مؤتمر القمة العربي العاشر
البيان الختامي
تونس، 20-22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1979
بوحي من الشعور بالمسؤولية القومية، وانطلاقاً من المبادىء التي تؤمن بها الأمة العربية، وانسجاماً مع تقاليد العمل العربي المشترك، وبغية دعم التضامن العربي وتعزيز قدرات الأمة في سبيل استعادة حقوقها وبناء مستقبلها، وحرصاً على سلامة لبنان وسيادته ووحدة أراضيه واستمرار الصمود الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني، وشعوراً بضرورة مساعدة لبنان على تجاوز أزمته في الجنوب، عرض أصحاب السمو ملوك الأقطار العربية ورؤساؤها وأمراؤها الوضع العربي وتدارسوا موضوع النزاع العربي – الإسرائيلي والتطورات اللاحقة بعد مؤتمر القمة العربي في بغداد واستراتيجية العمل العربي المشترك المقبل في جميع المجالات والوضع في جنوب لبنان، واتخذوا القرارات السياسية والدفاعية والاقتصادية التي تستوجبها مواجهة العدو الصهيوني، ومن أجل معالجة الوضع في جنوب لبنان.
إن مؤتمر القمة يؤكد أن قضية فلسطين هي جوهر الصراع الطويل الأمد الذي يخوضه العرب ضد الصهيونية، وهي مشكلة خطر عسكري وسياسي واقتصادي وحضاري يهدد الأمة العربية بكاملها. كما يؤكد أن الأمة العربية تناضل من أجل بلوغ السلام العادل المبني على مبادىء الحق والقائم على قاعدة استعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني وتحرير جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. والأمة العربية التي عقدت العزم على مواجهة التحدي وعلى النضال في سبيل استعادة حقوقها المغتصبة وبناء مستقبل يسوده العدل والسلام، تدرك تماماً أن الصراع الذي تخوضه ضد الصهيونية إنما هو صراع مصيري، حضاري، يستوجب الاهتداء بقيم الأمة وتجنيد كل الطاقات والإمكانات التي تملكها وبناء قدراتها الذاتية على قواعد متينة، كما يستوجب تعزيز التضامن ووحدة الصف والقرار والعمل على تسخير كل قوى السلم والعدل في العالم لمساعدتها في الكفاح المصيري الذي تخوضه.
إن الملوك والرؤساء والأمراء العرب، إذ يجددون إدانتهم لاتفاقي كام ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية – الإسرائيلية، ورفضهم القاطع لها لكل ما يترتب عليها من آثار، يؤكدون أن الحل لا يكون إلاّ شاملاً وعلى قاعدة تحرير جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني كاملة، ولا سيما حقه في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره وإنشاء دولته المستقلة فوق ترابه الوطني، كما يؤكدون دعمهم لإرادة الشعب العربي الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد له. ويحيي المؤتمر صمود شعبنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومقاومته الباسلة لأبشع أنواع الاحتلال العنصري وسياسة التهويد والنفي والاستيطان والاعتداء على التراث والمقدسات، ويدعو إلى المزيد من التلاحم وتصعيد النضال لمواجهة مؤامرة الحكم الذاتي، كما يدعو إلى توسيع نطاق النضال العربي وتوسيع نطاق التضامن العالمي مع هذا النضال من أجل إفشال مخططات الاحتلال الصهيوني.
وعبر المؤتمر عن تقديره للدور الذي تقوم به دول قوى المواجهة، خصوصاً سورية والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية مع العدو الصهيوني، وتصديها لكل أشكال العدوان والغطرسة الصهيونية. وأكد المؤتمر أهمية تعزيز الطاقات والقدرات لبلدان المواجهة وقواها على كل الصعد من أجل تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني.
وأن المؤتمر يسجل بالتقدير الإيجابية التي حققها لتنفيذ قرارات مؤتمر القمة العربي التاسع في بغداد وتأثيرها على الوضع الدولي والتحسن النسبي لمواقف الدول المختلفة من قضية فلسطين وتحرير الأراضي العربية المحتلة وإدانة اتفاقي كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية – الإسرائيلية، من قبل مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي الذي عقد في فاس في مايو (أيار) 1979 ومؤتمر القمة الإفريقي السادس عشر الذي عقد في مونروفيا عام 1979، ومؤتمر القمة السادس للدول غير المنحازة الذي عقد في هافانا في "سبتمبر" (أيلول) من العام نفسه، كما تأكد ذلك عبر الاستقطاب الواسع الذي أحدثه التحرك العربي في الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وإذ يسجل المؤتمر بارتياح تزايد عزلة إسرائيل في الساحة العالمية وتقلص علاقاتها الدولية وتنامي الوعي لعدالة قضية فلسطين وجميع الأراضي العربية المحتلة لدى الرأي العام العالمي، يحذر من جميع المحاولات الرامية إلى إعادة علاقات بعض الدول مع العدو الصهيوني أو الاعتراف بالقدس عاصمة لها، ويعلن أن الدول العربية ستتخذ التدابير اللازمة لحماية الحق العربي.
إن المؤتمر، استمراراً لما بدأه مؤتمر القمة العربي التاسع، يؤكد العزم على متابعة العمل والتشاور لتحقيق أهداف العمل العربي المشترك وتعميقها ونقل هذا العمل إلى مرحلة متقدمة من التضامن وبناء القوة الذاتية العربية وتوظيفها لخدمة المصالح القومية، وجعل الأطراف الآخرين يقتربون في مواقفهم من المواقف العربية بمختلف الطرق بما في ذلك العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى.
وكما أوضج المؤتمر أن وحدة العمل العربي المشترك في جميع المجالات لإنشاء المؤسسات العربية والأخذ بالأساليب التقنية الحديثة ضرورة لا بد منها لمواجهة التحديات والأخطار التي تتعرض لها الأقطار العربية، وكذلك لبناء مستقبل أفضل يتوافر فيه المزيد من أسباب العزة والكرامة والمناعة للأمة العربية.
ويؤكد المؤتمر الدعوة إلى تعزيز العلاقات وأواصر التعاون مع الدول الإسلامية والإفريقية ودول عدم الانحياز عموماً وتقديم الدعم لحركات التحرر الإفريقية ضد العنصرية والتمييز العنصري والوقوف إلى جانبها وإلى جانب دول المواجهة الإفريقية والتعاون مع الدول الأوروبية من أجل زيادة المصالح العربية – الأوروبية المشتركة، ومن أجل تطوير مواقف المجموعة الأوروبية على أساس عدم الفصل في التعاون بين العلاقات الاقتصادية والمواقف السياسية لدول المجموعة بالنسبة إلى القضية العربية العادلة وحلقتها المركزية قضية فلسطين، والسعي إلى تطوير العلاقات العربية مع دول أميركا اللاتينية في مختلف المجالات بما يخدم المصالح المشتركة والقضية القومية والعمل على استمرار كسب تأييد مجموعة الدول الاشتراكية ودعمها للحق العربي وتطوير دعمها لهذا الحق ليزيد من قدرات الصمود العربي.
وقد قرر المؤتمر تأليف وفود وزارية من الدول العربية لزيارة البلدان الأجنبية في مختلف أنحاء العالم لشرح أسس السلام التي رسمتها قمة بغداد وكسب التأييد للموقف العربي والحقوق العربية.
ويدين المؤتمر سياسة الولايات المتحدة في ما يتعلق بدورها في توقيع اتفاقي كامب ديفيد والمعاهدة المصرية – الإسرائيلية، ويؤكد أن استمرار هذه السياسة سوف ينعكس سلباً على العلاقات والمصالح بين الدول العربية والولايات المتحدة الأميركية.
وعبر المؤتمر عن استنكاره لمواقف الولايات المتحدة ومخططاتها ضد الأمة العربية، تلك المخططات التي تتناقض مع مصالح الأمة العربية وسيادة بلدان المنطقة وحقها في السيطرة على مواردها وطاقاتها في خدمة شعوبها وسائر البلدان النامية.
كما أكد المؤتمر تضامن كل شعوب المنطقة لمواجهة هذه المخططات والمواقف التي تشكل خطراً على السلم والأمن العالميين ويدعو إلى تركيز النشاط لدى أوساط الرأي العام الأميركي لشرح قضية فلسطين والعدوان الصهيوني وإبراز الأضرار التي تصيب المواطن الأميركي والعربي نتيجة السياسة المعادية التي تنتهجها في الشرق الأوسط خصوصاً منذ عقد اتفاقي كامب ديفيد، ولولا هذه السياسة لما تمادى العدو الإسرائيلي في عدوانه على لبنان واستهدافه الشعبين اللبناني والفلسطيني.
إن المؤتمر يدين عدوان إسرائيل على الجنوب اللبناني بكل أشكاله ويحمل هذا العدوان مسؤولية ما يعانيه سكان الجنوب، ويؤكد رفضه للهيمنة الإسرائيلية الهادفة إلى التدخل في شؤون لبنان بشتى المعايير الزائفة.
وأكد المؤتمر سيادة لبنان الكاملة على كل أراضيه والحفاظ على استقلاله ووحدته الوطنية، كما أكد على ضرورة بسط سيادة الدولة اللبنانية على التراب اللبناني كاملاً، وأكد كذلك ضرورة تنفيذ مقررات الرياض والقاهرة وبيت الدين واتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك.
ويؤيد المؤتمر جهود الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية الرامية إلى التنسيق والتعاون لمعالجة جميع المشاكل ويقرر المؤتمر دعم جهود الشعب اللبناني مع إعطاء أهمية خاصة لوضع الجنوب ويقرر دعم الحكومة اللبنانية في كل المجالات الدولية، وذلك بممارسة أقصى الضغوط على العدو الإسرائيلي لوقف عدوانه على جنوب لبنان وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي منه.
ويعرب ملوك الدول العربية ورؤساؤها وأمراؤها عن بالغ تقديرهم لفخامة الرئيس الحبيب بورقيبة لدعوته إلى عقد هذا المؤتمر في العاصمة التونسية، وكذلك الشعب التونسي، ويتوجهون بالشكر إلى السيد الهادي نويرة الوزير الأول في حكومة الجمهورية التونسية للجهود الكبيرة التي بذلها في المؤتمر.
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1979". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية،1981، ص 485-487.