إبراهيم أبو لغد
ولد إبراهيم أبو لغد في 15 شباط/ فبراير 1929 في حي المنشية بمدينة يافا.
إخوته: حسن ومحمود وأحمد وسعيد. زوجته: جانيت ليبمان أبو لغد (أميركية الأصل). بناته: ليلى ودينا ومريم. ابنه: جواد.
بدأ دراسته في مدينة يافا في مدرسة إسلامية خاصة، ثم تابعها في مدرسة حكومية، وتخرّج في المدرسة العامرية بحصوله على شهادة الثانوية العامة (المتريك) في سنة 1948.
أراد إبراهيم أبو لغد أن يصبح محامياً، فعمل صبي مأمورية، خلال دراسته، في مكتب محاماة يديره فايز كنفاني، والد غسان كنفاني، واعتاد المثول أمام المحاكم، ثم صار على اتصال بمكتب محاماة آخر يديره بطرس ملك.
كان متديناً في ريعان شبابه، يرتاد بانتظام جامع حسن بيك في مدينة يافا للصلاة، وكان إمام الجامع "الكسول" يطلب منه، أحياناً، أن يصعد إلى أعلى المئذنة كي يرفع الآذان بدلاً منه.
انشدّ إلى النضال الوطني ضد الاستعمار والصهيونية بتأثير والده، الذي كان من أنصار مفتي القدس محمد أمين الحسيني، وكان قد أنشأ، في سنة 1929، مسبكاً باسم "الشركة الفلسطينية المحدودة لسبك الحديد والنحاس"، حيث كان يصنع سراً أدوات قتالية للثوار الفلسطينيين. وقد اعتقلته سلطات الانتداب البريطاني مرات عديدة، وزجته في معتقلات صرفند، والمسكوبية، وعتليت وغيرها، كما أغلقت مسبكه أكثر من مرة.
شارك إبراهيم أبو لغد، خلال سنته الدراسية 1947-1948، في تنظيم أول اتحاد وطني للطلبة الفلسطينيين، وسافر، بغية تجنيد الطلبة، إلى العديد من المدن الفلسطينية، ثم تطوع، مع صديقيه شفيق الحوت ومحمد لصوي، للعمل في اللجنة القومية للدفاع عن يافا، مسلحاً ببندقية صيد من إنتاج مسبك والده الذي كان قد توفي في سنة 1944.
بعد سقوط مدينة يافا في نيسان/ أبريل 1948 في أيدي القوات الصهيونية، انتقلت عائلته إلى مدينة نابلس، بينما انتقل هو، في 3 أيار/ مايو من ذلك العام، إلى مدينة بيروت على متن السفينة "الأميرة ألكسندرا"، التي كانت آخر سفينة تغادر ميناء يافا. ومن بيروت، انتقل إلى دمشق، ومنها إلى عمّان، حيث قررت عائلته الاستقرار.
عمل إبراهيم أبو لغد في عمّان في دائرة الجمارك، وكان يعطي دروساً خصوصية باللغة الإنكليزية لتلامذة صغار. وفي العاصمة الأردنية، تعرّف إلى نشاط الأحزاب السياسية، كحزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي، لكنه انجذب أكثر إلى الشيوعيين في عصبة التحرر الوطني، وشارك في توزيع منشوراتها.
في أواخر أيلول/ سبتمبر 1949، وبتشجيع من أخيه الأكبر أحمد الذي كان قد سبقه إلى الولايات المتحدة الأميركية، نجح إبراهيم أبو لغد في الحصول على قبول من جامعة سيراكوز (Syracuse University)، وعلى وثيقة سفر من السفارة الأردنية في بيروت، فسافر بحراً من بيروت إلى نيويورك.
بعد وصوله إلى الولايات المتحدة الأميركية، التحق أبو لغد بجامعة إلينوي (University of Illinois)، وعمل، بصورة غير شرعية، بائعاً متجولاً في مدينة شيكاغو، وموظف شحن في شركة أدوية، وعاملاً في أحد مصانع الفولاذ، ثم أتيحت له فرصة العمل مترجماً، بصورة شرعية، في دائرة الهجرة، ومستشاراً في مجال العمل الاجتماعي مع المجتمعات المحلية الفقيرة، إلى أن حصل على منحة دراسية مكّنته من متابعة دراسته، والحصول على شهادَتي البكالوريوس والماجستير في الآداب.
منذ مطلع خمسينيات القرن العشرين، بدأ إبراهيم أبو لغد نضاله من أجل التعريف بعدالة القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة الأميركية، وراح يشارك في التظاهرات الداعمة لكفاح الفيتناميين والجزائريين، من أجل الاستقلال، وفي التظاهرات الداعمة للحقوق المدنية للأميركيين من الأصول الأفريقية، وضد "المكارثية" ومن أجل حظر السلاح النووي.
بعد حصوله على منحة زمالة، انتقل إبراهيم أبو لغد إلى جامعة برنستون (Princeton)، وحصل فيها في سنة 1957 على درجة دكتوراه الفلسفة في دراسات الشرق الأوسط.
ما بين سنتَي 1957 و1961، عمل في القاهرة باحثاً مع منظمة اليونسكو في مجال تدريب موظفي الخدمة المدنية، على مناهج البحث في العلوم الاجتماعية، في وزارات الصحة والتعليم والزراعة وتنمية المجتمع. ووفرت له فترة عمله في مصر الكثير من الخبرات في ميدان البحث والتدريس، وأتاحت له فرصة زيارة العديد من الدول العربية، مثل ليبيا، والسودان، والمغرب، وسورية، ولبنان، والأردن واليمن، وكذلك الضفة الغربية التي كان يزورها مرتين في السنة.
بعد عودته إلى الولايات المتحدة الأميركية، عمل، في سنة 1962، في التدريس في كلية البنات سميث كوليدج (Smith College)، ثم استضافته، في سنة 1965، جامعة مكغيل (McGill University) في مونريال أستاذاً زائراً لمدة عام في معهد الدراسات الإسلامية. وفي تلك الجامعة، اكتشف كتابات فرانز فانون وتأثر بها، بعد أن كان قد تأثر بشخصيتَي نهرو وغاندي.
بدأ إبراهيم أبو لغد، في أيلول/ سبتمبر 1967، التدريس في جامعة نورث ويسترن (Northwestern University) في برنامج الدراسات الأفريقية، وعُيّن في مجلس إدارة منشوراتها مسؤولاً عن نشر سلسلة الكتب المتعلقة بأفريقيا. وشارك، في أواخر ذلك العام، في مدينة شيكاغو في تأسيس "رابطة خريجي الجامعات الأميركية العرب"، التي كانت تضم خريجين من فلسطين ومصر والعراق وسورية، وانتُخب عضواً في مجلس إدارتها، ثم رئيساً لها. واضطلع بدور بارز في سنتَي 1968 و1969 في عقد مؤتمريها: الأول، تحت عنوان: "العرب الأميركيون وتحديات المستقبل"، والثاني تحت عنوان: "الثورة الفلسطينية".
في شهر آب/ أغسطس 1970، وخلال زيارة له إلى القاهرة، دعاه محمد حسنين هيكل إلى تناول الغذاء في مطعم حضر إليه ياسر عرفات، برفقة صلاح خلف وإبراهيم بكر وصديقه من أيام الدراسة في يافا فاروق القدومي، فكانت فرصة له كي يتعرّف شخصياً إلى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الذي دعاه لحضور اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في عمّان.
ومنذ سنة 1971، صار إبراهيم أبو لغد يزور مدينة بيروت بصورة دورية، ويتردد على المخيمات الفلسطينية، ويهتم بإعداد منهاج وطني للتعليم الفلسطيني، كما وضع مع بعض زملائه نظاماً لتأهيل المعلمين الفلسطينيين، وولدت لديه، في سنة 1975، فكرة تأسيس جامعة فلسطينية مفتوحة. وقد أُعجبت منظمة اليونسكو بفكرته هذه، فأعدّ دراسة من 1500 صفحة عن هذا المشروع قدمه إلى المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو الذي عُقد في سنة 1980 في مدينة بلغراد، إلاّ إن الغزو الإسرائيلي في سنة 1982 عطّل تنفيذ ذلك المشروع في لبنان.
كان إبراهيم أبو لغد،، في بيروت في صيف سنة 1982، عندما غزت القوات الإسرائيلية لبنان، فعاش حصار العاصمة اللبنانية، ولم يغادرها سوى في 24 آب/ أغسطس 1982 بعد اتخاذ قرار خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منها، فانتقل منها إلى دمشق ثم إلى عمّان، ومنها رجع إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث راح يتجوّل في المدن الأميركية ليتحدث عن تجربة الحصار في بيروت، وعاد إلى مزاولة مهنة التدريس.
في 26 آذار/ مارس 1988، التقى إبراهيم أبو لغد (الذي كان قد انتُخب في سنة 1977 عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني) وإدوارد سعيد (الذي كان أيضاً عضوأً في المجلس) وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز لمناقشة التمثيل الفلسطيني في إطار الخطة التفاوضية التي طرحها شولتز على القادة العرب والإسرائيليين بعد اندلاع الانتفاضة في قطاع غزة والضفة الغربية في كانون الأول/ ديسمبر 1987. ويتضح من اللقاء أن شولتز لم يوافق على ما طرحه أبو لغد وسعيد بشأن منظمة التحرير الفلسطينية، إنما جرى التوافق على ضرورة أن يكون المفاوضون الفلسطينيون في أي مفاوضات ممثلين ذوي مصداقية للشعب الفلسطيني.
في سنة 1990، أصيب إبراهيم أبو لغد بنزيف داخلي في الصدر وأجريت له عملية جراحية، قرر بعدها أن ينظر في العودة بصورة نهائية إلى وطنه فلسطين. فاستقال من المجلس الوطني الفلسطيني، وقام، في كانون الأول/ ديسمبر 1991، بزيارة استكشافية إلى فلسطين، زار خلالها حيفا، ومنطقة الجليل، ويافا مسقط رأسه، والقدس، ورام الله، وبيت لحم ومخيم الدهيشة القريب منها، ونابلس وجامعة النجاح فيها، وغزة، وألقى عدداً من المحاضرات. وعاد إلى فلسطين من جديد في آذار/ مارس 1992، بعد أن تلقى دعوة للمشاركة في ندوة نظمتها مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، وخلال تلك الزيارة قرر الاستقرار في وطنه.
عاد إبراهيم أبو لغد نهائياً إلى فلسطين في صيف سنة 1992، وعمل مدرساً في جامعة بيرزيت في برنامج الدراسات الدولية، وعيّن نائباً لرئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية، بعد أن كان قد اقترح على رئيسها، حنا ناصر، إنشاء كلية للدراسات العليا. واستأنف مشروعه الرامي إلى إنشاء مركز للمناهج الفلسطينية، وهو المركز الذي كلف بالإشراف عليه، بين سنتَي 1995 و1997، بعد أن تعهدت منظمة اليونسكو بمساعدة منظمة التحرير الفلسطينية على إنشائه، ووضع، بالفعل، خطة شاملة لمنهاج وطني للتعليم العام الفلسطيني بمنحة من إيطاليا. وبعد الانتهاء من هذه الخطة، عمل مع مؤسسة عبد المحسن قطان للتطوير التربوي.
في سنة 1998، تأسس في جامعة بيرزيت "معهد الدراسات الدولية"، الذي حمل فيما بعد اسم إبراهيم أبو لغد، وجمع ضمن برنامج الماجستير العابر للتخصصات ما بين السياسة والدبلوماسية والسياسة الخارجية، وعمل على تطوير المهارات التحليلية لدى الطلبة الفلسطينيين في فهمهم لصراعهم السياسي والاقتصادي والقانوني لنيل الحرية والاستقلال.
توفي إبراهيم أبو لغد في مدينة رام الله، في 23 أيار/ مايو 2001 خلال الانتفاضة الثانية، وبسب كثرة الحواجز الإسرائيلية، نقل جثمانه خلسة إلى مدينة يافا حيث دفن، بناء على رغبته، قرب قبرَي أبيه وأخيه.
كان إبراهيم أبو لغد أكاديمياً، وباحثاً، ومخططاً استراتيجياً، ومناضلاً فلسطينياً بارزاً، اضطلع بدور مهم في التعريف بعدالة القضية والنضال الفلسطينيين في الأوساط الأكاديمية والسياسية ووسائل الإعلام الأميركية، وشارك في تأسيس واحدة من أهم المؤسسات العربية في الولايات المتحدة الأميركية، هي "رابطة خريجي الجامعات الأميركية العرب"، كما كان عضواً في مجلس التعليم العالي الفلسطيني، ومشاركاً في تأسيس الهيئة المستقلة لحقوق المواطن.
وصفه صديقه إدوارد سعيد بأنه "أبرز أكاديميي ومفكري فلسطين"، ورثاه، في مقال بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر 2001، بقوله: "يعود الفضل لإبراهيم بأن قاد العرب المقيمين في أمريكا إلى التعرف إلى عالم من نضالات التحرر الوطني وسياسات ما بعد الاستعمار... وكان، على نفس المنوال، بصفته مديراً لبرنامج الدراسات الأفريقية بجامعة نورث وسترن، لديه معرفة مذهلة بحركات التحرر في أفريقيا، التي عرف العديد من قادتها وقام بدعوتهم للحضور إلى جامعة نورث وسترن. لقد كان الأكثر وعياً وبراعة في وقته في تقدير شخصيات مثل أميلكار كابرال وأوليفر تامبو، وفي تقييم حركاتهم ونوع الاستعمار أو نظام القمع الذي قاتلوا ضده، حيث كان يحاول دائماً أن يوحد بين أوجه النضال بالتوازي مع الوضع في فلسطين".
من آثاره:
كتب إبراهيم أبو لغد معظم مؤلفاته باللغة الإنكليزية، ومن بينها:
The Arab Rediscovery of Europe: A Study in Cultural Encounters. Princeton: Princeton University Press, 1963.
(Editor) The Transformation of Palestine: Essays on the Origin and Development of the Arab-Israeli Conflict. Evanston: Northwestern University Press, 1971.
(Editor) The Arab-Israeli Confrontation of June 1967: An Arab Perspective. Evanston: Northwestern University Press, 1971.
(Editor). Palestinian Rights: Affirmation and Denial. Medina Press, 1982.
(Co-edited with Eqbal Ahmad). "The Invasion of Lebanon.” Race & Class 24, no.4 (Spring 1983).
وأعدّ إبراهيم أبو لغد عدداً من المؤلفات في مناهج البحث وفي ميدان تنمية المجتمع، ومنها:
"البحث الاجتماعي: مناهجه وأدواته"، مركز التربية الأساسية في العالم العربي، 1959
"التقويم في برامج تنمية المجتمع: مبادئ وخبرات"، مركز التربية الأساسية في العالم العربي، 1960.
المصادر:
أبو لغد، إبراهيم. "مقاومة، منفى وعودة: محادثات مع هشام أحمد فرارجة". بيرزيت: جامعة بيرزيت، معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية، 2003.
أبو لغد، ليلى. "عودة أبي إلى فلسطين". "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 48 (خريف 2001)، ص 122-130.
"ذكرى ميلاد: إبراهيم أبو لغد.. السياسة من منظور رجل الفكر"، "العربي الجديد"، 15 شباط/فبراير 2021
https://www.alaraby.co.uk/culture/ذكرى-ميلاد-إبراهيم-أبو-لغد-السياسة-من-منظور-رجل-الفكر
" معلّمي... مقالة إدوارد سعيد عن إبراهيم أبو لغد" (ترجمة أمل نصر)، مجلة "رمان" الإلكترونية، 18 تموز/يوليو 2020.
https://rommanmag.com/view/posts/postDetails?id=5792
Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: A Biographic Dictionary. 2nd ed., revised and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006
“The Shultz Meeting with Edward Said and Ibrahim Abu-Lughod”. Journal of Palestine Studies, vol. xvii, no.4 (Summer 1988): 160-165.