شكّل وصول إدارة دونالد ترامب
إلى السلطة مطلع سنة 2017، إلى جانب التطورات السياسية داخل فلسطين وفي المنطقة وعلى المستوى الدولي، إيذاناً بحقبة جديدة بالنسبة إلى القضية الفلسطينية. من الصحيح أن العديد من سمات هذه الحقبة الجديدة هو استمرار لتلك التي سبقتها: الانقسامات الفلسطينية؛ نشاطات إسرائيل الاستيطانية ونظام سيطرتها التمييزي على فلسطين الانتدابية
بأكملها؛ غياب أي تقدّم نحو إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية
وقطاع غزة
؛ تراجع الدعم العربي والدولي لتحقيق هذا الهدف. إلاّ إن استمرار هذه السمات بالذات لسنوات عديدة متواصلة، والغياب الجليّ لاحتمال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو الهدف المفترض لـ اتفاقات أوسلو
في نظر الفلسطينيين، قد شجّعا العديد من الجهات الفاعلة على تبنّي مواقف وسياسات لم يكن من الممكن تصوّرها من قبل، والتي تسببت في زيادة ترسيخ حالة الجمود الفلسطيني.
فتحتَ غطاء الحديث عن "صفقة القرن
" لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، أعلن الرئيس دونالد ترامب اعتراف الولايات المتحدة
الأمريكية بـالقدس
عاصمة لإسرائيل، ونقَل السفارة الأميركية من تل أبيب
إلى القدس (2017-2018). كما أغلق كلاً من مكتب منظمة التحرير الفلسطينية
في واشنطن
، والقنصلية الأميركية العامة في القدس، التي كانت مهمتها الرئيسية تمثيل الولايات المتحدة أمام السلطة الفلسطينية
ومعالجة الشؤون القنصلية المتعلقة بسكان الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية
) وقطاع غزة. وترافقت هذه السياسة الأميركية الجديدة، القائمة على تأييد أهداف إسرائيل التوسعيّة والتقليل من مكانة فلسطين، مع تشجيع عدد من الدول العربية على إقامة علاقات دبلوماسية ودفاعية رسمية ومفتوحة مع إسرائيل.
ونظراً إلى أن خليفة دونالد ترامب، جو بايدن
، لم يتراجع عن معظم مبادرات سلفه، فإن سياسات إسرائيل (بما فيها رفض حكومتها الرسمي إقامة دولة فلسطينية) والبيئة الإقليمية الجديدة تفاقمان، كما يبدو، المأزق السياسي والدبلوماسي الفلسطيني. وعلى الرغم من أن الجهات الدولية الفاعلة لا تزال تتشدق بالحديث عن الدولة الفلسطينية، فإنها توقفت عن الدعوة إلى استئناف المفاوضات كطريق للتوصل إلى اتفاق.
ليس هناك تصوّر حاسم لمآل هذه الحقبة الثالثة عشرة من تاريخ قضية فلسطين، إذ لا تزال في بدايتها، ومن هنا جاءت علامة الاستفهام عند الإشارة إليها. ومع ذلك، فمن الجليّ الملاحظة أنها تحمل في طياتها عوامل متناقضة، إذ في مقابل المأزق الفلسطيني المتفاقم، تتبلور توجهات ذات دلالة: مأزق إسرائيل طويل الأمد المتمثّل في صعوبة استمرار سيطرتها على سكان عرب يزدادون تمرّداً يوماً بعد يوم والذين قدّر عددهم في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين بما يعادل عدد سكانها اليهود تقريباً؛ توجهات الرأي العام المستنير في معظم أنحاء العالم الداعمة لنضال الشعب الفلسطيني والتقارير القانونية الدولية التي تعترف بشرعية هذا النضال وتعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري؛ القرارات القضائية في دول مثل الولايات المتحدة التي ترفض اعتبار مقاطعة إسرائيل عملاً غير شرعي.
وقد تجلت هذه التوجهات، بصورة واضحة، في ربيع سنة 2021. فردّاً على محاولة إسرائيل تغيير "الوضع القائم
" في المسجد الأقصى
على حساب المصلين المسلمين، وعلى إصدارها قرارات الطرد ضد الفلسطينيين المقيمين في حي الشيخ جرّاح
، بلغت التعبئة الشعبية الفلسطينية قدراً من القوة لدرجة أنها انتشرت بسرعة في جميع أنحاء فلسطين الانتدابية وخارجها تضامناً مع مقاومة المقدسيين. وفي الوقت ذاته تقريباً، رداً على إطلاق صواريخ من قطاع غزة على محيط مدينة القدس دعماً للمسجد الأقصى ولحي الشيخ جرّاح، فشلت إسرائيل في حسم الحرب التي شنتها على غزة وفي كسر جبهة القطاع العسكرية.