خطاب الملك حسين
حول مشروع إقامة المملكة العربية المتحدة
عمان، 15/3/1972
أيها الإخوة الأعزاء،
أيها الإخوة المواطنون،
يسعدني أن ألتقي بكم اليوم، وأن أتحدث إليكم وإلى الأمة، في شؤون المرحلة الحاضرة، وما يتصل بها من أمور الماضي وتجاربة، وتطلعات المستقبل وأمانيه.
كان تأسيس الدولة الأردنية عام 1921 أهم مرحلة مرت بها الثورة العربية، بعد افتضاح المؤامرة عليها، إبان الحرب العالمية الأولى. وبسبب صدور وعد بلفور 1917 اكتسب قيام الدولة بعداً جديداً، إذ أصبح وسيلة لإخراج البلاد الواقعة شرقي نهر الأردن من فلك ذلك الوعد، وإنقاذها من المشاريع الصهيونية، في ذلك الحين.
وفي عام 1948، حين دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، كان أصغر تلك الجيوش عدداً وعدة، هو "الجيش الأردني". ومع ذلك، فقد استطاع هذا الجيش، أن ينقذ من فلسطين تلك الرقعة الممتدة من جنين شمالاً إلى الخليل جنوباً، ومن نهر الأردن شرقاً إلى نقطة لا تبعد أكثر من – 15 – كيلومتراً عن شاطىء البحر غرباً. كما استطاع أن ينتزع بيت المقدس – المدينة المقدسة – بكاملها، ومناطق أخرى تقع خارج السور القديم، شمالاً وجنوباً، وشرقاً، مما أصبح يعرف فيما بعد بالقدس العربية. وكانت تلك الرقعة – التي أصبحت تعرف بالضفة الغربية – كل ما تبقى للعرب من فلسطين. بالإضافة إلى تلك الرقعة الضيقة التي صارت تسمى فيما بعد بقطاع غزة.
وبعد فترة وجيزة من الإدارة الموقتة في الضفة الغربية، وجد قادة الرأي فيها، ونخبة من الزعماء والوجهاء الممثلين لعرب فلسطين المهاجرين من المناطق المحتلة، في الانضمام إلى الضفة الشرقية، مطلباً وطنياً وقمياً لهم، وضماناً في وجه الأخطار الإسرائيلية المتمادية. فعقدوا مؤتمرين تاريخيين كبيرين، أولهما في أريحا يوم 1/12/1948 وثانيهما في نابلس 28/12/1948، حضرهما ممثلون عن سائر فئات الشعب وهيئاته بقادته ورجال الفكر فيه، وشبابه وشيوخه، وعماله ومزارعيه. واتخذ المجتمعون قرارات يناشدون فيها جلالة المغفور له الملك عبدالله بن الحسين اتخاذ الخطوات افورية لتوحيد الضفتين ودمجهما في دولة واحدة بقيادته وتحت زعامته. واستجاب الملك الشيخ لنداء الأمة. وأمر بالفعل بالإجراءات الدستورية والعملية التي يتطلبها تحقيق ذلك المطلب الوطني والقومي الهام. ومن بينها إجراء انتخابات لاختيار ممثلين شرعيين عن سكان الضفة الغربية في مجلس النواب. وفي 24 نيسان [أبريل] 1950، عقد مجلس الأمة الأردني الجديد، والممثل للضفتين، بشقيه الأعيان والنواب، جلسة تاريخية تمت فيها أول خطوة حقيقية في التاريخ العربي الحديث، على طريق الوحدة العربية التي نادت بها الثورة منذ فجر انطلاقتها. وكان ذلك بإعلان وحدة الضفتين، واندماجهما في دولة واحدة عربية مستقلة، ذات نظام نيابي ملكي تعرف باسم – المملكة الأردنية الهاشمية.
وسارت سفينة الوحدة في بحار لم تكن كلها هدوءاً ورخاء. فلقد كان هناك الكثير من التيارات، تحركها في الخفاء أياد وجهات خارجية، محاولة إثارة الأعاصير في وجه السفينة، ودفعها رويداً رويداً باتجاه الصخور. لكي وعي الشعب في ضفتي البلاد، وإيمانه بوحدة أرضه وأبنائه، وإدراكه لحقيقة الخطر المتربص به وراء الحدود كان الضمانة الكبرى لسلامة المسيرة، وإنقاذها من كل ما أريد بها من شرور. لقد كان في طليعة الحقائق التي جسدتها وحدة الضفتين، يوماً بعد يوم، هي أن الشعب فيهما شعب واحد لا شعبان ولقد تجلت هذه الحقيقة، أول ما تجلت، في لقاء الأنصار – أبناء الضفة الشرقية – لإخوتهم المهاجرين – أبناء المناطق المحتلة من فلسطين عام 1948 حين اقتسموا معهم لقمة العيش وسقف المأوى، وحلو الحياة ومرها. ثم راحت تلك الحقيقة تبرز وتتعملق في كل خطوة من خطوات الدولة. وتتمثل وتتجلى في كل مؤسسة من مؤسساتها فإلى جانب القوات المسلحة والوزارات والدوائر الحكومية المختلفة، راحت تلك الحقيقة تنسحب على ميادين الحياة المتنوعة، الاقتصادية والزراعية والاجتماعية وغيرها. وجاء يوم لم يعد فيه بمقدور أي امرىء، أن يميز في الأردن بين غربي وشرقي، بمثل السهولة التي يفرق فيها بين الفلسطيني وغير الفلسطيني في أي بلد عربي شقيق.
وبلغت وحدة الدم والمصير بين أبناء الضفتين قمة معناها عام 1967، حين وقف أبناء الضفتين على أرض الضفة الغربية، وكما اعتادوا أن يفعلوا طوال عشرين عاماً، يعجنون ترابها الطاهر بدمهم المشترك. لكن الصراع كان أشد من طاقتهم، وظروفه وملابساته كانت أكبر من بسالتهم فوقعت الكارثة. وكان ما كان.
ووسط بحر الآلام الذي خلفته كارثة حزيران [يونيو]، كان أهداف الدولة الأردنية في الفترة التي أعقبت الحرب، قد تلخصت في هدفين اثنين: الصمود الباسل في وجه ما تتعرض له الضفة الشرقية من اعتداءات لا تفتر ولا تنقطع والتصميم الواثق على تحرير الأرض، والأهل والأخوة في الضفة الغربية. ووجه الجهد، كل الجهد، نحو هذين الهدفين، في جو من الاطمئنان إلى المساندة العربية للأردن في محنته، وثقة لا حد لها، بأن وحدة المصير العربي كله، قد أصبحت حقيقة راسخة في وجدان الأمة العربية بأسرها، لا تزعزها مصلحة إقليمية مهما عظمت، ولا تطالها مخططات مهما ادعت وتسترت. وفجأة وجد الأردن نفسه يقف وجهاً لوجه أمام كارثة جديدة. نتيجتها المحتومة، لو قدر لها أن تتحقق، ضياع الضفة الشرقية، وبناء المسرح المطلوب لتصفية القضية الفلسطينية على أنقاضها إلى الأبد. وكانت القوى المحركة للكارثة، قد جندت العديد من العناصر لخدمة أهدافها. كما سقط في شراك تلك القوى، العديد من العناصر والجهات الأخرى. وكان بعض العناصر الأولى والثانية ينتحل الهوية الفلسطينية للقضية المقدسة، ويقوم بدوره في ظل ذلك الاسم وتحت ستاره. وكان قد تجمع فيها العديد من تناقضات العالم وتياراته المتصارعة وتسرب إليها العديد من التناقضات الدولية، وصراعات العالم المختلفة.
وكان من الطبيعي أن ينهض الأردن لمواجهة الكارثة المحدقة. وتم له ذلك بالفعل، في وقفة اشترك فيها ذلك المزيج الفريد من أبنائه: المهاجرون والأنصار سواء بسواء. وتكسرت الفتنة على صخرة الوحدة الوطنية الراسخة، مثلما تلاشت بفضل وعي الإنسان الجديد، الذي ولد في ذلك اليوم البعيد عام 1950، وشب وترعرع في التحديات التي رمته بها المحن، طيلة الأعوام العشرين الماضية.
من خلال ذلك كله، ومنذ أن كانت حرب حزيران [يونيو] عام 1967، وربما قبلها، كانت القيادة الأردنية تفكر في مستقبل الدولة، وتخطط له.
وكانت تلك القيادة تنطلق، في تفكيرها هذا، من إيمانها برسالة الأردن العربية، المتحدرة من رسالة الثورة العربية الكبرى، ومن إيمانها بالإنسان، على ضفتي النهر، وقدرته على ممارسة دوره في خدمة تلك الرسالة وتحقيق أهدافها.
وكانت النظرة إلى القضية الفلسطينية تطوي في تراميها، أبعاد الصراع العربي الصهيوني كله.
ففلسطين هي الهدف الأول للمخططات الصهيونية.
والشعب في فلسطين، كان طليعة فرائس تلك المخططات وضحاياها. ومن بعده الشعب في الضفتين العزيزتين. وحتى لو كانت أطماع التوسع تقف عند حد، فإن من مصلحة الصهيونية أن يظل العالم العربي ضعيفاً، مشتت الصفوف، حتى يظل بمقدورها الاحتفاظ بمكاسبها إلى الأبد. ولأن لمعسكر المقابل يقف بمجموعه قوة واحدة وكتلة واحدة، فإن على العرب أن يقفوا برمتهم، متحدين متكافئين، في المعسكر المقابل. وأكثر من ذلك، فإن الوحدة في ذاتها لا تكفي من غير أن تشتمل على مضمون حقيقي، يحيط بكل الأسباب الحضارية الصحيحة، ومقومات التقدم الحديث.
لقد كان الأردن يدرك أبعاد المأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني بالذات. فبعد أن مزقت المؤامرة الصهيونية هذا الشعب، لم يكن ليجد في أي بلد من البلدان، عربي أو غير عربي، ما وجده أبناؤه الذين جاؤوا إلى الأردن عام 1948 وبعده، من حياة شريفة وعيش كريم. وفي الأردن، وفي ظلال وحدة الضفتين، وجد التجمع الفلسطيني الحقيقي في الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب، الذين عاشوا على ضفتي النهر الخالد. ووجد الإنسان الفلسطيني الإطار السليم الذي يعمل فيه ويتحرك، والمنطلق الحقيقي لإرادة التحرير وآماله الكبار.
لقد كان الشعب الفلسطيني موجوداً قبل عام 1948 بمئات السنين. وظل الشعب الفلسطيني موجوداً كذلك بعد عام 1948. لكن الأوضاع التي أخذت تسود العالم العربي، وما يحركها من قوى وتيارات، قد أخذت تقفز من فوق هذه الحقائق وتتجاهلها، انسياقاً مع حالة التخبط التي تعيشها الأمة، وانسجاماً مع وضع التفكك الذي ابتليت به منذ سنين. واشتد زخم تلك الأوضاع المفتعلة وتفجيرها المتلاحق، عبر ما نشاهده ونسمع عنه من مؤتمرات، وحملات، ومخططات، وكأنما يراد للإنسان الفلسطيني أن يحمل نفسه بعيداً عن انتماءاته الوطنية والقومية، ليحشرها في قمقم صغير، يسهل فيما بعد تحطيمه في أية لحظة. وكأنما هي خطة جديدة تدبر ضد ذلك الشعب، إن لم تكن حلقة في السلسلة الطويلة للمؤامرة عليه، وعلى الأمة العربية جمعاء.
والتحرك المريب هذا لا يكتفي بالتوجه إلى تلك القلة من أبناء الشعب الفلسطيني خارج الضفتين. وإنما هو أيضاً يستهدف كثرتهم هنا، طمعاً في الوصول بالأهل في الضفة الغربية إلى حالة لا تفضي إلاّ إلى وضع انفصالي عن كل ما يتصل به ويقول حوله. وإذا كانت بعض القوى التي تشجع على استشراء تلك التيارات وتفشيها، لا تكتم رغبتها في التخلص من مسؤولياتها حيال القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فإن بريق هذه الحالة مهما بدا جذاباً لبعض العيون، يجب أن لا يحجب عنا خطر صيرورة الشعب الفلسطيني بالتالي، إلى وضع يصبح فيه، من جديد، فريسة وحيدة سهلة أمام إسرائيل وأطماعها غير المحدودة. من هنا يحاول ذلك التحرك أن يظهر الحكم الأردني بمظهر الطامع بالمغانم، والمتطلع إلى المكاسب. فهو لذلك يأخذ طريقه إلى الوحدة الوطنية، محاولاً إضعافها والتشكيك فيها. وهو، أيضاً، يحاول استغلال توق البعض إلى الغنائم وابتلاعها، حتى يدفع بأولئك البعض لأداء أدوارهم في الوصول إلى الهدف الأخير.
لقد كانت النتيجة المحتومة الأولى لكل الأوضاع المتفشية في العالم العربي، من تفكك في الصف، وبعثرة في الجهد، وانعدام في التنسيق، وتصارع على إقامة المحاور والمعسكرات، وتخل عن جوهر القضية ومستلزماتها، واكتفاء بالحديث عنها مرة، والمزايدة باسمها مرات، وانصراف عن العمل الجدي من أجل التحرير، إلى العمل الجدي من أجل التسلط والوصول إلى السلطة، قد كانت النتيجة المحتومة الأولى لاستمرار هذه الأوضاع وسواها، استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية من الأردن، وأراضي عربية عزيزة أخرى. وكانت نتيجتها المحتومة الثانية تعميق معاناة الإنسان الفلسطيني أكثر وأكثر، ودفعه نحو المزيد المزيد من حالة التخبط والحيرة والضياع، التي تكاد تغشى الإنسان العربية في كل مكان. وما حديث الانتخابات البلدية في الضفة الغربية إلاّ ظاهرة من ظواهر تلك المعاناة، مثلما هو وسيلة من وسائل استغلالها والإفادة منها.
ومع ذلك، فإن الأردن بالذات لم يتوقف، يوماً، عن الدعوة لوحدة الصف، وحشد الجهود وتنسيقها، ولا تردد في مد يده صادقة وقادرة إلى كل الأخوة والأشقاء إيماناً منه بوحدة القضية ووحدة المصير.
ولم يأل جهداً في العمل لهدف التحرير، وإن كان الواقع العربي إياه، قد أعاقه وعرقل خطاه. وظل التفكير في مستقبل الدولة منطلقاً في مساره، لأن كل المواقف والأحداث قد عجزت عن زعزعة إيماننا بحتمية انتصار الحق في النهاية، وزوال المحنة عن الأرض الغالية والأهل الأحباء. ولئن كان ذلك الإيمان في أساسه يستند إلى الإيمان بالحق ذاته، وحتمية انتصاره، فهو قد كان يستمد القه ومضاءه من الإيمان بالبلد والشعب على ضفتي النهر، وبالأمة وأبنائها في الوطن الكبير.
من هنا، انعقد العزم على الانتقال بالبلد إلى مرحلة جديدة ترتكز، في أساسها، على التحرير، وتتجاوب، في مضمونها، مع أماني الإنسان في بلدنا وتطلعاته، وتجسد إيمانه بوحدة أمته وانتمائه إليها. وهي، إلى جانب ذلك كله، تقوم على التمسك المطلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتستهدف الوصول به إلى المركز الذي يمكنه من استرداد تلك الحقوق والحفاظ عليها.
ذلك كان عهدنا الذي قطعناه بإعطاء الشعب حقه في تقرير مصيره. وهو جوابنا على كل من اختار التشكيك في ذلك العهد وتفريغه من محتواه. إن ذلك العهد يأخذ اليوم طريقه إلى مسمع كل مواطن في هذا البلد، وكل فرد في هذه الأمة، وكل إنسان في هذا العالم. وهو يتسع اليوم في حجمه ويجاوز حدود كلماته، بحيث يواجه كل احتمالات التشعث والبعثرة، ويجسد الأهداف الوطنية والقومية، ويطرحها بجلاء ووضوح.
ونود هنا أن نعلن أن التخطيط للمرحلة الجديدة قد جاء نتيجة مباركة لسلسلة طويلة من الأبحاث المتصلة والمشاورات المستمرة، عقدناه مع ممثلي الشعب ورجالاته في الضفتين، وقادة الرأي ورجال الفكر فيها. ولقد أجمع الجميع على أن الصيغة الرئيسية لتلك المرحلة قد جاءت مشتملة على أحدث المفاهيم في الدولة العصرية، وأبهى النماذج للديمقراطية الهادفة. وأكثر من ذلك، فهي تجيء لتساعد على صنع المجتمع الجديد الذي يبنيه الإنسان الجديد، ليكون القوة الجديدة التي تدفع بنا على طريق النصر، والتقدم، والوحدة، والحرية، والحياة الأفضل.
ويسرنا أن نعلن أن المرتكزات الأساسية للصيغة المقترحة، للمرحلة الجديدة، هي:
1- تصبح المملكة الأردنية الهاشمية "مملكة عربية متحدة"، وتسمى بهذا الاسم.
2- تتكون المملكة العربية المتحدة من قطرين:
3- تكون عمان العاصمة المركزية للمملكة، وفي الوقت نفسه تكون عاصمة لقطر الأردن.
4- تكون القدس عاصمة لقطر فلسطين.
5- رئيس الدول هو الملك. ويتولى السلطة التنفيذية المركزية، ومعه مجلس وزراء مركزي. أما السلطة التشريعية المركزية فتناط بالملك، وبمجلس يعرف باسم "مجلس الأمة". ويجري انتخاب أعضاء هذا المجلس بطريق الاقتراع السري المباشر، وبعدد متساو من الأعضاء لكل من القطرين.
6- تكون السلطة القضائية المركزية منوطة "بمحكمة عليا مركزية".
7- للمملكة "قوات مسلحة" واحدة، قائدها الأعلى الملك.
8- تنحصر مسؤوليات السلطة التنفيذية المركزية في الشؤون ذات العلاقة بالمملكة كشخصية دولية واحدة، وبما يكفل سلامة المملكة، واستقرارها، وازدهارها.
9- يتولى السلطة التنفيذية، في كل قطر، حاكم عام من أبنائه، ومجلس وزراء قطري، من أبنائه أيضاً.
10- يتولى السلطة التشريعية، في كل قطر، مجلس يعرف باسم "مجلس الشعب"، يتم انتخابه بطريق الاقتراع السري المباشر. وهذا المجلس هو الذي ينتخب الحاكم العام للقطر.
11- السلطة القضائية في القطر لمحاكم القطر، ولا سلطان لأحد عليها.
12- تتولى السلطة التنفيذية، في كل قطر، جميع شؤون القطر، باستثناء ما يحدده الدستور للسلطة التنفيذية المركزية.
ومن الطبيعي أن يصار في تنفيذ هذه الصيغة ومرتكزاتها، إلى الأصول الدستورية المتبعة، حيث تحال إلى مجلس الأمة ليتولى اتخاذ الإجراءات لوضع الدستور الجديد للبلاد.
إن المرحلة الجديدة التي نتطلع إليهان ستكفل إعادة تنظيم "البيت الأردني – الفلسطيني" على الصورة التي تحقق له المزيد من القوة الذاتية، والقدرة على العمل لبلوغ طموحاته وأمانيه. وانطلاقاً من هذه الحقيقة، فإن هذه الصيغة تبني لحمة الضفتين بنسيج أقوى وأواصر أمتن، وتشيد أخوتهما ومسيرتهما من خلال ما تفضي إليه من تعميق مسؤولية الإنسان في كل منهما، على أسس أكثر ملاءمة لخدمة أمانيها الوطنية والقومية، مع عدم المساس بشيء من الحقوق المكتسبة لأي مواطن من أصل فلسطيني في القطر الأردني، أو من أصل أردني في القطر الفلسطيني. فهذه الصيغة تجمع ولا تفرق، وتقوي ولا تضعف، وتوحد ولا تفكك، ولا مجال فيها لتغيير شيء مما أكسبته وحدة عشرين عاماً لأي إنسان. وكل محاولة للتشكيك في شيء من ذلك كله، أو الطعن فيه، هي خيانة لوحدة المملكة، وللقضية، وللشعب، وللوطن. فلقد بلا المواطن في بلدنا من التجارب، وحقق من الوعي والمقدرة ما يجعله قادراً على مواجهة المسؤوليات القادمة بثقة أكبر وعزم أشد. وإذا كانت القدرة ديناً على الإنسان يؤديه نحو نفسه ونحو الآخرين، والوعي سلاحاً يستخدمه لخير ذاته وخير سواه، فلقد حان الوقت كي يقف ذلك الإنسان، وجهاً لوجه أمام مسؤولياته، يؤديها بصدق وأمانة، ويمارسها ببسالة وشرف. ولهذا، فإن هذه الصيغة هي عنوان لصفحة جديدة ناصعة مشرقة واثقة من تاريخ هذا البلد، لكل مواطن دوره فيها، وعليه واجباته، وهو دور يرتكز على الولاء المكين لبلده الأمين ووفائه الصادق لأمته الماجدة. أما القوات المسلحة التي سارت، منذ البداية، تحت راية الثورة العربية الكبرى، والتي ضمت وستضم أبداً في صفوفها خير ما أنجبه وينجبه الشعب في الضفتين من أبنائه، فستظل مهيأة أبداً لاستقبال المزيد من أولئك وهؤلاء، قائمة على أعلى درجات الكفاءة والمقدرة والتنظيم، مفتوحة لكل حريص على خدمة الوطن والقضية بولاء مطلق لها وللأهداف الخالدة.
إن هذا البلد العربي هو بلد القضية، مثلما هو من العرب وللعرب أجمعين. وسجله في التضحية، من أجل أمته، ومن أجل القضية، حافل ومعروف، سطرته قواته المسلحة الباسلة وشعبه الحر الوفي بالدم الزكي والعطاء الشريف. وبمقدار ما تتبدل المواقف من هذا البلد إلى مواقف أخوة ودعم وتأييد، سيظل يسهل عليه أن يمضي في دروب التضحية بقدرة وأمل، حتى يتحقق له ولأمته استرداد الحق والظفر بالأهداف.
وهذا البلد العربي هو بلد الجميع، أردنيين وفلسطينيين على حد سواء. وعندما نقول فلسطينيين فنحن نعني كل فلسطيني في مشارق الأرض ومغاربها، شريطة أن يكون فلسطيني الولاء، فلسطيني الانتماء. وإذا كانت دعوتنا لكل مواطن في هذا البلد، أن ينهض لأداء دوره، والقيام بمسؤولياته، في المرحلة الجديدة، فإن دعوتنا لكل أخ فلسطيني خارج الأردن، أن يلبي نداء الواجب، بعيداً عن المظاهر والمزايدات، مبرأ من العلل والانحرافات، ليمضي مع أهله وإخوته في مسيرة واحدة، أساسها هذه الصيغة، موحد الصف، واضح الهدف، حتى يسهم الجميع في بلوغ هدف التحرير، وإقامة الصرح المؤمل والبنيان المنشود.
"ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز".
صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1972". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1975، ص 115-119.