مورفولوجيا) البنى التحتية للمخيم والمرافق الخدماتية القائمة فيه. فخلال العقد الأول مثلاً، كانت النساء تقمن بجلب الماء يومياً، سيراً على الأقدام، من نقطة قرب رأس العين في وسط عمّان التجاري، على مسافة نحو 4 كيلومترات من المخيم. لكن، بفضل الجهود لتطوير وضع المخيم، تمكّنت كل الوحدات السكنية في المخيم تقريباً من الحصول على الخدمات المدينية العامة مثل الماء، والمجاري، والكهرباء، باستثناء الوحدات التي تعلو عن حدّ الطبقتين.
الإسكان
أُنشئت الوحدات السكنية في المخيم على امتداد شبكة بمساحة 10×10 أمتار لكل وحدة، وأُعطيت كلّ عائلة خيمة على قطعة أرض تمّت الإشارة اليها بالـ"نُمرة"، وهو تعبير ما زال يُستخدم أحياناً في المخيم. وشهدت طبيعة هذه الوحدات تطوراً متواصلاً إمّا من جانب "الأونروا"، وإمّا من السكّان أنفسهم، إذ بدأ العديد من اللاجئين، مع مرور الأيام، ببناء غرف صغيرة من الأسمنت وقوالب الطوب لتوفير شروط سكن أفضل خلال فصل الشتاء. ولاحقاً، تحولت هذه الغرف لتصبحَ منازل من طبقة واحدة أو اثنتين في حدود قطع الأرض الأصلية التي تبلغ مساحتها 100م2. ونتيجة هذه العملية، أصبح نسيج المخيم أكثر عضوياً في تكوينه، وأخذت بعض الأزقة والطرقات تختفي مع قيام السكان بتوسيع منازلهم.
ونظراً إلى مساحة المخيّم المحدودة، تمدّد المخيم عمودياً، وهو ما ساهم في زيادة الكثافة السكانية. وتعكس تكوينات المنازل النمطية في المخيم حالياً القرارات والتقييدات التي فرضتها السلطات المُضيفة ووكالة للغوث على المخيم بواسطة أنظمة الإسكان السارية. فبين سنة 1970 وسنة 1984، لم يكن مسموحاً ببناء أكثر من طبقة واحدة. وعندما سُمح بإضافة طبقة ثانية، جرى بناء الدرج بين الطبقتين خارج المبنى، في واجهة المنزل أو في أحد جانبيه. وتبنّت دائرة الشؤون الفلسطينية، التي تُشرف على المخيمات في الأردن، موقفاً مرناً تجاه التوسّعات غير المرخّصة في ذلك الوقت؛ وهو ما أدّى إلى تطوّر سريع نسبياً للوحدات الإسكانية، وفي المحصّلة، إلى بنية أكثر مدينية للمخيم.
تمدّد المخيم
أدت التقييدات التي فُرضت على فضاءات المخيم المبنية والحجم الصغير للوحدات السكينة، إلى اختيار العديد من سكان المخيم الإقامة خارجه، عندما شعر هؤلاء بالحاجة إلى منازل أرحب لاستيعاب عائلاتهم المتنامية، وبقي العديد منهم على مقربة من المخيم. وقد استقرّ أولئك الذين كان في إمكانهم استئجار شقة في جبل الحسين نفسه، في حين قام الآخرون الذين لم تتوفّر لديهم الإمكانية بتشييد بناء غير رسمي في سفح النزهة. وبالنتيجة، قام نوع من التجمع السكني الموازي للمخيم في المناطق المتاخمة له بحيث اتّسعت المساحة التي يقطنها اللاجئون خارج حدود المخيم. ومع الوقت، جرى التعامل مع مساحات مثل سفح النُزهة باعتبارها امتداداً للمخيم؛ إذ تشاطرت المنطقتان موادّ بناء متشابهة ونسيجاً اجتماعياً متماثلاً. ومع أن كلا المنطقتين سكنها لاجئون فلسطينيون، إلّا إن الخدمات والديناميات الخاصة بكل منهما تطوّرت بشكل مختلف لكونهما كانتا محكومتين بأنظمة إشراف وإدارة مختلفة؛ فالمخيم يقع تحت مسؤولية ’دائرة الشؤون الفلسطينية’ والأونروا، بينما خضع سفح النزهة لولاية أمانة عمّان الكبرى. لكن شق "شارع الأردن" في سنة 2005 إدى إلى فصل المخيم عن سفح النزهة، وفتح المجال لنشاط تجاري أكبر على أطراف كلا التجمّعين.
وعكس تمدّد المخيم نفسه أيضاً على مواقع المؤسّسات التعليمية والصحية التي تخدم المخيم. ففي البداية، عملت الأونروا على بناء المدارس داخل المخيم؛ وكانت الهياكل الأولى لها خيماً كبيرة، ثم سقيفات من الأسبست، ولاحقاً أبنية أسمنتية مخصّصة، مماثلة لبقية منشآت المخيم. وجرى بناء مدارسَ جديدة لاحقاً خارج المخيم لتلبية حاجات السكان اللاجئين الذين يعيشون في تلك المنطقة. وتدير الأونروا حالياً أربع مدارس على مداخل المخيم وعشر مدارس أُخرى في حي النزهة المجاور للتلاميذ الذين يعيشون في المناطق المحيطة.
الأوضاع الاجتماعية-الاقتصادية
التوظيف والأسواق
كانت العائلات الفلسطينية التي لجأت الى مخيم جبل الحسين من أصولٍ مدينية، مع خبرات رئيسية في مجالات التجارة والحِرف. وهذه الخبرات، التي تمّ تناقلها من جيل إلى آخر، أُثّرت في المحيط وتأثّرت به في آن معاً. ونظراً إلى وجود المخيم في محيط مديني، فقد تطوّر بسرعة واستقبل سوقاً حيوية مرتبطة بالسوق الرئيسية في شارع خالد بن الوليد. كما قامت في المخيم نقاط تموضع تجارية ناشطة على امتداد طرفيه الشرقي والشمالي، مع تشكيلة متنوّعة من محلات بيع المُفرّق على امتداد محوره الرئيسي. وقد وفّر حضور هذه الأسواق فرصَ عمل إضافية لسكّان المخيم الذين عملوا في المطاعم، ومشاغل الخياطة، والورشات الميكانيكية، وفي مهن أُخرى. وفي المحصّلة، باتت نسبة البطالة في المخيم الأقل بين سائر المخيمات الفلسطينية في الأردن. تأثّر هذا التطوّر الاقتصادي أيضاً بعودة فلسطينيين كانوا يعيشون في الكويت خلال السبعينيات والثمانينيات الماضية إلى الأردن بعد حرب الخليج الأولى، فاستقرّ العديد منهم في جوار جبل الحسين والنزهة. وهو ما أدّى إلى زيادة النشاط التجاري في جبل الحسين، فأصبح شارعه الرئيسي منطقة تجارة مفرّق تشهد إقبالاً كبيراً.
التغيّرات الديموغرافية
ساهم توفير فرص العمل في تحسّن أوضاع اللاجئين الاقتصادية بشكل سريع نسبياً مقارنة بالمخيمات الأُخرى في المدينة، وهذا ما سرّع أنماط التوطّن وإعادة التوطّن في المخيم. ويتحدّث سكان سابقون في المخيم عن انتقال عائلاتهم إلى خارج المخيم في سبعينيات القرن المنصرم لكونهم باتوا قادرين على الحصول على مساكنَ أفضل في المناطق المجاورة. لكن المخيم ظل مكان إيواء للاجئين كما لأفراد الفئات الاجتماعية- الاقتصادية الدُنيا الذين سعوا لإعادة التوطّن وتحسين أوضاعهم الاقتصادية. وأصبح المخيم فضاءً مدينياً منفعياً يتيح الترقي الاجتماعي للطبقات الدنيا في المدينة.
يشرح السكّان المحلّيون التغيّرات التي طرات على المخيم مؤخراً. فقد اجتذبت الإيجارات المنخفضة والموقع المتميّز للمخيم الجماعات المهجّرة، مثل السوريين الذين فرّوا إلى الأردن بعد سنة 2011، وعمّال المنازل الوافدين (من بنغلادش، ومصر، وغيرهما)، والفئات الاجتماعية-الاقتصادية الدنيا. ومما سهّل هذا الأمر بشكل أكبر، تزايد المساحات المتاحة للإيجار في المخيم مع قيام العديد من اللاجئين بتأجير أو بيع منازلهم والانتقال إلى مناطق أُخرى في عمّان. وهكذا يسهّل المخيم الحراك وإعادة التوطّن في جبل الحسين، مُحدِثاً تغيّرات متواصلة في المشهد المديني للمنطقة.
إدارة المخيم
على غرار مخيمات أُخرى في عمّان ومناطق أُخرى من الأردن، تولت صيغ وهيئات إدارية عديدة مسؤولية مخيم جبل الحسين عبر السنوات. فحين تأسيسه، كان المخيم يُدار بشكل رئيسي من وكالة الأونروا والسلطات الأردنية. وفي أواخر الستينيات الماضية، تولت منظمة التحرير الفلسطينية خلال وجودها في عمّان، إدارة المخيم وحوّلت الفضاء من مكان إيواء إلى موقع نشاط سياسي. وخلال تلك الفترة، أطلق البعض على المخيم أسم ’مخيم العودة’، تذكيراً بكون المخيم أُقيم ليكونَ موقّتاً وليبقى الهدف هو العودة إلى فلسطين. لكن، في أعقاب أحداث "أيلول الأسود" في مطلع السبعينيات، عاد المخيم إلى سيطرة الحكومة الأردنية ولم يعد هناك حضور يُذكر للفصائل الفلسطينية بعد ذلك. وحملت الهيئات الحكومية المسؤولة عن إدارة المخيمات في الأردن أسماء متعددة مع مرّ السنين. فكانت وزارة اللاجئين هي المسؤولة خلال سنتي 1949 و1950، وخلفتها وزارة الأشغال العامة والإسكان (1950-1980)، ومنذ سنة 1988، باتت السلطة الرئيسية المسؤولة عن المخيم هي ’دائرة الشؤون الفلسطينية’، مع تقاسم للمسؤوليات الرئيسية بين الدائرة والأونروا. وتعمل هذه الأخيرة بتعاون وثيق مع الدائرة، لأن كل ما يتعلّق بالبنى التحتية داخل المخيم يتطلّب إجازة منها. وبصورة عامة، تتحمّل الدائرة مسؤولية الأمن وصيانة البنى التحتية في المخيم، وهي تُشرف على منح التصاريح التجارية، وأعمال إعادة التأهيل، وإجازة فتح المحلات. بينما تتولّى الأونروا مسؤولية توفير الخدمات، مثل الإعانات/ عمليات الإغاثة، والصحة، والتعليم للاجئين الفلسطينيين المسجّلين. وبالإضافة إلى ذلك، يتولّى مركز شرطة خاص خدمة المخيم وهو يقع عند مدخله، في حين يتولّى مركز شرطة آخر يقع في نطاق 200 متر من المخيم خدمة بقية الحي. ووفق أقوال السكّان المحليين، تُشرف أمانة عمّان الكبرى على جمع النفايات في المخيم مرة في الأسبوع.
المنظمات المدنية والسياسية
تنشط في المخيم ومحيطه هيئات متعدّدة تتعامل مع الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية الفلسطينية. وتضم منطقة جبل الحسين فروعاً لأحزاب سياسية مثل حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني (وهو امتداد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) وحزب الشعب الديمقراطي الأردني (امتداد للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)، بالإضافة إلى هيئات مدنية تشكّلت حاملة أسماء قرى ومدن فلسطينية (مثل لفتا، واللد، والرملة). ويقوم ’نادي شباب الحسين’، داخل المخيم، بتنظيم فعاليات ثقافية ورياضية، كما يقوم العديد من منظمات الإغاثة، وبصورة رئيسية منظمات غير حكومية، بمساعدة الناس من ذوي الأوضاع الحرجة الذين يعيشون داخل المخيم أو في جواره.
خلاصة
منذ إقامته، ساهم مخيم جبل الحسين في بلورة البُنى الاجتماعية- الفضائية لجبل الحسين والمناطق المحيطة. وجاء تطوّر المخيم نتاج عدة عواملَ اجتماعية واقتصادية وسياسية، من جهة، وديناميات هجرة أدّت إلى تمدّد المخيم خارج حدوده الأوّلية، من جهة ثانية. وقادت التغيّرات السريعة التي طرأت على الأوضاع الاجتماعية-الاقتصادية للاجئين إلى أنماط تحوّل متواصلة أثّرت في البُنى الاجتماعية للمخيم. وكثيراً ما يجري اليوم ربط المخيم بحالات الفقر، والمخدرات، والمشاكل الاجتماعية- الاقتصادية الأُخرى. ومع أن المخيم يشهد تحولات متواصلة وتغييراً مستمراً، يواصل السكّان السابقون للمخيم المشاركة في حياته الاجتماعية وفعالياته الثقافية، مؤكّدين استمرار المخيم في إنتاج الشعور بالانتماء والهوية فيما يتعلق بفلسطين وحق العودة.