عقب غزو القوات البريطانية فلسطين العثمانية
سنة 1917، تولى البريطانيون مسؤولية الأمن العام، فقاموا خلال سنة 1918 بإنشاء هياكل رسمية للإدارة العسكرية البريطانية لفلسطين، بما في ذلك قوة شرطة، تحت "
في البداية، تم هيكلة شرطة فلسطين على غرار معظم قوات الشرطة الاستعمارية البريطانية الأُخرى، إذ أشرفت مجموعة صغيرة من ضباط بريطانيين على قوة مشكلة محلياً من ضباط وأفراد من رتب أُخرى. ومع ذلك، بدأت هذه التركيبة تتغير بعد عدة حوادث بارزة من العنف بين العرب الفلسطينيين واليهود في نيسان/ أبريل 1920 وأيار/ مايو 1921، عندما تحولت التظاهرات إلى أعمال عنف، وهاجم العرب اليهود، وشنت الشرطة عمليات انتقامية شديدة ضد العرب. فما كان من القادة الصهيونيين إلاّ أن اتهموا الشرطة بالعجز أو برفضها حماية الجالية اليهودية، الأمر الذي وفر لهم فرصة الضغط على البريطانيين لزيادة عدد رجال الشرطة اليهود - وخصوصاً في المدن المختلطة مثل القدس ويافا وحيفا - ولمواءمة استراتيجية الأمن البريطانية مع المصالح الصهيونية، من خلال منح الأحياء والمستعمرات اليهودية استقلالية العمل الشرطي.
البنية الأوليّة
نجح الضغط الصهيوني في فرض إقالة
وقد أنشأت إدارة الانتداب أيضاً
في سنة 1926، بعد خمس سنوات من الهدوء النسبي والمخاوف المتزايدة بشأن تكلفة سلك درك فلسطين، تمّ حل هذا السلك ودمج بعض رجاله في شرطة فلسطين، التي تم تقسيمها إلى شعبتين بريطانية وفلسطينية. واستمرت الشعبة الفلسطينية في التوسع وظلت أكبر بكثير من الشعبة البريطانية في النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي. وبحلول نهاية سنة 1927، كانت الشعبة البريطانية تتألف من أكثر من ثلاثمئة ضابط بريطاني وأفراد رتب أُخرى، بينما تزايد عديد الشعبة الفلسطينية ليصل إلى ما يقرب من 1,900 ضابط وأفراد رتب أُخرى. وشكّل العرب ما يزيد على ثلاثة أرباع ضباط الشعبة الفلسطينية، وكان عدد المسلمين بينهم يفوق عدد المسيحيين بنسبة اثنين إلى واحد، أمّا رتب الشعبة الأُخرى، فكانت أربع أخماسها من العرب الفلسطينيين وخمسها من اليهود.
تم التشكيك في هذا التوازن مرة أُخرى في سنة 1929، عندما اندلعت التوترات في آب/ أغسطس من ذلك العام فيما عُرف باسم "
شكّلت "هبة البراق" منعطفاً رئيسياً في تطور الصراع بين
اقترح دوبيغين تغييرات في نظام تعليم القوة وتدريبها وتأهيلها المهني، وزيادة حضور الشرطة في المناطق الريفية، وتعيين أحد مقرّبيه،
قمع ثورة 1936-1939
أحدثت ثورة 1936-1939 (أو الثورة الفلسطينية الكبرى
) تغييرات هيكلية مهمة في الشرطة الفلسطينية، فقد تم التخلي عن توصيات دوبيغين، وفي سنة 1937 طلبت إدارة الانتداب البريطاني من
شهدت شرطة فلسطين خلال الثورة أيضاً تغيراً جذرياً في حجمها وتشكيلها. ونظراً إلى الدعم الشعبي الذي حظيت به الثورة بين عرب فلسطين، فقد شكك المسؤولون البريطانيون في موثوقية رجال الشرطة العرب وفي فعالية جهودهم لإخمادها. فقامت قيادة الشرطة بتهميش الشرطيين العرب وحشد شرطيين بريطانيين ويهود ومساعدين لسحق الثورة الفلسطينية. وأصبحت القوة التي كان العرب يشكلون معظم عناصرها ذات أكثرية بريطانية، ففي الفترة بين كانون الأول/ ديسمبر 1935 وكانون الأول 1938، زاد عديد البريطانيين من 900 تقريباً إلى ما يقارب 2,500. أمّا عديد الشرطيين العرب، فقد ظل مستقراً نسبياً خلال الثورة حتى إنه زاد في أعقابها، لكنه لم يستعِد أبداً تفوقه على البريطانيين.
من ناحية أُخرى، بدأت شرطة فلسطين أيضاً في تجنيد أعداد هائلة من رجال الشرطة اليهود، فبين نهاية سنة 1935 ونهاية سنة 1938، تضاعف عدد رجال الشرطة اليهود أكثر من الضعف، من 365 إلى 741. لكن هذه الأرقام لا تعكس، سوى بصورة جزئية، حقيقة ما جرى، إذ تم دمج عدد كبير آخر في القوات المساندة. وخلال الإضراب العام في سنة 1936، تم تجنيد ما يقرب من ثلاثة آلاف يهودي في الشرطة المساندة، وبحلول نهاية سنة 1938، وصل هذا الرقم إلى ما يقارب ستة آلاف. وقد عمل هؤلاء الرجال في الغالب جنباً إلى جنب مع قوة مكافحة التمرد البريطانية، بما في ذلك
من الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الانتداب
بعد القضاء الوحشي على الثورة الفلسطينية الكبرى في سنة 1939، تغيرت أولويات بريطانيا باندلاع الحرب العالمية الثانية
. فدعمت شرطة فلسطين الجيش البريطاني في فلسطين عبر قيامها، من ضمن مهمات أخرى، بحراسة البنى التحتية (السكك الحديدية والموانئ وخطوط الأنابيب)، وتنظيم دوريات على الحدود، ومراقبة "الأعداء" المحتمَلين (بما في ذلك الألمان والإيطاليون، وكذلك العرب الذين أملوا بأن تؤدي الحرب إلى تحجيم قوة بريطانيا). وفي أعقاب الحرب، تورّطت الشرطة في صراع عنيف، ووحشي في كثير من الأحيان، نشب بين قوات الأمن البريطانية، من جهة، والمنظمات الصهيونية، وخصوصاً
في سنة 1947، أعلنت بريطانيا عزمها على الانسحاب من فلسطين في العام التالي، وأُقحمت شرطة فلسطين في الصراع من أجل مستقبل البلد. وتعكس الأدوار التي أداها رجال الشرطة في تلك الفترة ومساراتهم بعد سنة 1948 الطبيعة المتصدّعة لجهاز الشرطة والمستقبل المتباين لأجزائه المتعددة. فخلال سنتي 1947 و1948، قام أفراد الشرطة البريطانيون (الذين تجاوز عددهم 3,700) بحماية المواطنين البريطانيين والممتلكات البريطانية في الفترة التي سبقت انسحاب بريطانيا. وبعد سنة 1948، وجدوا وظائف في أرجاء الإمبراطورية البريطانية، إذ اعتمدوا على تجربتهم في مكافحة الثورة في فلسطين للقضاء على نضالات التحرير الوطني الناشئة، من
خلال عهد الانتداب، خضعت شرطة فلسطين لعدد من التحولات، لكنها جميعها أنتجت قوة أقل تمثيلاً للسكان العرب وأكثر قمعاً لهم. وعلى الرغم من عشرات آلاف الفلسطينيين الذين انضموا إلى صفوفها على مدار ما يقرب من ثلاثة عقود، فإن إرث شرطة فلسطين يتمثل في أنها كانت أداة الإمبريالية البريطانية لقمع الفلسطينيين ولبناء المؤسسات الصهيونية.
صالح، محسن محمد. "القوات العسكرية في فلسطين ودورها في تنفيذ السياسة البريطانية". عمّان: دار النفائس للنشر والتوزيع، 1996.
ويندر، أليكس. "بين منشية يافا وجبل الخليل: يوميات محمد عبد الهادي الشروف (1943-1962)". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2016.
يحيى، عادل. "قوة الشرطة الفلسطينية في فترة الانتداب البريطاني". في: زكريا محمد، خالد فراج، سليم تماري، عصام نصار (تحرير). "أوراق عائلية: دراسات في التاريخ الاجتماعي المعاصر لفلسطين". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2011.
Alon, Yoav. “Bridging Imperial, National, and Local Historiographies: Britons, Arabs, and Jews in the Mandate Palestine Police.” Jerusalem Quarterly, issue 75 (Autumn 2018), pp. 62–77.
Cahill, Richard Andrew. “‘Going Berserk’: ‘Black and Tans’ in Palestine.” Jerusalem Quarterly, issue 38 (Summer 2009), pp. 59–68.
Charif, Maher. “Comment les autorités du mandat britannique ont étouffé la révolte arabe de 1936-1939 en Palestine”, in Chantal Chanson-Jabeur, Alain Forest et Patrice Morlat, ed. Colonisations et Répressions. Paris : Les Indes savantes, 2015, pp. 349-360.
Khalili, Laleh. “The Location of Palestine in Global Counterinsurgencies.” International Journal of Middle East Studies, vol. 42, no.3 (August 2010), pp. 413–433.
Knight John L. “Securing Zion? Policing in British Palestine, 1917–39.” European Review of History: Revue européenne d’histoire, vol. 18, no.4 (August 2011), pp. 523–543.