جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
وثيقة إعلان إقامة دولة إسرائيل، 14 أيار/ مايو 1948
مكانة دستورية – قانونية ملتبسة

لا تزال وثيقة "الإعلان عن إقامة دولة إسرائيل "، التي قرأها ديفيد بن غوريون خلال اجتماع القيادة الصهيونية في تل أبيب في 14 أيار/ مايو 1948، الوثيقة الأهم التي أجمعت عليها تيّارات الحركة الصهيونية كافة. إن دولة إسرائيل لم تُقر في السنوات اللاحقة أي دستور ليحلّ محلها، ولم يحظَ أي تشريع دستوري آخر بمثل هذا الإجماع. ونظراً إلى مكانة هذه الوثيقة السياسية والقانونية والتاريخية، سنراجع فيما يلي سياقها ومضمونها ومكانتها باعتبارها لحظة تأسيسية ما زالت آثارها ملموسة حتى اليوم في النقاشات التشريعية والقرارات القضائية الإسرائيلية، كما سنراجع ما أُسقط منها عمداً.

إعداد الوثيقة

أطلق صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 (29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947) بشأن إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم هذه الأخيرة إلى دولة يهودية ودولة عربية وحكم دولي خاص لمدينة القدس ، جملة من الاستعدادات الصهيونية الحثيثة على المستوى القانوني/ السياسي/ الدبلوماسي (إلى جانب المستوى العسكري والتعبوي) للتعامل مع بعض بنود ذلك القرار. فقد نصت المواد 4 و9 و10 منه الواردة في الباب (ب) الجزء الأول-ب على أن يتم تشكيل "مجلس حكومة موقت" في كل من الدولتين العتيدتين، تكون من بين مهماته إجراء انتخابات لـ "جمعية تأسيسية" تقوم بدورها بوضع دستور للدولة يتصف بالديمقراطية وبالمساواة في الحقوق.

كانت القيادة الصهيونية في ذلك الحين مشكلة من هيئتين متداخلتين: فاعد لئومي (المجلس القومي)، وهو يمثّل الـييشوف (أي المستوطنين اليهود في فلسطين)، و الوكالة اليهودية ، وهي الذراع الخارجي والدبلوماسي للحركة الصهيونية والممثل المفترض ليهود العالم داعمي الصهيونية . وكانت الوكالة اليهودية صاحبة الكلمة العليا في صوغ السياسات بسبب سيطرتها على الموارد المالية وعلاقاتها الدولية. ولذلك، بادرت هذه الوكالة، في كانون الأول/ ديسمبر، بعد صدور قرار الجمعية العامة مباشرة، وأوكلت إلى القانوني ليو كوهين مهمة وضع مسودة دستور الدولة اليهودية. فصاغ هذا الأخير في كانون الثاني/ يناير 1948 مسودة (كانت الأولى من بين 11 صيغة، لما أصبح فيما بعد وثيقة إعلان إقامة الدولة) تضمنت ديباجة وفصلاً يتعلق بأحكام دستورية عامة وفصلاً آخر يتعلق بالحقوق الأساسية. وقد تميزت تلك المسودة في أنها تبنت حرفياً البنود المتعلقة بالديمقراطية وبالحقوق الأساسية الواردة في القرار الدولي رقم 181، وافترضت أن الأمم المتحدة ستشرف على تطبيق القرار كاملاً، بما فيه تحويلها السيادة إلى الكيان قيد الانشاء.

بقيت مبادرة التحضير لوثيقة إعلان الدولة بيد الوكالة اليهودية حتى 12 نيسان/ أبريل 1948، عندما قررت فاعد لئومي والوكالة اليهودية سوياً تشكيل جسم تمثيلي موحد، مجلس الشعب (موعتست هَعام )، من 37 عضواً، ليكون الركن الأساسي في الانتقال إلى الدولة، وعلى أن يتم ذلك على قاعدة الانتماء السياسي، بما يضمن أوسع إجماع ممكن للتيارات الصهيونية المتعددة. وتقرر أن ينبثق من مجلس الشعب أداة تنفيذية مكونة من 13 عضواً سُميت إدارة الشعب (منهيلت هَعام )، وجرى توزيع الحقائب "الوزارية" بين أعضائها في 26 نيسان. وقد أتى الإعلان عن هاتين الهيئتين عندما بدا للقيادة الصهيونية أن الأمم المتحدة لن تؤدي دوراً في تشكيلهما، وأنها تستطيع المضي قدماً في التهيئة لإعلان الدولة بشكل أحادي الجانب وكأمر واقع.

هكذا بدأت المرحلة الثانية في صوغ مسودات متتالية لوثيقة إعلان إقامة الدولة. كانت إحدى المسودات ذات الدلالة تلك التي عمل عليها مردخاي بعهام ، القانوني في القسم القضائي لدى إدارة الشعب، بتكليف من بنحاس روزين صاحب حقيبة العدل فيها، والتي قام بتسليمها في 27 نيسان. بعد هذا التاريخ، تحوّل نقاش الوثيقة إلى لجنة ثلاثية، ثم إلى لجنة خماسية، وذلك إلى أن تم التوصل إلى الصيغة النهائية المعلنة في عصر يوم 14 أيار/ مايو والتي كان لديفيد بن غوريون دور حاسم في تحديد ما تضمنته وما لم تتضمنه.

مضمون الوثيقة

من المفيد بدايةً الإشارة إلى هوية الموقعين على الوثيقة الذين أعلنوا قيام دولة إسرائيل؛ إنهم أعضاء "مجلس الشعب" (المشكَّل في الشهر السابق) الذين عادوا وأكدوا أنهم "ممثلو السكان اليهود في البلاد وممثلو الحركة الصهيونية"، واضعين، من خلال إعلان تمثيلهم المزدوج، الأسس التي تتيح لهم الادعاء أن الدولة لن تمثّل اليهود القاطنين فيها فقط، بل ستمثّل كذلك اليهود ممَن يعيشون خارجها، أي اليهود في العالم أجمع.

 

أعضاء مجلس الشعب

الموقعون على وثيقة إعلان دولة إسرائيل

أعضاء مجلس الشعب

منهم: أعضاء الحكومة المؤقتة

الانتماء السياسي

الانتماء المؤسسي*

1. ديفيد بن غوريون

الرئيس، ووزير الدفاع

مباي

فاعد لئومي/ الوكالة اليهودية

2. موشيه شاريت

وزير الخارجية

مباي

الوكالة اليهودية

3. إلعيزر كبلان

وزير المالية

مباي

الوكالة اليهودية

4. يتسحاق غرينبويم

وزير الداخلية

الصهيونيون العموميون

الوكالة اليهودية

5. مردخاي بن طوف

وزير العمل والإسكان

مبام

الوكالة اليهودية

6. بنحاس روزين

وزير القضاء

هعليا هحداشا

فاعد لئومي/ الوكالة اليهودية

7. باخور شالوم- شطريت

وزير الشُرطة والأقليّات

السفارديم

عن السفارديم

8. ديفيد ريميز

وزير المواصلات

مباي

فاعد لئومي

9. أهارون زيسلنغ

وزير الزراعة

مبام

فاعد لئومي/ الوكالة اليهودية

10. حاييم موشيه شابيرا

وزير الهجرة والصحة

هبوعيل همزراحي

الوكالة اليهودية

11. يتسحاق مئير لافين

وزير المساعدات

أغودات يسرائيل

عن أغودات يسرائيل

12. يهودا لايف ميمون

وزير الأديان

همزراحي

الوكالة اليهودية

13. بيريتس برنشطاين

وزير التجارة والصناعة والتزويد

الصهيونيون العموميون

الوكالة اليهودية

14. دانييل أوستر

 

الصهيونيون العموميون

الوكالة اليهودية

15. يتسحاق بن تسفي

 

مباي

فاعد لئومي/ الوكالة اليهودية

16. إلياهو برلين

 

الصهيونيون العموميون

فاعد لئومي

17. زئيف غولد

 

همزراحي

الوكالة اليهودية

18. مئير أرغوف

 

مباي

الوكالة اليهودية

19. أبراهام غرانوت

 

الصهيونيون العموميون

الوكالة اليهودية

20. إلياهو دوبكين

 

مباي

الوكالة اليهودية

21. مئير فيلنر

 

الحزب الشيوعي

الحزب الشيوعي

22. زيرح وورهافتيغ

 

هبوعيل همزراحي

فاعد لئومي

23. هرتزل فاردي

 

الحركة التصحيحية

الوكالة اليهودية

24. راحيل كوهين- كاغان

 

فيتسو

فاعد لئومي

25. كلمان كهانا

 

بوعالي أغودات يسرائيل

عن بوعالي أغودات يسرائيل

26. سعدية كوبشي

 

الطائفة اليمنية

عن الطائفة اليمنية

27. مئير ديفيد ليفنشطاين

 

أغودات يسرائيل

عن أغودات يسرائيل

28. تسفي لوريا

 

مبام

فاعد لئومي

29. غولدا مئير

 

مباي

فاعد لئومي/ الوكالة اليهودية

30. ناحوم يعاكوف نير

 

مبام

فاعد لئومي

31. تسفي سيغال

 

الحركة التصحيحية

فاعد لئومي

32. ديفيد تسفي بنكاس

 

همزراحي

فاعد لئومي

33. أبراهام كتسنيلسون

 

مباي

فاعد لئومي

34. برل رفتور

 

مبام

الوكالة اليهودية

35. مردخاي شطنر

 

مباي

فاعد لئومي

36. بن تسيون شطرنبرغ

 

الحركة التصحيحية

الوكالة اليهودية

37. موشيه كول

 

الصهيونيون العموميون

الوكالة اليهودية

* ينتمي بعض الأشخاص إلى "فاعد لئومي" والوكالة اليهودية معاً. والبعض الآخر أصبح عضواً في مجلس الشعب لتمثيل حزبه أو طائفته.

 

تنقسم الوثيقة إلى ثلاثة أجزاء، سنتناولها تباعاً، أمّا ما أشير فيها إلى الأمم المتحدة، فسنتناوله على حدة أدناه.

اتسم الجزء الأول من الوثيقة بطابع تاريخي – أيديولوجي، وقد شكّل الجزء الأطول في الوثيقة، والأكثر أهمية وحظي بإجماع كامل عليه. وجوهره أن آلاف السنين من التاريخ اليهودي تؤكد الرابط ما بين "الشعب اليهوديّ" و"أرض إسرائيل ". إذ أُعلن أنه على هذه الأرض "نشأ الشعب اليهودي وتبلورت هويته الروحية والدينية والسياسية، فيها عاش بدولته المستقلة، وأبدع قيماَ ثقافية ذات دلالات قومية وكونية، وأورث للعالم كلّه سفر الأسفار الأزلي". وهو ما واصل تأكيده في الفقرة اللاحقة، بمحوه التاريخ اليهودي كاملاً في "الشتات" واختزاله في كونه تاريخ سعي الأجيال اليهودية، جيلاً بعد جيل، للعودة إلى "أرض إسرائيل" ليس إلاّ. وبذلك، لا تكتفي الوثيقة بنفي المنفى، بل ونفي كل ما أنجزه اليهود فيه عشية وعد بلفور .

الجزء الثاني من الوثيقة هو عمليّاتي، وتتحول صيغته إلى ضمير المتكلم الـ "نحن". إذ يُعلن فيه الموقعون على الوثيقة، وبناء على صفتهم التمثيلية، إقامة الدولة اليهودية في "أرض إسرائيل"، ويسمونها "دولة إسرائيل". فيدعون إلى إقامة سلطات الدولة طبقاً للدستور الذي يتوجب على مجلس تأسيسي منتخب أن يضعه في موعد أقصاه 1 تشرين الأول/ أكتوبر 1948. كما يعلنون أنه، فور انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين (أي في الليلة ذاتها) وإلى حين إجراء الانتخابات، يتحول "مجلس الشعب" إلى "مجلس الدولة الموقت"، أي السلطة التشريعية الموقتة، وتصبح "إدارة الشعب" الحكومة الأولى الموقتة.

أمّا الجزء الثالث، فهو يتطرّق إلى المستقبل – إلى "رؤية الجيل المؤسس" للدولة كما يصطلح تسميتها إسرائيلياً. وتبدأ الفقرة بالتأكيد على أن "الدولة ستكون مفتوحة للهجرة اليهودية وتجميع الشتات"، وفقط بعد هذه الإشارة التي تجعل الدولة حصرية لليهود، تقول الوثيقة إن الدولة "ستعمل على تطوير البلاد لمصلحة جميع سكّانها؛ وتتأسس على قيم الحرية، والعدل والسلام بحسب رؤية أنبياء إسرائيل؛ وتلتزم بإحقاق المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع مواطنيها دون تمييز على أساس اللون والعرق والجنس." كذلك تدعي الوثيقة أنها تدعو "السكان العرب في دولة إسرائيل" إلى المشاركة في بناء الدولة على أساس "المواطنة الكاملة والمتساوية والتمثيل الواجب في جميع مؤسساتها المؤقتة والدائمة".

علاقة الوثيقة بالأمم المتحدة

كان على القادة الصهيونيين، لدى صوغهم وثيقة إعلان الدولة (وإقرار تحركاتهم الدبلوماسية)، أن يأخذوا بعين الاعتبار دور الأمم المتحدة المتمثل في قرار الجمعية العامة رقم 181 (29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947)، وتدخلات المنظمة الأممية اللاحقة. وعليه، فقد سعوا، من جهة، إلى التقليل قدر الإمكان من الالتزامات التي يفرضها عليهم القرار المذكور، ومن جهة أُخرى، إلى الاستفادة القصوى مما جاء فيه، وبصورة خاصة فيما يتعلق بتأمين فوز الدولة الجديدة بعضوية الأمم المتحدة، كما وعد به القرار في الباب (ب)، الجزء الأول-و.

خلال النقاش بشأن الوثيقة، ادّعى ديفيد بن غوريون أنه أدخل فيها المطالب الأساسية التي طلبتها الأمم المتحدة، إلاّ إن مضمون الوثيقة لا يتطابق، في الواقع، مع ادّعائه. فلدى إشارتها إلى القرار الدولي 181، ذكرت الوثيقة أنه "ينص على إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل"، لكنها تجاهلت كلياً الشق الآخر منه الذي ينص على إقامة دولة عربية أيضاً. بكلمات أُخرى: استمدت الوثيقة من القرار المذكور ما يسمح بإضفاء الشرعية الدولية فقط على إقامة "دولة يهودية". وفي تلميح ضمني إلى تخوف القيادة الصهيونية من تراجع الأمم المتحدة عن فكرة التقسيم (كما عبّرت عنه خطة الوصاية على فلسطين التي قدمتها الولايات المتحدة إلى الجمعية العامة في 20 نيسان/ أبريل 1948)، أكدت الوثيقة أن "اعتراف الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي في إقامة دولته غير قابل للإلغاء." كذلك تجاهلت الوثيقة مسألة حدود الدولة اليهودية كما نص عليها القرار، وهو ما يتوافق بطبيعة الحال مع التوجه الصهيوني لاحتلال أراضٍ تتخطى حدود الدولة اليهودية بحسب القرار، علماً بأن بعض المسودّات كان قد تضمن التزاماً بالحدود الواردة في القرار، إنما تم إسقاطه عمداً من النص النهائي بعد نقاشات طويلة.

أمّا فيما يتعلق بطابع الدولة، فقد تبنت الوثيقة ما جاء في القرار 181 بشأن الحرية والمساواة وعدم التمييز، من دون أن تصفها بأنها قيم "ديمقراطية". كما أن الوثيقة، لدى تناولها مسألة صوغ الدستور، تجنبت نقل ما نص عليه القرار، في المادة (10) من الباب (ب)، الجزء الأول-ب، بوجوب أن تعدّ الجمعية التأسيسية بعد انتخابها "دستوراً ديمقراطياً" للدولة. ومع أن تعريف الدولة كدولة "ديمقراطية" كان وارداً في إحدى مسودّات الوثيقة، إلاّ إن موشيه شاريت، وزير الخارجية الأول لإسرائيل، طالب بإسقاط هذا التعريف، ووافق أعضاء "مجلس الشعب" على اقتراحه من دون أي تبرير أو مناقشة.

ولعل إسقاط تعبير الديمقراطية من الوثيقة يعود إلى الخشية من منح العرب الفلسطينيين الذين سيبقون تحت الحكم الإسرائيلي مكانة دستورية موازية للإسرائيليين اليهود، الأمر الذي قد يتعارض مع كون الدولة الناشئة دولة يهودية. وفي هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أن تجاهل الوثيقة للوطنية الفلسطينية، وتسمية من تبقّوا بـ"عرب البلاد" فقط، شكّل مقدمة لرفض اعتبارهم أقلية قومية لها حقوق جماعية، وقبولهم كأفراد عرب يمكنهم التقدم في سلّم الوظائف والحصول على حقوق فردية.

في المحصلة، يمكن القول إن تجاهل الوثيقة ما جاء في القرار 181 بشأن مسألة الحدود، وفي الوقت ذاته، مراعاتها القرار في مسألة قيم المواطنة والمساواة (التي لن تكلف إسرائيل الكثير بعد تهجير أغلبية الفلسطينيين)، والممارسات الإسرائيلية فيما يتعلق، بصورة خاصة، بالحدود (مع احتلال ما سيصل إلى 78 بالمئة من مساحة فلسطين)، وبفرض الحكم العسكري على مَن لم يُهجر، كل ذلك لم يمنع قبول إسرائيل دولة عضواً في الأمم المتحدة في أيار/ مايو 1949.

دولة من دون دستور

جرت انتخابات المجلس التأسيسي الإسرائيلي في 25 كانون الثاني/ يناير 1949، وعقد المجلس اجتماعه الأول في 14 شباط/ فبراير، وقرر تسمية نفسه "الكنيست الأول". وكان من المفترض أن تكون مهمته الأولى صوغ دستور الدولة، لكن ذلك لم يتم لأسباب داخلية وخارجية. فعلى الصعيد الداخلي، لم تكن التيارات الأرثوذكسية ترغب في أن يجري سن دستور في الوقت الذي كان ميزان القوى لصالح العلمانيين، المؤسسين الحقيقيين للدولة. فبسبب طبيعة الدستور الثابتة، كان من شأن اعتماده في هذا الوقت المبكر أن يحد من قدرة تغييره مستقبلاً، وأن يفرض على الأجيال اللاحقة موازين قوى كانت قائمة في سنة 1948. من جهة أُخرى، وبما أن إحدى مهمات الدولة المركزية هي استقطاب يهود العالم، تم الادعاء بأنه من غير الحكمة سن دستور من دون مشاركة مئات آلاف المهاجرين المأمول قدومهم إلى إسرائيل. وعلى الصعيد الخارجي، أي فيما يتعلق بالحدود الجغرافية للدولة، كان القادة الإسرائيليون يعتبرون أنها موقتة في ضوء استمرار الصراع بشأنها، وأن المشروع الصهيوني لم ينتهِ بعد، على الرغم من أن إسرائيل كانت قد احتلت نسبة كبيرة من أراضي فلسطين الانتدابية في فترة مناقشة الدستور.

ما جرى فعلاً هو أنه استُعيض عن الدستور بما عُرف بـ"تسوية هراري "، على اسم عضو الكنيست الذي اقترحها يزهار هراري ، والتي قضت بأن يتم صوغ الدستور بالتدريج عبر فصول منفصلة تُسمى "قوانين أساسية"، الأمر الذي وضع المكانة القانونية لوثيقة إعلان إقامة الدولة في موضع تساؤل. فهل هي فوق الدستور، كونها تكلّف المؤسسات المنتخبة بصوغ دستور؛ أم هي وثيقة دستورية؟ هنا، لا بد من الإشارة إلى أن أجزاء الوثيقة الثلاثة ليست في المكانة ذاتها. فمع أنه لا يمكن التشكيك في أن الجزأين الأول والثاني- التاريخي والعملياتي ملزمان قانونياً، ويشكّلان المرجعية القانونية لـ "يهودية الدولة" والمؤسسات، فإن الجزء الثالث، هو الأكثر إشكالية، وخصوصاً أنه يتضمن قيماً ليبرالية "ديمقراطية" (من دون تسميتها) لكنه لا يعرّف الدولة بأنها "ديمقراطية". وهذا التناقض المحتمل بين هذه القيم، وخصوصاً قيمة المساواة، وبين مبدأ يهودية الدولة، وضع المكانة القانونية للجزء الثالث للوثيقة في موضع تساؤل، وجعل المحكمة العليا والكنيست يسعيان إلى إيجاد حل له.

الوثيقة والقضاء والتشريع

في الفترة ما بين سنة 1948 وسنة 1992، تَوافق قضاة المحكمة العليا على أن وثيقة إعلان إقامة دولة إسرائيل ليست بمثابة قانون دستوري يفرض على المحكمة، استناداً إلى ما ورد فيه من أحكام، إبطال قوانين سنها الكنيست أو تثبيتها، واعتبروا أن الوثيقة تعبّر عن رؤية الشعب وعن روح القانون. وتراوحت مواقف قضاة المحكمة بين مَن اكتفى بهذا الحد الأدنى، وبين مَن لجأ إلى المبادئ التي تتضمنها الوثيقة كمبادئ توجيهية لتفسير القوانين عندما تكون أحكامها موضع شك. وقد اعتاد القضاة إصدار قرارات تشير إلى كون إسرائيل دولة ديمقراطية من خلال الاستشهاد بمبادئ في الوثيقة، على الرغم من عدم وجود كلمة "ديمقراطية" فيها، وأسقطت عمداً منها بالإجماع. 

إنما التأثير الأكبر في المكانة القانونية للوثيقة فقد جاء في سنة 1992، مع سن القانونين الأساسيين المعروفين باسم " كرامة الإنسان وحريته "، و"حرية العمل ". وفيهما ذُكرت الوثيقة، لأول مرة في تاريخ التشريع الإسرائيلي، إذ جاء في البند الأول للقانونين تحت عنوان "المبادئ الأساسية" أن الحقوق الأساسية للإنسان في إسرائيل "تُحترم بروح المبادئ الواردة في إعلان إقامة دولة إسرائيل". ومن المهم الإشارة إلى أن هذا التطوّر قد جاء عشية "الحل السياسي" مع منظمة التحرير الفلسطينية ، وما رافقه من توجّه عام نحو المصالحة، وزيادة هامش الحرية للفلسطينيين مواطني الدولة. وقد تم في الفترة ذاتها، ما سُمي بـ"الثورة الدستورية" التي أعلنها القاضي أهارون باراك ، عندما قررت المحكمة العليا (في قضية "بنك همزراحي " لسنة 1993) أنه لا يمكن تغيير قانون أساسي إلاّ بواسطة قانون أساسي لاحق، وليس بقانون عادي، الأمر الذي يعني سمو القوانين الأساسية في هرم التشريعات الإسرائيلية ويعني بالتالي أيضاً، رفع المكانة القانونية لوثيقة إقامة دولة إسرائيل جرّاء ذكرها في القانونين الأساسيين لسنة 1992. غير أن الاقتراحات التي قدمت في الكنيست (في السنوات 1966، 1980، 1984، 2013، 2018، 2020، 2022،) لتحويل الوثيقة بصورة صريحة إلى قانون أساسي، قد فشلت جميعها ولم تستطع اجتياز القراءة الأولى. كذلك فشلت جميع المحاولات التي قام بها أعضاء في الكنيست ومؤسسات مجتمع مدني لإضافة قيمة المساواة" إلى القوانين الأساسية، تمثل آخرها في كانون الأول/ ديسمبر 2020 في اقتراح إضافة مبدأ المساواة إلى القانون الأساسي "كرامة الإنسان وحريته".

خاتمة

إن قراءة وثيقة إعلان إقامة دولة إسرائيل في سياقها العام تسمح بالقول إنها تحمل بعدين غير متوازيين: بعدٌ رمزي احتفالي موجّه إلى يهود فلسطين ويهود العالم، وبعدٌ دبلوماسي موجه إلى الأمم المتحدة والدول العظمى. كما أن الوثيقة لا تترك مكاناً للشك في أن الدولة التي أُعلنت في 14 أيار/ مايو 1948 هي أساساً "دولة يهوديّة"، تمثّل يهود العالم وتسعى إلى استقطابهم. فلليهودي غير المواطن فيها حقوق قومية وسياسية واجتماعية وثقافية أكثر من المواطن غير اليهودي القاطن فيها. وهذا ما سيتجلى سريعاً مع اعتماد سلسلة من التشريعات التي تسعى للسيطرة على الفلسطينيين وعلى أملاكهم ومنع عودة مَن هُجر منهم، والتي تعكس الأفضلية اليهودية، مثل أنظمة الطوارئ (المناطق الأمنيّة) لسنة 1949 ، وقانون أملاك الغائبين لسنة 1950 ، وقانون العودة (1950)، وقانون الجنسية لسنة 1952 . 

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2025/03/14
E.g., 2025/03/14

الحكم العثماني

1500

1600

1700

1800

1810

1820

1830

1840

1850

1860

1870

1880

1890

1900

1901

1902

1903

1904

1905

1906

1907

1908

1909

1910

1911

1912

1913

1914

1915

1916

الاحتلال البريطاني وعهد الانتداب المبكر

1917

1918

1919

1920

1921

1922

1923

1924

1925

1926

1927

1928

1929

1930

1931

1932

1933

1934

1935

عهد الانتداب المتأخر

1936

1937

1938

1939

1940

1941

1942

1943

1944

1945

1946

حرب فلسطين والنكبة

1947

1948

1949

ارتدادات حرب فلسطين

1950

1951

1952

1953

1954

1955

1956

1957

1958

1959

1960

1961

1962

1963

1964

1965

صعود الحركة الوطنية الفلسطينية

1966

1967

1968

1969

1970

1971

1972

بعد حرب سنة 1973: سلام منفصل وحرب أهلية

1973

1974

1975

1976

1977

1978

1979

1980

1981

منظمة التحرير الفلسطينية: هزيمة، وانشقاقات، وبقاء

1982

1983

1984

1985

1986

الانتفاضة الأولى والمفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية

1987

1988

1989

1990

1991

1992

مسار أوسلو: نحو الفشل

1993

1994

1995

1996

1997

1998

1999

الانتفاضة الثانية وحقبة ما بعد عرفات

2000

2001

2002

2003

2004

2005

فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية والاعتداء عليه

2006

2007

2008

2009

2010

2011

2012

2013

2014

2015

2016

أمام مأزق يزداد استعصاء، فلسطين إلى أين؟

2017

2018

2019

2020