علي الريماوي
ولد علي الريماوي في بلدة بيت ريما، قضاء رام الله اليوم، سنة 1860 لعائلة تعود أصولها، كما يُعتقد، إلى مدينة حلب، وأُطلق عليهم اسم "الحلبيين".
تلقى علي الريماوي دراسته الأولية على والده الشيخ محمود الريماوي، أحد علماء عصره، وفي مدارس مدينة القدس، ولا سيما المدرسة الرصاصية.
سافر علي الريماوي إلى القاهرة لاستكمال دراسته في الأزهر، وجاور هناك مدة اثني عشر عاماً درس خلالها أصول الفقه واللغة العربية وآدابها. واشتهر في مصر بقرض الشعر، وأخذ ينشر الكثير منه في صحف القاهرة.
بعد أن أنهى تعليمه في الأزهر، عاد الشيخ علي الريماوي إلى مدينة القدس وسكن فيها، وعمل محرراً في جريدة "الغزال" الشهرية الرسمية، التي كانت تصدر باللغة العربية وكان الهدف من إصدارها تعميم الفرمانات والأوامر الرسمية. كما عمل محرراً في القسم العربي لجريدة "القدس الشريف" الرسمية، بينما ترأس عبد السلام كمال تحرير قسمها التركي. وكانت السلطات العثمانية قد أصدرت هذه الجريدة باللغتين العربية والتركية في سنة 1876، لكنها سرعان ما أُغلقت، وأعادت متصرفية القدس إصدارها مجدداً في سنة 1903 بصورة أسبوعية بصفتها صحيفة وحيدة تقريباً في المتصرفية.
عُين الشيخ علي الريماوي مدرّساً للفقه وعلوم اللغة العربية في مدرسة المعارف، كما علّم في مدرسة "لئيمل" (Laeml) اليهودية لفتيات السفارديم، التي تدعمها ألمانيا. واختاره مفتي القدس، الشيخ طاهر الحسيني، الذي أراد تنشئة أولاده نشأة دينية، كي يعلّم أولاده كامل وفخري وأمين في البيت العلوم الدينية. وقد أصبح كامل الحسيني، في سنة 1908، مفتياً للقدس خلفاً لوالده، ثم تسلّم شقيقه أمين منصب الإفتاء، في سنة 1921، بعد وفاته.
أصدر الشيخ علي الريماوي، في سنة 1907، صحيفة خاصة به باسم "بيت المقدس"، لكن الرقيب العثماني ما لبث أن أوقف صدورها.
بعد ثورة تموز/ يوليو 1908، التي قادتها جمعية "الاتحاد والترقي"،" وإعادة تفعيل الدستور، ازدهرت الحياة الفكرية والنشاط الأدبي والصحافي في متصرفية القدس. فأصدر علي الريماوي في 24 كانون الأول/ ديسمبر 1908، بعد انتسابه إلى الفرع المقدسي لجمعية "الاتحاد والترقي"، العدد الأول من جريدته "النجاح" الأسبوعية، التي عرّفت نفسها بأنها جريدة "سياسية أدبية علمية زراعية". ويظهر أن هذه الجريدة صدرت، خلال عامين، بصورة غير منتظمة أيام الخميس من كل أسبوع، وكان من أهدافها تحسين العلاقات بين الحكومة التركية والعرب في البلد. فنشرت مقالاتها وأخبارها باللغتين التركية والعربية، وكتب علي الريماوي مقالاً، في هذا الصدد، بعنوان "العربية والتركية شقيقتان فما بالهما تختصمان"، فنّد فيه الآراء القائلة إن الأتراك يعملون على خنق اللغة العربية، ودعا العرب إلى تعلم اللغة التركية (العثمانية بالأحرف العربية) كي يُتاح لهم الترقّي في المناصب الحكومية، وأن لا يخشوا فقد قوميتهم.
نشر علي الريماوي مقالاته في صحف ومجلات كثيرة صدرت بعد سنة 1908، من أبرزها مجلة "المنهل" المقدسية لصاحبها موسى المغربي، وشارك، بصورة خاصة، في تحرير جريدة "القدس"، لصاحبها جرجي حبيب حنانيا. وانتقد في مقالاته عدم كفاية الإنفاق الحكومي على التعليم، والفساد في الإدارة، وبعض إجراءات الجندرمة القمعية وغياب المساءلة بشأن الميزانية العامة.
لما نشبت الحرب العالمية الأولى، شارك الشيخ علي الريماوي مع نحو ثلاثين من العلماء والأدباء من بلاد الشام، كان على رأسهم الشيخ أسعد الشقيري مفتي الجيش الرابع العثماني، في "البعثة العلمية"، التي تشكّلت بأمر من جمال باشا قائد الجيش الرابع، وتوجّهت إلى دار السلطنة في الآستانة، لتعلن ولاء السكان العرب للدولة والسلطان، ولترفع التهنئة بانتصار العثمانيين في معركة "جناق قلعة" على الأسطول الإنكليزي. وقد انطلقت تلك البعثة من دمشق، في 15 أيلول/ سبتمبر 1915، وتوجهت نحو حلب ومنها إلى الآستانة، حيث اجتمع أفرادها برجالات الدولة العثمانية، مثل شيخ الإسلام، والصدر الأعظم سعيد باشا، وولي عهد السلطنة يوسف عز الدين، كما زاروا جيش السلطنة المرابط على الدردنيل، ثم اجتمعوا بالسلطان محمد رشاد الخامس الذي أظهر غاية السرور باستقبالهم. وقد ألقى بعض أفراد تلك البعثة، خلال زيارتهم، الخطب والقصائد، ومن ضمنهم الشيخ علي الريماوي الذي ألقى قصيدة أمام ولي عهد السلطنة.
أمضت "البعثة العلمية" أسابيع عديدة في عاصمة السلطنة العثمانية، وبعد عودتها كتب الشيخ علي الريماوي قصيدة طويلة في "عودة الوفد"، فيها الكثير من الثناء على جمال باشا.
بعد هزيمة القوات العثمانية، ودخول القوات البريطانية، بقيادة الجنرال أللنبي، إلى مدينة القدس في كانون الأول/ ديسمبر 1917، غيّر الشيخ علي الريماوي ولاءه، وراح يساهم، بقلمه ولسانه، في الدعاية للمحتلين البريطانيين. إذ شارك في تحرير الملحق الرسمي باللغة العربية لجريدة The Palestine News التي بدأت تصدرها القوات البريطانية في "أراضي العدو المحتلة" في نيسان/ أبريل 1918. كما نشر فيها قصيدة مديح للحكام الجدد بمناسبة مرور العام الأول على احتلال القدس في كانون الأول/ ديسمبر 1918.
لكن الشيخ علي الريماوي لم يعش ليرى حقبة ما بعد العثمانيين في فلسطين. فتوفي في مدينة القدس في إثر إصابته بنزلة صدرية في شتاء سنة 1919، ودفن في مسقط رأسه بيت ريما.
الشيخ علي الريماوي من أبرز الشعراء والصحافيين في منطقة القدس في أواخر العهد العثماني. اشتُهر بولائه للجامعة العثمانية ومناهضته للقومية العربية. انتمى الكثير من شعره إلى ما يُعرف بشعر المدائح، الذي كان غالباً ما يرتجله في المناسبات السياسية. وعدا مقالاته وقصائده الكثيرة، التي نشرتها الصحف، لم يُعثر له على مصنفات مطبوعة غيرها. ويُعتقد أنه سعى، قبل وفاته، إلى جمع قصائده في "ديوان شعر"، لكنه لم ينجح في ذلك.
المصادر:
تماري، سليم. "محمد كرد علي وشبح جمال باشا. مثقفو سورية وفلسطين بين هويتين: العثمانية والعروبة." "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 107 (صيف 2016)، ص 91-116.
خوري، يوسف. "الصحافة العربية في فلسطين، 1876-1948". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1986.
الدرويش، ماجد. "البعثة العلمية إلى اسطنبول في أيام الحرب العالمية الأولى". "رابطة العلماء السوريين"، 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
https://islamsyria.com/ar/البعثة-العلمية-إلى-اسطنبول-في-أيام-الحرب-العالمية-الأولى/المقالات
ريماوي، عبد الرحمن. "علي محمود الريماوي". "سقيفة المواسم"، 14 كانون الثاني/يناير 2019.
https://saqifatalmawasim.com/علي-محمود-الريماوي
علي، ياسر. " البذور المؤسسة لنهضة الشعر الفلسطيني.. إرث علي الريماوي". "عربي 21"، 23 كانون الثاني/يناير 2021
https://arabi21.com/story/1330573/البذور-المؤسسة-لنهضة-الشعر-الفلسطيني-إرث-علي-الريماوي
العودات، يعقوب. "من أعلام الفكر والأدب في فلسطين". عمّان: د. ن.، 1976.
"الموسوعة الفلسطينية، القسم العام". المجلد الثالث. دمشق: هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984.
مناع، عادل. "أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني (1800-1918)". بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، طبعة ثانية، 1995.