برزت فكرة تأسيس حركة الجهاد الإسلامي
في فلسطين، في أواخر سبعينيات القرن العشرين، في إطار الحوارات الفكرية التي كانت تجري بين مجموعة من الطلبة الجامعيين الفلسطينيين في مصر
، حول مركزية قضية فلسطين بالنسبة إلى الإسلام والحركة الإسلامية، وحول سبل إقامة حركة مسلحة، تستظل بالإسلام، في نضالها من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني. وكان من أبرز هؤلاء الطلبة فتحي شقاقي
، الطالب في كلية الطب البشري في جامعة الزقازيق
، الذي كان، قبل التحاقه بالجامعة، عضواً في جماعة
التأسيس
ويُعتقد أن سنة 1980 شهدت تشكيل النواة التي انبثقت عنها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، التي توقف فتحي الشقاقي عند حيثيات تأسيسها بقوله:
"هي بدأت كحوار فكري بين مجموعة من الشباب الفلسطيني من المتدينين والمثقفين أثناء فترة دراستهم في مصر في النصف الثاني من السبعينيات، جزء منهم كان ينتمي إلى 'الإخوان'، ولكن ليس غالبيتهم. وهذا الحوار الفكري خاض في القضايا المنهجية والفكرية والسياسية، وتحوّل إلى مناخ سياسي من خلاله انبثقت في داخل مصر، أثناء دراستنا، النواة الأولى التي أطلقت بعد ذلك حركة الجهاد...وعملنا على إنشاء حالة من الاستقطاب حول منهجية فكرية إسلامية جديدة، تغييرية وتنويرية، ومقاتلة في الوقت نفسه". ويضيف: " كنا نرى وطنيين بلا إسلام، وإسلاميين بلا فلسطين. وجاءت حركة الجهاد الإسلامي من خلال وعينا للإسلام والقرآن والتاريخ والواقع، لتكون حلاً لهذه المشكلة".
وقد تأثر مؤسسو حركة الجهاد الإسلامي بنهج الثورة الإسلامية في إيران كما برز ذلك بصورة واضحة في الكتاب الذي ألّفه فتحي الشقاقي بعنوان: "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل"، وعارضوا أفكار التيار الإسلامي التقليدي الذي كان يرى أن تحرير فلسطين يتم بعد إقامة الدولة الإسلامية، وحمّلوا هذا التيار وأفكاره مسؤولية ما أصاب شباب الحركة الإسلامية من تقاعس في النضال من أجل تحرير فلسطين، فساهموا بذلك في نقل الإسلام السياسي في المناطق الفلسطينية المحتلة، الذي كانت تمثّله جماعة الإخوان المسلمين، إلى مواقع "الإسلام الجهادي".
وكان فتحي الشقاقي قد عاد، بعد تخرجه طبيباً، إلى فلسطين في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 1981، ليلتحق برفاقه الذين سبقوه وبدأوا في بناء تنظيم الحركة على الأرض الفلسطينية، وخصوصاً في قطاع غزة. وعمل فتحي الشقاقي طبيباً لمدة سنتين في مشفى أوغستا فيكتوريا (المُطّلع) بـالقدس
، وصار يقود حركة الجهاد الإسلامي، التي بدأت مسيرتها في المساجد والجامعات، على المستويين السياسي والإعلامي، ثم شرعت في التحضير للعمل المسلح الذي أطلقته خلاياها السرية في سنة 1984. وقد اعتُقل الشقاقي على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي سنة 1983 لمدة 11 شهراً، وبعد الإفراج عنه، استقر في قطاع غزة، وصار يعمل طبيباً للأطفال. وأعيد اعتقاله مرة أُخرى سنة 1986، وحُكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 4 سنوات و5 سنوات مع وقف التنفيذ، بتهمة ارتباطه بنشاطات عسكرية والتحريض ضد الاحتلال الإسرائيلي ونقل أسلحة إلى قطاع غزة. وقبل انقضاء فترة سجنه، قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية بإبعاده من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين بتاريخ 1 أغسطس/ آب 1988 بعد اندلاع
الأسس الأيديولوجية
وفي لائحتها الداخلية، عرّفت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين نفسها بأنها: "حركة إسلامية جماهيرية مجاهدة مستقلة، الإسلام منطلقها، والعمل الجماهيري الثوري والجهاد المسلح أسلوبها، وتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني هدفها". وأكدت الحركة أن القضية الفلسطينية هي "أهم قضايا الوطن الإسلامي في هذه المرحلة من تاريخه"، وأن الجهاد في سبيلها هو المدخل لتحقيق أهداف الحركة الإسلامية الأُخرى. وتنبع خصوصية القضية الفلسطينية ومركزيتها، في نظرها، من الدور الذي تقوم به إسرائيل في "تكريس واقع التجزئة القائم على أرض الوطن الإسلامي"، وفي "استمرار عملية النهب لثروات [هذا] الوطن"، باعتبارها "حارسة لمصالح الاستعمار والاستكبار العالمي بقيادة
وتشير بعض المصادر إلى أن حركة الجهاد الإسلامي استطاعت أن تستقطب، خصوصاً في السجون الإسرائيلية، عدداً من كوادر حركة "فتح
" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية
الأُخرى. وعقب اندلاع الانتفاضة الأولى في أواخر سنة 1987، وسّعت الحركة حضورها في قطاع غزة والضفة الغربية
، كما نجحت في التغلغل في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا
ولبنان
، وأخذ نشاطها العسكري طابعاً أكثر تنظيماً، وشكّلت جناحها العسكري باسم "سرايا القدس
"، الذي نفّذ عشرات العمليات العسكرية التي تنوعت ما بين إطلاق النار والهجوم بالقنابل ونصب الكمائن وتفجير العبوات، فضلاً عن العمليات الاستشهادية. وقدمت حركة الجهاد الإسلامي المئات من الشهداء والمعتقلين والمبعدين، ونجحت إسرائيل في تصفية عدد من قياداتها وكوادرها السياسية والعسكرية، مثل هاني عابد
الذي اغتيل في قطاع غزة في 2 تشرين الثاني 1994 و
وبعد اندلاع الانتفاضة الثانية
في أواخر أيلول/ سبتمبر 2000، صعّدت حركة الجهاد الإسلامي عملياتها العسكرية، الأمر الذي دفع قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف قادة جناحها العسكري، ونجحت في اغتيال عدد منهم مثل أنور حمران
الذي اغتيل في نابلس
في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2000، ومحمد عطوة عبد العال
الذي اغتيل في رفح
في 2 نيسان/ أبريل 2001، وإياد حردان
الذي اغتيل في جنين
في 5 نيسان/ أبريل 2001، وخالد الدحدوح
الذي اغتيل في مدينة غزة
في 1 آذار/ مارس 2006، وحسام جرادات
الذي اغتيل في مخيم جنين للاجئين
في 23 آب 2006.
المواقف السياسية
وعلى صعيد مواقفها السياسية، عارضت حركة الجهاد الإسلامي "مبادرة السلام" التي تبنتها منظمة التحرير الفلسطينية، في أثناء انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني
التاسعة عشرة في
الوثيقة البرنامجية لسنة 2018
يبدو أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين شعرت، في سنة 2018، أنها بعد سنوات طويلة من الكفاح باتت ناضجة كي تطرح وثيقة برنامجية متكاملة، تحت عنوان: "الوثيقة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: الأسس، والمبادئ والمواقف". قدمت لها بإشارتها إلى أن الحركة، "من أجل الحفاظ على وضوح الرؤية، ووحدة المنطلق والهدف"، صاغت هذه الوثيقة الداخلية "لبيان المعالم، وتأكيد الأسس الفكرية الحاكمة لجهادها ومواقفها". وبخصوص هويتها، عرّفت حركة الجهاد نفسها بأنها: "حركة مقاومة فلسطينية، الإسلام مرجعها، وتحرير فلسطين من الكيان الصهيوني هدفها، والجهاد سبيلها"، وهي "حركة مستقلة، نشأت بإرادة فلسطينية واعية… استجابة لمتطلبات المواجهة الشاملة مع المشروع الصهيوني على أرض فلسطين"، وهي "ترى نفسها، ودون أي ارتباط عضوي أو تبعية لأي جماعة، جزءاً من التيار الإسلامي العام في العالم".
وبشأن نظرتها إلى فلسطين وشعبها ومقاومته، أكدت حركة الجهاد أن فلسطين "بحدودها التاريخية، زمن الاحتلال البريطاني، وحدة إقليمية واحدة لا تتجزأ، وهي أرض الشعب الفلسطيني ووطنه، ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها"، والشعب الفلسطيني هو "شعب واحد، وهو جزء أصيل وحيوي من الأمة العربية والإسلامية.. والمسيحيون الفلسطينيون هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية، وهم شركاء في الوطن، وقدموا من أجله تضحيات جسام إلى جانب إخوانهم المسلمين". وأكدت الحركة أن مدينة القدس "هي قلب فلسطين وعاصمتها ورمز قداستها..، وهي بجميع مقدساتها الإسلامية والمسيحية، حق ثابت للشعب الفلسطيني وملك للأمة كلها"، وأن حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه ودياره وممتلكاته "هو حق طبيعي فردي وجماعي، مشروع ومتوارث من جيل إلى جيل، ولا يسقط بالتقادم مع الزمن ولا يجوز التنازل عنه"، كما أكدت "حق الشعب الفلسطيني والأمة في الجهاد والمقاومة ضد العدو الصهيوني الغاصب لفلسطين بكل الوسائل والأساليب، وفي مقدمتها الكفاح المسلح".
وبخصوص التسوية السياسية للصراع، قدّرت حركة الجهاد الإسلامي انه "لا يمكن إقامة سلام مع المشروع الصهيوني، لأنه يتنافى وطبيعته الاستيطانية الإحلالية"، مؤكدة رفضها "الاعتراف بالكيان الإسرائيلي أو الصلح أو التفاوض معه"، لأنه "كيان دخيل وغريب في بيئة معادية، فهو إلى زوال مهما طال الزمن"، ومعتبرة أن السلام الحقيقي "هو السلام الذي يقوم على إحقاق الحق وإنهاء الظلم والعدوان والاحتلال، وإعادة فلسطين المحتلة، من نهرها إلى بحرها، إلى أهلها وأصحابها الأصليين".
وبشأن موقفها من منظمة التحرير ومن السلطة الفلسطينية وتصوّرها للعلاقات الفلسطينية الداخلية، اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي أن "التناقض التاريخي والرئيس" للشعب الفلسطيني في مرحة التحرر الوطني "هو مع العدو الصهيوني"، وأي تناقض أو نزاع داخل الصف الوطني يعالج من خلال رفض استخدام العنف، واعتماد "أسلوب الحوار الهادف والبناء مع الكل الفلسطيني"، واعتبار الوحدة الوطنية الفلسطينية "على قاعدة مقاومة الاحتلال هي الضرورة الأكثر إلحاحاً". وبعد أن أشارت الحركة إلى أن جزءاً كبيراً من الشعب الفلسطيني، "ممثلاً بحركتَي حماس والجهاد الإسلامي ومعهما شرائح فلسطينية واسعة"، غير منخرط في إطار منظمة التحرير، قدّرت أن "استعادة مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل للشعب الفلسطيني، يتطلب إعادة بنائها على نحو دميقراطي توافقي"، وذلك بالاستناد "إلى الميثاقين القومي والوطني، وعدم التفريط بأي شبر من فلسطين". واعتبرت أن السلطة الفلسطينية هي "سلطة حكم ذاتي، نشأت بموجب اتفاقيات أوسلو الباطلة وغير الشرعية"، وأن الحركة تتعامل معها "كأمر واقع".
خاتمة
وتمثّل حركة الجهاد الإسلامي حالياً التنظيم الثاني في قطاع غزة، بعد حركة "
وتقيم حركة الجهاد الإسلامي علاقات متميزة مع الجمهورية الإسلامية في إيران ، وترى في هذه الثورة مثالاً يحتذى، كما تقيم علاقات قوية مع حزب الله اللبناني ومع سوريا. وهي، بعد أن كانت تركّز في عملياتها العسكرية على استهداف العسكريين الإسرائيليين ومواقعهم، راحت تلجأ، بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلى استخدام الصواريخ في قصف البلدات والمدن الإسرائيلية الواقعة في "غلاف غزة "، رداً على هجمات واعتداءات الجيش الإسرائيلي. وتعلن الحركة أنها تمتلك آلاف الصواريخ، وأنها قادرة على استهداف المدن في العمق الإسرائيلي.
بعد اغتيال فتحي الشقاقي، خلفه في قيادة الحركة رمضان شلّح
، الذي بقي على رأس قيادتها حتى أواخر أيلول 2018، عندما جرى انتخاب زياد نخالة
خلفاً له.
وعقب انتخاب زياد نخالة أميناً عاماً، أكد داوود شهاب
الناطق باسم الحركة، في مؤتمر صحافي، أن حركة الجهاد الإسلامي "مستمرة بالمواقف نفسها وبسعيها لتحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها"، وأن المقاومة "ستبقى الأولوية الأولى، وسلاحها أمانة لا تساوم عليه الجهاد الإسلامي ولا تفرّط به".
أبو عمرو، زياد. "الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة: الإخوان المسلمون؛ الجهاد الإسلامي". عكا: دار الأسوار، 1989.
"الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية". الجزء الثاني. ط 3. تنسيق فيصل دراج، جمال باروت. دمشق: المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، 2000.
جبارة، تيسير. "دور الحركات الإسلامية في الانتفاضة الفلسطينية". عمّان: دار الفرقان، 1992.
"الحركات الإسلامية في فلسطين". في: "معلومات". بيروت: المركز العربي للمعلومات، العدد 22 (شباط/فبراير 1996).
"حركة الجهاد الإسلامي. مسيرة الجهاد الإسلامي في فلسطين". غزة: منشورات حركة الجهاد، [دون تاريخ].
"دليل الحركات الإسلامية (1)". في: "معلومات". بيروت: جريدة "السفير"، العدد 132، تشرين الثاني/نوفمبر 2014.
"رحلة الدم الذي هزم السيف: الأعمال الكاملة للشهيد الدكتور فتحي الشقاقي (في مجلدين)"، إعداد وتوثيق رفعت سيد أحمد. القاهرة: مركز يافا للدراسات والأبحاث، 1997.
الرفاعي، أبو عماد. "حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين: بدايات المشروع الجهادي وسماته". بيروت: حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، 2001.
الشريف، ماهر. "البحث عن كيان. دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني، 1908-1993". نيقوسيا: مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، 1995.
"فتحي الشقاقي: الشاهد والشهيد." إعداد محمود السرساوي وعدنان علي. [بيروت: حركة الجهاد الإسلامي، 1996].
"فتحي الشقاقي شهيداً: سيف الجهاد المشرع رغم رصاص الموساد". القاهرة: مركز يافا للدراسات والأبحاث، 1996.