جدول الأحداث الكلي

جدول الأحداث الكلي

Highlight
الاتحاد الأوروبي وقضية فلسطين
من طموحات واعدة إلى انقسامات معطلة

أُنشئت المجموعة الاقتصادية الأوروبية بموجب معاهدة روما الموقعة في 25 آذار/ مارس 1957. وخلال خمسينيات القرن العشرين وستينياته، لم يكن اتباع سياسة خارجية مشتركة يمثل الاهتمام الرئيسي للدول الأعضاء الست المؤسِسة لها، وهي ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وإيطاليا ، بل انصب تركيز هذه الدول على تعزيز التكامل فيما بينها وتنمية التجارة الداخلية والسياسات الزراعية. ولم تكن العلاقات الاقتصادية بين دول المجموعة الاقتصادية الأوروبية ودول الشرق الأوسط تقوم على سياسة معينة، كما أن دول المجموعة لم تعمل في ذلك الوقت على تنسيق سياستها الخارجية فيما بينها، وهو ما بدا جلياً عندما اندلعت حرب عام 1967 . بيد أن تلك الحرب ساهمت في تمهيد الطريق أمام دول المجموعة الأوروبية كي تعمل على توحيد سياستها الخارجية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات.

في ذلك الوقت، رأى مسؤولون أوروبيون عديدون، من تيارات سياسية متعددة، أن المجموعة الأوروبية، لكونها قد نشأت كمشروع سلام، تمتلك فرصة ذهبية للمساهمة في حل القضية الفلسطينية، وخصوصاً في ضوء القناعة بأن للمجموعة الأوروبية "حقاً أخلاقياً في إرشاد الآخرين" لما يجب فعله. وصارت قضية فلسطين حالة اختبار للسياسة الخارجية الناشئة للمجموعة خلال السبعينيات، ولا سيما بعد حرب عام 1973 . وقد نجحت المجموعة الأوروبية في اجتياز هذا الاختبار، وتمكنت من التحدث بصوت مشترك عن قضية فلسطين، وبدأت بالتدريج في تطوير رؤيتها للسلام العادل في النزاع. وأعقب ذلك صدور مئات التصريحات على مدى عقود لمسؤوليها، انطوى العديد منها على رؤية بعيدة المدى ورائدة. وبعد فترة زمنية، وفي كثير من الأحيان، لحقت بالمجموعة الأوروبية جهات فاعلة أُخرى مشاركة في النزاع، وأبرزها الولايات المتحدة وإسرائيل، تبنت السياسات التي سبق للمجموعة أن رسمتها.

السياسة الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية خلال السبعينيات

ابتداءً من سنة 1971، دعا وزراء خارجية المجموعة الأوروبية في أول بيان رسمي لهم بشأن قضية فلسطين إلى سلام عادل في الشرق الأوسط، لكن من دون أن يذكروا الفلسطينيين كطرف واضح في النزاع. وفي السنة نفسها، بدأت المجموعة الأوروبية تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). وبعد ذلك بعامين، في أعقاب حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 والحظر النفطي العربي الذي أعقبها، كرر وزراء الخارجية دعوتهم إلى إحلال سلام عادل في المنطقة، لكنهم أكدوا هذه المرة على أنه "لدى إحلال سلام عادل ودائم، يجب أن تؤخذ في الحسبان الحقوق المشروعة للفلسطينيين."

في سنة 1977، أصدرت المجموعة الأوروبية بياناً آخر دعا مجدداً إلى السلام العادل، مع الأخذ في الاعتبار "الحاجة إلى إقامة وطن للشعب الفلسطيني"، وأعلنت فيه لأول مرة معارضتها بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وبعد ذلك بعامين، أي في سنة 1979، أعلن وزراء خارجية المجموعة الأوروبية أن سياسة الحكومة الإسرائيلية في إنشاء المستوطنات في الأراضي المحتلة تشكل انتهاكاً للقانون الدولي. ومن المفارقة أن كبار مسؤولي المجموعة الأوروبية لجأوا، أحياناً، إلى مصطلحات مثل "استعمار" و"ضم"، لدى معارضتهم سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الثمانينيات وأوائل التسعينيات، وذلك عندما لم تكن المستوطنات تضم سوى قسم صغير من المستوطنين، الذين بات عددهم اليوم نحو 500 ألف مستوطن يعيشون في الضفة الغربية  و200 ألف في القدس الشرقية .

والواقع، أن ما كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه تحوّل مؤيد للفلسطينيين في إعلان المجموعة بشأن قضية فلسطين خلال السبعينيات، قد تحقق نتيجة عدة أسباب: (أ) كان يُنظر إلى الصراع الدائر حول قضية فلسطين على أنه يمثل تهديداً أمنياً كبيراً لأوروبا؛ (ب) كانت المجموعة الأوروبية تعتمد بصورة كبيرة على النفط القادم من الشرق الأوسط؛ (ج) أدى ارتفاع أسعار النفط إلى تحويلات هائلة للثروات من العالم الصناعي إلى الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادات هائلة في حجم التبادل التجاري، فأصبح تطوير العلاقات التجارية مع هذه الدول هدفاً إستراتيجياً في حد ذاته.

شكّل إعلان البندقية الذي أصدرته المجموعة الأوروبية في 13 حزيران/ يونيو 1980، بيانها الأكثر أهمية بشأن قضية فلسطين في ذلك الحين، إذ استخدم الإعلان مصطلح "الحل العادل" بدلاً من السلام العادل، ودعا إلى حق تقرير المصير للفلسطينيين وإلى إشراك منظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات. عُدَّ هذا موقفاً مبتكراً على نطاق واسع في المجتمع الدولي، وتسبب في قيام إسرائيل والولايات المتحدة بتوجيه انتقادات شديدة للمجموعة الأوروبية. أمّا ردات فعل الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية على إعلان البندقية فقد تباينت فيما بينها، إذ شعرت منظمة التحرير بخيبة أمل لأن الإعلان لم يتضمن اقتراحاً يدعو إلى الاستعاضة عن كلمة "اللاجئين" بكلمة "الفلسطينيين" في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 ، كما لم يعترف الإعلان بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين.

دعم مالي من المجموعة الأوروبية للأراضي المحتلة خلال الثمانينيات

خلال الثمانينيات، ازداد نشاط المجموعة الأوروبية في الأراضي المحتلة. وبحلول منتصف ذلك العقد، حظي وضع الفلسطينيين الرازحين تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي باهتمام أكبر بكثير في إعلانات المجموعة الأوروبية. ففي سنة 1984، أعلن وزراء خارجية المجموعة "رغبتهم في تنمية نشاط المجموعة الأوروبية من أجل سكان الأراضي المحتلة." وبعد ذلك بعامين، اعتمد المجلس الأوروبي اقتراحاً من المفوضية الأوروبية لمساعدة الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وشمل الاقتراح منح مساعدات مالية واعتماد ترتيبات تجارية. وطوال ذاك العقد، وفي العديد من إعلاناتها المهمة، أضفت المجموعة الأوروبية الصفة الشرعية على ما صار فيما بعد المبدأين الرئيسيين لـ عملية أوسلو للسلام وهما: "الاعتراف المتبادل" و"الأرض في مقابل السلام". وعندما تم توقيع إعلان المبادئ أخيراً في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، بعد ثلاثة عشر عاماً من صدور إعلان البندقية، بدا أنه أقرب إلى إعلان البندقية من أي بيان أو إعلان سبق أن تبنته الولايات المتحدة أو إسرائيل، وهو ما أشار إلى أن إعلانات المجموعة الأوروبية عكست اتباع مسار واضح وانطوت على قوة معيارية مؤثرة.

دعم عملية السلام، لكن معارضة الدولة الفلسطينية

بعد توقيع اتفاق "إعلان المبادئ" في أيلول 1993 وحلول الاتحاد الأوروبي محل المجموعة الأوروبية في تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة نفسها، برز الاتحاد الأوروبي بصفته أكبر داعم لعملية السلام خلال التسعينيات. فقد ساهم بنحو 50% من إجمالي المساعدات المقدمة للفلسطينيين، وساعد، من بين أمور أُخرى كثيرة، على إنشاء السلطة الفلسطينية المنصوص عليها في اتفاق القاهرة الموقع في أيار/ مايو 1994 بشأن قطاع غزة ومنطقة أريحا . في ذلك الوقت من منتصف التسعينيات، كان عمل الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية يركز على بناء مؤسسات الحكم الذاتي الفلسطينية، وكان لا بدّ من انتظار إعلان برلين عام 1999 كي يصبح الاتحاد الأوروبي مستعداً للتعبير عن التزامه الصريح بفكرة الدولة الفلسطينية. ثم حوّلت الانتفاضة الثانية ، التي اندلعت في سنة 2000، دعم الاتحاد الأوروبي إلى مساعدات طارئة. وبعد توقف الانتفاضة في سنة 2004، عاد الاتحاد الأوروبي مرة أُخرى إلى التركيز على إعادة بناء المؤسسات الفلسطينية وتطويرها استعداداً لإقامة الدولة العتيدة. لكن العديد من العقبات ظل قائماً في طريق إقامتها، وخصوصاً استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وحدوث الانقسام الفلسطيني الداخلي بين "حماس " و"فتح " منذ سنة 2006. وقد تعرّض الاتحاد الأوروبي في كثير من الأحيان، خلال تلك الفترة، إلى انتقادات لأنه يقدم المساعدات المالية أكثر من أن يكون لاعباً حقيقياً فيما يتعلق بقضية فلسطين، علماً بأن الأدوات الاقتصادية والتقنية التي يملكها لم تكن مؤثرة بما يكفي لدفع إسرائيل إلى التراجع عن احتلالها. ومع انضمام عشر دول جديدة من الكتلة الشرقية السابقة إلى الاتحاد الأوروبي في سنة 2004، ضعف دور الاتحاد بصفته جهة فاعلة موحدة عندما يتعلق الأمر بفلسطين. وقد تجلى هذا الضعف، بصورة أوضح، عقب صعود الشعبوية اليمينية في أوروبا.

من المفيد الإشارة هنا إلى المفارقة المتمثلة في الأدوار الهامشية للاتحاد الأوروبي خلال المفاوضات الشرق أوسطية من جهة، ومن جهة أُخرى في أدواره المهمة في الفترات التي تسبق المفاوضات وتلك التي تليها، وذلك منذ سبعينيات القرن الماضي: اتفاقيات كامب ديفيد سنة 1978؛ معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية سنة 1979؛ إعلان المبادئ سنة 1993؛ معاهدة السلام الإسرائيلية - الأردنية سنة 1994؛ الاتفاقية الموقتة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة (أوسلو 2 ) سنة 1995؛ قمة كامب ديفيد سنة 2000 ؛ خارطة الطريق للسلام سنة 2003؛ مؤتمر أنابوليس سنة 2007. وتكرر النمط نفسه طوال فترتي رئاسة أوباما وترامب .

عندما غُيِّن سلام فيّاض رئيساً لحكومة السلطة الفلسطينية في سنة 2007، عُلقت آمال كبيرة على خطته لاستكمال خطوات إقامة دولة فلسطينية بحلول سنة 2011، وحظيت خطته بحماسة هائلة لدى الاتحاد الأوروبي. وبحلول سنة 2011، نشرت جميع المؤسسات الدولية المعنية (الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة ، وصندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية )، باستثناء إدارة الولايات المتحدة، تقارير أجمعت على أن الفلسطينيين جاهزون لإقامة دولة. لكن المفارقة كمنت في أنه مع تقدم السلطة الفلسطينية على طريق إقامة الدولة، منذ منتصف التسعينيات إلى أوائل سنة 2010، راح يضعف استعداد الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وعندما تقدم الرئيس محمود عباس أمام مجلس الأمن بطلب الانضمام إلى الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2011، تردد معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في إعلان موقف صريح بشأن الطلب الفلسطيني؛ أمّا العدد القليل منها الذي عبّر عن ذلك، فقد كان، في الواقع، معارضاً للطلب الفلسطيني. وبعد مرور عام، في سنة 2012، عاد الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة، لكنهم لجأوا هذه المرة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وطلبوا الحصول على وضع دولة مراقب غير عضو، وبات يتوجب على الدول الأعضاء السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي أن تعلن مواقفها: فصوتت أربع عشرة دولة لمصلحة الاقتراح، وامتنعت اثنتا عشرة دولة عن التصويت، ولم تعارضه سوى جمهورية التشيك .

في تموز/ يوليو سنة 2013، أصدرت مفوّضية الاتحاد الأوروبي مبادئ توجيهية جديدة ضد المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان ، حظرت بموجبها تقديم منح أو جوائز أو تمويل من الاتحاد الأوروبي إلى المستوطنات في هذه الأراضي. والأهم من ذلك أن تلك المبادئ التوجيهية تضمنت بنداً ينص على أن الأراضي المحتلة ليست جزءاً من دولة إسرائيل. وصارت فكرة استبعاد الكيانات والنشاطات المرتبطة بالمستوطنات من علاقات الاتحاد الأوروبي الثنائية مع إسرائيل تُعرف باسم إستراتيجيا التمايز. وكسابقاتها من إستراتيجيات الاتحاد الأوروبي إزاء قضية فلسطين، أثارت هذه الإستراتيجية الكثير من الاهتمام والجدل، لكنها لم تغير سوى القليل على أرض الواقع في الأراضي المحتلة. وشهدت أوروبا دينامية مماثلة عندما اعترفت السويد بفلسطين في سنة 2014. ووعدت دول أُخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي بأن تحذو حذوها، لكن في الواقع لم تفعل أي منها ذلك حتى الآن.

التخلي عن الدور الفاعل وسط ضغوط داخلية

أدّت العديد من التطورات في النصف الأخير من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومن بينها تصاعد التهديد الذي شكله تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا ، وأزمة اللاجئين، وانتخاب دونالد ترامب، وصعود الشعبويين اليمينيين والقوميين في أوروبا، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، إلى إضعاف قدرة الاتحاد الأوروبي على أن يكون جهة فاعلة على المسرح الدولي. فإذا كان في إمكان دول قومية كبرى، مثل الولايات المتحدة والصين ، أن تنشط وربما تزدهر في ظل تنامي نزعات القومية المتشددة والانغلاق والحمائية، فإن الاتحاد الأوروبي، الذي يرتكز وجوده ذاته على مبادئ تقف على الطرف النقيض مثل الكوزموبوليتية والانفتاح والتعددية، لا يمكنه ذلك.

مهما يكن، صارت الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بقضية فلسطين، بعد سنة 2016، واضحة للعيان. وأدى صعود القوميين اليمينيين، في دول أوروبية غربية مثل السويد، إلى إضعاف الدعم لفلسطين وزيادة الدعم لإسرائيل. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي بقي محافظاً على "شعلة حل الدولتين المقدسة "، كما ورد على لسان دبلوماسي أوروبي، فإن من المرجح أن تكون إستراتيجيا التمايز التي اتبعها الاتحاد الأوروبي، إلى جانب اعتراف السويد بفلسطين في سنة 2014 وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334 الخاص بمعارضة الاستيطان الصادر في سنة 2016، آخر الجهود الدولية لإنقاذ حل الدولتين على النحو الذي يتخيله الاتحاد الأوروبي (حظي القرار رقم 2334 بتأييد قوي من الدول الثلاث الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن الدولي في ذلك الوقت وهي فرنسا والمملكة المتحدة وإسبانيا ).

وبما أن الاتحاد الأوروبي واجه صعوبات كبيرة في الموافقة على أي نوع من السياسات بشأن قضية فلسطين بعد سنة 2016، فقد ضعفت قوته المعيارية أيضاً بشكل كبير. وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي الذي قاد على امتداد عقود التحولات في سياسات المجتمع الدولي بشأن قضية فلسطين، لم يعد لديه الكثير ليقوله في نطاق المناقشات التي تدور بشأن قضية فلسطين في عشرينيات القرن الحادي والعشرين، سواء في ما يتعلق بالمساواة في الحقوق للجميع في إسرائيل-فلسطين، وحل الدولة الواحدة المحتمل، أو في مسائل الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني.

جدول الأحداث الكلي
E.g., 2024/11/27
E.g., 2024/11/27