المجلس الوطني الفلسطيني
الدورة الثامنة عشر
البيان السياسي الختامي
الجزائر، 20-25/4/1987
في مرحلة من أدق مراحل الكفاح الوطني التحرري لشعبنا الفلسطيني، وفي أوج المواجهة المحتدمة مع القوى الإمبريالية والصهيونية، والعميلة التي تضافرت جهودها وأدواتها في محاولة لتحقيق هدف تصفية الهوية الوطنية لشعبنا الفلسطيني، ومصادرة حقوقه الوطنية الثابتة، وضرب منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وفي الوقت الذي اتخذت فيه هذه المواجهة المحتدمة مسارات دموية متصاعدة على ساحات كفاحنا الوطني في الوطن المحتل، وفي المخيمات الفلسطينية في لبنان، متوافقة مع حملات سياسية وتحريضية سافرة العداء تقودها الإمبريالية الأمريكية وأداتها الصهيونية وعملاؤها على كافة الصعد والمستويات، واستشعاراً لحجم التحديات المصيرية التي تواجه شعبنا وثورتنا وأمتنا العربية، واستناداً إلى جدار الصمود العظيم الذي جسدته جماهيرنا البطلة في الوطن المحتل وفي مخيماتنا الفلسطينية في لبنان وفي كل مكان والذي تكسرت على صخرته الصلبة والعنيدة حلقات أساسية من حلقات المؤامرة الكبرى ضد شعبنا وثورتنا وقضيتنا الوطنية وأمتنا العربية؛ في ظل هذه الظروف عقد المجلس الوطني الفلسطيني اجتماعات دورته الثامنة عشرة في الجزائر العاصمة، في الفترة الواقعة بين 20 أبريل إلى 25 أبريل، بمبادرة أخوية تقدم بها الرئيس المناضل الشاذلي بن جديد، وفي رعاية أخوية حميمة من شعب وحكومة الجزائر الشقيق.
ولقد سبق عقد الدورة الثامنة عشرة حوار وطني شامل، شاركت فيه كافة الفصائل والفعاليات والشخصيات الوطنية الفلسطينية، وساده جو من الحرص المشترك على دعم وتعزيز الوحدة الوطنية لترسيخ ركائزها وأسسها، كما حظي بدعم إيجابي مخلص من جانب الأشقاء والأصدقاء معاً أدى إلى بلورة اتفاق وطني شكل أرضية راسخة لعقد الدورة الثامنة عشرة، دورة الوحدة الوطنية وصمود المخيمات ونضال الأرض المحتلة.
ولقد قام الرئيس المناضل الشاذلي بن جديد، برعاية حفل افتتاح هذه الدورة يرافقه عدد من الأخوة القادة الجزائريين، كما شارك فيها وفود رفيعة المستوى تمثل كافة الدول والأحزاب والمنظمات الإقليمية والدولية الشقيقة والصديقة، بكثافة ظاهرة تجسد مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، وعمق التفاعل العربي والعالمي مع القضية الفلسطينية، وكفاح شعبنا المجيد من أجل تحقيق أهدافه الوطنية، بما فيه حقه في العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فوق ترابه الوطني.
ولقد سارت أعمال الدورة الثامنة عشرة في جو وحدوي أصيل، وشعور عميق بالمسؤولية الوطنية وتناول شامل ومسؤول لكافة القضايا والمشاكل المطروحة على الشعب الفلسطيني، في كافة أماكن تواجده والمتعلقة بقضيته الوطنية وكفاحه الوطني، حيث انهمكت لجان المجلس العشرة في دراسة وتحليل هذه المشكلة، والبحث عن أفضل الحلول لها، مقدمة في ختام اجتماعاتها خلاصة لقرارات هذه الدورة التي شملت كل ما يتعلق بالوضع الفلسطيني داخل الوطن المحتل وخارجه بأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها.
ولقد توصل المجلس الوطني عبر اجتماعاته المتواصلة إلى مجموعة من القرارات السياسية، تحدد أسس الموقف السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ضمن دوائره الثلاث: الوطنية، والقومية، والدولية.
لقد أكدت قرارات الدورة الثامنة عشرة على أهمية دعم وترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية، التي يجسدها شعبنا العظيم داخل الأرض المحتلة، في معركته المتواصلة مع العدو الصهيوني ومشاريعه، وسياساته القمعية، والاستيطانية البغيضة كما جسدتها على نحو عظيم جماهيرنا الفلسطينية في المخيمات التي ضربت بوحدتها، وعظمة صمودها، ودفاعها أروع الأمثلة النضالية في عصرنا الحديث.
كما أكدت القرارات على ضرورة توفير كافة الإمكانات اللازمة لتعزيز صمود جماهيرنا في الوطن المحتل، انطلاقاً من حقيقة راسخة، بأن هذا الصمود العظيم المنطلق من روح الالتزام الشعبي الشامل بالحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا الفلسطيني، وبمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني، وقائداً لنضاله الوطني؛ إنما جسد أحد أهم وأمنع القلاع الوطنية الراسخة التي نستمد منها زخماً هائلاً ومتسامياً لنضالنا الوطني على كافة الصعد والمستويات.
كما أكدت القرارات على التمسك بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل، كقاعدة إجماع وطني مبدئية ودائمة، وتشكل أحد أهم ثوابت البناء الوطني، الذي تجسده منظمة التحرير الفلسطينية بكافة أطرها ومؤسساتها.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه المجلس الوطني على حق شعبنا المشروع بممارسة الكفاح المسلح في مواجهة الاحتلال الصهيوني العنصري البغيض للوطن الفلسطيني، إضافة إلى ذلك، أكد رغبة الشعب الفلسطيني في تحقيق سلام دائم وعادل، يستند إلى حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف، بما فيها حق العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فوق التراب الوطني، وذلك، في إطار مؤتمر دولي فاعل تشارك فيه الدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وكافة الأطراف المعنية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى.
ولقد توقف المجلس الوطني أمام الواقع العربي الذي يعيق أمتنا العربية، والذي يتسم بكل الأسف، بالعديد من مظاهر الفرقة، والانقسام، والصراع الذي يبدد طاقات الأمة، ويهز المكانة العربية بين الأمم والشعوب الحية في عالمنا المعاصر، ومما يضفي ظلاله السلبية على قضايا أمتنا العربية، وفي القلب منها قضية فلسطين.
ولقد رأى المجلس العمل على تحقيق تضامن عربي، ينتظم في إطار كافة الجهود والطاقات القومية؛ من أجل تحقيق أماني جماهير أمتنا العربية وأهدافها القومية العليا.
كما توقف المجلس أمام الحرب العراقية الإيرانية التي يشكل استمرارها وتصاعدها تهديداً مباشراً وخطيراً للأمن القومي العربي وإخلالاً ظاهراً في موازين القوى على صعيد الصراع العربي – الصهيوني؛ مما يحتم بذل كافة الجهود العربية والدولية لوقف هذه الحرب والحد من آثارها المدمرة على كافة المستويات.
ويسجل المجلس الوطني للعراق الشقيق استجابته المخلصة لكافة جهود السلام والتي تترافق مع دفاعه عن التراب العربي العراقي، والبوابة الشرقية للوطن العربي.
ولقد توصل المجلس الوطني إلى تحديات دقيقة لأسس العلاقات الفلسطينية العربية، في إطاراتها الثنائية والعامة، مسترشداً في ذلك، بالثوابت الوطنية التي تضمنتها قرارات المجلس الوطني في دوراته المتعاقبة، وكذلك، قرارات القمم العربية كأساس للعلاقات مع كافة الأشقاء العرب، تلك القرارات التي تجسد الالتزام القومي بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وتجسد أيضاً الالتزام العربي على أعلى مستوياته الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني.
ولقد أفرد المجلس اهتماماً خاصاً للوضع على الساحة اللبنانية، مؤكداً على أسس التلاحم النضالي بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، وما ينبثق عنه من نضالات مشتركة يجمعها الالتزام القومي تجاه فلسطين وتحريرها، وتجاه وحدة لبنان وعروبته وتحرير أرضه من الاحتلال.
كما جدد اعتزازه بالعلاقة المتميزة بين الشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني، وثمن التضحيات الكبيرة التي قدمتها مصر وشعبها العظيم دفاعاً عن الأمة العربية وحقوق الشعب الفلسطيني، وأكد على أهمية عودة مصر إلى وضعها الطبيعي في الساحة العربية.
على الصعيد الدولي
توقف المجلس أمام الظواهر الإيجابية الهامة، التي تؤكد رسوخ القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، وتنامي التأييد والدعم العالمي لها ولمنظمة التحرير الفلسطينية، ذلك التأييد والدعم الذي تجسده المؤسسات الدولية الرئيسية بدءاً بالأمم المتحدة ثم مؤتمرات عدم الانحياز، والمؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الأفريقية وما ينبثق عنها جميعاً من مؤسسات وإطارات.
وكذلك ثمن المجلس الوطني موقف الغالبية من دول العالم التي تتطور باستمرار لصالح شعبنا وقضيتنا على الصعيد الأوروبي.
كما ثمن المجلس الوطني المواقف الراسخة للدول الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفييتي الصديق، وكذلك موقف الصين الشعبية.
على الصعيد التنظيمي
فقد أصدر المجلس الوطني مجموعة من القرارات الإدارية والمالية والعسكرية والاجتماعية والإعلامية، كما أقر تقرير الصندوق القومي الفلسطيني.
ويوجه المجلس الوطني الشكر للدول العربية التي تفي بالتزاماتها المالية بانتظام وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، والعراق، ودولة الكويت، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك للدول المضيفة لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وبوجه خاص الشقيقة تونس، التي امتزج دم أبنائها الأوفياء بدم أشقائهم الفلسطينيين من جراء الجريمة الصهيونية المجرمة على حمام الشط.
ويوجه المجلس تحية إكبار للجزائر رئيساً وحكومة وشعباً على مواقفها القومية المبدئية في دعم نضال الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير، ويثمن المجلس عالياً الجهود التي بذلها الرئيس المناضل الشاذلي بن جديد، لإنجاح مسيرة الحوار والوحدة، والتي توجت باستضافة الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني على أرض الجزائر وفي كنف شعبها المعطاء.
كما ثمن المجلس جهود الأخ العقيد معمر القذافي في هذا الاتجاه، وكذلك المساعي الملخصة التي بذلت من سائر الأشقاء والأصدقاء وبوجه خاص الجهود السوفييتية.
إن المجلس الوطني انطلاقاً من روح الوحدة الوطنية الأصيلة، والالتزام الراسخ بأهداف نضالنا الوطني، يعاهد جماهير شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية وأحرار وشرفاء العالم باسم الشهداء ودمائهم الذكية، وباسم المقدسات، وباسم الوطن والشعب، أن تظل راية النضال خفاقة رغم كل التحديات، وأن تظل المسيرة متقدمة نحو أهدافها مهما غلت التضحيات حتى يصل شعبنا إلى كامل حقوقه الوطنية، ويرتفع علم فلسطين خفاقاً فوق أرض فلسطين.. فوق القدس الشريف، وإنها لثورة حتى النصر.
المصدر: موقع plo.p