خطاب الرئيس باراك أوباما في جامعة القاهرة
عن الولايات المتحدة والعالم الإسلامي
(مقتطفات بشأن الموضوعات الفلسطينية – الإسرائيلية)
القاهرة، 4 حزيران/ يونيو 2009
إنه لمن دواعي شرفي أن أزور مدينة القاهرة الأزلية حيث تستضيفني فيها مؤسستان مرموقتان للغاية إحداهما الأزهر الذي بقي لأكثر من ألف سنة منارة العلوم الإسلامية، بينما كانت جامعة القاهرة على مدى أكثر من قرن بمثابة منهل من مناهل التقدم في مصر، ومعا تمثلان حسن الاتساق والانسجام ما بين التقاليد والتقدم.
وإنني ممتن لكم لحسن ضيافتكم ولحفاوة شعب مصر، كما أنني فخور بنقل أطيب مشاعر الشعب الأميركي لكم مقرونة بتحية السلام من المجتمعات المحلية المسلمة في بلدي: السلام عليكم.
...
لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، وهي بداية مبنية على أساس حقيقة أن أميركا والإسلام لا تعارضان بعضها البعض، ولا داعي أبدا للتنافس فيما بينهما، بل إن لهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها ألا وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان.
...
أما المصدر الرئيسي الثاني للتوتر الذي أود مناقشته هو الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي.
إن متانة الأواصر الرابطة بين أميركا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبدا، وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية، وكذلك الاعتراف بأن رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخ مأساوي لا يمكن لأحد نفيه.
لقد تعرض اليهود على مر القرون للاضطهاد وتفاقمت أحوال معاداة السامية بوقوع المحرقة التي لم يسبق لها عبر التاريخ أي مثيل، وإنني سأقوم غدا بزيارة معسكر بوخنفالد الذي كان جزءا من شبكة معسكرات الموت التي استخدمت لاسترقاق وتعذيب وقتل اليهود رميا بالأسلحة النارية وتسميما بالغازات. لقد تم قتل 6 ملايين من اليهود، يعني أكثر من إجمالي عدد اليهود بين سكان إسرائيل اليوم.
إن نفي هذه الحقيقة أمر لا أساس له وينم عن الجهل وبالغ الكراهية، كما أن تهديد إسرائيل بتدميرها أو تكرار الصور النمطية الحقيرة عن اليهود هما أمران ظالمان للغاية ولا يخدمان إلا غرض استحضار تلك الأحداث الأكثر إيذاء إلى أذهان الإسرائيليين، وكذلك منع حلول السلام الذي يستحقه سكان هذه المنطقة.
أما من ناحية أخرى فلا يمكن نفي أن الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه قد عانى أيضا في سعيه لإقامة وطن خاص له، وقد تحمل الفلسطينيون آلام النزوح على مدى أكثر من 60 عاما، حيث ينتظر العديد منهم في الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة لكي يعيشوا حياة يسودها السلام والأمن، هذه الحياة التي لم يستطيعوا عيشها حتى الآن.. يتحمل الفلسطينيون الإهانات اليومية -صغيرة كانت أم كبيرة- الناتجة عن الاحتلال، وليس هناك أي شك في أن وضع الفلسطينيين لا يطاق، ولن تدير أميركا ظهرها عن التطلعات المشروعة للفلسطينيين ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم.
لقد استمرت حالة الجمود لعشرات السنوات: شعبان لكل منهما طموحاته المشروعة ولكل منهما تاريخ مؤلم يجعل من التراضي أمرا صعب المنال. إن توجيه اللوم أمر سهل، إذ يشير الفلسطينيون إلى تأسيس دولة إسرائيل وما أدت إليه من تشريد للفلسطينيين، ويشير الإسرائيليون إلى العداء المستمر والاعتداءات التي يتعرضون لها داخل حدود إسرائيل وخارج هذه الحدود على مدى التاريخ، ولكننا إذا نظرنا إلى هذا الصراع من هذا الجانب أو من الجانب الآخر، فإننا لن نتمكن من رؤية الحقيقة لأن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن.
إن هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أميركا، ولذلك سأسعى شخصياً للوصول إلى هذه النتيجة متحلياً بالقدر اللازم من الصبر الذي تقتضيه هذه المهمة.
إن الالتزامات التي وافق عليها الطرفان بموجب خريطة الطريق هي التزامات واضحة. لقد آن الأوان -من أجل إحلال السلام- لكي يتحمل الجانبان مسؤولياتهما، ولكي نتحمل جميعنا مسؤولياتنا.
كما يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف.. إن المقاومة عبر العنف والقتل أسلوب خاطئ ولا يؤدي إلى النجاح.
لقد عانى السود في أميركا طوال قرون من الزمن من سوط العبودية ومن مهانة التفرقة والفصل بين البيض والسود، ولكن العنف لم يكن السبيل الذي مكنهم من الحصول على حقوقهم الكاملة والمتساوية، بل كان السبيل إلى ذلك إصرارهم وعزمهم السلمي على الالتزام بالمثل التي كانت بمثابة الركيزة التي اعتمد عليها مؤسسو أميركا، وهذا هو ذات التاريخ الذي شاهدته شعوب كثيرة تشمل شعب جنوب أفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا الشرقية وإندونيسيا.
وينطوي هذا التاريخ على حقيقة بسيطة ألا وهي أن طريق العنف طريق مسدود وأن إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين في مضاجعهم أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات لا يعبر عن الشجاعة أو عن القوة، ولا يمكن اكتساب سلطة التأثير المعنوي عبر مثل هذه الأعمال، إذ يؤدي هذا الأسلوب إلى التنازل عن هذه السلطة.
والآن على الفلسطينيين تركيز اهتمامهم على الأشياء التي يستطيعون إنجازها، ويجب على السلطة الفلسطينية تنمية قدرتها على ممارسة الحكم من خلال مؤسسات تقدم خدمات للشعب وتلبي احتياجاته.
إن حركة حماس تحظى بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين، ولكنها تتحمل مسؤوليات كذلك. ويتعين على حركة حماس حتى تؤدي دورها في تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني، أن تضع حداً للعنف وأن تعترف بالاتفاقات السابقة وأن تعترف بحق إسرائيل في البقاء.
وفي نفس الوقت يجب على الإسرائيليين الإقرار بأن حق فلسطين في البقاء حق لا يمكن إنكاره، مثلما لا يمكن إنكار حق إسرائيل في البقاء.
إن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية من يتحدثون عن إلقاء إسرائيل في البحر، كما أننا لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية. إن عمليات البناء هذه تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوض من الجهود المبذولة لتحقيق السلام.. لقد آن الأوان لكي تتوقف هذه المستوطنات.
كما يجب على إسرائيل أن تفي بالتزاماتها لتأمين تمكين الفلسطينيين من أن يعيشوا ويعملوا ويطوروا مجتمعهم، لأن أمن إسرائيل لا يتحقق عبر الأزمة الإنسانية في غزة التي تصيب الأسر الفلسطينية بالهلاك أو عبر انعدام الفرص في الضفة الغربية.
إن التقدم في الحياة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني يجب أن يكون جزءا من الطريق المؤدي إلى السلام، ويجب على إسرائيل أن تتخذ خطوات ملموسة لتحقيق مثل هذا التقدم.
وأخيرا يجب على الدول العربية أن تعترف بأن مبادرة السلام العربية كانت بداية هامة، وأن مسؤولياتها لا تنتهي بهذه المبادرة، كما ينبغي عليها أن لا تستخدم الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب العربية عن مشاكلها الأخرى، بل يجب أن تكون هذه المبادرة سببا لحثهم على العمل لمساعدة الشعب الفلسطيني على تطوير مؤسساته التي ستعمل على مساندة الدولة الفلسطينية ومساعدة الشعب الفلسطيني على الاعتراف بشرعية إسرائيل، واختيار سبيل التقدم بدلا من السبيل الانهزامي الذي يركز الاهتمام على الماضي.
ستنسق أميركا سياساتها مع سياسات أولئك الذين يسعون من أجل السلام، وستكون تصريحاتنا التي تصدر علنا هي ذات التصريحات التي نعبر عنها في اجتماعاتنا الخاصة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب.. إننا لا نستطيع أن نفرض السلام، ويدرك الكثير من المسلمين في قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تختفي، وبالمثل يدرك الكثير من الإسرائيليين أن دولة فلسطينية أمر ضروري.
لقد آن الأوان للقيام بعمل يعتمد على الحقيقة التي يدركها الجميع.. لقد تدفقت دموع الكثيرين وسالت دماء الكثيرين، وعلينا جميعا تقع مسؤولية العمل من أجل ذلك اليوم الذي تستطيع فيه أمهات الإسرائيليين والفلسطينيين مشاهدة أبنائهم يتقدمون في حياتهم دون خوف، وعندها تصبح الأرض المقدسة التي نشأت فيها الأديان الثلاثة العظيمة مكانا للسلام الذي أراده الله لها، وعندها تصبح مدينة القدس وطنا دائما لليهود والمسيحيين والمسلمين، المكان الذي يستطيع فيه أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يتعايشوا في سلام تماما كما ورد في قصة الإسراء عندما أقام الأنبياء موسى وعيسى ومحمد سلام الله عليهم الصلاة معا.