بعد إطلاق بريطانيا حملة فلسطين سنة 1917 خلال الحرب العالمية الأولى
ومع قرب احتلال قواتها لمدينة القدس، قامت بإصدار
أدّت موجات الهجرة اليهودية، على رغم عدم انتظامها، إلى زيادة كبيرة في عدد السكان اليهود في فلسطين، كما نمت المؤسسات الصهيونية وازدادت قوة ورسوخاً ضمن مؤسسات سلطة الانتداب. وفيما سعى القادة السياسيون الفلسطينيون إلى مواجهة الإدارة البريطانية، تشكّلت مقاومة شعبية اتخذت من حين إلى آخر شكل اشتباكات عنيفة، لعل أهمها
شهد صيف سنة 1919 مساعي ثبَّتت القوى الأوروبية من خلالها سيطرتها على الأقاليم العربية في الإمبراطورية العثمانية
السابقة، وقوّضت الجهود المبذولة من أجل تقرير المصير العربي، ففي حزيران/ يونيو وُقّعت
في السنة ذاتها، وفي مطلع شهر حزيران، انعقد المؤتمر السوري العام
في دمشق
بمشاركة مندوبين فلسطينيين، وفي المؤتمر العام السوري الثاني الذي انعقد في 7-8 آذار/ مارس 1920، انتَخبت وفود من جميع مناطق بلاد الشام
الأمير فيصل
ابن الشريف حسين
، ملكاً على سوريا
(التي كانت تشمل آنذاك لبنان
وفلسطين و
وشهد شهر نيسان 1920 أول اشتباكات عنيفة بين الفلسطينيين واليهود في مدينة يافا
، قُتل فيها خمسة من اليهود وجُرح مائتان، في حين قُتل أربعة فلسطينيين وجُرح 21. وعزت لجنة تحقيق شكّلها البريطانيون أسباب تلك الاضطرابات إلى خيبة الأمل التي أصابت الفلسطينيين بسبب عدم الوفاء بوعود الاستقلال، و"خشيتهم أن يتم إخضاعهم اقتصادياً وعسكرياً للصهاينة". وأجج مخاوفَ الفلسطينيين كثيراً تعيين السير
في أيار 1921، امتدت مواجهات بين فصائل صهيونية متنافسة إلى يافا، ما دفع الفلسطينيين إلى الاحتجاج على الهجرة اليهودية وتسبب في مواجهات عنيفة قُتل فيها 47 يهودياً و 68 فلسطينياً. في الوقت ذاته، كان الفلسطينيون يتحركون سياسياً ودبلوماسياً ضد الدعم البريطاني للصهيونية، فأنشأوا في المدن الكبرى جمعيات إسلامية- مسيحية عقدت ثلاثة مؤتمرات وطنية بين كانون الثاني/ يناير 1919 وآب/ أغسطس 1922، وانتخبت لجاناً تنفيذية، كما زارت ثلاثةُ وفود فلسطينية
كانت السنوات بين سنتي 1923 و1929 هادئة نسبياً، لكن الوطن القومي لليهود واصل نموه، فمن سنة 1918 إلى سنة 1929 تم بناء حوالى ستين مستعمرة صهيونية، وارتفعت نسبة ملكية الصهاينة للأراضي من 2.04 في المئة من المساحة الإجمالية للبلاد سنة 1919، إلى 4.4 في المئة سنة 1929، وزادت الهجرات نسبة السكان اليهود من 9.7 إلى 17.6 في المئة خلال الفترة ذاتها، كما واصلت المؤسسات الصهيونية في فلسطين إثبات ذاتها: ففي آب 1929 تم إنشاء
بلغ الإحباط الفلسطيني ذروته سنة 1929، إثر قيام صهاينة تصحيحيين يمينيين بالتوجه في تظاهرة نحو حائط البراق
(البراق) للحرم القدسي، وهو مكان مقدس عند اليهود والمسلمين، للاحتجاج على ما يسمى "
حقق الصهاينة العديد من المكاسب في سنوات الثلاثينيات، ساعدهم في ذلك تصاعد معاداة السامية –بشكل رسمي أو غير رسمي- في العديد من البلدان الأوروبية، والجهود التي بذلوها من أجل توجيه اليهود الفارين من قمع تلك البلدان باتجاه فلسطين. وفي الفترة بين سنتي 1931 و1936، تم بناء أربع وستين مستعمرة صهيونية جديدة، وارتفعت نسبة ملكية الصهاينة للأراضي في فلسطين لتصل إلى 5.4 في المئة من مساحتها الإجمالية، وأصبح اليهود يشكّلون 29.5 في المئة من السكان. وأنعشت الهجرة اليهودية المكثفة المؤسسات اليهودية، بما في ذلك
كانت أوائل الثلاثينيات أيضاً فترة ازدياد النشاط السياسي الفلسطيني، فقد تشكلت أحزاب سياسية إضافية، وصدرت صحف جديدة، ما شكّل تحدياً للسياسة النخبوية التقليدية، التي تم استكمالها بتكوّن سريع لمجموعات عدّة، مثل "مؤتمر الشباب العربي " و"جمعية الشبان المسلمين " والحركات الكشفية و"حزب الاستقلال ".
خلال تلك الفترة، كان للأزمة الاقتصادية العالمية أثرها في فلسطين، فدفعت -بالإضافة إلى السياسات البريطانية والضغط الذي يمارسه الصهاينة- العديد من الشباب الفلسطينيين إلى مغادرة المناطق الريفية والاتجاه إلى المدن طلباً للعمل، وكان هؤلاء هم العناصر الأساسية للاتجاهات السياسية الشعبية الجديدة التي بدأت بالظهور.
وفي شهر تشرين الأول 1933، قامت تظاهرات كبيرة في جميع أنحاء فلسطين، تعبيراً عن الغضب والإحباط من حكم البريطانيين، الذين تصدّوا لها بعنف، وفي الوقت ذاته بدأت منظمات سرية شبه عسكرية بالتشكل في مناطق مختلفة من فلسطين، لعل أشهرها جماعة اليد السوداء التي قادها الشيخ عز الدين القسّام ، السوري الذي التجأ إلى حيفا هرباً من الفرنسيين، وهناك أصبح خطيباً في جامع يرعى الفلاحين الفقراء الذين نزحوا حديثاً من قراهم. استشهد القسام سنة 1935 أثناء اشتباكه ومجموعة من أنصاره مع عناصر من الشرطة البريطانية، وتحوّلت جنازته في حيفا تظاهرة حاشدة. وستثبت السنوات اللاحقة أن الفلسطينيين كانوا مستعدين للتضحية بكل شيء في سبيل مقاومة فرض الصهيونية المدعومة من بريطانيا.
تماري، سليم. "دراسات في اشكاليات الحداثة الفلسطينية". رام الله، مواطن، المؤسسة الفلسطينية لدراسات الديمقراطية، 2005.
جوهرية، واصف. "القدس العثمانية في المذكرات الجوهرية: الكتاب الثاني من مذكرات الموسيقي واصف جوهرية، 1918-1917". تحرير وتقديم: سليم تماري وعصام نصار. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2003.
الحوت، بيان نويهض. "القيادات والمؤسسات في فلسطين 1917-1948". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1981.
صيقلي، مي. "حيفا العربية، 1918-1939: التطور الاجتماعي والاقتصادي". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1997.
نجم، ابراهيم، وأمين عقل، وعمر أبو النصر. "جهاد فلسطين العربية: أول كتاب بالعربية عن فترة الانتداب البريطاني وبداية الثورة الكبرى سنة 1936". تقديم وليد الخالدي. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2009.
الهنيدي، سحر. "التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي: فترة هربرت صامويل، 1920-1925". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2003.
محتوى ذو صلة
استعمار عنف
المرحلة الأولى من الحملة البريطانية على فلسطين: غزة لا تسقط
1917
28 شباط 1917 - 19 نيسان 1917
استعمار عنف
المرحلة الثانية من الحملة البريطانية على فلسطين: احتلال بئر السبع وغزة والقدس
1917
31 تشرين الأول 1917 - 8 كانون الأول 1917
عمل شعبي
إنشاء "جمعيات إسلاميّة - مسيحيّة": نحو تمثيل وطني في فلسطين
1918
8 أيار 1918 - كانون الأول 1918
استعمار اقتصادي - اجتماعي
الديموغرافيا والقضية الفلسطينية (I)
منذ خمسينات القرن التاسع عشر حتى عام 1948