بيان صادر عن لجنة فينوغراد حول تقصي حقائق الحرب الإسرائيلية
على لبنان في صيف 2006 يبرز أهم نقاط التقرير النهائي
30/1/2008
1. قبل نحو الساعة قدّمنا لرئيس الوزراء إيهود أولميرت ووزير الدفاع إيهود براك التقرير النهائي للجنة تقصي حقائق معركة لبنان 2006.
2. لقد كُلِّفنا بمهمة صعبة ومعقّدة شملت تقصي حقائق الأحداث خلال القتال الذي استمرّ 34 يومًا وكذلك فحص الأحداث التي سبقت الحرب، منذ خروج جيش الدفاع من لبنان عام 2000. وكانت المهمة تتناول حقائق مشحونة ومعقّدة على نطاق لم يسبق له مثيل في أي لجنة تحقيق سابقة.
3. إن حقيقتي إقدام حكومة إسرائيل على مثل هذا الفحص وإجراء جيش الدفاع تحقيقات عديدة في مختلف الأحداث العسكرية هما مؤشران على المتانة وتدلان على أن الزعماء السياسيين والعسكريين في إسرائيل مستعدّون لتعريض أنفسهم لانتقاد مؤلم ولكن حيوي في حالات الضرورة.
4. تشمل النسخة السرية من التقرير جميع الحقائق التي اعتبَرنا ذات صلة بحرب لبنان الثانية وفقًا للتسلسل الزمني وبشكل منهجي. إن هذا العرض لسند الحقائق كان جزءًا هامًا من عملنا. وسيكون من المعقول الافتراض بأنه لم تكن لأي من صانعي القرار إمكانية الحصول على سند مماثل. وبهذه المهمة كان لنا تفوّق مميّز على الآخرين الذين كتبوا عن هذه الحرب، إذ أنه كانت بحوزتنا كميات كبيرة من الموادّ الأصلية والشاملة وسنحت لنا الفرصة لشرح الحقائق من خلال استجواب العديد من شهود العيان والقادة والجنود بما في ذلك عائلات ثكلى.
5. لا يشمل التقرير العلني ولأسباب مفهومة العديد من الحقائق التي لا يمكن الكشف عنها لاعتبارات تتعلق بالدفاع عن أمن الدولة وبعلاقاتها الخارجية. ورغم ذلك، حاولنا تحقيق التوازن بين الرغبة في عرض صورة ذات معنى للأحداث على الجمهور من جهة والاحتياجات الأمنية من جهة أخرى. وينبغي القول إننا لم نَعتبِر حقيقة قيام وسائل الإعلام بنشر بعض الحقائق السرية سببًا في إدراج هذه الحقائق على التقرير العلني.
6. نحن أعضاء اللجنة فعلنا وفقًا للأهداف المركزية التي تم تشكيل اللجنة من أجلها وهي: توفير الردود للمشاعر الصعبة التي سادت الجمهور الإسرائيلي وشعوره بأزمة وبخيبة أمل بسبب حرب لنان الثانية وبسبب طريقة إدارة الحرب سياسيًا وعسكريًا؛ الرغبة في استخلاص العِبر من إخفاقات الحرب وتقصيراتها وفي تصحيح ما يستلزم التصحيح بسرعة وبحزم. واعتبَرنا التحقيق المعمّق في الأحداث أهم مهمة ومفتاحًا لاستخلاص العِبر للمستقبل وتطبيقها.
7. إن فهْمنا هذا لدورنا كان أحد الأسباب الرئيسية وراء قرارنا بألا يشمل التقرير النهائي استنتاجات وتوصيات شخصية. فنعتقِد بأنه يجب أولا تصحيح جميع الإخفاقات الهيكلية المنجهية التي اكتُشِفت في الحرب على جميع المستويات.
ومع ذلك، يجب التأكيد على أن حقيقة امتناعنا عن تحميل المسؤولية الشخصية لا يعني أنه لا توجد مثل هذه المسؤولية. ونريد أيضًا القول ما سبق أن قُلناه في التقرير المرحلي: لم نتّبع معايير مختلفة في تحميل المستويين السياسي والعسكري المسؤولية أو تحميل شخصيات تختلِف من ناحيتي رتبها أو مهامها داخل هاذين المستويين المسؤولية.
8. فلنؤكد: عندما نُحمّل جهازًا أو مستوى أو وحدة المسؤولية لا نعني بذلك أن المسؤولية تقع على من كان يقود هذا الجهاز أو المستوى أو الوحدة وحده أو بشكل رئيسي إبان الحرب. فكثيرًا ما تكون مثل هذه المسؤولية نتيجة عوامل مختلفة لا يمكن للقادة السيطرة عليها. وبالإضافة إلى ذلك فإن جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن الإخفاقات والتقصيرات التي اكتشَفناها يقع على عاتق أولئك الذين كانوا مسؤولين عن الجاهزية والاستعداد في السنوات ما قبل الحرب.
9. لا يسعى هذا البيان للصحافة إجمال التقرير النهائي وإنما عرض أهم ما جاء فيه. ويحتوي التقرير نفسه على مناقشات تناولت العديد من القضايا الهامة والتي تُعتبَر جزءًا لا يتجزأ من التقرير واسنتاجاته وتوصياته.
10. تناولنا في التقرير النهائي بشكل خاص الأحداث التي وقعت في الفترة التي تلت القرار الأولي في خوض الحرب والتي كنّا قد تناولناها في التقرير المرحلي. ولكن أحداث الفترة التي يتناولها التقرير النهائي وقعت في ظل القيود التي فرضها قرار خوض الحرب على جميع إخفاقاتها وتقصيراتها.
ونريد أن نؤكد أننا نقف وراء كل ما جاء في التقرير المرحلي وأن جزئيْ التقرير يتكاملان.
11. بشكل عام نَعتَبِر حرب لبنان الثانية حربًا انطوت على تفويت خطير. إن إسرائيل كانت السباقة لشن الحرب التي انتهت دون تحقيق انتصار عسكري واضح. فقاومت منظمة شبه عسكرية لا تشمل إلا بضعة آلاف العناصر أقوى الجيوش في الشرق الأوسط والذي كان يتمتع بتفوّق جوي كامل وبتفوّق من ناحيتي حجمه والتكنولوجيا. واستمرّ إطلاق الصواريخ على أهداف مدنية إسرائيلية طيلة أيام الحرب دون أن يوفّر جيش الدفاع ردًا ناجعًا على ذلك. وتم تشويش نسيج الحياة تحت النيران بشكل خطير حيث اضطرّ العديد من المدنيين إلى مغادرة منازلهم بشكل موقت أو ملازمة الملاجئ. وبعد فترة طويلة استخدَم خلالها جيش الدفاع النيران المضادّة فقط وقام بعمليات برية، شنّت إسرائيل هجومًا بريًا واسع النطاق قرب موعد صدور مشروع القرار في مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار. إن هذا الهجوم لم يحقّق إنجازات عسكرية ولم يُستكمَل. وتنطوي هذه الحقائق على انعكاسات كبيرة بالنسبة لنا وبالنسبة لأعدائنا ولجيراننا وأصدقائنا في المنطقة وفي العالم بأسره.
12. خلال الفترة التي نظرنا فيها في التقرير النهائي- اعتبارًا من 18 تموز يوليو 2006 وحتى 14 آب أغسطس 2006 اكتُشِفت مجددًا حقائق مثيرة للانزعاج سبق أن أشار إليها التقرير المرحلي:
• وجدنا قصورًا خطيرًا وعيوبًا في طريقة اتخاذ القرارات وعمل الهيئة في المستويين السياسي والعسكري والتعامل بينهما.
• وجدنا إخفاقات وتقصيرات خطيرة فيما يخص مدى الجاهزية وطريقة اتخاذ القرارات وتنفيذها في المستوى القيادي الأعلى في جيش الدفاع وخاصة في القوات البرية.
• وجدنا إخفاقات وتقصيرات خطيرة في انعدام تفكير وتخطيط إستراتيجي، على المستويين السياسي والعسكري على حد سواء.
• وجدنا إخفاقات وتقصيرات خطيرة فيما يخص بحماية السكان المدنيين ومواجهة حقيقة تعرّضهم للاعتداءات الصاروخية.
• إن نقاط الضعف مصدرها جزئيا الاستعداد والتخطيط الإستراتيجي والعملياتي غير الملائم في الفترة ما قبل حرب لبنان الثانية.
13. إن القرار الذي اتّخِذ في ليلة 12 تموز يولي القاضي بالرد فورًا وبعملية عسكرية حازمة (على الاختطاف) حُدّدت لها أهداف طموحة،جعل نطاق الخيارات الإسرائيلي محدودًا. وبالفعل، لم يكن لدى إسرائيل بعد القرار الأولي بخوض الحرب إلا خياران رئيسيان، كان لكلاهما مَنطِقه الداخلي إلى جانب ثمنه ونواقصه. وكان الخيار الأول يتمثّل بتوجيه ضربة مؤلمة وقوية ومباغتة لحزب الله خاصة من خلال النيران المضادّة. أما الخيار الثاني فتمثّل بإحداث تغيير جوهري على الواقع في جنوب لبنان من خلال عملية برية واسعة النطاق تشمل احتلال جنوب لبنان بشكل موقت و"تطهيره" من البنية التحتية العسكرية لحزب الله.
14. إن اختيار أحد هاذين الخيارين كان متروكًا لتقدير الحكومة وحدها ولكن طريقة اتخاذ القرار الأصلي بخوض الحرب وحقيقة خوض الحرب قبل اختيار أحد الخيارين وبانعدام إستراتيجية للخروج منها- إن جميع هذه العوامل كانت بمثابة إخفاقات خطيرة أثرت على الحرب بأسرها. وتقع المسؤولية عنها على عاتق المستويين السياسي والعسكري على حد سواء، كما سبق أن أكدناه في التقرير المرحلي.
15. بعد القرار الأولي باستخدام القوة العسكرية وحتى نهاية الحرب استمرّت فترة "الالتباس" حيث لم يبتّ المستويان السياسي والعسكري في الخيارين: إمّا تضخيم الإنجاز العسكري من خلال عملية عسكرية برية واسعة النطاق أو الامتناع عن اتخاذ مثل هذه الخطوة والسعي لإنهاء الحرب على وجه السرعة. وكان هذا "الالتباس" قد مسّ بإسرائيل. ورغم وعي هذه الحقيقة، فمرّت أسابيع طويلة دون مناقشة هاذين الخيارين ودون البت في أي منهما.
16. بالإضافة إلى الامتناع عن اتخاذ قرار حول طريقة إدارة المعركة العسكرية، فإن عملية نشر القوات تمهيدًا لحملة برية واسعة جاءت متأخرة جدًا، مما شكّل عاملا آخر جعل حرية العمل والمرونة السياسية الإسرائيلية محدودتين: فحتى الأسبوع الأول من آب أغسطس لم تقم إسرائيل بإعداد القدرة العسكرية لشن عملية برية كبيرة.
17. ونتيجة لذلك، لم تكْتفِ إسرائيل بإنجازاتها العسكرية الأولية، ولم "تنجرّ" إلى عملية برية إلا بعد أن حال جدول زمني سياسي ودبلوماسي دون استكمالها الناجع. ويتحمّل المستويان السياسي والعسكري على حد سواء المسؤولية عن هذا الإخفاق الأساسي في إدارة الحرب.
18. كانت صورة الحرب الشاملة نتيجة لمجمل عوامل هي التصرف المعيب للمستويين السياسي والعسكري والتعامل بينهما والأداء المعيب من قبل جيش الدفاع وخاصة القوات البرية والجاهزية الإسرائيلية الناقصة. إن إسرائيل لم تَستخدِم قوتها العسكرية بشكل جيد وناجع، رغم أن الحرب كانت محدودة النطاق وكانت إسرائيل السباقة إليها. وفي نهاية المطاف، لم تحقق إسرائيل إنجازًا سياسيًا بسبب نجاحها العسكري وإنما كانت تعتمِد على اتفاق سياسي شمل عناصر إيجابية بالنسبة لإسرائيل أفسحت المجال أمامها لوقف حرب فشلت في تحقيق الانتصار فيها.
19. إن ما تمخّض بشكل رئيسي عن هذه النتيجة هو حقيقة عدم إدارة الحرب من لحظاتها الأولى على أساس فهم عميق للظروف الميدانية ولمدى جاهزية واستعداد جيش الدفاع وللبمادئ الأساسية الخاصة باستخدام القوى العسكرية لتحقيق هدف سياسي ودبلوماسي.
20. يمكن القول لإجمال الأمر أن جيش الدفاع أخفق في توفير الرد العسكري الفعال للتحدي الذي وضعته أمامه الحرب في لبنان بسبب أداء القيادة العليا والقوات البرية، وبذلك أخفق في توفير الإنجاز العسكري للمستوى السياسي والذي كان قد يُستخدَم قاعدة لعمل سياسي ودبلوماسي. إن جيش الدفاع يتحمّل بشكل رئيسي المسؤولية عن هذه النتائج، ولكنه يتقاسم هذه المسؤولية ضعف التماشي بين طريقة العمل والأهداف التي حدّدها المستوى السياسي.
21. الجدير بالذكر أنه إلى جانب إخفاقات جيش الدفاع في الأداء كانت هناك أيضًا إنجازات عسكرية هامّة. تجدر الإشارة بوجه الخصوص إلى استعداد الجنود وخاصة جنود الاحتياط لأداء خدمتهم وللقتال، بالإضافة إلى العديد من الحوادث التي أبدى فيها العديد من القادة والجنود الشجاعة وربط الجأش والإخلاص.
22. يجب الإشادة بسلاح الجو لما حقّقه من إنجازات كثيرة مثيرة للإعجاب خلال الحرب. ولكن كان في القيادة العليا لجيش الدفاع وكذلك في المستوى السياسي من تمسّكوا بالأوهام بأن قدرات سلاح الجو قد تكون حاسمة في الحرب. فبالفعل، كانت الإنجازات الرائعة لسلاح الجو محدودة بالضرورة وتآكلت بسبب ضعف أداء جيش الدفاع بأسره.
23. إنعكس حادث سفينة "حانيت" في سلاح البحرية إلى حد كبير على الأداء العام لسلاح البحرية، رغم أن سلاح البحرية ساهم مساهمة هامة في الحصار البحري ووفّر القيادة الشمالية الدعم الفعال والمتنوع خلال القتال.
24. الجدير بالذكر أيضًا أن الحرب قد تمخّضت عن إنجازات دبلوماسية ملحوظة. فكان قرار مجلس الأمن رقم 1701 وتبنيه بالإجماع إنجازًا لإسرائيل. وهذا الاستنتاج قائم وإن تم تطبيق القرار أو سيتم تطبيقه بشكل جزئي، وحتى إذا ما كان متوقّعًا ألا يتم تطبيق بعض بنود القرار. ولا يعتمِد هذا الاستنتاج أيضًا على النوايا والأهداف التي حدّدتها القوى التي أيدت القرار.
25. مع ذلك ينبغي أن نذكر أننا لم نلاحِظ عمل هيئة منتظَمًا بالنسبة لمواقف إسرائيل في المفاوضات. وقد تحسّنت الأوضاع بشكل جزئي لدى تشكيل الطاقم برئاسة رئيس الهيئة في ديوان رئيس الوزراء. فقد عمِل الطاقم بشكل ناجع وبإخلاص ومن منطلق الأداء المهني والتنسيق. ولكن هذا الأمر لا يستطيع التعويض عن غياب عمل هيئة تمهيدي ومناقشات داخل المستوى السياسي الكبير.
26. تنطوي هذه الحقيقة على أهمية كبيرة بالنسبة لطريقة إدارة إسرائيل للمفاوضات ولفحوى الترتيبات التي تم التوصّل إليها. ففي مثل هذه المفاوضات كثيرًا ما تُتخَذ قرارات قد تكون لها انعكاسات بعيدة الأمد على المصالح الإسرائيلية بما في ذلك وضع سوابق.
27. كان عمل الهيئة الذي جرى في وزارة الخارجية بالنسبة لتبني مشروع قرار مُرضٍ في مجلس الأمن كان في أساسه سريعًا ومنهجيًا وناجعًا. وفي الوقت نفسه ولاعتبارات مختلفة فإنه لم يعكِس وعيًا واضحًا للضرورة الحيوية للدمج الناجع بين الإنجازات العسكرية والنشاطات الدبلوماسية.
28. نتطرق حاليًا إلى النشاطات السياسية والعسكرية الخاصة بالعملية البرية في نهاية الحرب. وتشكّل هذه النشاطات إحدى القضايا المركزية في الجدل العام.
29. يصحّ القول إنه يستدّل من النظر فيما حدث أن العملية البرية الواسعة النطاق لم تحقِّق أهدافها المتمثّلة بتقليص عدد الاعتداءات الصاروخية وتغيير صورة الحرب. ولم يتّضح ماذا كانت مساهمة العملية البرية في تسريع الإنجاز الدبلوماسي أو تحسينه. كما أنه ليس من الواضح إلى أي حد أثّر الهجوم البري على مواقف حكومة لبنان وحزب الله من وقف إطلاق النار.
30. ورغم كل ما جاء، من الأهمية بمكان التأكيد على أنه يجب عدم تقييم هذه القرارات بعد اتّخاذها. فلا يمكن أن يعتمد هذا التقييم على الثمن الذي ترتّب على اتخاذ هذه القرارات. ويجب ألا يعتمد التقييم إلا على الأسباب من وراء العملية وأخطارها واحتمالات نجاحها كما كانت معروفة أو كما كان يجب أن تكون معروفة- لدى اتخاذ القرارات. بل من المستحيل تقييم العملية البرية في نهاية الحرب دون أخذ التطوّرات التي سبقتها بالحسبان وكذلك اخذ تكرار تأجيل تبني مجلس الأمن لمشروع القرار بالحسبان ودون اعتبارها في إطار إدارة الحرب بأسرها.
31. وعلى هذه الخلفية، توصلنا إلى الاستنتاجات التالية من دراسة القرارات المركزية:
• قرار مجلس الوزراء من 9 آب أغسطس- المصادقة من حيث المبدأ على خطة جيش الدفاع، ولكن تخويل رئيس الوزراء ووزير الدفاع صلاحية البت في تنفيذ الخطة وموعد تنفيذها وفقًا لجدول زمني دبلوماسي- كاد يكون ضروريًا ومَنح الحكومة الإسرائيلية المرونة العسكرية والسياسية اللازمة.
• إن قرار خوض العملية البرية اتّخِذ فعلا في إطار التقدير السياسي والمهني لصانعي القرار، على أساس الحقائق المطروحة عليهم. وكانت أهداف العملية البرية مشروعة ولم يتم اسنتفادها بسبب السعي إلى تسريع الإنجاز الدبلوماسي أو تحسينه. ولم تشب القرار نفسه شائبة، وإن كانت إنجازاته محدودة وثمنه مؤلمًا.
• كان موقفا رئيس الوزراء الذي فضّل الامتناع عن العملية البرية ووزير الدفاع الذي اعتقَد بأنها ستصبّ في مصلحة إسرائيل على حد سواء يُتخَذان من منطلق المهنية وعلى أساس الحقائق. فحظي كلا الموقفين بتأييد جدي ضمن أعضاء هيئة الأركان العامة في جيش الدفاع وآخرين. وإن كان كل منهما قد أخذ بالحسبان الاعتبارات الحزبية العامة- وهذا أمر لا يمكننا تحديده- فنعتقِد بأن كلاهما فعل انطلاقٌا من تقدير قوي ومخلص لما اعتبَره في حينه أمرًا من مصلحة إسرائيل.
32. نريد التأكيد: إن واجب اتخاذ هذه القرارات الصعبة كان يقع على عاتق الزعماء السياسيين. ولا تُختبَر هذه القرارات إلا من الناحيتين العامة والسياسية.
33. وفي الوقت نفسه يجب الإشارة إلى أن:
• لم نجِد دليلا على أنه كان هناك في المستوى السياسي أو المستوى العسكري من قام بنظر جدي في السؤال حول ما إذا كان من المعقول توقّع تحقيق إنجازات عسكرية خلال 60 ساعة كان بإمكانها المساهمة مساهمة كبيرة في تحقيق أهداف العملية؛
• لم نجد دليلا على أن المستوى السياسي كان على علم بتفاصيل القتال في الوقت الحقيقي، ولم نلاحِظ أي نقاش في المستوى السياسي أو العسكري حول مسألة وقف العملية العسكرية بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي؛
• لم نلاحظ أي شرح للتوتر الذي كان قائمًا بين السعي إلى كسب المزيد من الوقت لإكمال المرحلة الأولى من العملية البرية المخطّطة من جهة والقرارات الخاصة بعدم مواصلة القتال حتى وقف إطلاق النار نفسه من جهة ثانية؛
34. إن وصف الإخفاقات في إدارة الحرب قد يُعتبَر مُضرًا بإسرائيل. فقد يكون أولئك الذين سيستغلّون
استنتاجاتنا للمس بإسرائيل وجيشها. ومع ذلك نشير إلى هذه الإخفاقات والتقصيرات على أساس قناعتنا بأن إسرائيل قد تخرج من الأزمة قوية. ونحن مرتاحون من حقيقة بدء عمليات إصلاح. ونوصي بمواصلة هذه العمليات بشكل عميق ومنهجي. إن القرار فيما إذا خرجنا لدى مواجهة مثل هذه التحديات في المستقبل أكثر استعدادًا وجاهزية وفيما إذا تعاملنا مع هذه التحديات بأكبر قدر من الجدية والمسؤولية مما تعامل معها صانعو القرار على المستويين السياسي والعسكري إبان حرب لبنان الثانية، إن هذا القرار متروك للزعماء وللجمهور الإسرائيلي فقط.
35. إن توصياتنا تشمل مقترحات تقضي بإدخال تغييرات منهجية وعميقة في طرق التفكير والعمل التي ينتهجها المستويان السياسي والعسكري والتعامل بينهما، سواء في الأوقات العادية أو في أوقات الطوارئ بما في ذلك أوقات الحرب. وهذه هي مسيرات عميقة وحاسمة. ويجب ألا يتلاشى معناها بسبب أحداث عادية وإنجازات محلية أو عمليات إصلاح أولية. وستقتضي الحاجة بذل جهود متواصلة ومستمرّة لتحقيق تحسين ملموس في طرق التفكير والعمل في الجهازين السياسي والعسكري.
36. لهذا السبب نريد التحذير من المخاطر التي قد تشوّش خططًا وتؤجل عمليات إصلاح ضرورية وبذلك تتمخض عن نتائج خطيرة:
• إن الخوف من الانتقاد في حالة الفشل قد يسبب ردود فعل دفاعية، والتقيّد بأنظمة محدودة والامتناع عن اتخاذ قرارات حاسمة وتفضيل اتخاذ موقف المتفرّج. إن مثل هذا التصرف غير مرغوب فيه وخطير.
• في واقع ديناميكي ومعقّد، لا يجوز الاستعداد مستقبلا لحرب الماضي. ومن الحيوي أيضًا عدم الاكتفاء بعملية سطحية بهدف خلق صورة وكأنه تم تصحيح العيوب.
• من الحيوي عدم التركيز على مواجهة المخاطر فحسب وإنما الدمج بين الجاهزية لمواجهة سيناريوهات التهديد والبحث الفعال عن فرص.
• لدى التحدّث عن استخلاص العِبر يجب الأخذ بالحسبان أن الأعداء هم أيضًا يستخلصون العِبر.
37. أعادت حرب لبنان الثانية إلى الأذهان وإلى النقاش قضايا كانت هناك بعض الأجزاء في المجتمع الإسرائيلي التي فضّلت كبت المشاعر بالنسبة إليها: إن إسرائيل لن تستطيع الصمود في هذه المنطقة ولن تستطيع العيش بسلام أو على الأقل في حالة عدم الحرب، إلا إذا اعتقَد الشعب في إسرائيل نفسها وفي محيطها بأن لإسرائيل قيادة سياسية وعسكرية وأنها تمتلِك قدرات عسكرية ومجتمعها يتمتّع بمتانة تفسح لها المجال لردع أولئك الجيران الذين يسعون إلى المسّ بها ولمنعهم من تحقيق هدفهم، وإن اقتضت الضرورة استخدام القوة العسكرية.
38. لا تعتمِد هذه الحقائق على مواقف سياسية أو حزبية معيّنة. فيجب على إسرائيل من الناحيتين السياسية والأخلاقية السعي إلى تحقيق السلام مع جيرانها والتوصّل إلى حلول الوسط اللازمة لهذا
الغرض. وفي الوقت نفسه، يجب أن يأتي السعي إلى تحقيق السلام أو التوصّل إلى تسوية انطلاقًا من متانة اجتماعية وسياسية وعسكرية ومن خلال امتلاك القدرة والاستعداد للقتال من أجل الدولة وقِيَمها وأمن سكّانها حتى بغياب السلام.
39. تنطوي هذه الحقائق على انعكاسات عميقة وبعيدة الأمد بالنسبة للعديد من أبعاد الحياة في إسرائيل ولسبل مواجهة التحديّات أمامها. فإن هذه الأسئلة هي الأسئلة المركزية التي طرحتها حرب لبنان، فوق التحقيق في العيوب في عملية اتخاذ القرارات والأداء التي اكتُشفت فيها، مهما كانت أهميتها. فهذه القضايا كامنة في جوهر وجودنا هنا كدولة يهودية وديمقراطية. وهذه هي الأسئلة التي يجب علينا التركز عليها.
40. نأمل في ألا تؤدي نتائج تحقيقنا واستنتاجاتنا من التقريرين المرحلي والنهائي إلى تصحيح العيوب والنواقص فحسب وإنما ستساعد المجتمع الإسرائيلي وزعماءه ومفكّريه في دفع الأهداف البعيدة الأمد لإسرائيل وفي تطوير الطرق المناسبة لمواجهة التحديات والردّ عليها.
41. نشكر على الثقة التي مُنحنا عندما أسنِدت إلينا هذه المهمة الصعبة. وإذا ما تم تصحيح العيوب التي أشرنا إليها ، فستكون هذه مكافأتنا.
شكرًا
المصدر: "مجلة الدراسات الفلسطينية"، المجلد 19، العدد 73 (شتاء 2008)، ص 186.