المجلس الوطني الفلسطيني
الدورة الثامنة
البرنامج السياسي المرحلي للثورة الفلسطينية
القاهرة، 28 شباط/ فبراير – 5 آذار/ مارس 1971
منذ أن انطلقت طلائع شعبنا المناضل في مطلع عام 1965 تفجر الثورة المسلحة ضد الكيان السياسي الصهيوني القائم بقوة العدوان فوق أرض فلسطين، فلقد آمنت تلك الطلائع، ومعها، ومن خلفها الجماهير العربية الواسعة وجميع أحرار العالم، بأن الكفاح المسلح هو الطريق الحتمي الوحيد لتحرير كامل تراب فلسطين.
واليوم، فإن الثورة الفلسطينية تجتاز مرحلة بالغة الحرج والخطورة من مراحل نضالها في مواجهة عملية تصفية شرسة يلتقي فيها ما حدث في الأردن في مذبحة أيلول (سبتمبر) مع ما يحدث داخل الوطن المحتل نفسه من عمليات الإبادة والتنكيل.
إن هذه المؤامرة الشرسة استهدفت هذه المرة تصفية الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية في الأردن، كما استهدفت تصفية الروح الثورية ومجموع القضية الوطنية الفلسطينية، وهكذا، فإن قوى الإمبريالية العالمية والصهيونية العالمية، جنباً إلى جنب مع دولة الاحتلال الصهيوني والقوى المضادة للثورة في الوطن العربي، قد التقت جميعها على أنه قد آن الأوان للشروع في هذه الهجمة التصفوية الشرسة اتقاء منها لخطر تصاعد الثورة الفلسطينية وامتدادها على رقعة الوطن العربي كله، كاسحة أمامها جميع مصالح الأعداء، مما يؤدي حتماً إلى تدمير مصالحها المشتركة في هذا الجزء من العالم.
يضاف إلى ذلك أن انفجار الوضع في الهند الصينية، وتقدم الثورة المطردة في لاوس وكمبوديا، إلى جانب تزايد انتصارات الثورة الفيتنامية، قد دفع الأوساط الأميركية أن تبحث عن جميع السبل الممكنة لتهدئية المنطقة على أساس تثبيت الانتصار العسكري الذي أحرزه الأعداء في معركة عام 1967.
إن الثورة الفلسطينية، هكذا لم تعد تواجه القمع والتشويش والتضليل على جبهة الإمبريالية والصهيونية وحسب، بل أخذت أيضاً تواجه هذه التحديات نفسها على امتداد جبهة القوى المضادة للثورة في الوطن العربي، هذه القوى التي أخذت على عاتقها تمزيق الثورة الفلسطينية من الداخل باستنفاد قواها في معارك جانبية وداخلية.
وأمام هذه الأوضاع الجديدة والخطرة، فإن الثورة الفلسطينية قد القت بجميع فصائلها وقواها على إعلان برنامجها السياسي المرحلي تحت المبادىء التالية، متوخية فيه الإجابة بجلاء على جميع أسئلة المرحلة، متخذة منه دليل عمل من أجل تصعيد الثورة وزيادة قواها المنظمة، واستقطاب أوسع قطاعات الجماهير الفلسطينية والعربية عبر مسيرة ثورتها الظافرة.
على الصعيد الفلسطيني
1- إن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد لجماهير الشعب العربي الفلسطيني بمختلف منظماته المقاتلة والسياسية، بجميع هيئاته واتحاداته وجمعياته مهما تكن اتجاهاتها وأفكارها، شريطة التزامها التام بمبادىء الميثاق الوطني الفلسطيني، وقرارات الأجهزة التشريعية والتنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالبرنامج السياسي والعسكري واللائحة الداخلية للمنظمة قدر التزامها أيضاً بالنضال في سبيل تحرير كامل التراب الفلسطيني وعودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه.
ولا يجوز على الإطلاق استبعاد أي فرد أو فريق من عضوية المنظمة، إلاّ في الحالات التي تمس الثورة أو تشكل خروجاً على مبادىء الميثاق الوطني، وذلك بقرار من اللجنة المركزية للمنظمة أو من المجلس الوطني في حالة انعقاده.
2- مع التأكيد على أن الهدف الأساسي والمركزي للثورة الفلسطينية هو تحرير الوطن الفلسطيني المحتل تحريراً كاملاً، فإن الهدف المرحلي هو حماية الثورة من أعدائها، وتصعيدها والسير بها قدماً في طريق تحقيق هدفها الأساسي، وذلك بتعبئة الجماهير الفلسطينية تعبئة ثورية سياسية وعسكرية ومعنوية، واشتراكها كلها في معركة التحرير، تصعيد الكفاح المسلح ضد العدو، وتوحيد كل قوى الجماهير الفلسطينية داخل الوطن المحتل وخارجه في هذا السبيل.
طبيعة الثورة الفلسطينية
1- إن الثورة الفلسطينية هي حركة تحرير وطني، على ذلك، فإنها تتوافق في استراتيجيتها وتكتيكها مع سائر حركات التحرير الوطني والبلدان الاشتراكية والقوى الثورية والديمقراطية في العالم، من حيث هي حركة كل الجماهير المناضلة ضد الاحتلال الأجنبي، والمؤمنة بحتمية التحرير، والمستعدة للانخراط في النضال من أجل تحقيقه. وهذا يعني أن الشعب الفلسطيني بكل طبقائته وفئاته الوطنية، وسائر منظماته وجماعاته على اختلال أفكارها ومبادئها، مدعو إلى الانخراط صفاً واحداً متماسكاً في ثورته الوطنية المسلحة.
2- إن الثورة الفلسطينية تمثل حركة التقدم في المجتمع العربي الفلسطيني، على الأسس التالية:
أ- على أساس أنها تحارب احتلالاً استيطانياً عنصرياً هو جزء من قوى الظلام في العالم التي تعترض اتجاه حركة التاريخ.
ب- على أساس أنها تحارب الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية حامية الاحتلال الصهيوني الهادر لحقوق شعبنا وآماله.
ج- على أساس أنها تستهدف بناء المجتمع الفلسطيني العربي الذي تسود فيه مبادىء الديمقراطية والسلام والعدل والحرية والمساواة، وتحترم فيه كل المبادىء والأديان، وتصان فيه جميع الحقوق والحريات، وتنتفي فيه نفياً قاطعاً السيطرة الإقطاعية والعلاقات الاجتماعية المتخلفة، والتفرقة العرقية أو الدينية.
أشكال النضال
إن الكفاح المسلح الذي فجرته الطلائع الثورية للشعب الفلسطيني في مطلع عام 1965 (أي حرب العصابات المتصاعدة نحو حرب تحرير شاملة) هو الشكل الرئيسي للنضال من أجل تحرير فلسطين، كما أن التحام القوات النظامي جنباً إلى جنب مع القوات الفدائية في الكفاح المسلح، يعتبر الشكل الأكثر قوة لتحقيق الثورة الشعبية الظافرة، وإضافة إلى ذلك، فإن جميع أشكال النضال الأخرة يجب أن تتوازى مع خط الكفاح المسلح باستقامة وثبات.
الحل الوحيد لقضية فلسطين
إن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو تحرير التراب الفلسطيني كاملاً بقوة الكفاح المسلح، وعلى ذلك، فإن الحل التصفوي أو أية حلول أخرى يمكن أن تمس الحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب الفلسطيني في وطنه كاملاً، هي حلول مرفوضة من أساسها، وهنا، تعلن الثورة الفلسطينية التزامها المبدئي الصارم بما يلي:
أ- النضال دون هوادة ضد جميع المحاولات والمساعي والمؤامرات والقوى التي تستهدف وقف مسيرة الثورة أو عرقلتها أو حرفها عن غاياتهان وكذلك ضد جميع مشاريع التصفية تحت أية صيغة جاءت، ويستلزم ذلك بالضرورة تطوير الثورة الفلسطينية وزيادة فعاليتها في جميع المجالات.
ب- الوقوف بحزم ضد دعاة إقامة دويلة فلسطينية فوق جزء من التراب الفلسطيني، على اعتبار أن السعي لإقامة مثل تلك الدويلة إنما يقع في نطاق تصفية قضية فلسطين.
ج- اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية الحازمة لحماية مسيرة الثورة الفلسطينية، وحق الوجود الوطني الفلسطيني، بالتعاون المشترك المتلاحم مع الحركة الوطنية الأردنية والحركات الوطنية العربية.
الدولة الديمقراطية الفلسطينية
1- إن الكفاح الفلسطيني المسلح ليس كفاحاً عرقياً أو مذهبياً ضد اليهود، ولهذا فإن دولة المستقبل في فلسطين المحررة من الاستعمار الصهيوني هي الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتمتع الراغبون في العيش بسلام فيها بنفس الحقوق والواجبات ضمن إطار مطامح الأمة العربية في التحرر القومي والوحدة الشاملة... مع التأكيد على وحدة الشعب في كلتا ضفتي الأردن.
العمل على صعيد الأردن
إن ما يربط الأردن بفلسطين هو علاقة وطنية ووحدة قومية صنعها التاريخ والثقافة منذ أقدم العصور، وأن خلق كيان سياسي في شرق الأردن وآخر في فلسطين لا يستند إلى أية شرعية أو إلى أية مقومات كيانية مقبولة، وإنما يقع في نطاق عملية التجزئة التي مزق بها الاستعمار وحدة أمتنا العربية ووحدة وطننا العربي بعد الحرب العالمية الأولى.
ولكن هذه التجزئة لم تمنع الجماهير غربي النهر أو شرقيه من أن تحس بأنها جماهير شعب واحد، ومن أن تظل متحدة ضد مؤامرة الإمبريالية والصهيونية.
إن الثورة الفلسطينية التي رفعت شعار تحرير فلسطين، وطرحت قضية الثورة الفلسطينية، لم تستهدف الفصل بين شرق النهر وغربه، ولا كانت تؤمن بأن نضال الشعب الفلسطيني يمكن أن ينفصل عن نضال الجماهير في الأردن، وإنما انطلقت من مستلزمات مرحلة تاريخية معينة بهدف التركيز على توجيه كل القوى نحن فلسطين في سبيل إبراز قضيتنا، فلسطينياً، وعربياً، ودولياً.
إن حرصنا على وحدة الجماهير الفلسطينية الأردنية، ومعرفتنا بالدور الذي تستطيع أن تؤدي في سبيل تصعيد معركة التحرير يؤكد إيماننا بما يلي:
أ- إن وحدة فلسطين وشرق الأردن وحدة قومية نحن مطالبون بحمايتها وتوثيقها ومحاربة كل المحاولات الرامية إلى إشعافها وتفكيكها.
ب- إن هذه الوحدة القطرية لا بد أن تتمثل بوحدة نضالية في صيغة جبهة وطنية أردنية، من مهامها الأساسية إقامة حكم وطني في الأردن يساهم في تحرير فلسطين ويسند القوى الفلسطينية المقاتلة بكل إمكانياته، وهذا بدوره جزء من نضال الأمة العربية في سبيل تحررها ووحدتها.
على صعيد الأمة العربية
إن فلسطين جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، وأن الشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من الأمة العربية.
إن الثورة الفلسطينية جزء من الحركة الثورية العربية، وهي طليعتها الثورية في هذه المرحلة التاريخية.
وعليه، فإن مشاركة الجماهير العربية في القتال وفي حماية الثورة مهمة أساسية من مهمات الحركة الثورية العربية. وبالتالي فإن من شرف الواجب القومي أن تعمل الجماهير العربية بدأب على جعل الثورة الفلسطينية حقيقة يومية ملموسة، وذلك باتخاذ المواقف والخطوات التالية:
أ- العمل على إحباط جميع المشاريع التصفوية الاستسلامية.
ب- حماية الثورة الفلسطينية من مؤامرات القوى المضادة، وإحباط كل مساعيها للتضييق على الثورة والتحرش بها.
ج- توفير احتياجات المعركة، ولا سيما الدعم المادي والمعنوي والمساندة السياسية.
د- المشاركة الفعلية في الثورة الفلسطينية.
هـ- العمل على بناء جبهة عربية قوية لمساندة الثورة الفلسطينية والنضال العربي المشترك ضد الإمبريالية والصهيونية والقوى المضادة للثورة في الوطن العربي.
ويجب أن يكون واضحاً بأن علاقاتنا مع الجماهير العربية هي الأساس، وإن كان هذا لا يعني القطيعة مع الأنظمة، ودخول معارك جانبية بلا مبرر معها.
على الصعيد العالمي
إن الإمبريالية العالمية، والصهيونية العالمية، والاستعمرا الصهيوني، هم من الأعداء الحقيقيين لشعبنا، وبما أنهم يمتدون كأخطبوط في مناطق عديد من العالم ويستغلون قوى كثيرة ومتعدد ضدنا، فإن علينا أن نوسع مجال تحالفاتنا وعملنا إلى كل مكان في العالم.
إن هذا يفرض علينا أن نقيم أوثق العلاقات مع كل القوى المناضلة ضد الإمبريالية، والاستعمار، والاضطهاد، والعرقية، والاستغلال، وأن نعبىء لمصلحتنا كل قوى العدالة والتحرر والسلام في العالم.
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1971". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1974، ص 189-191.