مؤتمر القمة العربي السادس
البيان العام
الجزائر، 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 1973
إن ملوك ورؤساء دول الجامعة العربية،
في اجتماعهم بقصر الأمم بمدينة الجزائر، بناء على دعوة السيد الرئيس محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية، والسيد الرئيس حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية،
قد تدارسوا الموقف العربي والدولي، في ضوء ما قدمه الملوك والرؤساء من بيانات وتقرير الأمين العام وتوصيات وزراء الخارجية، واتخذوا القرارات السياسية والدفاعية والاقتصادية التي يستوجبها الموقف.
إن العالم العربي يمر بفترة حاسمة في تاريخه، والكفاح ضد الغزو الصهيوني مسؤولية تاريخية طويلة الأمد، تتطلب المزيد من البذل والتضحية.
وإذا كانت حرب أكتوبر "تشرين الأول" عام 1973 قد أبرزت تصميم الأمة العربية على تحرير أراضيها المحتلة مهما كان الثمن، فإن وقف إطلاق النار في الميدان، لا يعني إطلاقاً أن الكفاح قد توقف أو أن البلدان العربية يمكن أن يفرض عليها حل لا يحقق أهدافها العادلة.
وما دامت الحروب العدوانية التوسعية التي تضع العالم على حافة صراع شامل، لم يقض على أسبابها، فلن يستتب في الشرق الأوسط سلام دائم أو أمن حقيقي، فلا يمكن التوفيق بين العدوان والاحتلال والتوسع والهيمنة، وبين مبادىء الاستقلال الوطني والتنمية والتقدم والسلام العادل.
إن حرب أكتوبر [تشرين الأول] عام 1973 إنما هي مثل سابقاتها نتيجة حتمية لسياسة العدوان والأمر الواقع التي تنتهجها إسرائيل، ضاربة عرض الحائط المبادىء والقرارات الدولية وحقوق الشعوب.
ذلك أن إسرائيل لم تفتأ منذ أن سلبت حقوق الشعب الفلسطيني وطردته من وطنه، تعمل على التوسع، معتمدة في ذلك على تواطؤ الدول الاستعمارية ودعمها الاقتصادي والتقني والعسكري لها، وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية، ولقد برز هذا التواطؤ مؤخراً في تجنيد الوسائل المالية والمادية بشكل لم يسبق له مثيل، وفي جلب المرتزقة المتخصصين، وفي تنظيم حملة سياسية التقى على صعيدها كل أعداء تحرر العالم الثالث.
إن إسرائيل بالإضافة إلى سياسة الحرب والتوسع، ترمي كذلك في إطار الاستراتيجية الاستعمارية، إلى القضاء على إمكانيات التنمية لشعوب المنطقة، وهكذا تبدو الصهيونية في هذا العصر الذي يشهد انطلاقة حركات التحرير الوطني وتصفية الاستعمار، انبعاثاً خطيراً للنظام الاستعماري والعنصري ولمناهجه في السيطرة والاستغلال الاقتصادي.
ورغم ارتباط إسرائيل بالاستعمار العالمي الذي يضع في خدمة أهدافها العدوانية إمكانياته ووسائله المتفرقة، فإن الأمة العربية لم تتخل أبداً عن أهدافها الوطنية، ولم تتراجع أمام متطلبات الكفاح، ولم تستطع النكسات والمحن أن تنال من إرادتها الوطنية، بل زادتها صلابة وتصميماً.
ففي أكتوبر [تشرين الأول] 1973 م "رمضان المبارك لعام 1393 هـ" استطاعت القوات المسلحة المصرية والسورية والمقاومة الفلسطينية، تشاركها قوات عربية أخرى، أن تلحق بالمعتدين الإسرائيليين أفدح الخسائر، ومن خلال هذه المعركة تعاظم وعي الأمة العربية وحكوماتها، بمسؤولياتها وإمكانياتها المادية والبشرية، وقد تجسد هذا الوعي في تضامن عملي أكد فاعليته، وأعطى بعداً جديداً لحركة التحرر العربي.
وأن المؤتمر ليحيي جنودنا الأبطال على جبهات القتال، الذين سجلوا أروع صفحات الوطنية والأقدام ويزدادون تصميماً على النضال حتى النصر، كما يترحم على شهدائنا الشجعان الأبرار الذين خلدوا ذكراهم وأعلوا شأن أمتهم.
لقد ظهرت إسرائيل على حقيقتها، وأصبح الطابع التوسعي لسياستها لا يخفى على أحد، وانكشفت صداقتها المزيفة مع الشعوب الأفريقية، ولم تعد تحظى بأدنى تأييد في افريقيا إلاّ من الأنظمة الاستعمارية والعنصرية في جنوب أفريقيا وروديسيا والبرتغال.
وإلى جانب ذلك، تواجه إسرائيل رفضاً عاماً لسياستها في البلاد الإسلامية وبلدان عدم الانحياز ومنظمات التحرير في العالم الثالث وفي البلدان الاشتراكية، والرأي العام العالمي المستنير غير المتحيز.
وبالنتيجة أصبح اليوم انعزال إسرائيل دبلوماسياً، واقعاً ملموساً، ومما ينطوي على دلالة خاصة، أن تبدأ بعض الحكومات الأوروبية، المعروفة تقليدياً بتبنيها للمواقف الإسرائيلية، في التساؤل عن جدوى سياسة إسرائيل المغامرة التي جاءت بمخاطر كبيرة على السلم والتعاون الدولي.
إن هذه العناصر التي تشكل مكاسب هامة للقضية العربية، ينبغي تطويرها وتوطيدها من أجل التوصل إلى حل يكفل الحقوق الوطنية العربية.
إن وقف إطلاق النار الذي مضى عليه أكثر من شهر، لا يزال يصطدم بمناورات وتخريب الطرف الإسرائيلي. كما تؤكد مواقف إسرائيل الرسمية، وتصرفاتها على الصعيد الدولي، أن إسرائيل لم تتخل عن سياستها القديمة، ولم تتراجع عن مطامعها الاستعمارية التوسعية.
إن وقف إطلاق النار ليس هو السلام، فالسلام يستلزم توفير عدد من الشروط، في مقدمتها شرطان أساسيان ثابتان، هما:
1- انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس.
2- استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية الثابتة.
وما لم يتحقق هذا الشرطان، فإنه من الوهم توقع شيء آخر في الشرق الأوسط سوى تفاقم أوضاع متفجرة وقيام مجابهات جديدة.
إن الملوك والرؤساء العرب، إدراكاً منهم لمسؤولياتهم التاريخية، يؤكدون استعدادهم للمساهمة في تحقيق سلام عادل على أساس هذين المبدأين.
وعلى الذين يتحدثون عن السلام أن يبرهنوا بالأفعال عن إرادتهم في إنهاء وضع تزيده الأيام خطورة وتفجراً.
إن البلدان العربية لن تقبل بأي حال رهن مستقبلها بوعود غامضة، ومساومات خادعة، ويجب أن لا يتطرق أدنى شك لدى الرأي العام العالمي الذي طالما خدعته الدعاية الصهيونية، حول إرادة الأمة العربية وتصميمها على استرجاع حقوقها المغتصبة وتحرير أراضيها المحتلة.
إن السلام لا يمكن تحقيقه إلاّ بالوضوح الكامل وتجنب المناورة والخداع وعلى أساس المبادىء الواردة في هذا البيان، ولهذا يعلن الملوك والرؤساء العرب أن أية مشاورات جديدة بناءة يجب أن تجري في هذا النطاق، وإذا لم تتوفر شروط السلام العادل، وإذا ما اصطدمت الجهود العربية من أجل السلام بالرفض من قبل إسرائيل وحلفائها، فإن الدول العربية تجد نفسها مضطرة إلى استخلاص النتائج الطبيعية، وإلى مواصلة معركتها التحريرية، مهما طال أمرها، بجميع الوسائل، وفي مختلف الميادين.
إن الأمة العربية المصممة على أداء واجبها، مستعدة للمزيد من النضال والتضحية والفداء.
وعلى العالم كله أن يحمل مسؤوليته في التصدي للعدوان، ودعم النضال العربي العادل.
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1973". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1976، ص 480-481.